صرختان
غانم ابو العلا النصار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ما ان يبزغ فجر ولادة جديدة لبني ادم بعد ان يقضي تلك الشهور التسعة وقد احيطت جميع حواسه النافذة باغشية تغطيها (غشاء يغطي فمه وغشاء يغطي انفه والاخر يغطي اذنه، و..) لتحفظه السماء في خطر الاختناق وهو يغوص من جوف قد ملأته السوائل المتعددة والاحماض في رحم امه من بعد ظلمات ثلاث، حتى يصرخ المولود الجديد صرخته الاولى بعد ان يدخل الهواء الجديد الذي مزق تلك الاغشية الى رئتيه فيشعر ذلك الضيف الجديد بألم الحياة، نعم بدأ الحياة بالصرخة التي يستقبلها الناس بفرحة غامرة وزغاريد وحلوى هنا وهناك فتتلاقفه الايدي الطيبة التي تقوم بغسله من الدرن والعوالق تلك الغسلة الاولى ولتعطره بتلك العطور العشبية الخالية من الكحول، ثم ليلبسوه ثوبه الابيض الجديد وقد غطي جبينه بعصبة بيضاء التفت على رأسه الصغير وتكحلت عيناه والقي على ظهره في سريره الجديد، ويلتف الجميع من حوله هذا يقول اسمه احمد وذاك يقول اسمه علي وذاك يقول هذه البنت اسمها فاطمة وذاك يقول بل اسمها رقيه، حتى يصدر القرار بالاتفاق اخيراً ويثبت في سجلات النفوس قبل منحه الهوية (بشق الانفس).

نعم جاءنا المولود نظيفاً طاهراً لايعلم من الدنيا شيئاً ولا يعرف من هو واين كان والى اين هو صائر حتى ترقبه الاعين وهو يجثو على ركبتيه ليزحف (مرحى مرحى زحف الطفل من الباب الى الشباك) ولكن يا ترى!! كم استغرقت زحفته هذه والى اين هو ذاهب {يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه} الانشقاق 6، نعم هو ذاهب الى الله وهذه الدقائق التي قطعها في زحفته هي من سني عمره .. ويا ليته يعلم..!

وتمضي الايام سريعاً فتراه يتكلم (ابا.. اما) ثم ينتصب قائماً.. يمشي، يهرول يبلغ سن التكليف الشرعي، فهذا الصامت تكلم وهذا النقي الطاهر تلوث وتعلم الكذب والنفاق والسرقة الا من شملته رحمة ربي وعصمته رعاية ابوية {انا هديناه السبيل اما شاكراً او كفورا} الانسان 3 فيجمع ابن ادم من دنياه خيراً وشراً، وهو يدري ان لايدري او لايدي انه يدري وبين هذا وذاك، واذا بذلك الجسور قد خارت قواه وامتد نحو القبله مستلقيا على ظهره كما استلقى يوم ولادته، وقد اسبل يديه ورجليه بعد ان اصابهما ثقل الموت ولم تعد تتحرك، تلك الاقدام التي طالما سار بها في طريق المعصية وتلك الايدي التي طالما استخدمها للتطاول على حقوق الناس، واضحى يجود بنفسه وهو يفتح فمه ليخرج ذلك الهواء الذي كان سبباً في صرخته الاولى، نعم يا عزيزي، لقد فقد هذا المسكين السيطرة على جميع اعضاءه ولم يبقى الا لسانه العليل الذي امهله الله سبحانه برحمته عسى ان يقول عبده الفاني (استغفر الله ويشهد الشهادتين) لتأتي بعدها الصرخة الاخرى (صرخة الموت) وما اصعبها من صرخة، صرخة ثقيلة على المسامع غير تلك التي استقبلت بالزغاريد، صرخة نودعه فيها بالصراخ والبكاء والعويل من غير ان نسمعها، وتارة اخرى تتلاقفه ايدي المحسنين لغسلة ثانية واخيرة وليتعطر بالعطور العشبية الخالية من الكحول تارة اخرى، وينادى له بذات الثوب الابيض وتلك العصبة البيضاء لتطوى فوق بدنه هي الاخرى، اما اسمه الجميل والذي اختلف عليه الناس فسوف ينسى بمجرد ان تغمض عيناه فلم يعد يسمع اسمه حتى من اقرل الناس اليه بل رب قائل يقول (شيلوا اجنازتكم) وهوية الاحوال التي منحت بشق الانفس ستكون بيد موظف استعلامات المقبرة ان لم تمزق في (دائرة الطب العدلي) لقد عدت يا ابن دام غريباً من حيث اتيت وقد ابلغوك انك مرتحل ولم تبال، فتجبرت وتعاليت واصابك العجب وامتطاك مرض الخيلاء والكبر واخذتك العزة بالاثم فكنت تدري وكأنك لاتدري، انما انت من صرخة الى صرخة ومن غسل الى غسل ومن كفن الى كفن ومن بطن الى بطن، ومن طين الى طين، نعم هما صرختان يا ابن ادم، وما بينهما دنيا الامتحان..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


غانم ابو العلا النصار

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/04/12



كتابة تعليق لموضوع : صرختان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : احتفال ناجي ، في 2012/01/25 .

لقد اجبني المقال وعند قرائتي له حسيت كاني اولد من جديد واموت ببطءوان السنين التي مرت من عمري كا نها فلم سينمائي تمر امام عيني وتذكرت حلاوتها ومرهاوقد ابدع الكاتب بجعل للانسان صرختان الاولى لايسمعها والئانيه ايضا لايسمعها ولكن بين الصرختين يسمع مالايريد يسمع ويرى بعينه ويتمنى لايرى من حوله احد لانه اذا راى وسمع سوف يتحمل خطايا كثيره




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net