صفحة الكاتب : مهيب الاعرجي

المنبر الحسيني والتعليم الذاتي
مهيب الاعرجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
هناك ترابط عضوي بين حركة التطور الحضارية للمجتمع الشيعي والاسلامي وبين حركة المنبر الحسيني ،و لا يمكن لنا ان نفصل بين الحركتين ، فالحركة التاريخية والحضارية للشعوب والامم عندما تدور عجلتها تلقي بظلالها على كل النواحي في الحياة البشرية وتصبغها بلونها الخاص وتفرض على المنابع الفكرية والتربوية ان تسيير باتجاه ينسجم تماما مع مسارها الحضاري ، ولايمكن لاحد ـ وهو يريد مواكبة هذا الركب ـ ان يجدف ضد الموج ويرجع بالحياة والتاريخ الى بداية الشوط .
ان احد المنابع الفكرية والتربوية التي الهمت الكيان الشيعي وغذته بروحها الحية والمتوقده هي مؤسسة المنبر الحسيني ، و هي ليست بدعا عن الحركة الحضارية ولا منعزلة عن دائرتها الواسعة التي تمتد بشموليتها لتستغرق كل المفردات في الحياة البشرية فان المنبريفترض في واقعه ان يكون القلب النابض الذي يتحسس كل التغيرات والطوارئ التي يمر بها الجسم الاسلامي ، وعلى هذا الاساس فهو صاحب البادرة التي تستوعب كل حيثيات الحضارة وتراعي المتغيرات التي تفرض نفسها منعكسة عن تقدم البشرية .
نعم هناك مفردات لا تصلها يد التقدم الحضاري ولايمكن ان تتغيير الا اذا افترضنا ان يتبدل الواقع الحسيني الى واقع اخر وتتمثل هذه المفردات بالثوابت الحية التي تتقوم حقيقة المنبر بها ، كالمظلومية لاهل البيت والجانب الوعظي الارشادي واظهار الحقائق التاريخية والصدق والامانة والتقوى ووو...
اما الذي يطرئ عليه التغيير والتطور فهو عبارة عن طبيعة البحث المطروح وشكله ونوع المعلومات واسلوب الطرح وادبياته ...
والخلاصة ان المنبر يرتبط بالتقدم الحضاري فيتاثر ويؤثر ولايمكن غض الطرف عن هذه العلاقة ومساحة التاثير لاتصل الى الثوابت منه بل تنال فقط المتغيرات فحسب .
من هنا نجد ان المنظومة المعرفية التي لابد ان يتوفر عليها المنبر اختلفت تماما عما كانت عليه في السابق ـ بسبب هذا الترابط المذكور ـ خصوصا بعد ان بدأ العالم الافتراضي والانترنت يغزي الحياة ويدخل الى صميم الواقع بشتى حقوله ومختلف ميادينه مما خلق عصفا كبيرا وتيارا يحمل في طياته الغث والسمين والنافع والضار .
ومن هنا لم تعد تكفي الدراسة الحوزوية لوحدها في اثراء المنبر بما يحتاج من معارف وافكار فالخطيب عندما يريد ان يشخص مشكلة اجتماعية تنعكس تداعياتها على الواقع الديني والتربوي والامني ... لابد ان يحيط ـ ولو اجمالاـ بالحيثيات التي ترتبط بقضايا المجتمع ويلم علميا بالاوليات التي تدور في مجالها الظواهر الاجتماعية وطبيعة الاتجاهات والقيم الاجتماعي التي ترتبط بذاك المجتمع وهذا مايتكفلة علم الاجتماع المعاصر وكذا الحال في الانحرافات السلوكية التي تحتاج الى المام بعلم النفس ، وعندما يريد ان يقارن ظاهرة اجتماعية ذكرها القران مثلا بحدث تاريخي حصل في حضارتنا الاسلامية او في الاوربية فهو يحتاج الى التاريخ بمختلف أقسامه .
وهكذا بدأت دائرة المعارف للمنبر تتسع باتساع التطور الحضاري والتقدم وهنا ماهو الحل لكي نسد هذه الثغرة التي يدركها كل من له خبرة في المجال المنبري ؟ .
والتعلم البديل او الذاتي هو افضل حل لهذه المشكلة التي يواجهها كل خطيب بل هي السبيل الأمثل لإثراء العطش المعرفي لكل إنسان وطالب للممعارف والعلوم ، وهو ماتبتني عليه الدول المتطورة وتعتبره ركيزة كبرى في تصعيد الوعي القومي لمجتمعاتها بصورة اقتصادية وغير مكلفة ولامتقيدة بعمر للدارس ولابمكان وما الجامعات المفتوحة والتعلم عن بعد ... الاضرب من ضروبه ولون من الوانه ، وتعرف الموسوعة السوفيتية التعليم الذاتي بانه (ما يكتسبه الفرد خارج المؤسسات التعليمية عن طريق العمل الاستقلالي ...) وبكلمة اوضح ان التعليم الذاتي هو عبارة دراسة مختلف العلوم بلا معلم وباسرع الطرق مستخدما بذلك قدراته الذاتية في استيعاب المواد التي عزم الفرد على دراستها .
ان الحقائق العلمية والنفسية تؤكد على ان التعلم نشاط يبذله الفرد نفسه في استيعاب المعلومات يذكر الدكتوراحمد عزة راجح ان نظريات التعلم كلها تتفق في نقاط معينة وان واحدة من تلك هي ان التعلم نشاط ذاتي يقوم به المتعلم نفسه نتيجة لحاجة لديه

وعلى هذا الأساس لِمَ لاننقل هذه التجربة - التي تدفع بالمنبر أشواطا كبيرة الى الامام - الى المنبر الحسيني ، فكل خطيب له ان يبحث في داخله عن ميوله وحاجته المعرفية ويحدد العلوم التي يفتقر اليها منبره ويجبر ذلك النقص بواسطة اسلوب التعلم الذاتي الذي أكدت التجارب التعليمية نجاحه الباهر الذي جعل من مفكري العالم يعتبرونه اسلوبا مميزا للبناء الفكري والعلمي .

وهنا لابد من الاشارة الى ملاحظة مهمة وهي انه ليس كل فرد له لياقة التعلم الذاتي بل هو يرتكز على تراكمات معرفية مختلفة تؤهل الفرد ليتوسع في دائرة معارفه بما يشاء من العلوم ومن دون تلك الخلفية لايستطيع الفرد ان ينال الصورة الاكمل في هذا النوع من التعلم فهو حالة مكملة للتعليم وليس هو كل عملية التعليم
من هنا نؤكد على ان الدراسة الحوزوية هي عملية تعليم بامتياز توجد المناخ والظرف والاليات التي تجعل من الدارس متمكنا من التعلم الذاتي وبامكانه ان يلج الكثير من الميادين والحقول العلمية وبالخصوص العلوم الانسانية منها ، واقول بكل صراحة ان الية البحث في الحوزة بما تحتويه من ذوق علمي صاعد ونفس عميق لايوجد في جميع جامعات العالم فمن يدرس في مساجد النجف والحوزة فليعلم انه في افضل مكان علمي في هذه البسيطة
ولا اعلم السر في صناعة الدراسة الحوزوية للباحث والمتعلم ذاتيا ولعل طبيعة الاعتماد على النفس وصعوبة الطرح والمضمون وراء ذلك البناء .

وعلى كل فالتعليم الذاتي طريقة من له اهلية ان يكون باحثا وخطيبا ، ولو رجعنا قليلا الى ذاكرة التاريخ لوجدنا ان اكثر علمائنا كانوا يعتبرون التعلم الذاتي رافدا مهما من روافد المعرفة فمثلا تكلموا يوما امام السيد الحكيم قدس سره عن بعض القضايا التي تتصل بالنسب واذا بالسيد يتكلم كأنه صاحب اختصاص ولما سال قال انه درسه منذ زمن ولا اعتقد انه يقصد بدراسته سوى انه تعلمه ذاتيا والشيخ القرشي قدس سره لم يدرس في جامعة التاريخ الاسلامي ليكتب لنا موسوعته التاريخية والتحليلية عن سير اهل البيت عليهم السلام ،و من المعلوم ان الاقتصاد لايدرس في الحوزات العلمية لكن لما فرضت الحركة الحضارية على السيد الشهيد ان يطالع الاقتصاد ويدرسه بأسلوب التعلم الذاتي استطاع ان يفوق حتى اساطين ذلك الميدان والعلم .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مهيب الاعرجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/10/29



كتابة تعليق لموضوع : المنبر الحسيني والتعليم الذاتي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net