صفحة الكاتب : بوقفة رؤوف

الأمانة
بوقفة رؤوف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.



﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا  ﴾ الأحزاب (72)  -
يذهب معظم المفسرين من السنة أن المقصود من الأمانة في هذه الآية هي التكليف المنوط بالعقل , لكن التكليف ليس ملزم به الإنسان فقط بل ملزم به أيضا الجن , والعبادة التكليفية في جوهرها ليست نوع من الأمانة بل هي أقرب إلى الوظيفة الحضارية التي يقوم بها كل من الإنسان والجان
فان قلنا إنها حرية الاختيار والقدرة والإرادة فان على هذه الأمور يدور مناط التكليف
إذا وجب قراءة ثانية لما يحمله مدلول لفظة الأمانة بعيدا عن التأويلات الظاهر فسادها لبعض الفرق الإسلامية
الأمانة التي حملها الإنسان في سرور , بينما رفض أهل السموات وأهل الأرض حملها إشفاقا من المسؤولية المترتبة عن حملها , مخافة التقصير وسوء التدبير هي أمانة التبليغ الحضاري 
و التبليغ الحضاري هو رسالة كل الرسل والأنبياء ومن ورائهم علماء ومثقفين ربانيين حضاريين
والتبليغ الحضاري هو نشر الحضارة الرسالية عن طريق نموذج الإنسان المتكامل , فالتبليغ الحضاري هو نشر قيم الحضارة الرسالية من قيم الإسلام المتجسدة في إنسانية الإنسان محبة وعفو وعدل قولا وفعلا ورد فعل , حيث تتشكل ثقافة التبليغ الحضاري المبنية على التسامح والتعارف
والتبليغ الحضاري يقوم على ركيزتين , ركيزة التمكين للعدل قولا وفعلا ونصرة وركيزة كشف الظلم وتبيينه ودفعه قولا وفعلا وسلوكا , بحيث تصبح لدينا ثقافة العدل , ودولة العدل ,  وحضارة العدل , وثقافة التحسس من الظلم بكل أنواعه وأشكاله .


﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا  ﴾ الأحزاب (72)  -
يبقى سؤال يطرح نفسه بإلحاح :
لماذا رفضت الأرض والسموات العرض الإلهي في تحمل الأمانة ؟
والجواب نجده واضح وصريح في الآية نفسها , ليس بسبب تكبر واستكبار ولا اعتراض على العرض الإلهي , السبب ليس ذاتي , انه سبب موضوعي فأمانة التبليغ تقتضي مسؤولية , والسموات والأرض ومن فيها من المخلوقات التي كانت في نطاق العرض الإلهي وان كان ينقصها العقل مناط التكليف , فإنها لا تفتقد للروح التي تميز بها حجم المسؤولية والآثار المترتبة عنها , هذه الروح التي سرت في الكون بجميع مكوناته وأجزائه كفيض من الواجد الماجد
وسواء كان الأمر على سبيل المجاز للإشارة إلى عظم الأمانة وعلو قدرها ورفعة شأنها أو على سبيل الحقيقة وبالتالي كان العرض الإلهي إلى من يسكن السموات والأرض وبالتالي العرض موجه إلى كافة المخلوقات المميزة سواء كان تميزها بالعقل أو بجهاز أو عضو آخر 
أو أن العرض الإلهي كان موجه في الأساس للكائنات الحكيمة أو الكائنات العليا والتي رفضت العرض الاختياري وليس الإلزامي من طرف الله عز وجل , ورفضها للقيام بمهمة التبليغ , التبليغ بالتي هي أحسن , التبليغ بالموعظة الحسنة , التبليغ بالقول والفعل ورد الفعل , التبليغ بالامتناع عن الفعل (اللاعنف)
وبالتالي نستطيع القول أن هناك وظيفتان , وظيفة عامة وهي العبادة والتي هي الغاية من الخلق , فلقد خلق الخالق الخلق لعبادته  وكل مخلوق و طريقة عبادته فالإنس والجن يعبدون الله بتنفيذ شرائعه  وعبادتهم عبادة تكليفية اختيارية بينما غيرهما عبادته سننية إلزامية وان لم نفقها فالملائكة تنفذ أوامره وباقي المخلوقات بتسبيحه وفق سنن طبيعية
أما العبادة الخاصة التي هابها الجميع لعظمتها وجللها والتي أطلق عليها التعبير القرآني وصف: الأمانة
فهي أمانة تبليغ الرسالة , استمرار الوظيفة الرسولية , استمرار تمتين الحبل بين الأرض والسماء , التمهيد للتمكين , تجسيد الإنسان المتكامل لأجل تكوين مجتمع رسالي لأجل قيام حضارة رسالية .
قلنا أن وظيفة الثقلين العامة هي عبادة الله , ووظيفة الإنسان الخاصة هي التبليغ , وقد وصفت  الآية الكريمة جنس الإنسان بكثرة الظلم وكثرة الجهل في صيغة مبالغة
والشخص الذي يقبل بمسؤولية ولا يقدرها حق قدرها فقد كان بحق ظالم لنفسه بهذا التقلد , جاهل لقيمة ما تقلد .
وبالتالي فان أردنا تصنيف الإنسانية نجدها على أربعة أصناف , أما الصنف الأول والثاني فيعيشون في ظل أطوار الحضارة المادية وكلا الصنفين يدخلان في دائرة الظلم .
والصنف الثالث والرابع يعيشون في ظل أطوار الحضارة الرسالية وكليهما إنسان عابد , أما أحدهما فعبادته سلبية تقتصر عليه فقط , يتفاعل بينه وبين خالقه فقط وهو هنا يدخل في دائرة الجهل
أما الصنف الرابع فهو العابد الايجابي الذي يتفاعل مع خالقه ومع مجتمعه وهو المجسد لنموذج المبلغ , قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ﴿ بلغوا عني ولو آية ) صحيح البخاري
وبالتالي فالإنسان المتكامل , هو الإنسان العابد المبلغ , وتبليغه يكون قولا وفعلا وامتناعا حصرها اللفظ القرآني في كلمتين مقترنتين وهما : الإيمان والعمل الصالح .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بوقفة رؤوف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/11/07



كتابة تعليق لموضوع : الأمانة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net