صفحة الكاتب : نجم الحسناوي

قولان سديدان حول السقيفة يكفيان لهداية المخالف
نجم الحسناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 ما قيل وكُتب عن السقيفة ومسائل الظلم الذي وقع على أهل بيت النبوة عليهم السلام كثير ، ولكن هنالك أقوال في كتب وغيرها لو قرأناها نحن الموالون مئات المرات لن نستطع تصور فلسفتها وعمق تحليلها لما جرى من أفعال شياطين الأنس في مقابل أنوار السماوات والأرض محمدٍ وآله الطاهرين ، بل  في رأيي مقابل ارادة الله عز وجل اذ كذبوا آياته وكذبوا نبيه الذي لا ينطق عن الهوى ....ناهيك عما فعلوا قبلها .

ونقتصر هنا على أقوال سديدة في مسألة السقيفة وما تبَعها برأي عالمين جليلين  من ابرز الفقهاء والمفكرين الذين كان لهم أثر في نهضة التشيع في القرن المنصرم .

قال السيد الشهيد محمد باقر الصدر \"رضوان الله تعالى عليه\" في كتابه نشأة التشيع والشيعة بأن السلبية في الموقف ـ أي في إهمال أمر الخلافة ـ لا يمكن إفتراضها في النبي \"صلى الله عليه وآله\" ، لأنها تنشأ من أحد أمرين كلاهما لا ينطبقان عليه:

الأمر الأول: الاعتقاد بأن هذه السلبية والاهمال لا تؤثر على مستقبل الدعوة، وأن الأمة سوف يخلف الدعوة فيها قادرة على التصرف بالشكل الذي يحمي الدعوة، ويضمن عدم الانحراف.

وهذا الاعتقاد لا مبرر له من الواقع اطلاقاً، بل إن طبيعة الأشياء كانت تدل على خلافه، لأن الدعوة ـ بحكم كونها عملا تغييرياً انقلابياً في بدايته، يستهدف بناء أمة واستئصال كل جذور الجاهلية منها ـ تتعرض لأكبر الأخطار إذا خلت الساحة من قائدها، وتركها دون أي تخطيط، فهناك ألاخطار التي تنبع عن طبيعة مواجهة الفراغ دون أي تخطيط مسبق، وعن الضرورة الآنية لإتخاذ موقف مرتجل في ظل الصدمة العظيمة بفقد النبي \"صلى الله عليه وآله\"  إذا ترك الساحة دون تخطيط لمصير الدعوة فسوف تواجه الأمة، ولأول مرة، مسؤولية التصرف بدون قائدها تجاه أخطر مشاكل الدعوة، وهي لا تمتلك أي مفهوم سابق بهذا الصدد، وسوف يتطلب منها الموقف تصرفاً سريعاً آنياً على رغم خطورة المشكلة، لأن الفراغ لا يمكن أن يستمر، وسوف يكون هذا التصرف السريع في لحظة الصدمة التي تزعزع بطبيعتها سير التفكير، وتبعث على الاضطراب.

وكذلك هناك الأخطار التي تنجم عن عدم النضج الرسالي بدرجة تضمن للنبي \"صلى الله عليه وآله\" ، سلفاً، موضوعية التصرف الذي سوف يقع وانسجامه مع الإطار الرسالي للدعوة، وتغلبه على التناقضات الكامنة التي كانت ولا تزال تعيش في زوايا نفوس المسلمين على أساس الانقسام إلى مهاجرين وأنصار، أو قريش وسائر العرب، أو مكة والمدينة.

كما ان هناك الأخطار التي تنشأ لوجود القطاع المستتر بالإسلام، والذي كان يكيد له في حياة النبي \"صلى الله عليه وآله\"  باستمرار، وهو القطاع الذي كان يسميه القرآن «بالمنافقين». وإذا أضفنا إليهم عدداً كبيراً ممن أسلم بعد الفتح، استسلاماً للأمر الواقع لا إنفتاحاً على الحقيقة، نستطيع حينئذ أن نقدر الخطر الذي يمكن لهذه العناصر أن تولده وهي تجد فجأة فرصة لنشاط واسع في فراغ كبير، مع خلو الساحة من رعاية القائد.

فلم تكن إذن خطورة الموقف بعد وفاة النبي \"صلى الله عليه وآله\"  شيئاً يمكن أن يخفى على أي قائد مارس العمل العقائدي فضلاً عن خاتم الأنبياء. وإذا كان أبو بكر لم يشأ أن يترك الساحة دون أن يتدخل تدخلاً في ضمان مستقبل الحكم بحجة الاحتياط للأمر. وإذا كان الناس قد هرعوا إلى عمر حين ضُرب قائلين: يا أمير المؤمنين لو عهدت عهداً، وكل ذلك كان خوفاً من الفراغ الذي سوف يخلفه الخليفة، بالرغم من التركز السياسي والاجتماعي الذي كانت الدعوة قد بلغته بعد عقد من وفاة الرسول \"صلى الله عليه وآله\" ، وإذا كان عمر قد أوصى إلى ستة تجاوباً مع شعور الآخرين بالخطر، وإذا كان عمر يدرك بعمق خطورة الموقف في يوم السقيفة، وما كان بالإمكان أن تؤدي إليه خلافة أبي بكر بشكلها المرتجل من مضاعفات، وإذا كان أبو بكر نفسه يعتذر عن تسرعه إلى قبول الحكم، وتحمل المسووليات الكبيرة، بأنه شعر بخطورة الموقف، إذ يقول ـ وقد عوتب على قبول السلطة ـ : «إن رسول الله \"صلى الله عليه وآله\"  قبض، والناس حديثو عهد بالجاهلية، فخشيت أن يفتتنوا، وأن أصحابي حملونيها» إذا كان كل ذلك صحيحاً، فمن البديهي إذن أن يكون رائد الدعوة ونبيها أكثر شعوراً بخطر السلبية، وأكبر إدراكاً، وأعمق فهماً لطبيعة الموقف ومتطلبات العمل التغييري الذي يمارسه في أمة حديثة عهد بالجاهلية على حد تعبير أبي بكر.

الأمر الثاني: النظرة المَصلَحة الذي يمكن أن يفسر سلبية القائد تجاه مستقبل الدعوة، ومصيرها بعد وفاته، أنه على رغم شعوره بخطر هذا الموقف، لا يحاول تحصين الدعوة ضد ذلك الخطر، لأنه ينظر إلى الدعوة نظرة مصلحية، فلا يهمه إلا أن يحافظ عليها ما دام حياً ليستفيد منها، ويستمتع بمكاسبها، ولا يعنى بحماية مستقبلها بعد وفاته، وهذا التفسير لا يمكن أن يصدق على النبي محمدا \"صلى الله عليه وآله\" .

وقال السيد الشهيد: وأخيراً فإن في سلوك الرسول \"صلى الله عليه وآله\"  في مرضه الأخير رقماً واحداً يكفي لنفي ذلك ـ أي الموقف السلبي ـ وللتدليل على أن القائد الأعظم، نبينا محمد \"صلى الله عليه وآله\"  كان أبعد ما يكون من فرضية الموقف السلبي تجاه مستقبل الدعوة، لعدم الشعور بالخطر، أو لعدم الاهتمام بشأنه، وهذا الرقم أجمعت صحاح المسلمين جميعاً ـ سنة وشيعة ـ على نقله،، وهو أن الرسول \"صلى الله عليه وآله\"  لما حضرته الوفاة، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي \"صلى الله عليه وآله\" : «ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً» فإن هذه المحاولة من القائد الكريم، المتفق على نقلها وصحتها تدل بكل وضوح على أنه كان يفكر في أخطار المستقبل، ويدرك بعمق ضرورة التخطيط لتحصين الامة من الانحراف، وحماية الدعوة من التميع والانهيار، فليس إذن من الممكن افتراض الموقف السلبي من النبي \"صلى الله عليه وآله\"  بحالٍ من الأحوال.

 

وقال الشيخ المظفر \"طاب ثراه \" في كتابه السقيفة: إن النبي \"صلى الله عليه وآله\"  عدَل عن كتابة الكتاب في رزية الخميس لا خشية من عمر وغيره، ولكن الشبهة التي أثارها عمر وتقبلها بعض الحاضرين بالفعل فاختلفوا بحضوره لا تبقي مجالاً للكتاب لأنه بالعكس سيكون سبباً للضلال والخلاف أبد الدهور بعد أن كان المقصود منه تأمين البشر من الضلال، فلا بد أن يعدل عنه روحي فداه، وكل قول أو فعل حينئذ من النبي \"صلى الله عليه وآله\"  بعد هذا يكون موضعاً لهذه الشبهة بأنه من الهجر وغلبة الوجع. وحق لإبن عباس وغيره أن يبكي ويبكي بل حق له أن تنفطر كبده ألماً لزوال هذه النعمة الكبرى التي لا تعادلها نعمة مهما كان مقصود النبي \"صلى الله عليه وآله\"  من ذلك البيان الذي لا يضلون بعده أبداً سواء كان هو النص على علي \"عليه السلام\" أو على أي شيئ آخر.

وقال : ونحن رجحنا أن يكون المقصود هو النص على علي \"عليه السلام\" للدلائل والاشارات التي ذكرناها في كتاب السقيفة ومن جملتها قول عمر «حسبنا كتاب الله» الذي هو صريح في أن ما يريد أن يبينه النبي \"صلى الله عليه وآله\"  هو عِدل القرآن، ويسرع الى أذهاننا حينئذ حديث الثقلين وأنه هو المستهدف في البيان والمنع منه.

وفي سياق رده رضوان الله عليه على أحد المخالفين:

ان الحاجة اليه ـ أي الكتاب ـ بعد نص الغدير وغيره ما كان يستشعره النبي \"صلى الله عليه وآله\"  وما هو مكتوب أثبت مما ينقل على الأفواه، وكيف يتطرق اليه النسيان أو النكران وهو حجة ثابتة مكتوبة، على أنه لو وقع يكون أقرب عهداً الى الناس من حديث الغدير لو كان بُعد العهد هو السبب في النسيان أو النكران كما أردت أن تقول.

وقال الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه السقيفة بعد أن عرض تفصيلاً كاملاً لطمع من طمع بها من الأنصار والمهاجرين وغلبة المهاجرين ـ لشدة وطأة نفاقهم على ما ذكرهم الله في بيان حالهم في الكثير من سور القرآن الكريم ـ وضعف حال الأنصار.

قال: من نفس الحادثة نستطيع أن نؤيد النص على الإمام علي \"عليه السلام\"، لأن ما ورد فيه من تلك النصوص لو لم تكن لتعيين خليفة وكانت لمجرد الثناء وبيان فضله، ولم يكن الاجتماع لاستغلال الفرصة لمخالفة النص وكان اجتماعاً طبيعياً شرعياً، لو لم يكن كل ذلك لوجب أن يكون هذا الرجل الذي هو من النبي بمنزلة هارون من موسى في مقدمة المجتمعين وعلى رأسهم ومعه أهل بيته، ولما كان ينعقد الاجتماع ولا يقرر فيه شيئ من دون مشورته وموافقته، ولكن كل ذلك لم يقع. بل الحادثة من مبدأها الى منتهاها أخذت على أن تقع على غفلة منه ومن بني هاشم الى آخر لحظة منها وأهمل شأنهم كأنهم لم يكونوا من المسلمين أو لم يكونوا من الحاضرين إلا بعد أن تم كل شيئ.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نجم الحسناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/10/09



كتابة تعليق لموضوع : قولان سديدان حول السقيفة يكفيان لهداية المخالف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net