صفحة الكاتب : احمد كاظم الاكوش

قراءة نقدية - تاريخية لكتاب (عمر والتشيع) للاستاذ حسن العلوي (3)
احمد كاظم الاكوش

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الخليفة والمغيرة وأم جميل.
يذكر الأستاذ العلوي قصة المغيرة وأم جميل, فيقول: (فأُستدعي المغيرة لمحكمةٍ عُليا برئاسة عُمر، فشهد ثلاثة ضد المتهم، وارتبك الرابع وتلجلج حتى قيل في ذلك كلام خطير أن الشاهد رأى في وجه عُمر ملامح من عدم الرضا ومن الحرج إذا ما ثبت ذلك على بن شعبة وأقيم عليه الحد، فصدر القرار ببراءةِ المتهم وما يترتب على كذبِ الشهود من حد).
ولمعرفة الحقائق الكامنة وراء ذالك ندرج القصة وهي كالتالي:-
عن أنس بن مالك: إن المغيرة بن شعبة كان يخرج من دار الأمارة وسط النهار، وكان أبو بكرة - نفيع الثقفي - يلقاه فيقول له: أين يذهب الأمير؟ فيقول إلى حاجة، فيقول له: حاجة ما؟ إن الأمير يزار ولا يزور، قال: وكانت المرأة - أم جميل بنت الأفقم - التي يأتيها جارة لأبي بكرة، قال: فبينا أبو بكرة في غرفة له مع أصحابه وأخويه نافع وزياد ورجل آخر يقال له: شبل بن معبد، وكانت غرفة تلك المرأة بحذاء غرفة أبي بكرة فضربت الريح باب غرفة المرأة ففتحته فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينكحها فقال أبو بكرة: هذه بلية ابتليتم بها فانظروا. فنظروا حتى أثبتوا فنزل أبو بكرة حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة فقال له: إنه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا، قال: وذهب ليصلي بالناس الظهر فمنعه أبو بكرة وقال له: والله لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلت. فقال الناس: دعوه فليصل فإنه الأمير واكتبوا بذلك إلى عمر. فكتبوا إليه فورد كتابه أن يقدموا عليه جميعا المغيرة والشهود. قال مصعب بن سعد: إن عمر بن الخطاب جلس ودعا بالمغيرة والشهود فتقدم أبو بكرة فقال له، أرأيته بين فخذيها؟ قال: نعم والله لكأني أنظر تشريم جدري بفخذيها، فقال له المغيرة: لقد ألطفت النظر، فقال له: ألم أك قد أثبت ما يخزيك الله به؟ فقال له عمر: لا والله حتى تشهد لقد رأيته يلج المرود في المكحلة. فقال: نعم أشهد على ذلك، فقال له: اذهب مغيرة ذهب ربعك، ثم دعا نافعا فقال له: علام تشهد؟ قال: على مثل شهادة أبي بكرة. قال: لا حتى تشهد أنه يلج فيه ولوج المرود في المكحلة، فقال: نعم حتى بلغ قذذه. فقال: إذهب مغيرة ذهب نصفك، ثم دعا الثالث فقال: علام تشهد؟ فقال: على مثل شهادة صاحبي. فقال له: إذهب مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك ثم كتب - عمر - إلى زياد فقدم على عمر فلما رآه جلس له في المسجد واجتمع له رؤوس المهاجرين والأنصار فقال المغيرة: ومعي كلمة قد رفعتها لأحلم القوم قال: فلما رآه عمر مقبلا قال: إني لأرى رجلا لن يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين. فقال: يا أمير المؤمنين أما إن الحق ما حق القوم فليس ذلك عندي ولكني رأيت مجلسا قبيحا، وسمعت أمرا حثيثا وانبهارا، ورأيته متبطنها، فقال له: أرأيته يدخله كالميل في المكحلة؟ فقال: لا. وفي لفظ قال: رأيته رافعا برجليها، ورأيت خصيتيه تترددان بين فخذيها، و رأيت خفزا شديدا، وسمعت نفسا عاليا. وفي لفظ الطبري قال: رأيته جالسا بين رجلي امرأة، فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان، وإستين مكشوفتين، وسمعت خفزانا شديدا. فقال له: أرأيته يدخله كالميل في المكحلة؟ فقال: لا، فقال عمر: الله أكبر قم إليهم فاضربهم، فقام إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين وأعجبه قول زياد ودرأ عن المغيرة الرجم فقال أبو بكرة بعد أن ضرب: فإني أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا. فهم عمر بضربه فقال له علي 7: إن ضربته رجمت صاحبك ونهاه عن ذلك.
في هذه القضية بعض الاستبهام الذي لم يبيّن إلا بعد النظر والتأمل, وهو غموض واستفهام في الرواية الحاصل بين الخليفة والشاهد الرابع (زياد بن أبيه), نعرضه لتبيين الغموض:-
1. حينما دعا الخليفة عمر المغيرة والشهود, لماذا لم يكن بينهم الشاهد الرابع؟. بدلالة انه بعث له بعد شهادة الثلاثة.
2. حينما دعا الحليفة الشاهد الرابع, لماذا كتب له كتابا ولم يستدعيه شفهيا. مع أن الشاهد يعلم بأنه سوف يستجوب في تلك القضية؟.
3. من أين يعلم الخليفة أن الشاهد الرابع سيشهد بخلاف ما شهد به الشهود الثلاثة, مع انه - أي الشاهد - كان قد رأى ما رأى الشهود الثلاثة؟؟. بدلالة قول الخليفة عمر حينما استدعى الشاهد الرابع: إني لأرى رجلا لن يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين. أو بقوله: أما إني أرى وجه رجل أرجو أن لا يرجم رجل من أصحاب رسول على يده ولا يخزى بشهادته. أو بقوله: إني لأرى غلاما كيسا لا يقول إلا حقا ولم يكن ليكتمني شيئا. أو بقوله: إني أرى غلاما كيسا لن يشهد إن شاء الله إلا بحق.
4. لو كان للخليفة قسط من حكم هذه القضية لما هم بجلد أبي بكرة ثانيا.
5. لماذا أقام الخليفة عمر حد القذف على الشهود الثلاثة ولم يقم التعزير على الشاهد الثالث؟. مع أن الشاهد قد رأى مجلسا قبيحا، وسمع أمرا حثيثا وانبهارا، وخفزا شديدا، وسمعت نفسا عاليا ورآه متبطنها. رافعا برجليها، و خصيتيه تترددان بين فخذيها، وإستين مكشوفتين.. كما تبين من شهادته. أولم تكن المعاصي تستوجب تعزيرا؟.
6. وغير هذا وذاك وبعد الإدلاء بشهادة الرابع كما تقدم فهل تجد في هذا الحد مساغا لأن يكون الميل في خارج المكحلة؟ أو أن يكون قضيب المغيرة جامحا عن فرج أم جميل؟.
والإجابة عن كل هذه الاستفهامات ورفع الغموض تتلخص في أن الخليفة كان على اتفاق مع الشاهد الرابع, وجرى هذه الاتفاق بان يدلى الشاهد بشهادة تكون لصالح المغيرة, إما عن طريق الكتاب الذي بعثه إليه يستدعيه به, وإما عن طريق الكلام الذي قاله الخليفة حال وصول الشاهد..  
مع ان الخليفة كان جازما بصدق الخزاية كما يعرب عنه قوله للمغيرة: والله ما أظن أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بالحجارة من السماء. قاله لما وافقت أم جميل عمر بالموسم والمغيرة هناك فسأله عنها فقال: هذه أم كلثوم بنت علي فقال عمر: أتتجاهل علي؟ والله ما أظن أبا بكرة كذب عليك وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بحجارة من السماء.  
وليت شعري لماذا كان عمر يخاف أن يرمى بالحجارة من السماء؟ ألرده الحد حقا؟ وحاشا الله أن يرمي مقيم الحق، أو لتعطيله الحكم؟ أو لجلده مثل أبي بكرة الذي عدوه من خيار الصحابة وكان من العبادة كالنصل؟ أنا لا أدري. وكان علي أمير المؤمنين يصافق عمر على ما ظن أو جزم به فخاف أن يرمى بالحجارة، وينم عن ذلك قوله : لئن لم ينته المغيرة لأتبعنه أحجاره. أو قوله: لئن أخذت المغيرة لأتبعنه أحجاره. 
وقد هجاه حسان بن ثابت في هذه القصة بقوله: 
لو أن اللوم ينسب كان عبدا ** قبيح الوجه أعور من ثقيف
تركت الدين والاسلام لما ** بدت لك غدوة ذات النصيف
وراجعت الصبا وذكرت لهوا ** من القينات في العمر اللطيف
ولا يشك ابن أبي الحديد المعتزلي في أن المغيرة زنى بأم جميل وقال: أما المغيرة فلا شك عندي أنه زنى بالمرأة، فهذه الأخبار كما تراها تدل متأملها على أن الرجل زنى بالمرأة لا محالة وكل كتب التواريخ والسير تشهد بذلك.. و أن الخبر بزناه كان شائعا مشهورا مستفيضا بين الناس. وقد قال أعرابي عندما سئل عن المغيرة. ما تقول في أميرك المغيرة؟ أجاب: أعرفه أعور زناء. 
وقال الحسن بن علي للمغيرة: إن حد الله في الزنا ثابت عليك، ولقد درأ عمر عنك حقا الله سائله عنه، ولقد سألت رسول الله هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها، فقال : لا بأس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزنا. لعلمه بأنك زان. 
وكان الواجب على الخليفة رعاية حال الشهود أيضا ودرأ الحد عنهم، كما درأ الحد عن المغيرة. فأنى له درأ الحد عمن يقال: إنه كان أزنى الناس في الجاهلية فلما دخل في الإسلام قيده الإسلام وبقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته بالبصرة؟ أنى له رفع اليد عن مثل الرجل وقد غلب على ظنه وجوب الحد عليه، وحكمه بالحد على أبرياء ثلاثة يشك في الحد عليهم وفيهم من يعد من عباد الصحابة؟ وأني يتأتى الاحتياط في درأ الحد عن واحد مثل المغيرة برمي ثلاثة بالكذب والقذف وتشويه سمعتهم في المجتمع الديني وتخذيلهم بإجراء الحد عليهم؟. أولم تكن المعاصي تستوجب تعزيرا؟. أولم يكن من رأيه ضرب خمسين على من وجد مع امرأة في لحافها على فراشها؟. أولم يكن مقررا حكم عبد الله بن مسعود في رجل وجد مع امرأة في لحاف فضرب عبد الله كل واحد منهما أربعين سوطا وأقامهما للناس فذهب أهل المرأة وأهل الرجل فشكوا ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال عمر لابن مسعود: ما يقول هؤلاء؟ قال: قد فعلت ذلك. قال: أو رأيت ذلك؟ قال: نعم . فقال: نعم ما رأيت. فقالوا: أتيناه نستأذنه فإذا هو يسأله. 
نعم: للقارئ أن يفرق بين ما نحن فيه وبين تلكم المواقف التي حكم فيها بالتعزير بأن الحكم هناك قد دار مدار اللحاف ولم يكن لحاف على المغيرة وأم جميل في فحشائهما: والقول بمثل هذه الخزاية أهون من تلكم الكلم التي توجد في الدفاع عن الخليفة حول هذه القضية ولدتها.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


احمد كاظم الاكوش
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/09/24



كتابة تعليق لموضوع : قراءة نقدية - تاريخية لكتاب (عمر والتشيع) للاستاذ حسن العلوي (3)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net