صفحة الكاتب : خالد محمد الجنابي

محمكة المهداوي
خالد محمد الجنابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لايمكن استعراض انفلاب 14 تموز عام 1958 بدون المرور على محكمة المهداوي -- المحكمة العسكرية العليا الخاصة- ورئيسها العقيد فاضل عباس المهداوى- ابا العباس- واعضائها العقيد فتاح سعيد الشالى والمقدم شاكر محمود السلام والرئيس الاول ابراهيم عباس اللامى والمقدم حسين خضر الدورى والمدعى العام العقيد ماجد محمد امين وكمال عمر نظمى عضو الادعاء العام وهو حاكم جزاء بغداد وعدنان صالح باباجان وهو نائب المدعى العام ببغداد وعضو الادعاء العام , واما لجنة التحقيق التى تشكلت فى 24/12/1958 ، من المقدم الحقوقى نور الدين الونه رئيسا والرئيس احمد العبيدى عضوا والملازم عبد الهادى سلمان عضوا والحاكم عبد الستار ناجى عضوا ومعاون الامن خالد عبد الرزاق الهاشمى عاملا فى هيئة التحقيق ، وهي محكمة أسست عام 1958 ، بأمر من الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس وزراء العراق آن ذاك لمحاكمة الوزراء والمسؤولين في النظام الملكي الذي سقط في انقلاب 14 تموز 1958 وكان يرأس المحكمة ابن أخت عبد الكريم قاسم ، وهو العقيد فاضل المهداوي ، أما المدعي العام فكان ماجد محمد امين وكانت تعقد جلساتها في قاعة الشعب في منطقة باب المعظم قرب مبنى وزارة الدفاع في بغداد ، وهي باقية إلى الآن وكان يتم نقل وقائع جلساتها على الهواء مباشرةً في الراديو والتلفاز ، استمرت جلسات المحكمة حتى سقوط نظام عبد الكريم قاسم في عام  1963 ، وشهدت هذه المحكمة محاكمة رجال العهد الملكي ، ورجال حركة الشواف عام 1959م ، ومحاكمة العقيد عبد السلام عارف بتهمة محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم ، وكذلك محاكمة عدد كبير من البعثيين والقوميين الذين أتهموا بمحاولة اغتيال قاسم ، هل يمكن اجراء تقييم لمحكمة المهداوي بعد أكثر من نصف قرن على تشكيلها وبدء نشاطها ؟ لقد مرت سنوات كثيرة وحدثت بعدها الكثير من المحاكمات سواء في العراق او في العالم العربي او في العالم ، فلماذا يعدها العرب من اسوأ المحاكم ؟ والواقع يخاف ذلك ولماذا كلما ذكرت المحاكمات في العراق ذكر اسم محكمة المهداوي كمثال سيئ على المحاكمات ؟ يجب ان نعترف اولاً ان للمحاكمات السياسية بشكل عام تاربخ غير مشرف ، ققد كانت دائما مثارا للخلافات اما بسبب تأجيج الصراعات ولأنها تزيد من حدة الإستقطاب السياسي ، او بسبب طرحها لأجندات سياسية ، او بسبب استخدامها او استغلالها كمنبر للمهاترات ولكن محكمة المهداوي- الشهيرة في تاريخ العراق الحديث – اكتسبت كثيرا من السمعة غير الحسنة في العالم العربي , الا انه كان لها جمهورها الواسع في العراق وكانت لها شعبيتها ، و كان التلفزيون العراقي يغطي مساحة بغداد فقط ، وكانت المحاكمات تسجل صباحا ثم تعرض مساء من خلال شاشة التلفزيون ، وبما ان عدد المقاعد داخل قاعة المحكمة كان محدودا فإنه يتعين على من يرغب حضور الجلسات ان يحضر قبل يوم من موعد الجلسة للحصول على تذكرة الدخول ، وقد اكتسبت المحكمة تلك السمعة السيئة في العالم العربي أما بسبب الدعاية المصرية الناصرية القوية ان ذاك والتي كانت لها الهيمنة الكاملة على كل الساحة العربية بما يمتلكه عبد الناصر من سمعة ونفوذ والذي كان يساند القوميين والبعثيين المناهضين لحكم الزعيم عبد الكريم قاسم ، وبما تمتلكه اجندة الدعاية المصرية من امكانيات هائلة بمقاييس ذلك الزمان فترة نهاية الخمسينات وبداية الستينات او لأن المحكمة لم تكن تمتلك وقار القضاء وتوازنه وحياديته وفقا لمعايير هذا الزمان الذي انتشر فيه الحديث عن حقوق الإنسان وحقوق المتهم ، حيث كان الجمهور هو الذي يحاكم وبتشجيع المحكمة ، ومع ذلك فقد كان فتحاً لسبب اسلوبها الجديد والغريب ، ان الجوانب التي اعتبرها الجمهور العربي الخاضع للدعاية الناصرية من ضمن سلبيات المحكمة كان العراقيون – بأغلبيتهم – يعتبرونها من ضمن ايجابيات المحكمة ، فرئيس المحكمة-- العقيد فاضل عباس المهداوي-- كان يصول ويجول ويلقي النكت والقصائد ويحكي القصص ويعلق على الأحداث في العراق والعالم ، تلك الأمور التي كان بعض الكتاب والساسة العرب يعتبرونها اسلوبا تهريجيا وغوغائيا لا يليق بالمحكمة ولا بالقضاء ، كان جمهور المقاهي و الكازينوهات من العراقيين يعدونها مسرحية كوميدية راقية وفرصة نادرة لرؤية كبار رؤوس العهد الملكي من رؤساء الوزارات والوزراء وهم يجلسون في قفص الإتهام ويتعرضون لإهانات ابا العباس فاضل المهداوى وسخرية الجمهور والهتافات المعادية والقصائد العصماء التي تلقى في قاعة المحكمة وتشهر بالمتهمين وتمتدح الحكم الجديد والزعيم عبد الكريم ، كان رواد المقاهي الصيفية يسهرون حتى ساعة متأخرة من الليل حيث تتعالى الضحكات المرحة ويتصاعد التصفيق استحسانا لتعليقات المهداوي الساخرة او قصائد الشعراء ،
ومهما قيل عن- العقيد فاضل المهداوي- فقد كان يمتلك شخصية مرحة وكان من عادته ان يستعرض قراء ته الكثيرة واسماء الكتاب والشعراء والفلاسفة الذين يقرأ لهم ، واحيانا كان يسترسل في استطراداته ليستغرق اغلب وقت المحاكمة ، وبالطبع ما كان له ان يقوم بذلك ولكن الجمهور كان يطيب له ذلك ، وكانوا يشجعونه على ذلك , عندما يمر بالأسواق ، وكان رجال الدولة في تلك الأيام يقيسون شعبيتهم في شارع الرشيد ، فمثلا بالنسبة للزعيم عبد الكريم ما ان تدخل سيارته شارع الرشيد – وكان عادة بدون حماية سوى المرافق الذي يجلس في المقدمة – حتى تبدأ عاصفة من التصفيق التي ترافق مسيرة السيارة يمكن سماعها على بعد مسافة بعيدة من السيارة ، اما بالنسبة للعقيد المهداوي - فعند مروره بشارع الرشيد كان الناس يمازحونه او يصرخون (اجاهم ابو العباس) وهو اللقب الذي كانوا يطلقونه عليه تحبباً ، ان محكمة المهداوي التى ادارها العقيد فاضل عباس المهداوى بكل سلبياتها - لم تكن بالشكل الذي وصفها العرب ، فقد كانت على الأقل علنية ومكشوفة اين منها تلك المحكمات التي اعقبتها سواء في سنة 1963 او بعد سنة 1968، فقد كانت هناك محاكم ومحاكم جميعها سرية اوثورية او امنية او عسكرية او حزبية الخ من طراز محاكم المجرم عواد البندر ومحكمة المجرم مسلم هادى او محكمة الثورة العقيد على هادى وتوت ، وكان المتهم يمثل امامه معصوب العينين وقبل ذلك يكون قد مثل امام المحقيقين معصوب العينين ايضا تحت ضربات الصوندات او معلقاً من رجلية مثل الطير المذبوح ومربوطاً الى السقف بالمروحة الدوارة ، ومن خلال ذلك يمكن ان نحكم بانصاف وحيادية على محكمة العقيد فاضل المهداوى كان لها بعض الايجابيات مثلما كان لها عدد من السلبيات


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


خالد محمد الجنابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/04/13



كتابة تعليق لموضوع : محمكة المهداوي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net