صفحة الكاتب : نزار حيدر

أسحار رمضانيّة (٧)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}.
   لماذا يكره البعض المستقبل؟ لماذا يعشق البقاء على ما هو عليه من الحال؟ لماذا لا يفكر بالتطور والتغيّر نحو الأفضل والاحسن؟ لماذا يتمنى ان لو عادت عقارب الساعة الى الوراء فيعيش بنفس الطريقة والأدوات التي عاش فيها وبها الآباء؟ لماذا يعيش الماضي بعقليته ولا يقبل ان يتكلم معه أحدٌ عن المستقبل؟.
   لماذا يتكرر التاريخ عندنا في أسوء صوره وفصوله؟ لماذا تتكرر مآسينا عند راس كل عقد من الزمن؟ لماذا نجترّ الظلم ونتذوق العلقم يوميا؟ لماذا لا نتعلم حتى من تجاربنا الخاصة التي نصنعها بأيدينا فنتراقص دائماً على جراحنا المفتوحة ونزفنا المستمر؟.
   هذه الأسئلة وغيرها، يجب ان نطرق ابوابها اليوم بكل جرأة وشجاعة لأننا، في حقيقة الامر نعيش الماضي ولم ننتقل بعد الى الحاضر فضلا عن المستقبل.
   ان أجسادنا حاضرة وهي تنتقل الى المستقبل لا إراديا لان الفلك يدور ويدور ولا ينتظر احدا ليستعد او يتهيأ، الا ان عقولنا واراداتنا لازالت في الماضي لم تلحق بنا ولن، ولذلك يجب على كل واحد منا ان يطرح هذه الأسئلة على نفسه بحثا عن أجوبة مقنعة ليبدأ بالعمل على تغيير واقعنا والعقلية التي تحكمنا.
   وان الانتقال الى المستقبل يحتاج الى تغيير طريقة التفكير من خلال:
   اولا؛ عدم التوقف عند الماضي، فالتاريخ عِبرة وهو دروس وتجارب ولكنه ليس بديلا ابدا، كما في قوله تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
   ثانيا؛ استحضار إرادة الإصلاح والتغيير، من خلال قبول التحدي الذي سيفرضه التغيير، فليس هناك في العالم تغييرٌ بلا ثمن او إصلاح بالمجّان ابدا، ولهذا السبب يجب ان نتسلح بإرادة التغيير والإصلاح قبل البدء به، والى هذا المعنى تشير الاية الكريمة {إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} فالارادة الذاتية تسبق حتى توفيق الله تعالى، كما ان في قوله تعالى {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وكذلك قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} دليل واضح على هذا المعنى، فارادة التغيير الذاتي تسبق كل الإرادات الاخرى التي لا تعدو كونها عوامل مساعدة ليست الا.
   ثالثا؛ توظيف كل الطاقات في عملية الانتقال الى المستقبل، لانها عملية صعبة ومعقدة، فلا ينبغي توفير أية طاقة بهذا الصدد، فمن كلٍّ طاقته ومن كلٍّ خبرته وتجربته واختصاصه.
   رابعا؛ تبنّي رؤية واضحة ومحددة من اجل ان تتحقّق عملية الانتقال بشكل سليم بعيدا عن الفوضى، وان ما نراه اليوم من تخبّط في نتائج ما سمي بالربيع العربي إنما سببه انعدام الرؤية التي حالت، وللأسف، دون الانتقال الى المستقبل بشكل صحيح.
   خامسا؛ الاستفادة من تجارب الشعوب الاخرى في هذا الصدد من دون ان يعني ذلك استنساخ التجارب، ابدا، لان لكل شعبٍ خصوصياته ولكل مجتمع مميّزاته، إلاّ ان الاطر العامة في عملية الانتقال للمستقبل هي واحدة لدى كل الشعوب والمجتمعات لانها تجارب إنسانية قبل ان تكون جغرافية او أثنية او ما أشبه.
   ولقد كتب أمير المؤمنين (ع) في وصيته لابنه الحسن المجتبى (ع) يعلمنا كيف نقرا التاريخ، وكيف نستفيد من تجارب الامم السابقة، فكتب يقول:
  أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ، فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْر نَخِيلَتَهُ، وتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ، وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ.
   وكل رمضان وانتم بخير.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/07/05



كتابة تعليق لموضوع : أسحار رمضانيّة (٧)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net