صفحة الكاتب : بدر ناصر

اخلاقيات الاعلام التى لم تفرض على احد .نحتاجها اليوم
بدر ناصر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 التى نعدها اليوم مواثيق هى ليست قوانين حتما ,وليس هناك محاكم( للمخالفين)  ,رغم طول الفترة الزمنية التى ظهرت منها وفيها مهن الصحافة ,بجميع اشكالها ,وهل ان الصحافة اليوم (هى قوة وحشية ) كما يذهب البعض ,اذا لطالما عدت مهنة الصحافة بانها السلطة الرابعه التى تحكم ,وان مواثيق الشرف والعمل الصحافى ليست بعيدة ,عن العمل الصحفى الذى يبدوا انه يشكل اكثر الوظائف حيوية وخطورة كذلك ,ولن ننسى عام 1689 عندما نشرت احدى الصحف التى ظهرت فى المستعمرات البريطانية فى الولايات المتحدة ,وكان شعارها (القضاء على الاخبار الكاذبة ),وكثير من الممارسات التى شهدتها الصحافة والعمل الصحافى شهدت الوان الخروج عن المواثيق والمبادى الصحفية ,وشهدت الحياة اشكال مختلفة من المعارك العنيفة بين الصحفيين والمؤسسات والحكومات والقوانين ,والوان من الاختلاف بين هؤلاء لامور تتعلق بممارسة العمل الصحفى ,ومنها ماينتهى بالتصفية الجسدية ؟
تاريخ الاخلاق والموانع يمتد بنا الى البابليين والصينيين والرومانيين ,والانتقال الى الرومانيين حيث تحول تبادل الانباء والاخبار الشفاهية التى كان يحرص عليها القادة والامراء الى ان وجد الرومان بان هذا العمل ينحصر على تبادل الاخبار والقوانين داخل القلاع المحصنة ,واصبح من اللازم ان تمتد معرفة الناس الى اخبارالاحتفالات واخبار الحكام واحكام الاعدام ,وبذلك حلت النشرة اليومية محل الحوليات الكبرى ,غير انها سقطت بسقوط الامبراطورية وسقطت معها جميع الطرق التى تمنع الناس من التعرف على الحقائق والاخبار واصبحت اعداد الجمهور المتزايد لحوحة فى طلب المعرفة والكثير من الاخبار
وظلت الامبراطوريات الصينية وغيرها تحرص على حرمان الناس من الاخبار الاعن طريق شبكة الاخبار التى تجمعها وتنشرها عبر اراضيها الواسعه ,وفى القارة الاوربية عملت الرقابة فعلها بشكل استبدادى كما هو حكمها ,ولكن كانت (30)الف نشرة تعج بها شوارع لندن حيث ازدهرت صحافة الشارع فامتلات بالاكاذيب والفضائح ةالافتراءات ,حتى اضحى الصحفيون (يلقون احتراما قليلا) حيث فشلت جميع القوانين حتى فى عصور الاستبداد من منع الصحفيين من التقيد بالقوانين وظلت موضوعات الاساءة والتشهير والقذف هى البارزة ,ولعل مجتمعات اوربا القديمة وماتعيشه من فوضى وماتحاك من دسائس ومؤامرات فى اروقة الحكم الاقطاعية انذاك ساعد على تفشى هذه الظاهرة
فى الولايات المتحدة خطت فى عام 1749 خطوات واسعه وفسيحة فى حريتها نحو التزام اخلاقى تجاه ثورتهم واستقلالهم والتزمت المهنة بعدم تعريض المهنة لمخاطر الكذب ,وحتى ولو ادى ذلك الى اضطهاد المحرر او سجنه واعتبر الامريكيون حرية الصحافة (حقا مقدسا) ومع اختلاف الدعوات بين المسؤولين الذين لم يعترفوا للصحافة بكل حقوقها المقدسة حيث تسائل بعضهم (هل تشمل حرية الصحافة الاعتداء على الاخلاق والشخصيات )
فى عام 1896 اجتمع ممثلوا ثلاثمائة صحيفة فى العالم لعقد مؤتمر دولى فى بوادبست ,لتكون بمثابة هيئة (صليب احمر ادبى ) يقوم على الاحترام المتبادل وعلى الروابط الوثيقة التى تؤلف بين المصالح المشتركة وفى عام 1926 تاسس الاتحاد الدولى للصحفيين ,يعترف فيه كل عضو ضمنيا بلائحة (هيئة الصليب الاحمر الادبى )
ويبدو انه ليس هناك قواعد رسمية تحكم هذه المهنة الصحفية الاشق فى العالم وقد تبنت جمعية الصحفيين عام 1926 دستورا اخلاقيا وقامت بتحديثه عام 1973 وينص هذا الدستور (على ان العمل الخارجى والنشاط السياسى يجنب تجنبهما اذا عرضا للشبهة سمعة الصحفيين والجهات التى تستخدمهم ) وبالطبع ان هذا الدستور الاخلاقى ليس له قوة القانون ,حيث تقوم كل مؤسسة اخبارية على وضع مقاييسها الخاصة ,وعلى الصحفى ان يقرر بنفسه كيف يتصرف فى اطار هذا الدستور الاخلاقى

من الحقائق البارزة فى سيكولوجية الاتصال تلك الحقيقة التى تقول بان الاتصال يعمل كاساس للعلاقات الاجتماعية بكل انواعها فالاتصال بمثابة (الاسمنت الذى يربط الناس مع بعضها البعض فى انطمة اجتماعية (جماعات ..ثقافات ...مجتمعات ) وبذلك يلعب الاعلام دورا مهما فى المحافطة على هذا النظام اى اعتبار الاعلام وسيلة للرقابة الاجتماعية التى تحمى هذا البناء الاسمنتى ,واداة للسيطرة على الصراع الداخلى ,وتحقيق التكامل السياسى ,او الايديولوجى او الثقافى او الدينى داخل هذا النظام ,وقد يكون هناك مطلب رئيسى ومهم لوجود رقابة اخلاقية تنبع من داخل العاملين بالحقل الصحافى ,وعليه فان الصحفى والمؤسسة التى يعمل لاجلها يدركون اهمية الكلمة المنطوقة والمسموعة والمرئية ,فى بناء تنمية المجتمع ,واصبح من الواضح الدور الحيوى لالاف الرسائل المبثوثة عبروسائل الاعلام التقليدية او وسائل التواصل فى اثارة الجمهور تجاه الكثير من المفاهيم ,ولعله يؤثر بشكل فعال على سلوك الشباب ونمط تفكير مراحل عمرية اصغر ,فضلا عن الجمهور المنوع الذى يتلقى البث عبر الفضاء المفتوح
ان الاعلام وان كان حقا للفرد فهو ايضا حق للمجتمع ,وينبغى حمايه هذا المجتمع فى الوقت الذى يحمى فيه حق الافراد ,وكلما نضج النظام الاتصالى والاعلامى ,ارتفع المستوى المهنى للعاملين فيه
ان القيم الاعلامية متماثلة بمعناها الواسع فى جميع مناطق الكرة الارضية التى يكون فيها النظام ديمقراطيا ,حيث ترتكز الضوابط المهنية على قيم عالمية كنبذ الكراهية والعنف وازدراء الانسان او الطائفية او المذهبيةو ان التزامات الصحفى اليوم تتمثل بواجبات اى كائن انسانى يطبقها فى ميدان الوسائل الاعلامية حيث يجب ان تستجيب لاحتياجات فطرية يبدو ان جميع البشر يشعرون بها فالمرء يشعر منذ الطفولة برغبة فى التعبير الحر ويطلب من الكبار قول الحقيقة وان يتحملوا المسؤولية .

والفرد اليوم (العراقى ) يعيش حالات تاثر استثنائية بسبب سياسات مجموعات من وسائل الاعلام العراقى والعربى ,واصبح جل عمله الانشداد الى سيل الرسائل اليومية ,حيث غادر الاعلام العراقى وظائفه فى التثقيف والتنوير والترفيه ,واصبحت مجموعات من الصحف العراقية ومجموعات من الفضائية والمواقع الالكترونية قادرة على تهديد الامن والسلم الاجتماعى من خلال رسائل العنف الاعلامى ,وبات ينظر للعراقى على انه (مستهلك نشط ) حيث تنزلق به الرسائل الى توتير حياة انسان عادى الى شخص عدوانى ,يميل الى الشك وعدم الايمان بهويته الوطنية ,ممزقا تائها ,بين اذكاء جهله المكبوت طائفيا وعرقيا واثنيا ,من خلال رسائل العنف والتخويف والتشويه ,حيث تمتطى نفسيته مراكب المناطقية والمذهبية ,ويجعلها هويته التى اصبحت مصدات تجاه الخطاب المعتدل ,منطلقا من عمق شعوره المكثف بالايمان بالايحاءات والانفعالات التى تمارس عليه ,ولذا يكون دون علم بانه ضحيةلعبة الاعلام العنفى ,ويتجول الى اسير عناصر الدفع والتحريض الطائفى ,ضعيفا امام اى شعور وطنى او شعور بالامن الاجتماعى  ,ومن ناحية اخرى عندما يكون لدى الجمهوربشكل عام وبدائى افكار اولية وطفولية ,كيف يمكن لهذا الجمهور من التعاطى مع من يشك بهم ,وهو يشير اليهم بانهم سبب معاناته .
ان عملية اثارة الجمهور وتحريك عواطفه ودغدغة مشاعره ,انما تكمن فى محاولة الفضائيات العراقية الممهورة طائفيا والمشبوهة تاريخيا انما تعمل على عرض الصور والاحداث والمبالغ فيها ,لتحدث صدمات نفسية واجتماعية ,مستغلة غياب الرقابة الوطنية والمجتمعية ,فى اضفاء اللون التحريضى ,واستباحة ذاكرة الجمهور باستدعاء صور واحداث قديمة ,واحصائيات فى اكبر عمليات اغتصاب لانسانيته
يقول نائب الرئيس الامريكى الاسبق ( ان الانباء التى يتلقاها 40 مليون امريكى تتحكم فيها حفنة من المعلقين لاياخذون الا بما يتفق مع تحيزاتهم ...لم يعد هناك مجال لذلك الايمان الساذج بحياد صحفهم ومحطاتهم )
ان فعل التحريض والصدام والتهييج واثارة الخواطر ,يكون باستثمار المناخات المصطنعة ,نتيجة افتعال الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ,او حتى افتعال التفجيرات والاغتيالات الارهابية ,وافتعال المثيرات النفسية وصولا الى الفلتان ,يمثل (انبوبا للتجربة الاخطر لمحاربة السلم الامنى والاجتماعى
ماتمارسه بعض الفضائيات العراقية اليوم ,وبعض المواقع الالكترونية ,وماتنشره بعض الصحف العراقية ,وما يتلفظ فيه اصحاب عمائم الفتنة والتحريض ,انما يدخل فى خانة الحرب على المجتمع ,وفى هذه الحالات فان هذه الوسائل مجتمعة هى المسؤولة عن كل اشكال العنف ,ابتداءا من الصبيانية فى التصريحات السياسية واليوم يتصدى لهذه المهمة مجموعات من السياسين  الى اثارة الهياج الشعبى والفتن الذى تمثله خطابات  هذه الوسائل ,وتتحكم باستخدام اللهجات التحذيرية والعنفية والحادة ,وتتبع الاسلوب الهجومى الذى يثير الرعب بين الناس وتكرس اسلحتها التكنولجية بتلوين مصادرها الاخبارية الهائلة التغطية لاتجاهات سياسية خارجية , ولكون بعضهما يتمتع بدعم مالى فان سياسة ترويج الافكار السياسية ,وزرع الانطباعات ,والصور والايحاءات واقتطاع التصريحات ,هى تمثل انشطة اعلامية عدوانية تجاه المجتمع ,حيث يكون العبث مستمرا بالخصوصيات الدينية والمذهبية والتاريخية ,انما تدفع للحرب بين فئات المجتمع العراقى المنوع الذى دائما كرس تاريخه الانسانى للتعايش على اساس السلم والامن الاجتماعيين
اليوم تظهر تحديات جديدة امام هذا اللون من النشاط الاعلامى التحريضى الذى تمارسه مؤسسات اعلامية (صحف- فضائيات –مواقع الكترونية –إذاعات – خطب منبرية) وهذا التحدى يفع على عاتق هيئة الاعلام والاتصالات وشبكات البث التلفازى العراقى ومجموعات وسائل الإعلام العراقية الى الدعوة الى الانضباط المهنى (الاخلاقى ) يشترك معهم مجموعات الاكاديمين الإعلاميين ونقابة الصحفيين العراقيين والهيئات الصحفية الى استشعار الخطر الذى تمثله رسائل العنف الاعلامى ,وحيث أن الرقابة الذاتية قد أثبتت فشلها ,مع ان الانضباط المهنى يتعرض كمفهوم الى انتقادات تتعلق بالحرية ,ولكن مايهدد مهنة العمل الصحافى من تشكيك بمصداقيتها وامتيازات المهنة (السلطة الرابعة ) يحتم على الهيئات الرسمية التعجيل بقوانين الإعلام العراقي وتنظيم البث والارسال والنشر الالكتروني ,خاصة وان البلد يتعرض الى تهديدات تتعلق بالانسان ومصيره ,واستباحة دمه الاغلى لدينا جميعا . .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بدر ناصر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/07/11



كتابة تعليق لموضوع : اخلاقيات الاعلام التى لم تفرض على احد .نحتاجها اليوم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net