صفحة الكاتب : بوقفة رؤوف

ما بعد الربيع العربي :(جدلية الدين والقبيلة)
بوقفة رؤوف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
                للدول دورة تاريخية تمر من خلالها و بها وفق قانون  العمران البشري في إطار التدافع السنني سواء الحضاري بشقيه التدافع بين الحضارة الرسالية والحضارة المادية أو إنساني نجدي :﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ  ﴾ البلد (10)  -   داخل الحضارة نفسها بين شعوبها وقبائلها من جهة وبين الأفراد المشكلين لكل مجموعة من جهة أخرى في إطار التدافع بين الخير والشر 
و سنحاول هنا دراسة ما بعد الربيع العربي باعتباره ظاهرة اجتماعية من خلال استقراء التاريخ لمحاولة استشراف الأوضاع القادمة التي تنتظر الأمة العربية :
       النظام الاجتماعي السائد عند العرب هو نظام القبيلة , هذا النظام انعكس على الحياة العربية في مختلف فروعها سواء السياسية او الدينية او الفكرية او حتى الحضارية , فلكل قبيلة شيخ وطوطم والاه وشاعر وأبطال وحكماء  وملاحم خاصة بهم وبالتالي أصبح صبغة الثقافة العربية الاستقلالية الجزئية في الفردانية المكونة لعصب اللامركزية السياسية والدينية وحتى القبائل المنضوية سواء تحت حكم الإمبراطورية الرومانية او الفارسية , كان خضوع شبه مستقل يترقب ضعفهما للخروج عليهما 
كانت هناك محاولات جادة لأجل تكسير هذا النظام الاجتماعي سواء من طرف الرومان او الفرس او حتى من طرف أبرهة الحبشي , لكن أثبتت الايام ان هذا النظام الاجتماعي هو الشخصية العربية من الاستحالة استبداله بنظم اجتماعية أخرى ...
ثم جاء الإسلام أول تحدي حقيقي للعرب , الحسابات مع الدين الجديد تختلف , لأنه جاء من الداخل ليس من الخارج جاء من عند أنفسهم وان أنكروه فهو ليس بغريب فيهم ولا عنهم , كما أن هو ليس نظام حكم سياسي فقط تعطي له الولاء ولتفعل بعدها في أمورك الشخصية والاجتماعية ما تشاء , وهو ليس عبادة بين عابد ومعبود فقط بل الإسلام نظام حياة كامل متكامل
فرض الإسلام نفسه كنظام اجتماعي جديد , دون أن يحارب القبيلة أو يقصيها أو يلغيها , إنما عن طريق الاحتواء , لقد احتوى الإسلام القبيلة , تركها كنظام اجتماعي مثنيا على محامدها , مهذبا بعض أحكامها ملغيا ما يتنافى فيها مع الإنسانية باعتبار ان الإسلام لا يتعارض مع الإنسانية ولا يتصادم مع النظم الاجتماعية , انه ينشد التكامل الإنساني والاجتماعي  
إذا أردنا أن نحلل جدلية الإسلام و للقبيلة , فسنقول أن القبيلة بطبعها متمردة وان الوحيد الذي يروضها هو الدين فقط ولقد عبر عمر بن الخطاب عن هذا المعنى بقوله : " لقد كنا أذل قوم ٍ فأعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله."
فالقبيلة لا تصنع حضارة , إنها نظام متكامل لتوليد ذل الإنسانية , انها مثل مسدس محشو جاهز لإطلاق الرصاص في يد سفيه , لا تعرف متى يبدأ في إطلاق النار دون سابق إنذار , لقد جاء الإسلام كصمام أمان , لا ليلغي وظيفة المسدس ولا ليصادره , بل لأجل أنسنة استعماله  , لأجل الدفاع عن إنسانية الإنسان , جاء الاسلام ليجعل القبيلة في خدمة الانسانية , بعد أن كانت الانسانية في خدمة القبيلة , هذا هو الدور الحضاري للاسلام وهذه هي رسالة الاسلام : أن تكون القبيلة في خدمة الانسانية , وأن تكون الدولة في خدمة الشعب , وأن تكون الدولة والشعب معا في خدمة الإنسانية وأن تكون الخلافة الإسلامية في خدمة البشرية هذه هي الحضارة الرسالية التي ننشدها ونكافح من أجل تجسيدها وترسيخ ثقافتها , ومتى تحولت الإنسانية في خدمة الحضارة , فنحن عندها أمام حضارة مادية ,أو دولة مادية ,أو قبيلة  أو القاعدة أو داعش ...
وبالتالي فعزة القبائل العربية في الدين ودون الدين لا عزة لها , لذلك كان الجهد الجهيد من طرف الحضارة المادية من قبل حرصها اللامتناهي لأجل عدم قيام حضارة رسالية وذلك بتخريب البنية التحتية للمجتمع الرسالي بالحيلولة دون ظهور الإسلام التطبيقي  , لذلك كان الحرص الشديد على الغاء الخلافة حتى ولو كانت شكلية والعمل على احداث دول عربية بديلة وزرع وتغذية فكرة القومية والعمل على احلالها محل فكرة الاسلام كنظام , لكن مع الوقت اكتشفت مخابر الحضارة المادية بأن الشعوب العربية ذات بعد ديني , تحمل عاطفة دينية , ان تم تفعيل قرون استشعارها فستفعل العجب , ان تم تفعيل الفكرة الدينية فسينهض المجتمع الرسالي ويبعث من جديد , ولأن عاجلا أم آجلا فستتفكك الدول العربية لأن ولادتها ليست طبيعية نتيجة لجغرافية القبيلة أو لروح الإسلام بل ولادتها قيصرية نتيجة اتفاقيات سايكس بيكو لأجل تمزيق جثة الخلافة الإسلامية , لقد نجحت الدول القومية ككيانات سياسية , لكنها فشلت كشعور اجتماعي وكنظام اجتماعي , لم تنجح في الحلول لا في مكان الدين ولا في مكان القبيلة , بل أصبح ينظر اليها المجتمع على أنها عدوة لهما , وبالتالي لو حدث وانهارت الدول القومية وهذا امر حتمي تاريخي فسترجع القبيلة لتتشكل من جديد كنظام اجتماعي ثم يتم تفعيل الفكرة الدينية ليظهر الاسلام التطبيقي الذي لا يجد مقاومة عنيفة من القبيلة كما حدث أول مرة لأن القبيلة أدركت ان عزتها في الدين , وأنها كمجموع عام يسيطر عليها الشعور الديني ...
لذلك كان على مخابر الحضارة المادية القيام بضربات استباقية بالإسراع في تفكيك الدولة القومية بعد ان أثبتت فشلها وخروج شعوبها عن سيطرتها والإحلال محلها جيوب دينية متطرفة تزعم التأسيس لخلافة إسلامية ولأجل هذا التأسيس تقوم بجرائم إنسانية , مهددة الإنسانية ومهددة القبيلة ومشوهة الإسلام 
حين تكون هناك ارهاصات ظهور نبي , يظهر قبله أنبياء كذبة , وظيفتهم الحضارية هو التشويش على المتلقي لأجل إحداث ارتباك في الوعي الجمعي , فيتساوى في عقل الجماعة بين النبي الصادق والأدعياء الكذبة  ليصبح الكل مشتبه فيه 
والأمر نفسه في زمن إرهاصات ميلاد حضارة رسالية , تقوم الحضارة المادية بتفريخ جيوب ذات صبغة دينية لأجل التشويش على لحظة انبعاث الحضارة الرسالية ولأجل تشويه سمعة الدين للحيلولة دون  قيام اتحاد بين الدين والقبيلة حتى لا تقوم عزة قبلية (بمفهوم عمر بن الخطاب ), وظيفة هذه الجيوب هي الجهاد لقيام خلافة إسلامية ولأجل التمكين المزعوم يقومون بجرائم و فضائع بحق الإنسانية حتى يتم تفكيك الروابط بين الشعور الديني والمجتمع العربي , ويتم تهيئة خريطة العالم العربي لمرحلة ما بعد الربيع العربي بكيانات قبلية تمارس السلب والنهب على بعضها البعض بأسها بينها شديد , يصدق فيها وصف  جعفر بن ابي طالب للنجاشي لحالهم في الجاهلية حين قال : " أيها الملك، إنا كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام( نفس فكرة الصنمية في القديم كات متجسدة في حجارة واليوم تتجسد في أفكار أو أشخاص أو مذاهب ) ، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى عبادة الله وحده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، فصدقناه وآمنا به، فظلمنا قومنا وعذبونا ليردونا إلى عبادة الأوثان،..." 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بوقفة رؤوف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/08/07



كتابة تعليق لموضوع : ما بعد الربيع العربي :(جدلية الدين والقبيلة)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net