صفحة الكاتب : مير ئاكره يي

كبرى المراسلات في التاريخ الاسلامي [ مراسلات علي ومعاوية ] الجزء الأول
مير ئاكره يي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 المقدمة :
____
قبل البدء بالحديث عن المراسلات التاريخية الهامة التي جرت بين الامام علي [ 599- 661 ] خلال فترة خلافته وزعامته لدولة الخلافة الراشدة [ 632 – 661 ] ، وبين معاوية بن أبي سفيان [602 – 680 ] أول ملوك الدولة الأموية ومؤسسها [ 662 – 750 ] ، حيث إنه أقامها على أنقاض دولة الخلافة الراشدة ، لا بد من التطرّق الى أسباب الصراع المريرللرجلين ، لأن ذلك سيساعدنا في معرفة وفهم أسباب الصراع وعوامل النزاع بينهما والوقوف عليها ، حيث حينها يمكن الحكم في الصراع وتقويمه .
بالحقيقة إن جذور الصراع العلوي [ علي بن أبي طالب ] – الأموي [ معاوية بن أبي سفيان ] لها خلفية تاريخية تعود الى ما قبل الاسلام والبعثة النبوية الكريمة لنبي الله محمد [ ص ] كما رواه لنا المؤرخون في كتبهم التاريخية . إذ إن خلاصة أسباب الصراع والنزاع وتاريخه يرجع الى [ هاشم بن عبد مناف بن قصي ] وبين إبن أخيه [ أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ]  ، وهي إن هاشما كان يتزعم المعونة والسقاية للبيت الحرام وحججاجه قبل الاسلام بوقت طويل . وهذه سنة سنّها جده قصي بن كلاب بن مُرّة  ، لأن أخاه عبد شمس كان كثير الترحال والسفر ، وكان قلّما يقيم بمكة ، وإنه أيضا كان رجلا مقلا بخيلا وكثير العيال من ناحية أخرى . لذا إتفقت قريش عموما بما تمتع به هاشم من سجايا الأخلاق الراقية والأعمال السامية والفضائل الكثيرة ، مثل الكرم والسخاء ونصرة المظلوم والشهامة والمروءة على توليته السقاية والرفادة ، أي المعونة لحججاج بيت الله الحرام والاشراف عليهم ورعايتهم والقيام بخدمتهم .
وكان هاشم اذا حضر موسم الحج يخطب في قريش فيقول كما رواه المؤرخ المعروف أحمد بن علي المقريزي [ 764 – 845 ] : [ يا معشر قريش ؛ إنكم جيران الله وأهل بيته ، وإنكم يأتيكم في هذا الموسم زوّار الله يُعظّمون حُرمة بيته ، وهم ضيوف الله وأحق الضيف بالكرامة ضيفه ، وقد خصكم الله بذلك وأكرمكم به حفظ منكم أفضل ما حفظه جار من جاره ، فأكرموا ضيفه وزواره فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد على ضوامر كالقداح وقد أزحفوا وتفلوا وقملوا وأرملوا فأقروهم وأغنوهم وأعينوهم ] ( 1 ) .
وبهذا دخل في نفس أمية الحسد والحساسية والبغض لهاشم ، فأخذ ينافسه ويباغضه ويكن له في السر والعلن المقت والكره . والأهم من هذا وقوع حادثة بينهما التي أصّلت وأسّست مباني الصراع والنزاع والتخاصم المحموم بينهما ، إذ أنها جعلت من أمية يجاهر بعدائه وصراعه مع هاشم والهاشميين عموما . والحادثة هي كما رواها المقريزي : [ وكان هاشم يسمى عمرا ، وإنما قيل له ( هاشم ) لهشمه الثريد ، وهو أول من أطعم الثريد بمكة . وكان أمية بن عبد شمس ذا مال فتكلّف أن يفعل كما فعل هاشم من إطعام قريش فعجز عن ذلك . فشمت به ناس من قريش وعابوه ، فغضب ونافر هاشما ( نافر : تحدى . م ئاكره يي ) على خمسين ناقة سود الحدق تنحر بمكة ، وعلى جلاء عشر سنين وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي جد عمرو بن الحمق الصحابي ( للعلم إن معاوية بن أبي سفيان دفن عمرو بن الحمق الخزاعي وعدي بن حجر وعدد آخر من الصحابة مخالفين لحكمه وهم أحياء ! ! ! . ولما إعترضت السيد عائشة أم المؤمنين – رض – على هذه الفعلة النكراء والجريمة الشنعاء لمعاوية قال لها : < إني رأيت قتلهم صلاحا للأمة وبقاءهم فسادا للأمة > !!!  . م ئاكره يي ) ، وكان منزله عسفان وخرج مع أمية أبو همهمة حبيب بن عامر بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر بن مالك الفهري ، فقال الكاهن : < والقمر الباهر ، والكوكب الزاهر ، والغمام الماطر ، وما بالجو من طائر ، وما إهتدى بعلم مسافر ، من منجد وغائر ؛ لقد سبق هاشم أمية الى المآثر ، أول منه وآخر ، وأبو همهمة بذلك خابر > .
فأخذ هاشم الابل فنحرها وأطعم لحمها من حضر ، وخرج أمية الى الشام فأقام بها عشر سنين فكان هذا أول عداوة وقعت في بني هاشم وبني أمية ] ( 2 ) .
ما ورد من هذه الحادثة بين هاشم وأمية كان أول عداء بينهما ، حيث بدأه الأخير – أي أمية - ، وبجلاء أمية الى الشام ومغادرته مكة بعد خسره الرهان والتحدي مع هاشم والاقامة في الديار الشامية كان ذلك أول إتصال مباشر لبني أمية والبيت الأموي بالشاميين قبل الاسلام . على هذا فإن عيني معاوية بن أبي سفيان كانت على الدوام متجهة صوب الشام وأهلها ، وإنه كان يعد الأيام لكي يتولاها فيستقل بها ، ومن ثم ليقوم بإجراء ما في ذهنه ونفسه من خطط وبرامج وأهداف ، وهذا ما تم له لمزيد من الأسف والأسى الشديدين الفاجعين ! .
وتأسيسا لما جاء إستمر العداء والصراع والتنازع والتنافس السلبي للبيت الأموي بقيادة أبي سفيان صخر بن حرب ضد البيت الهاشمي ، وإنه إستفحل وبلغ الذروة حين بعثة رسول الله محمد [ ص ] سيد بني هاشم . وبهذه البعثة النبوية المحمدية – الهاشمية الشريفة أخذ العداء والصراع يأخذان مديات مضاعفة الى أبعد الحدود . ولو أن إعلان رسول الله محمد [ص] لنبوته ولدينه للعرب خاصة ، وللناس في العالم عامة قد حيّرت وأدهشت وأذهلت البيت الأموي وفاجأتهم كثيرا وكانت كوقع الصاعقة عليهم ، وعلى غيرهم من الطغاة المشركين العرب وقتها ، لكنهم لم ييأسوا ، بل إنهم قاموا بالاعداد والتخطيط والتآمر والعداء المباشر وغير المباشر ضد السيد الهاشمي رسول الله محمد وآله وصحابته بشكل عام . وقد قال أقطاب البيت الأموي يومها كلاما يدل على مدى حسدهم وصراعهم مع البيت الهاشمي وذهولهم بالنبوة المحمدية الشريفة : [ أطعم بنو هاشم فأطعمنا ، سقوا فسقينا ، رفدوا فرفدنا ، ثم قالوا : منا نبي يكلّم من السماء فأنّى لنا هذا ] !!! . هنا نستثني الخليفة الثالث عثمان بن عفان [ رض ] من هذا الصراع والعداء ، لأنه بالرغم من أنه من البيت الأموي لكنه أسلم في بدايات الدعوة الاسلامية على يد أبي بكر الصديق [ رض ] . لذا فهذا البحث الذي يدور حصرا في فرعي السفياني والحكم بن أبي العاص من البيت الأموي الذين رفعوا راية العداء والحرب الشاملة ، مع بقية الطغاة المشركين العرب ضد رسول الله محمد [ ص ] وآله وأصحابه [ رضي الله عنهم ] حتى فتح مكة العظيم ! .   
وبالرغم من كل الاعداد والتخطيط والتآمر والتنكيل والبطش والارهاب الذي مارسه البيت الأموي وغيرهم من المشركين العرب يومها ، وبالرغم من شنهم  الحروب الشاملة ضد رسول الله محمد [ ص ] وآله وصحابته بغية إستئصالهم وإبادتهم فقد إنتصر المسلمون بقيادة نبيهم العظيم ودخلوا مكة فاتحين . وفي حرب الخندق حيث قاد أبي سفيان الأحزاب كلها ضد رسول الله [ ص ] والمسلمين بهدف إبادتهم وإستئصالهم كما يقول هو في رسالة بعثها الى النبي ، حيث يقول فيها : [ بإسمك اللهم أحلف باللات والعزى وساف ونائلة وهبل لقد سرت اليك أريد إستئصالكم فأراك قد إعتصمت بالخندق فكرهت لقاءنا ولك مني ميوم أحد ] ! ( 3 ) . فكتب اليه رسول الله محمد [ ص ] فقال :[ قد أتاني كتابك غرّك يا أحمق بني غالب وسفيههم بالله الغرور ، وسيحول الله بينك ، وبين ماتريد ويجعل لنا العاقبة ، وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وساف ونائلة وهبل يا سفيه بني غالب ] ! (4).
وبالرغم من كل هذا فقد عفا رسول الله محمد [ ص ] عن أبي سفيان وغيره من رؤساء الجبت والطاغوت والشرك والعدوان وأهل مكة كلهم وخطب فيهم خطبته التاريخية المعروفة فقال مخاطبا لهم : [ الحمد لله الذي صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ماذا تقولون ! ؟ وماذا تظنون ! ؟ قالوا : نقول خيرا ، ونظن شرا ! ، أخ كريم ، وإبن أخ كريم ، وقد قدرت ، فقال : إني أقول كما قال أخي يوسف { لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين } . ألا إن كل ربا في الجاهلية ، أو دم ، أو مأثُرة فهو تحت قدمي هاتين إلاّ سدانة الكعبة وسقاية الحاج . ألا وفي قتيل شبه العمد ؛ قتيل العصا والسوط الدية مغلّظة مائة ناقة ، منها أربعون في بطونها أولادها . إن الله قد أذهب نخوة الجاهلية وتكبُّرها بآبائها ، كلكم لآدم ، وآدم من تراب . وأكرمكم عند الله أتقاكم ] ! ( 5 ) .وفي رواية أخرى قال رسول الله محمد [ ص ] في آخر خطابه لأهل مكة عندما أصدر العفو العام عنهم : [ إذهبوا فأنتم الطلقاء ] ! .
بالاضافة إن رسول الله محمد [ ص ] أعطى يوم فتح مكة إمتيازا آخر لأبي سفيان حينما قال : [ إن من دخل دار أبا سفيان فهو آمن ] ! . وهكذا فقد تكرّم الرسول محمد عليه وآله الصلاة والسلام بمكرمات أخرى ، حيث إنه ولاّه وغيره من البيت الأموي مسؤوليات في الدولة الفتية الوليدة . وكان ذلك محاولة جدية من رسول الله محمد [ ص ] بتناسي ونسيان الماضي  . حتى أكثر من ذلك فقد تزوج عليه السلام من بنت أبي سفيان رملة المعروفة بأم حبيبة !!! .
أما إن البيت الأموي السفياني لم يقدروا قط هذه اليد البيضاء ، وهذه المكارم الكبرى والفضائل الراقية لنبي الله محمد [ ص ] ولعمه العباس [ رض ] عليهم ، بل بالعكس تماما فإنهم تمادوا في الاستمرار في عدائهم وصراعهم مع رسول الله بأشكال وصيغ أخرى ، حتى إنهم ورّثوا تلكم الكميات الهائلة من الحقد والضغينة والعداء لأولادهم وأحفادهم . على هذا نرى كيف أن معاوية بن أبي سفيان تمرّد على الامام والخليفة الشرعي المنتخب علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه وكرم وجهه الشريف  ] ، ومن بعده تمرّده على إبنه الامام والخليفة الشرعي الحسن [ رض ] ! ؟ . وهكذا إستمر العداء السفياني التوارثي لآل رسول الله محمد [ ص ]  من جيل الى جيل ، الى أن بلغت ذروة الذروة عند يزيد بن معاوية حينما إرتكب القتل الجماعي والمجزرة المرعبة بحق الامام الحسين [ رض ] وآله وأتباعه الأخيار الأبرار في عاشوراء كربلاء   . وبهذه الجريمة العظمى ليزيد بن معاوية فإنه أدخل الأمة الاسلامية ، أمة محمد [ ص ] في حزن وأسف وعزاء قد لايجبر أبد الدهور والأزمنة  ، فضلا عن أبشع وأفدح السلبيات والأضرار الأخرى التي لحقت بالمسلمين منذ ذلك العصر السفياني الأموي الغادروالمشؤوم الى يومنا هذا !!! .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مير ئاكره يي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/04/23



كتابة تعليق لموضوع : كبرى المراسلات في التاريخ الاسلامي [ مراسلات علي ومعاوية ] الجزء الأول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net