صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح220 سورة طه الشريفة
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم

اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي{42}
الآية الكريمة تخاطب النبي موسى "ع" موجه اياه واخيه (  اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ ) , بعد ان استجيبت مسائله "ع" , (  بِآيَاتِي ) , بالمعجزات , (  وَلَا تَنِيَا ) , ولا تفترا , (  فِي ذِكْرِي ) , في دعائي والصلاة لي .   
الآية الكريمة لم تحدد الجهة التي يجب ان يذهبا اليها "ع" , وايضا لم يبد المفسرون اراءهم فيها , عدا السيوطي في تفسيره الجلالين يرى ان الجهة التي يجب ان يقصداها (  الناس ) .
 
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى{43}
الآية الكريمة تحدد الجهة التي سيذهب اليها موسى واخيه "ع" (  اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ ) , الى فرعون , والسبب (  إِنَّهُ طَغَى ) , تمادى في غيه وطغيانه , حتى انه ادعى الربوبية .     

فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى{44}
الآية الكريمة توجههما و تحضهما "ع" (  فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً ) , على القول اللين اللطيف , وهو ما اشارت اليه الآيات الكريمة  من سورة النازعات الشريفة (  فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى{18} وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى{19} ) , على شكل عرض او مشورة , لأنه في مدعاه الربوبية لن يتقبل صيغة الامر او تسفيه الرأي , فعند ذاك سيأمر بقتلهما  لا محالة ,  (  لَّعَلَّهُ ) , ترجي ينسب الى موسى واخيه "ع" لا الى الله تعالى جل وعلا , لأنه جل وعلا اعلم بأمر فرعون , فهو اذا ترجى ليكون موسى واخاه "ع" احرص على الذهاب , وفيه امرين :
1-    (  يَتَذَكَّرُ ) : يتعظ .
2-    (  أَوْ يَخْشَى ) : يخاف ربه عز وجل .    
نذكر روايتين وردتا في تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني وفي مصادر اخرى بهذا الخصوص للاطلاع :
( 1- عن الكاظم عليه السلام قال أما قوله فقولا له قولا لينا أي ليناه وقولا له يا أبا مصعب وكان فرعون أبا مصعب الوليد بن مصعب وأما قوله لعله يتذكر أو يخشى فإنما قال ذلك ليكون أحرص لموسى على الذهاب وقد علم الله عز وجل أن فرعون لا يتذكر ولا يخشى إلا عند رؤية البأس ألا تسمع قول الله يقول حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين فلم يقبل الله إيمانه وقال الآن وقد عصيت من قبل وكنت من المفسدين .
2- وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث له وأعلم أن الله جل ثناؤه قال لموسى عليه السلام حين أرسله إلى فرعون فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ولكن ليكون ذلك أحرص لموسى على الذهاب ) .

قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى{45}
تروي الآية الكريمة كلاما لموسى وهارون "ع" بصيغة المثنى (  قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ ) , اعربا في كلامهما "ع" انهما يخافا احد امرين او كلاهما :   
1-    (  أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا ) : ان يعجل العقوبة عليهما , مما لا مجال معه الى اتمام الرسالة وبيان المعاجز .
2-    (  أَوْ أَن يَطْغَى ) : في النص المبارك عدة اراء , تكاد تتفق ولا تتقاطع فيما بينها :    
أ‌)    يتكبر . "تفسير الجلالين للسيوطي" .
ب‌)    ان يتمرد على الحق , فيعرض عنه , ويتمادى في اعراضه .
ت‌)    أن يزداد طغيانا فيتخطى إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجرأته وقساوته وإطلاقه من حسن الأدب . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .

قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى{46}
تروي الآية الكريمة خطابه عز وجل مطمئنا لهما "ع" (  قَالَ لَا تَخَافَا ) , نوعا من التسلية لهما "ع" , (  إِنَّنِي مَعَكُمَا ) , بالحفظ والنصرة , (  أَسْمَعُ ) , حواركم , (  وَأَرَى ) , فعلكم وفعله بكم , ( فأحدث في كل حال ما يصرف شره عنكما ويوجب نصرتي لكما ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .    

فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى{47}
نستقرأ الآية الكريمة في ستة موارد :
1-    (  فَأْتِيَاهُ ) : اي اذهبا الى فرعون , تشير الى الحضور عنده .
2-    (  فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ ) : عند وصولكم اليه , اخبراه انكما رسولين من ربك يا فرعون , وفيها :
أ‌)    تحقيرا له في ما ادعاه من الربوبية .
ب‌)    وايضا للفت انتباهه الى ( ان كنت  ربا , فمن ربك انت يا فرعون ؟ ! ) .  
3-    (  فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ) : اطلقهم معنا , حيث ان بني اسرائيل كانوا يعيشون حياة الذل والعبودية .
4-    (  وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ) : كان فرعون يفرض فروضا قاسية على بني اسرائيل , خل عنهم , وارفع عنهم ما كلفتهم به من الاعمال الشاقة .
5-    (  قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ) : حجة وبيانا يثبت صدق رسالتنا من ربك ( كررت " رَّبِّكَ " لمزيد من الانتباه لفرعون ) .
6-    (  وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ) : يبين النص المبارك ان السلامة من عذاب الله تعالى للمهتدين .   

إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى{48}
يبينا "ع" في الآية الكريمة (  إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا ) , اوحى الينا ربك يا فرعون , (  أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) , ان عذابه جل وعلا ينزل على من كذب الرسل واعرض عن دعوته وشريعته , او اعرض عن الرسل .  

قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى{49}
تنقل الآية الكريمة سؤال فرعون لموسى "ع" , بعد ان حضرا عنده واخبراه بما كلفا به  , مستفسرا (  قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى ) , يرد تساءلا لماذا خصّ فرعون موسى "ع" بينما تجاهل هارون "ع" ؟ , اختلف المفسرون في ذلك كالعادة , فمنهم من قال :
1-    اقتصر عليه لأنه الأصل ولإدلاله عليه بالتربية . "تفسير الجلالين للسيوطي , تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني " .
2-    أو حمله خبثه على إستدعاء كلام موسى دون كلام أخيه لما عرف من فصاحة هارون . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .

قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى{50}
تروي الآية الكريمة جواب موسى "ع" (  قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ) , صورته وهيئته وشكله الذي يليق به , وفقا الى وجه المنفعة المترتبة عليه , (  ثُمَّ هَدَى ) , ثم انه جل وعلا هدى كل مخلوق الى ما ينفعه وينتفع به . 
( عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال ليس شيء من خلق الله إلا وهو يعرف من شكله الذكر من الانثى سئل ما معنى ثم هدى قال هدى للنكاح والسّفاح من شكله قيل وهو جواب في غاية البلاغة لاختصاره وإعرابه عن الموجودات بأسرها على مراتبها ودلالته على أن الغني القادر بالذات المنعم على الأطلاق هو الله تعالى وأن جميع ما عداه مفتقر إليه وعليه في ذاته وصفاته وأفعاله لذلك بهت الذي كفر فلم ير إلا صرف الكلام عنه عليه السلام ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .

قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى{51}
تروي الآية الكريمة سؤالا اخر لفرعون , يسأل فيه موسى "ع" عن حال الاقوام السابقة كعاد وثمود بعد الموت , في شقاء هم ام في سعادة .

قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى{52}
تروي الآية الكريمة جواب موسى "ع" على سؤال فرعون (  قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ), علمها عند الله تعالى , لا يعلم الغيب الا هو سبحانه وتعالى , ما انا الا عبد مثلك , لا علم لي الا ما اخبرني به جل وعلا , (  فِي كِتَابٍ ) , مدون , مثبت في اللوح المحفوظ , (  لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى ) , ( الضلال أن يخطئ الشيء في مكانه فلم يهتد إليه والنسيان أن يذهب بحيث لا يخطر بالبال ) . . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .   

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى{53}
يستمر كلامه "ع" في الآية الكريمة مضيفا مبينا (  الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً ) , ممهدة , ميسرة لكافة حاجات الخلق , (  وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً ) , طرقا , (  وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) , هو تعالى الذي هيأ الاسباب لنزول المطر , ما يكون نافعا للزرع , (  فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى ) , اصنافا مختلفة من النبات , تختلف في اللون والطعم والرائحة .   

كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى{54}
تستكمل الآية الكريمة موضع سابقتها الكريمة (  كُلُوا ) , كلوا من طيباتها , (  وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ) , ماشيتكم , (  إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى ) , ان في ما تقدم ذكره عبرا لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل وركوب القبائح .    

مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى{55}
تبين الآية الكريمة على نحو التأكيد بشكل موجز (  مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ ) , خلقكم الباري جل وعلا من تراب الارض , (  وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ) , بعد الموت , فيعود التراب الى التراب , يعود ما للأرض للأرض , (  وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ) , اشارة الى يوم البعث .  


 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/08/18



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح220 سورة طه الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net