صفحة الكاتب : بوقفة رؤوف

المحضن المقدس للتغيير
بوقفة رؤوف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في المشرق العربي نجد شخصية المسحراتي , وهو شخص يقوم بإيقاظ الناس لأجل السحور في شهر رمضان الكريم  , بصوته الرتيب يردد عبارته : " اصحى يا صائم وحد الدائم " 
الأمة تحتاج اليوم الى مسحراتي ليصدح بصوته الرتيب علها تستفيق من نومها , لأننا نعيش في غفلة في حالة تيه وجداني (معرفي , قلبي , عقلي ) يتمثل فينا عجز بيت المتنبي : ما لجرح بميت ايلام , نكتفي بالمشاهدة كأننا نشهد فيلم سينمائي بلغة لا نفهمها , فيلم غير مترجم , أجنبي عنا عن تقاليدنا عن تراثنا عن واقعنا , فيلم غير مفهوم وغير منظم وغير واضح , فيلم عبارة عن مجموعة من الصور بالأبيض والأسود غير مترابطة ولا متناسقة , فيلم لا نتفاعل معه ولا نبدي أي رد فعل , ماذا أصاب الأمة ؟ ما هذا الوهن الحضاري وهذه الغثائية الغوغائية ؟
في رمضان نستسلم للنوم العميق ولا نخشى من فوات السحور لأننا نعلم أن المسحراتي سيمر علينا و يوقظنا فلا نخشى من لحظة الفوات وقد استبدل الكثير منا المسحراتي بالمنبه , لكن حالنا اليوم مستسلمين للنوم والوقت يمر ولا مسحراتي حضاري يوقظنا ولا منبهاتنا الالكترونية تنفعنا إننا نعيش لحظة فوات تاريخي  
حالنا مثل حال جسد تعطل جهازه العصبي ففقد القدرة على الحركة ,أصابه الشلل الكلي , لا يستطيع القيام ولا الحركة ولا تحريك أطرافه الشيء الوحيد الذي يستطيع القيام به هو تحريك عينيه حتى رقبته لا يستطيع تحريكها 
فماذا يفعل هذا الشخص ؟ وماذا يفعل من يهتم لأمره من أهله ؟
هل يتركه في فراشه متبرئا منه ويكمل حياته وكأن هذا المريض غير موجود وربما يصرح لمن يسأله عنه بأنه متوفى منذ زمن ؟
هل يتركه مهملا في الفراش دون نظافة شخصية ليتعفن ويتآكل جنبه من كثرة المكوث في الفراش على جنب واحد دون تقليب وتغيير الأفرشة ؟
الجواب ان الصالح من اهله ذا الضمير الحي يكون برا به خادما له , لكن هل هذا يكفي ؟
بالطبع هذا العمل من إطعام المريض والحرص على نظافته الشخصية يبقيه حيا لكن لن يشفيه , لن يعطي له القوة والقدرة ليسترجع نشاطه وصحته وعافيته وذلك هو المطلوب  , ما العمل إذن ؟
هل نسلم بان الذي أصاب مريضنا سحر وأثر عين فنأتي بكل ساحر عليم وكل دجال ومشعوذ ومتكسب باسم الرقية ونقيم جلسات الزار وطقوس إخراج الجان ونقضي عمرنا انتظار حدوث معجزة متنقلين في المدائن باحثين عن كل مبارك جديد  له كرامات وفتوحات 
أم أننا نطرق باب الحكماء مؤمنين بأن لكل داء دواء معلقين الأمل على الله الشافي العافي مستخدمين الأسباب والسنن 
اليوم نحن في حاجة الى دعاة الأمة , لا نجوم دعاة ولا دعاة القنوات والفضائيات والمجلات , نحن نحتاج إلى دعاة الشارع , لا دعاة المحاضرات والندوات واللقاءات والملتقيات 
النبوة ولدت تطبيقا في الشارع عند احتكاكها بالناس والثورة ولدت كذلك في الشارع حين عانقت الشعب , كل تغيير حقيقي ولد في الشارع , انه المحضن المقدس للتغيير , لم تولد نبوة في قصر ولا في معبد ولم تخرج ثورة من جامعة أو معهد , التغيير يزرع  في الشارع وفي الشارع يحصد
ان المثقف الحق هو رجل الشارع الذي يتخذ من الشارع ساحة محاضرة لأفكاره وأحلامه وتصوراته يكون فيها محاضرا ليس بلسانه فقط بل بسلوكه فالشعب يفرق جيدا بين الأصيل والمقلد  والداعية الحضاري هو الذي يجعل من  الشارع بيتا من بيوت الله المفتوحة التي ينشر فيها ومن خلالها رسالته الحضارية , فيتحد المثقف والداعية لأجل أن يعلوا صوتهما بلغة الحب حتى تستفيق أمتهما من غفلتها لتتبوأ مكانتها وتسترجع ريادتها 
لقد آن الأوان لأجل أن نسترجع للشارع قدسيته المفقودة وان نعمل جميعا على تحويل كلمة رجل الشارع من كلمة سوء إلى كلمة نبيلة , أن نحول مفهومنا لرجل الشارع من الخسة والدناءة والوضاعة وقلة التربية والاحترام إلى الشهامة والقدوة لقد كان رجل الشارع العامي في يوما ما نصير المظلومين والمضطهدين العامة من بطش وضيم العسس وشجع شاه بندر التجار 
كفانا من المثقفين الرسميين والدعاة الرسميين وكفانا كذلك من كل مدعي الثقافة والدعوة الذي يحاول امتطاء موجة الجماهير في لحظة انفلات عاطفي انسياقا وراء حلم جميل في تغيير باب السجن فقط مع الابقاء على السجن , نحن لسنا دعاة تغيير أقفال ولا دعاة تغيير أبواب نحن دعاة تغيير أفكار وتبديل ذهنيات وذلك لا يكون الا بالصدق , الصدق مع الله والصدق مع أنفسنا والصدق مع المجتمع , ان دعاة التغيير هم الساعة البيولوجية في جسم الإنسان التي توقظه في الوقت الذي يريد دون حاجة لمسحراتي ودون الحاجة إلى منبه ولا مساعدة خارجية من الأهل ونحن اليوم في حاجة شديدة الى تفعيل الساعة البيولوجية في جسم الأمة لتوقظنا من نومنا بعيدا عن الحضارة.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بوقفة رؤوف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/07/10



كتابة تعليق لموضوع : المحضن المقدس للتغيير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net