صفحة الكاتب : د . حامد العطية

رئاسة الوزراء العراقية المهمة المستحيلة
د . حامد العطية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
   في العراق نظام سياسي فاشل فرضه الإحتلال الأمريكي وزرع فيه بذور التدمير الذاتي لذلك توقعت ومنذ أكثر من عشرة أعوام فشل الحكومات العراقية المتعاقبة والاضمحلال التدريجي للكيان العراقي.
   جراثيم التدمير الذاتي كامنة في الفدرالية المتطرفة وحق تكوين الأقاليم والمحاصصة الطائفية والإثنية والتوافق، فالهدف الوحيد للتحول من دولة موحدة إلى فدرالية واعطاء المحافظات الإدارية حق تشكيل أقاليم أشبه بالإقليم الكردي هو التمهيد لإنفصال الأكراد عند الوقت المناسب ودفع السنة والشيعة إلى تكوين دويلتين خاصتين بهما، وهو كما يبدو ما تريد أمريكا تحقيقه في العراق، وصرح به نائب الرئيس الأمريكي وغيره من المسئولين الأمريكيين، ومن المؤسف سعي بعض الساسة العراقيين الحثيث لتطبيق هذا المخطط الخبيث التقسيمي.
     أنشأت المحاصصة الطائفية والإثنية المفروضة من أمريكا جدراناً عالية بين الشيعة والسنة والاكراد، وصارت كل فئة تبحث عن مصالحها، وغالباً على حساب الفئتين الآخريتين، وتعمقت الخلافات بينها حول السلطة والمناصب والتخصيصات المالية والأراضي، وتحول شركاء الوطن إلى أعداء، وكان من المحتم تدهور الوضع إلى صراع مسلح.
    رئاسة الوزراء أعلى منصب في السلطة التنفيذية، ولشاغله صلاحيات واسعة، لكن المنصب مقيد بالمحاصصة والتوافق، وهو مستهدف بالضغوط والابتزاز من الجميع، فالأكراد يريدون منه الاعتراف بهم ضمنياً دولة شبه مستقلة، وهم منهمكون في استكمال مقومات انفصالهم، وحتى وقت قريب كانت مناطقهم محصنة ضد الإرهاب بفعل تفاهمات مع السنة، ويحصلون من الحكومة المركزية على حوالي خمس الميزانية، وعندما يتأخر رئيس الوزراء بتلبية مطالبهم يهددونه بإعلان الانفصال، ويتوعدون الجيش العراقي بالقتال لو دخل أراضي الإقليم، وفي الوقت الذي يصرون فيه على استلام حصتهم كاملة من المناصب السياسية بدءاً برئاسة الجمهورية وحتى المديرين العامين والسفراء يستغلون هذه المناصب لبلوغ أهدافهم التي قد لا تتطابق مع مصالح دولة العراق الموحدة، ومؤخراً استغلوا هجوم داعش على المحافظات العراقية الشمالية ليبسطوا سيطرتهم على محافظة كركوك الغنية بالنفط ومدن وقرى ومناطق شاسعة، ومن لا يعرف بتفاصيل الوضع العراقي السوريالي يظن بأن الخلاف بين الحكومة المركزية والإقليم الكردي صراع بين دولتين مستقلتين، والأكراد بالنتيجة متمردون ومشاركون في الحكم في نفس الوقت، يهدمون الكيان العراقي بيد ويستحوذون على المنافع والمكاسب بيد أخرى.
    كره السنة العرب، وهم خمس سكان العراق، خسارتهم للسلطة واضطرارهم لمشاركة الشيعة والأكراد في الحكم، وانقسموا بين مؤيد ومعارض للعملية السياسية، واعتمد المعارضون الإرهاب وسيلة رئيسية لإضعاف الحكومة المركزية واستعادة مواقعهم القيادية، وفجروا وذبحوا عشرات الألاف من المدنيين الشيعة، وهدموا مساجدهم ومزاراتهم، وأججوا فتنة طائفية كادت أن تؤدي إلى حرب أهلية شاملة، واعتبر الساسة السنة هذه العمليات الإرهابية تعبيراً منطقياً ومشروعاً عن عدم رضا السنة عن حصتهم في السلطة، واستغلوها للضغط على الحكومة المركزية لتقديم المزيد من التنازلات لهم، ويبدو بأن غالبيتهم مشاركون أو على الأقل راضون عن احتلال تنظيم داعش لمحافظات عراقية في الشمال والغرب، وربما يتطلع البعض منهم إلى احتلال العاصمة بغداد واستعادة سيطرتهم على الحكم العراقي.
    من سوء حظ شيعة العراق اختيار من لا يمتلك المهارات اللازمة لشغل منصب رئاسة الوزراء، وهو اختيار وراءه الأمريكيون بالتأكيد، ولعل أضعفهم هو المالكي الذي استسلم معظم الأحيان للضغوط الأمريكية والإبتزاز الكردي والإرهاب السني، توسل رضا الأمريكيين والسنة والاكراد فسارع إلى قتال الصدريين وقتل الألاف من الشيعة، ووقع الاتفاقية الأمنية الاستراتيجية مع أمريكا والتي أنتجت جيشاً مهلهلاً من دون قوة جوية وأسلحة متطورة وتدريب مهني، ولاحقه الأكراد بالمطالب الجائرة الهادفة لتوطيد دويلتهم الطفيلية ضمن الدولة العراقية، وكلما استجاب لمطالب قدموا غيرها، وما تبقى منها تتعدى صلاحيات رئاسة الوزراء وتتطلب تشريع قوانين في مجلس النواب الذي يرأسه سني.
    تبارى السنة مع الأكراد في تقديم المطالب التعجيزية، ومنها على سبيل المثال إعادة البعثيين السفاحين الذين كانوا أدوات الطاغية صدام وقادة مخابراته وجهازه الأمني وقواته العسكرية، ورضخ المالكي والساسة الشيعة وبضغط أمريكي، فقبلوا باستبدال اجتثاث البعث بقانون المساءلة والعدالة، وأعاد المالكي معظم البعثيين لمناصبهم ومنح الباقين رواتب تقاعدية، ولكن السنة لم يكتفوا بهذه التنازلات المذلة والمناقضة لمبدأ العدالة والمستهترة بحقوق ضحايا البعث وسعوا إلى إحداث فتنة واسعة، وعندما اضطر المالكي المتخاذل بعد تردد طويل لوأد الفتنة في الأنبار ولولت أمريكا ودول الخليج والأردن وفتح السنة أبواب مدنهم للإرهابيين الدواعش. 
   ما أن حصل الشيعة العراقيون على حصتهم من السلطة باعتبارهم أغلبية السكان حتى بدأوا بفقدانها التدريجي، وهو ما أراده المصممون الأمريكيون للنظام السياسي في العراق، فقد وجد رئيس الوزراء الشيعي نفسه في موقع لا يحسد عليه، إذ تحرمه المحاصصة الإثنية والطائفية من حرية اختيار وزراءه ومسؤولي الإدارة الكبار، ويمنح مبدأ التوافق الوطني الأكراد والسنة حق نقض قراراته، يبتزه الأكراد ويرهبه السنة العرب، وأوصد رئيس مجلس النواب السني أبواب المجلس أمامه، وكان من المحتم أن يفشل في استصدار القوانين والقرارت اللازمة من المجلس النيابي والتوصل إلى التنسيق الفعال بين وزراءه وتنفيذ الخطط والمشاريع التطويرية، واستغل الأكراد والسنة العرب هذا الفشل الذين كان لهم الدور الأكبر في صنعه لإضعاف الحكومة المركزية ظناً منهم أن ذلك سيوصلهم إلى أهدافهم، واستعانوا براعيهم الأمريكي وأتباعه الخليجيين والأردن وتركيا لتكثيف الضغوط على رئيس الوزراء الشيعي.
   ذهب المالكي غير مأسوف عليه من الشيعة بالذات الذين خذلهم بتخالفه مع أعدائهم الأمريكيين، ولم يحميهم من الإرهاب السني اليومي، وتنازل عن أبسط حقوقهم، وحرم محافظاتهم من العمران والتنمية، وترك الملايين منهم من دون وظيفة أو عمل سوى الانتساب لجيشه المهلهل، وحل محله العبادي، الذي سيواجه ظروفاً أشد وطأة وصعوبة من تلك التي فشل المالكي في التعامل معها.
    رئيس الوزراء الشيعي محكوم عليه بالفشل سلفاً حسب التصميم الأمريكي للنظام السياسي العراقي، وسيفشل العبادي أيضاً ما لم تنتهي الوصاية الأمريكية وتلغى المحاصصة الطائفية والإثنية وتشكل الوزارات على أساس الأغلبية السياسية لا التوافق الفئوي ويعاد تشكيل القوى العسكرية والأمنية وتسليحها من مصادر غير غربية لتكون الحكومة المركزية هي الأقوى في العراق والقادرة على بسط سيطرتها على كامل التراب العراقي ومنع التقسيم ودحر الإرهاب وحفظ حقوق الجميع من دون تحيز أو محاباة.
( للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والإصلاح ووسيلة كبرى هي التعلم)
15 آب 2014م   

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حامد العطية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/08/17



كتابة تعليق لموضوع : رئاسة الوزراء العراقية المهمة المستحيلة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net