صفحة الكاتب : صلاح عبد المهدي الحلو

حرمة الكلمة
صلاح عبد المهدي الحلو

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
للكلمةِ حرمةٌ،ومِنْ حُرمةِ الكلمةِ انْ لاتلبس الفاظها غيرَ رداءِ معانيها،وانْ لاتكتسي حروفُها سوى ازارَ مفاهيمِها،وان يكونَ روحُ المَضمُونِ كاسياً هيكلَ العبارةِ فلا يطولُ ظلُّ اللفظِ على محتوى الكلمة ,ولايضيقُ ثوبُ اللفظةِ عن بدنِ المعنى,فيكون المعنى قيداً حولَ رقبتِها,لاأمانةً بَينَ كفيْهَا.
ومِنْ حُرمةِ الكلمةِ انْ تكُونَ وليدةَ حربةٍ مبدعةٍ هي ابنةُ قلمِهَا لاانَّهاَ ابنةُ حربةٍ دَعِيَّةٍ لايُعرَفُ لها أبٌ مِنَ الاقلامِ ولاتنتمي الى امةٍ مِنَ اللُغَات.
ومِنْ حُرمَةِ الكَـلِمَةِ وضعُ اللـَفظِ فـِيمَا وُضِعَ لهُ,فاللفْظُ قالـبُ الـَمعنَى,لازيادةَ فيهِ ولانقصان,فإنَّ وَضْعَ اللفظِ لغيرِ مَاوُضِعَ لهُ كانَ ذلكَ مَجَازاً لابُّدَ ان يكُونَ عليهِ شاهدٌ مِنْ قرينةٍ لفظيةٍ اوعقليةٍ تشفعُ لصحةِ هذا المجازِ,لذا قرَرَ عُلماءُ الاصولِ ان اللفظَ اما انْ يُستخْدَمَ في معناهُ الموضوعِ لهُ وهو الحقيقةُ اوفي غَيرِ مَعناه الموضوعِ له وهُوَ المجازُ اوفي غيرِ معناه المناسبِ لهُ فهُوَ الخطأ.
ومناسبةُ هذا الكلامِ ماتعودَتْهُ وسَائلُ اعلامِنَا الفضائيةُ المسكينةُ مِنْ وضْعِ اللفظِ في كُلِّ مَرةٍ لمعناه غيرِ المُنَاسبِ لهُ مِمَّا يستدعي الخطأ في كُلِّ مرةٍ,ومِنْ ذلكَ لفظُ الشهادةِ,ففي اخبارِ الاحداثِ في سوريا قالتْ احدى القنواتِ اللبنانيةِ (أُستُشْهِدَ سبعةُ اشخاصٍ بينهم صحفيٌ فرنسي)
هذِهِ القَنواتُ وامثالُها التي وهبَتْ ما لاتملُك- وهوالشهادةُ – الى مَنْ لا يستحقُ-وهو هذا الفرنسيُ واخوتُهُ – كانَتْ تعبِّرُ عن الضحايا العراقيينَ الذين قضوا في الظروفِ نَفسِها بأنَّهم قتلى.
حينما يُردَى الفلسطينيُ برصَاصِ الجندي الاسرائيلي فهُوَ شهيدٌ,وحينما يُردَى العراقيُ بِرصَاصِ القنَّاص الارهابيّ فهُوَ قتيلٌ,مع ان القتيليينِ مُسلمانِ ومظلُومانِ, والقاتلُ محتلٌ وغاصب,ولكنَّ القنواتِ العربيةَ والاسلاميةَ ومنها ياللاسفِ المُرِّ قنواتٌ شيعيةٌ دأبَتْ بأصرارٍ على ان تُسمِّيَ الفلسطينيَ شهيداً والعراقيَ قتيلا.
وهذا الامرُ حدا بعراقيٍ غيورٍ الى ان يتصِّلَ ببعضِ تلكَ القنواتِ في بعضِ برامجِها المباشرةِ يعاتبُهُم فيها على ذلكَ فكانَ عذرُ مقدِّمِ البرنَامجِ اقبَحُ من فعلِهِ.
ونحنُ نُريدُ ان نهمُسَ في اذنِ مُقدِّمي هذه القنواتِ ومنهم مقدِّمُ هذا البرنامجِ في القناةِ الشيعيةِ بما يأتي:-
اولاً:- انَّ الشَّهادةَ توفيقٌ مِنَ الله لاتُنَالُ الا بالدُّعَاءِ الصّادقِ والمَسألةِالحثيثةِ,لذا وَرَدَ في اعمالِ ليالي شهرِ رمضانِ الدُّعاءُ بطلبِ الشهادةِ في قوله عليه السلام (وقتلاً في سبيلِكَ فوفِق لنا).
ولقد كان السلفُ الصَالحُ رضوانُ اللهِ عليهم يلحُّونَ على اللهِ ان يرزقَهم الشهادةِ وحسبك منهم عبد الله بن عفيف الازدي الذي ذهبت احدى عينيه مع امير المؤمنين - عليه السلام – في حرب الجمل ,والاخرى معه يوم صفين,هذا البطل المغوار الذي تجرأ على ابن مرجانة الذي وصف الامام الحسين واباه –عليهما السلام –وحاشا ساحة قدسهما - بالكذب,في ذلك الموقف الر هيب الذي يلتهب بنار الخوف,ويتلظى بسعير الموت,ردَّ عليه قائلاً غير هيَّاب ولاوجل (ان الكذاب انت وابوك) فلما همَّ ابن زياد – عليه اللعنة – بقتله قال له(اني كنتُ اسألُ اللهَ ربيَ ان يرزقني الشهادة... وان يجعلها على يدي العن خلقه).
فأذن كان دأبُ الصالحين وديدنُ العارفين ان يسألوا الله تعالى ان يرزقهم الشهادة, ولم يسألوها من وسائل الاعلام, ولو كانت قنواتٍ فضائيةً تبثُ برامجها ليل نهار وشريطها الاخباري يوزع صفة الشهادة على ايٍ كان وفي اي وقت.
ثانياً:- ان الشهادة منزلة عظيمة وهذا الامام الحسين الشيهد- عليه السلام – مع انه امام معصوم وهو رأس الزهد والعبادة,والعلم والبصيرة,ففي مضمون بعض الاثار والاخبار ان له منزلة لاينالها الا بالشهادة.لذلك قال المولى المازندراني عند شرح حديث(ان اشد الناس بلاءً الانبياء ثم الذين يلونهم)من اصول الكافي(ان بعض الدرجات لايمكن الوصول اليها الا بالشهادة,فيمُنُ الله سبحانه وتعالى على من احبَّ من عباده بها تعظيماً وتكريما له).
فلولا شهادة الامام الحسين عليه السلام في ربى كربلاء لما وصل الى هذه المنزلة.
فأذن نحن لانستجدي صفة الشهادة لقتلانا الابرياء من وسائل الاعلام تلك لانها اكبر من ان تهبها قناة فضائية مهما عظمت.
فأذا عرفت هذا من الناحية الناحية المعنوية فتعال الى البحث القراني والفقهي.
ان هاهنا حقيقة قرانية مهمة قد تكون خافية على البعض وهي انه لم يرد لفظ الشهيد في القران الكريم بمعنى المقتول في سبيل الله,بل ان مادة (ش,ه,د) جآءت في القران على معانٍ اولها بمعنى الاخباركقوله تعالى )مَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا(اي وما اخبرنا الا بما علمنا كما فسَّره في مجمع البيان.
اوبمعنى حضر ومنه قوله تعالى) فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ(اي ومن حضر شهررمضان وكان مقيماً غير مسافرفليصم شهر رمضان.
اوبمعنى عَلِمَ كقوله تعالى)شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ( اي علم الله ومنه ايضاً قوله تعالى)وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ(اي والله يعلم ان المنافقين لكاذبون.
او بمعنى عاين اواطلع فهو شاهدٌ او شهيدٌ ايضاً وعلى هذا يُحمل قوله تعالى)أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(ومنه قوله تعالى)فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا(
ومن ذلك تعرف مافي كلام الشيخ مغنية في غير موضع من الكاشف, وكلام الشيخ مهدي شمس الدين في تفسير قول تعالى)وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ( بمعنى المقتولين في سبيل الله كما في كتابه –انصار الحسين –عليه السلام- تبعاً لبعض المفسرين.لانه كما قال صاحب الميزان - قدس سره – ان الشهداء هنا((شهداء الأعمال وأما الشهداء بمعنى المقتولين في معركة القتال فلا يعهد استعماله في القرآن وإنما هو من الألفاظ المستحدثة))4/28.
وهو الحق,فالقران الكريم لم يعبر عن هؤلاء بالشهداء,بل هو اما ان يعبر عنهم بالقتلى كما في قوله تعالى(:وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ),او يعبر عنهم بالذين قضوا نحبهم كما في هذه كريمة قوله تعالى:(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
ثم ان الشهيد في الفقه الاسلامي يشترط فيه امران:
1-ان يكون مقتولاً في المعركة عند الجهاد مع الامام عليه السلام او نائبه الخاص او في حفظ بيضة الاسلام كما هم شهداؤنا الابطال في حربهم مع الدواعش.
2-ان يكون خروج روحه في الحرب قبل انقضائها او بعد الحرب شريطة ان لايدركه المسلمون وبه رمق,فهنا لايُغسَّل ولايكفن,اما اذا ادركه المسلمون وبه رمقٌ فأنه يُغسلُ ويكفن لانه حينئذٍ ليس بشهيد.
اما ماورد في بعض الروايات في ان من مات غرقاً او دفاعاً عن اهله فهو شهيد فالمراد هنا انه بمنزلة الشهيد, لاان له حكم الشهيد؛ولذا قال السيد اليزدي - قدس سره – في العروة الوثقى (من أطلق عليه الشهيد في الأخبار من المطعون والمبطون والغريق والمهدوم عليه ومن ماتت عند الطلق والمدافع عن أهله وماله
لا يجري عليه حكم الشهيد ، إذ المراد التنزيل في الثواب) .
وقال السيد الشهيد محمد باقر الصدر – قدس سره – في الفتاوى الواضحة (ولقد أطلق الشارع الأقدس كلمة شهيد على النفساء والمهدوم عليه والغريق وعلى من مات دفاعا عن ماله وأهله وغير هؤلاء ، والمراد مساواتهم أو مشابهتهم للشهداء في الأجر والثواب لا في عدم الغسل والتكفين ).اذا عرفنا هذا فلنخاطب القنوات الفضائية البائسة ولنقل لها :- ايتها القنوات الفا شلة,ان للشهادة معنىً هو اعمق من غياهب النفس, واسمى من اجنحة الروح,وانور من طلعة الفجر,واحلى من قطعة السكر. هو المعنى الذي جعل الامام الحسين – عليه السلام – يركب صهوة الموت يحدو بإبل المنية من المدينة الى العراق, في رحلة عشق للفضيلة, يعرج فيها على براق الشهادة من عالم الملك الى عالم الخلود.
وهو المعنى الذي جعل امير المؤمنين – عليه السلام – يرتل بشارة الفوز على قيثارة شفتيه لما سقط مضرجا بدماء الشهادة على محراب المناجاة في الكوفة.
وهي بغية شباب الشيعة العراقيين ممن هبوا لمقاتلة جرذان داعش وليفوزوا بأحدى الحسنيين اما النصر واما الشهادة
اما قتلانا الابرياء الذين سقطوا على ثرى العراق ضحايا الدين وقرابين التسامح, فلئن فاتهم شرف الشهادة, فلن يفوتهم اجر الشهيد, ومظلومية القضية ,والفوز بالولاء لمحمد وال محمد عليهم الصلاة والسلام.اما ضحايانا المغدورون,المقتولون على انتمائهم المذهبي ,والمذبوحون على منحر الهوية, يكفي ان شفاه دمائهم هي من تنشد قصيدة ماساتهم,وان قافية الموت هي من تكتب لهم اغنية مظلوميتهم.
فياأيتها القنوات البائسة,المحرومة شعوبها من لذة الشهادة,المصبوغة بلون الدم,والمعطرة بأريج الرجولة,إخلعوا ثوب الشهادة على من تريدون,ولو كان على صحفي فرنسي لعله كان يحرض بسلة قلمه على القتل,إخلعوه على الخنازير المفخخة التي تدخل بين جموع الزائرين لتوزع اجسادهم الى اشلاء, وتبضع اجسامهم الى اجزاء,ولكننا نقول لكم :- ان للشهادة رباً واحداً هو الذي يرزقها من يشاء من عباده,وان للشهادة ثوبا واحدا لايليق الا بجسد الشهيد من الناس,وان لها لفظا واحدا لايلبسه الا الاوحدي من المعاني,وهي بعد لاتليق الا بشباب المرجعية العراقي.
فيا أيتها الاقلام النتنة,لاتتحرشي بلفظ الشهادة ,فما زال عفَّ المعنى كبصر المؤمن ,شريف اللفظ كتسبيحة المصلي, سامي المضمون كنجم الثريا,طاهر المحتوى كماء الكر,اذهبوا الى لغة اخرى,اكتبوا بها ماتشاؤون من افكار,وسطروا بها ماتريدون من اكاذيب,فإن لغتنا, لغة القران هي اعفُّ واشرف مما تسطرون 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صلاح عبد المهدي الحلو
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/08/07



كتابة تعليق لموضوع : حرمة الكلمة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net