صفحة الكاتب : الشيخ جميل مانع البزوني

سمات الجذب في شخصية الامام الخميني (قدس سره)
الشيخ جميل مانع البزوني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المقدمة :

ان تاريخ القادة والعظماء كان يزخر دائما بجوانب تلعب دورا مهما في صيرورة البعض منهم محط انظار الجميع , وتلك خصوصية قد توجد بصور متعددة ودرجات متفاوتة .

فقد يصل البعض الى اعلى درجات تلك الخصوصية فيكون قدوة لجميع اطياف المجتمع ومنهم من يحصل على جانب من جوانب الجذب في المستوى الاجتماعي .

ومن اؤلئك القادة الذين امتازوا  من خلال الحصول على الدرجة الكاملة من الجذب في العالم هو السيد الخميني (قدس سره)  , وقد تنوعت العوامل التي لعبت دورا في تاسيس هذه الخالة في شخصية السيد كما تنوعت الادوار التي مرت بها هذه الشخصية .

 ويتضمن البحث الخاص بهذه القضية مفاصل متعددة تبين الجوانب التي امتازت بها شخصية الامام الخميني واشتملت على الجوانب التالية:

1- المعالم الأساسية في جذب الشخصية

2- تمهيد يتضمن مدخلا لبيان أهمية عوامل الجذب في شخصية القادة .

3- خصوصيات الخطاب الديني عند السيد الخميني .

4- تجسيد الجوانب الشخصية للقدوة في شخصية الامام الخميني .

5- خلاصة الجوانب المؤثرة في شخصية الامام الخميني .

     والله من وراء القصد                             

 

                                                                                الشيخ جميل البزوني            

 

1- المعالم الاساسية في جذب الشخصية :

 

        يتضمن البحث الخاص بعوامل الجذب عدة محطات قد تمثل كل واحدة منها مطلبا تتفرع عنه الكلمات وتاخذ ابعاده مساحات واسعة من خلال الوقوف على الشواهد والتفصبلات التي يمكن ان تذكر في تلك السيرة خصوصا عندما تتعدد الجوانب التي تمثلها .

    وقد يكون الحديث عن بعض الشخصيات سهلا عندما تكون الاثار التي تركتها محدودة ولكن الحديث عن شخصية كشخصية السيد الخميني يمثل مشكلة كبيرة لا من جهة عدم وجود المادة التي تعمل عليها ادوات البحث بل من اجل عدم امكان الاحاطة بالشخصية من الجوانب المختلفة , وحسب الانسان الذي يحاول الخوض في مثل هذه الشخصية ان يختار بعض الجوانب ويغض النظر عن الجوانب الاخرى لان الاحاطة التامة ليست ميسورة في بحث تم تحديده .

    ومن خلال هذا الواقع تم التاكيد على بعض الجوانب الخاصة وتم تقسيم تلك الجوانب الى جانبين اساسيين :

الجانب الاول : الخطاب الديني الذي اعتمده السيد الخميني كوسيلة من وسائل الارتباط بالجماهير وما تميز به ذلك الخطاب من خصوصيات خرجت به من حيز المكان والزمان الى الفضاء الرحب فاصبح عالميا وشاملا ومعبرا عن هموم المستضعفين والاخرار في العالم .

الجانب الثاني : جوانب القدوة في شخصية السيد الخميني والتي جعلت الكثيرين يرون فيه تجسيدا للمثل الاسلامية على مر العصور , وصورة من صور السمو النفسي فوق الذاتيات وقد تمثل ذلك في جوانب متعددة من شخصيته وان لم تكن تلك الجوانب شاملة ايضا .

     وقبل الخوض في هذين الجانبين نحتاج الى تمهيد يمثل اهمية تاثير هذا الجانب في حياة الجماهير وما هي الاسس التي تبتني عليها عملية الارتباط بين الشخصية القدوة والجماهير  وقد تمثل ذلك في تمهيد يسلط الضوء على اهمية جانب القدوة في شخصية القادة .

 

 

2- تمهيد - المدخل الى أهمية القدوة في شخص القادة  :

    كانت الشخصية التي يمثلها قادة الأمة تلعب دورا كبيرا في التأثير على توجهات الشباب المؤمن في المجتمع ومن أهم تلك الخصوصيات التي تلعبها الشخصية القدوة هي دور المثل الأعلى في المجتمع  فان المجتمعات مهما كانت مستويات القيم الخلقية فيها لا تكاد تنفك عن الالتفات الى أهمية وجود المثل الأعلى في المجتمع .

      وبالرغم من أهمية ذلك كله الى أن الأفراد قد يختلفون في مدى التأثر الحاصل نتيجة وجود القدوة في المجتمع فمنهم من قد يحاكي شخصية المثل الأعلى بصورة حرفية ومنهم من يحاول فعل ذلك ومنهم من يكتفي بالمحاكاة الصورية والشكلية .

     ومن الجدير ذكره إن أهمية وجود القدوة والمثل الأعلى لا يمكن حصول الأثر المناسب لها ما لم يكن هناك استفادة حقيقية منها على المستوى الشخصي والعام. ولذلك قد يعتبر وجود القدوة امراً لازما ومهما ولكن هذه الأهمية قد تتلاشى إذا كانت الآثار التي تحدثها في المجتمع مجرد أمور شكلية لا تنبع من الرغبة في التغيير ومن هذا يفهم الأثر الكبير الذي يحدثه القادة في ذهنية المجتمعات التي تعشقها وهذا ما تجلها بصورة واضحة في شخصية الامام الخميني على مدى نصف قرن من الزمان .

      وقد أحدثت تلك العلاقة الكبيرة بينه وبين أفراد المجتمع بمختلف المستويات وخاصة الشباب المؤمن اثاراً عظيمة على سلوك الأفراد والجماعات ولذلك عدت شخصيته الأولى في التأثير على الشباب المسلم عند كثيرين من الناظرين في سير القادة والمفكرين في العصور المتأخرة .

      ومن منطلق أهمية هذا الجانب في سيرة القادة والدعاة كانت فكرة كتابة هذه الأسطر عن شخصية الامام الخميني وتأثيره في المجتمع الإسلامي من خلال جوانب متعددة .

3- مميزات الخطاب الديني عند الإمام الخميني:

      تمتاز الدعوى الدينية في المجتمع الإسلامي بأهمية الوسيلة الإعلامية في إيصال المجتمع الى هدفه المنشود من الدعوى وقد اختلفت نسب التغيير في المجتمع من شخص لآخر تبعا للجوانب التي مثلتها تلك الشخصية بين أفراد المجتمع .

       وقبل الخوض في تلك المميزات لابد من معرفة الاسباب التي لعبت الدور المهم في صيرورة خطاب الامام الخميني مؤثرا وفاعلا في الساحة .

       وقد اجاب عن ذلك محتوى الخطاب الديني عند السيد الخميني (قدس) فقد احنوى هذا الخطاب على المفاهيم التي ركز عليها الخطاب النبوي واستحضر المفاهيم القرانية  التي تؤكد على الشمول في طرح المشاكل الانسانية فاصبحت بذلك تلك المفردات النظرية بديلا عن المفاهيم التي ملاءت العالم بفعل الدعاية الغربية .

     وكان الامام الخميني مؤمناً بفاعلية مثل تلك المفاهيم وحيويتها ودورها في تحقيق الاهداف الانسانية عموماً وان الدعاية الاستكبارية التي كانت تحاول استبدال الخطاب في العالم بمفردات مبتكرة لن تشكل خطراً ولا تاثيرا  على قناعة الانسان المؤمن  بحيثيات الخطاب الديني .

    ولذلك اكد بعض طلاب السيد الخميني ان سر النجاح في هذا الخطاب هو سيره على خطى الانبياء [1] 

وقد اكد السيد الخميني على قناعته بمثل هذا الخطاب ونفعه في تجاوز ازمات الانسان للوصول الى حالة السلم التامة على المستويين الدنيوي والاخروي كما انه يضمن للانسان العيش في حالة استقلال وكرامة[2]

    وعند النظر الدقيق في خطاب الامام الخميني (قد) يظهر امتياز هذا الخطاب بأمور متعددة :

منها : اختيار الآلية النبوية في الخطاب الديني :

      كانت الخطوة الأولى التي اختارها لخطابه هي تقمص شخصية الخطاب النبوي ومن المعلوم إن الخطاب الديني النبوي له خصوصياته التي تميزه عن بقية أنواع الخطاب ومنها استحضاره لأهمية الشرع كأساس نافع للحياة الإنسانية وهذا ما يفسر لنا بصورة تطبيقية ابتعاد خطاب الامام الخميني عن المفردات التي ابتكرت في الخطاب المعاصر بالرغم من الامكانيات التي جندت من اجل جعلها بديلا ولو من خلال الطعن بقدم الخطاب الديني وعدم مواكبته للزمان الحاضر .

    وقد يكون ذلك الأحجام عن استخدام مثل هذه المفردات في الخطاب الديني عند الامام الخميني مؤشراً واضحاً على قناعته بوجود تأثير وفاعلية كبيرة للخطاب الإسلامي الأصيل الذي مثله الخطاب النبوي خير تمثيل.

    ونظرة الامام الى الجاهلية التي تعيشها الأمة في الوقت الحالي لم تكن مختلفة عن نظرته الى تلك الإمبراطوريات التي أسقطت على يد الخطاب الديني النبوي في تلك الأزمنة وهذا ما يفسر لنا رغبته في إحياء تلك الآلية التي تمثلت في احتواء الخطاب على مفردات القران الكريم والسنة النبوية المطهرة .

   ولعل الحفاظ على شخصية وهوية المسلم في مواجهة الاختراق الفكري والثقافي كان حاضرا بقوة في ذهب السيد الامام وهذا ما تؤكده كلماته التي تؤكد اعتزازه الواضح بتاريخ الأمة الإسلامية وخطابها الذي كان يمثله الخطاب النبوي.

     وقد حرص السيد الخميني على عدم الخروج عن الخطاب القراني لانه كان يؤكد على قيام القران - الذي هو سبب البعثة النبوية – بكل ما يحتاجه الانسان في حياته وشبهه بسفرة[3] مبسوطة من قبل الله تعالى لعباده للاستفادة منها من قبل الجميع وغاية ما في الامر ان الاستعداد الذي يحمله كل انسان هو الذي يحدد مقدار الفائدة التي تصله من هذه السفرة المفتوحة .

     ولعل الآثار السلبية لانصهار الخطاب الديني بين مفردات الخطاب المعاصر قد دفعته الى تلك العملية في تجديد الخطاب وإعادته الى أصالة الخطاب الذي غير العروش والحكومات واخذ بمجامع القلوب في التأثير النفسي على مستوى الأفراد والجماعات .

       وفي الوقت الذي كان السيد الخميني على قناعة بفاعلية الخطاب الديني الذي امتاز به فقد كان على يقين من فشل بقية انواع الخطاب المطروحة في الساحة وقد تبين ذلك بوضوح من خلال ما تنبأ به من تغير الاوضاع في العالم وتمثل ذلك عمليا في خطابه الذي وجهه الى الرئيس السوفيتي (غورباتشوف) , وقد طالبه فيه بالالتفات الى الجوانب المعنوية الغائبة عن اذهان الغربيين بسبب عدم الاعتقاد بالامور المعنوية مؤكدا ان سبب الشقاء الذي تعيشه شعوب العالم الغربي نتيجة طبيعية لمثل هذا الابتعاد عن المعنويات .

ومنها : عالمية الخطاب الديني وشموليته :

     كان الامام الخميني من المؤمنين بشدة بضرورة السماح للخطاب الديني بالتعبير عن هموم جميع المستضعفين في العالم , وكان ذلك جليا في طيات كلامه , وقد ورد ذلك بصورة واضحة في وصيته الخالدة عندما كان يطالب المستضعفين في العالم في السعي الى الحصول على الحرية والاستقلال ولا ينتظروا ان تعطى لهم من قبل الحكام لان هذا امر مستحيل حيث قال مخاطبا المستضعفين في العالم : ( لا تقعدوا بانتظار ان يهبكم الحرية والاستقلال حكام بلدانكم ) [4].

      ويؤكد مثل هذا التصور ان السيد الامام كان يرى ان العقيدة الاسلامية هي التي ستقوم بتوحيد جميع مستضعفي العالم واحراره تحت عقيدة التوحيد وان اسم الامة الاسلامية هو العنوان الذي سيتوحد تحته العالم [5].

    وكان رد الفعل الذي صدر ويصدر من احرار العالم تجاه الخطاب الديني للسيد الخميني يؤكد ان الشمولية في هذا الخطاب قد وصلت الى اقصى مكان في العالم .

       ومن هنا كان السيد الخميني يريد ان تصدر صيحة الموت لامريكا وروسيا من الكنائس كما تصدر من المساجد حيث قال: ( اسال الله تعالى ان يمنحنا القدرة التي نطلق بها صرخة الموت لامريكا وروسيا لا من كعبة المسلمين فقط بل من كنائس العالم ايضا )[6] .

      وكانت مطالبات السيد قد خصت رجال الدين[7] من المسيح ايضا حيث طالبهم بالنهوض حيث قال مستنهضا اياهم : ( انهضوا يا اباء الكنيسة ويا رجال الدين التابعين للسيد المسيح ودافعوا عن حقوق مظلومي العالم ومستضعفيه التي اضاعها المستكبرون ودقوا النواقيس في معابدكم )[8]

     وعند النظر التامل في مطالبات السيد الخميني الشمولية نجد انه يريد ان يؤكد  ان ما ينشره البعض من ان تاريخ الانبياء والرسل  لم يكن متضمنا للاهتمام بغير الجوانب المعنوية من حياة الناس وان الامور الادارية لم تكن من ضمن اهتمامهم بل ان تلك الامور الادارية كانت في نظرهم اعمالا منبوذة [9]  .

   ومنها : التلقائية والعفوية في الطرح :

     تمتاز الخطابات الدينية والتعبوية في الاعم الاغلب بمميزات خاصة قد يكون منها الجوانب الشكلية وهذا الامر قد تفرضه الحالة الواقعية خصوصا في الخطاب التعبوي .

      وكانت الخطابات التي صدرت من السيد الخميني كثيرة جدا وكانت الصفة التي تجمعها هي التلقائية والعفوية في الاداء وخاصة الخطابات الجماهيرية المباشرة .

      وقد يعتقد البعض ان الاهتمام بتزويق الكلمات وتجميلها يشكل عاملا من عوانل نجاح الخطاب الجماهيري كما يظن البعض ان الاغراق في المجاز يزيد الكلام العربي بلاغة ورونقاً مع ان الحاجة الى المجاز في الكلام كالحاجة الى الملح في الطعام محكوم بقانون الذوق الادبي .

       وانطلاقا من التوصيات الشرعية التي تؤكد على اهمية صدور الفعل من الانسان المؤمن بصورة عفوية لا تكلف فيها نجد ان السيد الامام الخميني لم يخرج في خطاباته على مدى عشرات السنين عن المنهج الذي اختطته التوصيات الشرعية بالابتعاد عن التكلف والتصنع في الكلام , وربما هذا يفسر لنا ما لاقاه هذا الخطاب من قبول على مستوى الجماهير باعتباره نابعا من القلب ومنطلقا الى القلوب بلا رتوش وكما قيل ان الكلام ان كان صادرا من القلب فهو سيصل الى القلب حتما وهكذا كان فان الحظوة التي حصلت لهذا الخطاب من قبل احرار العالم اكدت على النزعة الانسانية التي مثلها الامام في كلامه اضحت سمة لازمة تقتضي ان تنصاع لها القلوب والنفوس .

     كما ان التاكيد على مطالب وهموم المستضعفين والدفاع عنها كان ياخذ الحصة الاكبر من هذا الخطاب وقد عرف خطاب الامام الخميني  بخطاب المستضعفين بل وعرف الامام بالمدافع عن المستضعفين . 

4- تجسيد الجوانب الشخصية للقدوة في شخصية الامام الخميني (قد) :

     لعبت الجوانب الشخصية في سيرة بعض القادة دورا فاعلا في اعادة الثقة بالنفس عند اتباعهم نظرا لقلة النماذج المشرفة في عالم الدعوة الى الله تعالى .

    وحظي تاريخ التشيع بنماذج مشرفة على مر التاريخ , تم تثبيت خصوصيات بعض شخصياتهم ولم يتم تسليط الضوء على البعض الاخر .

  وكانت الشخصية الرسالية للسيد الخميني قد حظيت بالاهتمام الواسع من قبل المعنيين بتاريخ الشخصيات نظر لوجود هذا الصرح الكبير وهو الجمهورية الاسلامية في ايران .

   وتميزت هذه الشخصية العظيمة بصفات قل نظيرها في العالم نتيجة الظروف التي تحيط بعلماء الدين في البلدان المختلفة وكان السيد الخميني فلتة من فلتات التاريخ الانساني في القرن الماضي .

   والصفات التي تميز بها على مستوى الدعاة والمصلحين كانت كثيرة ومن الصعب جدا تركيز النظر عليها جميعا لذلك سناخذ نماذج من تلك الصفات التي يمكن عدها قدوة للثائرين والاحرار في العالم .

وتمثلت تلك الصفات فيما يلي :

1- استثمار وتنظيم الوقت :

   من الصفات التي امتازت بها شخصية العظام على مر التاريخ وبدرجات مختلفة هي صفة الاستفادة من الوقت وفق برنامج مدروس فقد عرف عن السيد الامام وضعه برنامجا شاملا لكل اعماله دون ان يفرق بين عظيمها وبسيطها , وكانت الانطلاقة الاولى لمثل هذه الصفة نتيجة للتوصيات الشرعية حول الدوام في العمل الذي يحتاجه الانسان فقد ورد في تلك التوصيات ان العمل المستمر له اثره العظيم وان كان مقداره قليلا كما ورد ذلك في كلام للامام علي (عليه السلام) خيث قال : ( قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه )[10] .

     وقد كان المقربون من الامام الخميني قد جعلوا بعض اعماله المحددة في البرنامج اليومي مقياسا لمعرفة الوقت الذي هم فيه  بعيدا عن استعمال الساعة .

      وينقل البعض من المقربين انه حتى ان بعض العاملين في بيته كانوا ينظمون اعمالهم في المنزل وفقا للاعمال الخاصة بالامام من اجل الالتزام بالعمل وعدم تاخيره عن موعده المقرر[11]ويعتبرون قيامه بتلك الاعمال مرجعا لهم لمعرفة الوقت وتحديد العمل الواجب عليهم في تلك اللحظة .

   وبالرغم من كثرة الاعمال التي كان يكلف بها السيد الخميني نتيجة لتعاظم المسؤولية الملقاة على عاتتقه خلال السنوات الطويلة التي قضاها في مختلف البلدان التي عاش فيها فقد كان منظما في اعماله حتى مع كثرتها ولم يكن يواجه ارباكا بسبب ذلك لان تلك الاعمال وان كثرت فان طريقة التعامل معها تخضع لالية منظمة لا تسمح بان تكون سببا للتاخير , ويخضع القيام بها مع هذا لاولوية خاصة تكفل لها انسيابا طبيعيا بالرغم من الحجم الكبير لتلك الاعمال واهميتها في تحديد الكثير من مشاكل الامة وحلولها .

     وكان يؤكد كثيرا على تنظيم وقت الانسان خصوصا وقت طلاب العلم الذين تكون اعمال دراستهم خاضة لوقت محدد فقد كان يقول ناصحا اياهم (ان الذين استطاعوا تحقيق اهدافهم في هذه الدنيا , ووصلوا الى مراتب مرموقة , هم الذين التزموا بالنظام والانضباط في شؤونهم الحياتية )

     وكان الالتزام بالوقت قد رافقه حتى الرمق الاخير حيث كان يخضع للعلاج ومع ذلك كان يلتزم بالنهوض في ساعة محددة من اجل القيام ببعض العبادات التي كان يلتزم بها في حالة الصحة .

   2- البساطة في المعيشة :

      خضع السيد الامام الخميني بشدة لمنهج المواساة للامة فقد كان ملتزما بالبقاء على درجة قريبة من ابسط معيشة يمكن ان يعيشها الانسان في المجتمع وكان حريصا على عدم الخروج من ذلك لاي سبب كان , وكا شعاره هو الاستفادة من الحياة بمقدار ما تقتضيه الضرورة وليس اكثر .

   وكان مقياسه القريب منه هو اوضاع طلاب العلم فان كانت هناك حاجة لا يستطيع طلاب العلم الحصول عليها لم يكن ليسمح لنفسه باقتنائها .

 

    كما انه لم يكن يسمح باستخدام الاجهزة غير المنتشرة في البلد الذي يعيش فيه  مراعاة لحالة فقراء الامة ومواساة لمعوزيها[12]

     وقد لفت هذا المنهج الرباني نظر الفيلسوف الفرنسي مونتي  حيث قال : اشد ما شدني الى الامام بساطة عيشه ففي باريس كان يقيم في منزل صفير ذي غرفتين لا اكثر , واحدة لنومه والاخرى لعمله ولقاءاته , ولا تشاهد في وسائل معيشته السجادات والاثاث الثمين , كان ان طعامه كان بسيطا جدا قليلا من اللبن والرز وكانت الخيمة التي يصلي فيها متواضعة وبسيطة للغاية ).

3- الزهد في الدنيا والقناعة:

     ان الغنى النفسي الذي كان بتصف به السيد الخميني جعله من ازهد الناس بزخارف الدنيا الزائلة .

  يقول العلامة الشيخ جعفر السبحاني (دام ظله) : ( نشهد ان الامام لم يضف شيئا طوال حياته على ثروته التي لم تتعد المزرعة الصغيرة التي ورثها من ابيه الجليل , وكان يعيش على عائداتها , لكن زهد الحوزوي لم يكن يعني – في رؤية الامام – ان تكون ملابسه في حالة مزرية , او تكون فيها علامة الاستجداء , بل انه كان يعتقد بلزوم ان تكون ملابس الحوزوي مناسبة وقلبه عامرا ويقول (ان اعمار القلب يكون بالتوجه الى الله وبالامور المعنوية) [13]

   وبالرغم من الاوضاع الايجابية التي كانت تحيط بالامام الخميني بعد انتصار الثورة الاسلامية الا ان اوضاعه المعيشية لم تتبدل ابدا , مع كثرة الهدايا الشخصية والمبرات التي كانت تاتي للامام الخميني[14] .

    ووما امتازت به سيرته العطرة ان الامور النفيسة التي كانت تهدى له كانت بدورها تاخذ طريقها الى المؤسسات التي يمكنها الاحتفاظ بها كما انه كان يتخلى حتى عن الكتب التي تاتيه من مؤلفيها بعد ان يطلع عليها بصورة اجمالية ثم يامر بارسالها الى المنتفعين بها .

     وبالرغم من تواجده في النجف الاشرف لمدة زادت عن العقد من الزمان الا انه لم يلتزم حتى بالاعراف التي كانت سائدة في النجف فيما يخص الطعام , وذلك عندما تكون تلك الاعراف تستوجب تناول بعض الاكلات التي لا تتناسب مع اوضاع طلاب العلم .

4- الشجاعة والاباء :

     يحتاج الانسان احيانا الى ان الصبر عندما تكون حياته مليئة بالصعوبات والاخطار الشديدة , وكلما كانت تلك الاخطار اكبر كانت تلك الحاجة اشد , وقد عاش الامام الخميني حياته في اوضاع غاية في الشدة والحرج ومع ذلك لم يكن يوما يحتاج الى تشجيع احد للالتزام بالخط الاسلامي الاصيل او للصمود اثناء فترة المعاناة بل كان دوما هو المنبع الذي تستقي منه الجماهير الجلد والصلابة .

    وكانت شجاعته الواضحة في جهاده الحقيقي مع نفسه وقمعها عن الانجرار وراء الاغراض الشخصية والملذات العابرة , ثم في مواجهته للطاغوت الحاكم في بلاده .

    وقد بانت تلك صفات الاباء والشجاعة والصبر في شخصيته في الاوقات التي مرت عليه اثناء قيامه بالتحرك في فترة الستينات التي اتسمت بالكثير من الصعوبات التي كانت تواجه معارضي النظام في ذلك الوقت .

   5- الاستقامة والهيبة :

      ان التامل في سيرة السيد الامام الخميني سوف يرى بوضوح ان الاستقامة على جادة الحق الواضح والمبين قد لازمته منذ نعومة اظفاره وحتى انفاسه الاخيرة , وهذه الاستقامة لم تكن امرا ميسورا لكل احد لذلك كانت لها اثارها التي طبعت شخصية اامام الخميني بها .

    ومن تلك الاثار الملازمة للاستقامة هي الهيبة التي تحيط بشخصية الانسان المستقيم حتى في نظر الاعداء والمناوئين , لذلك فان هيبة الامام الخميني جزء واضح من شخصيته التي صنعتها استقامته على مر الاعوام وفي مختلف الاوضاع .

   وكان الالق الذي يثيره التواجد مع السيد الامام في مواجهة حقيقية يكشف عن تلك الاصالة في الاستقامة وذلك الاخلاص في القول والعمل .

      يضاف الى  ان التلقائية في التصرفات كانت تضفي شعورا في نفس الاخرين ويستحوذ على قلوبهم عند اللقاء معهم وهذا ما اكدته كثير من الشخصيات التي قابلت الامام .

     كما ان الشخصيات القريبة من السيد الامام في صباه كانت تؤكد انه كان يحمل هيبة في نفوس اقرانه في سن مبكرة حتى ان واحدا من اؤلئك الاقران لم يكن  ليجرا على النطق بالكلمات النابية  او الافعال المشينة بحضور السيد كما نقل ذلك شقيق الامام الخميني الاكبر المرحوم  السيد مرتضى بسنديده .

        وفي هذا الصدد ينقل مراسل احدى الصحف الاجنبية (الفرنسية)الذي قابل السيد الخميني في باريس خاطرة جميلة تتضمن جانبا من سيطرة شخصية الامام وهيبته على الاخرين , حيث يقول ( سالت الدركي الذي كان يقف على جانب الطريق للحراسة عن بيت اية الله الخميني , فاشار الى بيت صغير ومتواضع يقع على الجانب الاخر من الشارع , فاثار الامر استغرابي لاني لم اكن اتوقع ان يسكن زعيم الشيعة في مثل هذا المنزل المتواضع للغاية ! ولم يسالني الدركي عن هويتي وسبب سؤالي عن منزل اية الله الخميني ولكنني بادرت الى تعريف نفسي مراسلا للمجلة الاسبوعية (باري ميج ) وانني قد جئت لاجراء مقابلة مع الامام الخميني فقال لي: عليك الانتباه الى لزوم ان تخضع حذاءك قبل الدخول الى المنزل .

     دخلت غرفة خالية من الاثاث لم ار نظيرا لها الا في المباني التي اكتمل بناؤها حديثا ولم تسكن بعد , وقدم لي رجل ملتحي ومؤدب للغاية كتابا عن حياة الامام فقلت مظهرا نفاذ صبري : انما جئت لمقابلة الامام فلماذا لا تخبرونه بحضوري ؟ فاجابوني : ان اية الله يستعد لاقامة الصلاة وستراه عند خروجه ...كان يسير بخطوات هادئة فاثر في للغاية وقاره وسكينته وقد كانت المرة االاولى التي اراه عن قرب توقف عندي لحظة لا تتجاوز الثانية الواحدة ونظر الي نظرة لم تستغرق مدتها الثانية الواحدة ايضا لكنها هزتني من الاعماق ولم تكن هذه الهزة الوجدانية ناتجة من الرهبة او من الاستغراب بل كانت لشعور خاص لا يمكنني وصفه ... وحري بي ان اقول : انني لست من مؤيدي اية الله الخميني او الملك الايراني ولا من معارضي اي منهما كما انني لست حديث عهد بالعمل الصحفي ولم تكن المرة الاولى التي التقي فيها رجلا سياسيا مشهورا لكي اتاثر بشخصيته نتيجة لقلة تجربتي لكنني خضعت لتاثير هذا الرجل بتلك النظرة الخاطفة ) [15]

6- تجنب مظاهر التعظيم الشخصية :

     نتيجة المكانة التي حصل عليها السيد الامام الخميني بين الناس فقد اصبح في نظر الكثيرين  يمثل الطبقة الاولى في المجتمع وكانت هذه الطبقة ولا زالت تحظى بمراسم خاصة من التبجيل والتعظيم  , ومع ذلك كان السيد الخميني يشدد كثيرا على عدم التعاطي معه وفق هذه الالية .

      فمن ذلك مشي الطلبة خلفه عند المجيء الى الدرس او الانتهاء منه فقد كان ينهى اتباعه عن القيام بذلك حتى مع قلة عددهم .

   وتروى بعض القصص الخاصة بعدم رغبته في ذلك وحزمه في التصدي لهذه االظاهرة [16]

    وقد كان يجلس في نهاية المجلس او في وسط الناس عند وجود الازدحام ولا يفكر في الجلوس في مقدمة المجلس كما يروي ذلك بعض طلابه [17]

 وقد جاءت صحفية غربية الى مدينة قم عند احد طلاب السيدالخميني  وكانت تريد ان تلتقي بالامام فلم يقبل وبعد مدة جاء الامام الى بيت ذلك الطالب زائرا وكانت الصحفية لا زالت موجودة فحصلت عند ذاك على اجوبة لاسئلتها , وقد اخذها العجب من ان الامام الخميني يزور الناس دون ان تكون هناك ترتيبات خاصة [18]

     وقد نقل احد المقربين من السيد الامام انه سمع يوما اصوات مكائن تعمل في قطعة صغيرة بالقرب من منزله فسال عن ذلك فقيل له انها مكائن جاء بها بعض قادة الجيش لتسوية الارض من اجل صنع مهبط لطائرة هليوكوبتر اذا ما وقع له حادث يستدعي نقله الى العلاج  وعندما سمع ان الفكرة ليست لنا بل هي من اقتراح بعض القادة في الجيش استدعى السيد الخامنئي – الذي كان يمثله في الجيش- وقال له بالحرف ( انني غير راض بالقيام بهذا العمل واعلموا انني لن اترك هذا المكان مهما حدث ) فتوقف العمل وبقيت تلك الققطعة الصغيرة على حالها [19]

7- السكينة والطمانينة النفسية :

     من الصفات التي رافقت المصلحين على طول الخط في تحركاتهم هي الاطمئنان النفسي والثقة بالنفس لان اعمالهم كانت تستدعي الوقوف كثيرا في مواجهة الخطأ واصحابه ومثل هذا العمل يحتاج الى سكينة ووثقة بالنفس .

     وكان السيد الخميني ممن اتصف بهذه الصفة وكانت اشد المواقف التي ظهرت فيها هذه الصفة هي احداث الاغتيال التي كانت تتعرض لها الاشخاص المقربين اليه ومنهم ابنه السيد مصطفى الذي اغتيل في فترة وجوده في النجف وقد جاء يوما الى قبره فوجد عددا من اصحابه وعندما شاهدوا السيد الخميني اخذ البعض منهم يبكي متالما على فراق السيد مصطفى , واما الامام فقد وقف متاملا ساكتا ولم يذرف الدمع اثناء ذلك وعندما اراد الذهاب التفت اليهم وقال لهم ( اذهبوا وهذبوا انفسكم ولا تكونوا عباد موتى ) ثم تركهم وذهب .

       وينقل السيد احمد انه عند سماع الامام خبر استشهاد السيد مصطفى في النجف جلس في زاوية البيت , واخذ يتلو القران بكل صبر وثبات , في حين ان باقي افراد العائلة قد ضجوا بالبكاء وكان الامام يخفف عنهم ويعزيهم [20]

      وهذا هو موقفه عندما اندلعت النيران اثناء القائه للدرس بسبب التماس الكهربائي فقد ظل جالسا حتى وصلت السنة اللهب الى عباءته وبقي على وضعه يتامل الاحداث بالرغم من ترك اكثر الحظور لاماكنهم وبعد الانتهاء من اطفاء النار عاد الامام  الى الصعود على منبر اعطاء الدرس من جديد بهدوء واستانف الدرس من جديد [21]

      وهذا هو موقفه ايضا عندما وقف على جثة طفلة له – هي سادسة اولاده تعرضت للغرق بالرغم من انه كان يحبها بشدة - ولم يبدو عليه اضطراب ولا حزن بل اخذ يقرأ عليها دعاء خاصا بالموتى ثم قال ( ان الله هو الذي وهبي هذه الطفلة امانة , وهو الذي استرجعها ) [22]

      ويقول مراسل صحيفة اللوموند الفرنسية عن اول مقابلة يوافق الامام على اجرائها مع صحيفة اجنبية : تحدث معنا الامام بوجه طلق زادته اللحية البيضاء طولا , وعلى مدى ساعتين لم تتغير خلالهما لهجته الصريحة الهادئة , ولم يكن يظهر على صوته اثار الانفعال , ولا على وجهه اثار التغير والتاثر بشيء , حتى عندما كان يكر القول بان ايران يجب ان تتخلص من شر الشاه , او عندما اشار الى وفاة ولده , كان حكيما للغاية في تعامله وسيطرته الفائقة على نفسه ومشارعها , انه يوصل ما يعتقد به الى قلب من يخاطبه ليس بالضغط على الكلمات , بل بنظراته الخاصة النافذة دوما , ولكنه مع ذلك اذا تحدث عن امر حساس واساسي , يصبح حادا الى درجة لا يمكن مقاومتها , ان اية الله الخميني رجل ذو عزم راسخ وكامل , لا يقب مساومة , انه عازم بكل حزم على مواصلة كفاخه ضد الشاه حتى النهاية[23] .

   الى غير ذلك من المواقف التي نقلها بعض المقربين من السيد الامام الخميني والتي تكشف بصورة واضحة اتصافه بهذه الفضيلة السامية في مختلف الاظروف التي مرت بالامام عليه السلام خصوصا المواقفرالتي تعرضت لها قيادات الثورة الاسلامية في السنوات الاولى للانتصار على الشاه والتي حصدت عشرات الشخصيات[24] المقربة منه وكان موقفه في كل تلك الاحداث واحدا فقد كان بمثابتة الجبل الذي تحركه الرياح العاتية .

8- الجدية في العمل :

      كان السيد الامام الخميني قد التزم حرفيا بما ورد في خطبة المتقين التي تتحدث عن ان من مواصفاتهم هو انهم اراحوا الناس منهم واتعبوا انفسهم كما ورد ذلك في قول الامام علي (عليه السلام)  (نفسه منه في عناء ، و النّاس منه في راحة . أتعب نفسه لآخرته ، و أراح النّاس من نفسه ) .

    واثناء الدراسة العلمية التزم الامام الخميني بالمطالعة والتحقيق فيما كان اقرانه يهتمون بامامة الجماعة واما السيد فقد كان يتميز بانه يوجه كل جهده للمطالعة والتحقيق مبينا اهمية ذلك العمل عمليا ولم يكن يتصدى لامام الجماعة ابدا[25] .

      ومن الجدير بالذكر ان الانشغال بالتحقيق والمطالعة قد رافق الامام على طول مسيرته الجهادية ولكن هذا لم يمنعه من تخصيص الوقت الكافي للاطلاع على اوضاع البلاد ومتابعة المستجدات على الساحة الايرانية حتى في فترة التواجد في البلدان التي تنقل بينها كفرنسا وتركيا والعراق .

     وفي فترة تواجده في فرنسا كانت الاعمال التي طغت على سلم اولياته هي الخطب والتوجيهات بسبب تطور الاوضاع السياسية في بلاده ولذلك وقع التعجب من بعض الصحفيين الذي ادهشهم قدرة الامام على تحريك االاوضاع في بلاده والعالم من غرفة لا تتجاوز مساحتها ستة امتار ليس فيها وسائل ولا اشخاص يساعدونه في القيام بهذه المهمة[26] .

خلاصة الجوانب الموثرة في شخصية الامام الخميني :

   كانت الجوانب التي تحدثنا حولها في شخصية الامام الخميني تمثل جزء من الجوانب التي امتاز بها السيد, ولان الاحاطة بكل الجوانب امرا لا سبيل الى الوصول اليه فقد ارتاينا الوقوف عند بعض اهم تلك الامور المبينة للتاثير الذي صنعته شخصية السيد الخميني في نفوس الجماهير المستضعفة والاحرار في العالم .

 

        ومن المهم  جدا الاشارة الى ان الجوانب التي اشرنا اليها ربما تاخذ الجانب الاكبر من التاثير على مستوى النفوس وقد كانت تلك الجوانب واضحة المعالم في شخصية السيد الى درجة قد يعتبرها البعض نموذجا  يحتذى به على مستوى الاقتداء والاتباع .

        بل ان انصهار بعض النفوس من اتباع الثورة الاسلامية وصل الى الحد الذي جعل كل مواقف السيد الخميني نصا مقدسا  لا يصح  الخروج عليه بالرغم من وجود كلمات للسيد نفسه تؤكد على ان التعامل الصحيح مع مواقف الجميع يجب ان يخضع للضوابط الشرعية , ومن المعلوم ان الضوابط الشرعية في هذا المجال قد حددت العلاقة الخاصة بالحب والبغض بطريقة تحفظ للانسام توازنه عندما يبدو له او لغيره رايا مخالفا لاري من يحب وهذه ازمة نفسية صنعتها المشاعر الفياضة المغرقة في شخصياتنا ومنهم السيد الخميني (قد) .

      فقج ورد في الروايات ان الحب والبغض بالنسبة لغير المعصوم  لا يكون فيه اطلاق ووسع لا حدود له بل لابد ان يصل الى حد ويقف لان التعاليم الشرعية الواردة عن اهل بيت العصمة (عليهم السلام) تامر بالاتزان في مثل هذه القضايا مخافة وصول الامر الى حد لا يستطيع الانسان معه من رؤية الواقع والحقيقة كما هو , لان حب الشيء يعمي ويصم ولكن عندما يخرج عن التوازن والعقلانية .

    فقد ورد عن علي (احبب حبيبك هونا ما عسى ان يكون بغيضك يوما ما ، و ابغض بغيضك هونا ما عسى ان يكون حبيبك يوما ما)

وذكر بن ابي الحديد المعتزلي في شرحه على النهج [27] قوله :

( وخلاصة هذه الكلمة . النهى عن الاسراف في المودة والبغضة ، فربما انقلب من تود فصار عدوا ، وربما انقلب من تعاديه فصار صديقا .... وقال بعض الحكماء : توق الافراط في المحبة ، فإن الافراط فيها داع إلى التقصير منها ، ولإن تكون الحال بينك وبين حبيبك نامية أولى من أن تكون متناهية ...

وقال الشاعر :

 وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا *       فإنك لا تدرى متى أنت نازع !

 وأبغض إذا أبغضت غير مباين       * فإنك لا تدرى متى أنت راجع ! )

 واكد السيد الخميني في وصيته المعروفة على الجوانب السلبية لجعل الحب في وقت ما دليلا على التعديل والوثاقة الدائمة ولذلك هو لا يدعي ان كل الاشخاص الذين حصلوا على ثقته كانوا يستحقون الثقة ولا ان العاملين في نظام الجمهورية الاسلامية كلهم قد انتهوا من تهذيب انفسهم واصبحوا مشاريع للاسلام في خدمة المسلمين والشاهد على الاول قوله ( في طريق الجهاد والثورة مدحت اشخاصا اظهروا لي اخلاصهم للثورة وغفلت عن خداعهم فلا اسمح بالاستفادة من هذا المدح وحقيقة كل انسان واقعه الفعلي ).

والشاهد على الامر الثاني قوله (أنا لم أقل إطلاقاً، ولا أقول إن الإسلام العظيم بكل أبعاده قد تم تطبيقه في هذه الجمهورية، أو أنه لا يوجد أشخاص يعملون عن جهل وعقدة وعدم انضباط بخلاف مقررات الإسلام، لكنني أقول أن السلطات التقنينية والقضائية والتنفيذية تسعى بجهد جهيد إلى تعميق الإسلام في هذا البلد والشعب بعشرات ملايينه يعاضدها ويساندها. ولو أن هذه الأقلّية التي تحترف الاعتراض هبت لمساعدتها، فان تحقق هذه الآمال سيكون أسهل وأسرع. وأن لم يعد هؤلاء - لا سمح الله - إلى أنفسهم، فان هذه الآمال الإنسانية ستتحقق بشكل واسع بإذن الله لما تتحلى به الجماهير المليونية من يقظة ووعي للمسائل، وحضور في الساحة، وسوف لا يستطيع محترفوا الاعتراضات أن يقاوموا هذا السيل الهادر )[28] .

   اما المواصفات التي تعرضنا لها لبيان تاثير شخصية السيد الخميني فيها فيمكن تصنيف تاثيرها في جانبين :

الجانب الاول :

جانب الدعوة

    وقد  لقيت شخصية الامام الخميني في هذا الجانب قبولا واسعا على مستوى العالم وكانت تلك الاثار قد تجاوزت الحدود الاسلامية ووصلت الى اقصى العالم نتيجة للمميزات التي اتصف بها ذلك الخطاب , وتبين من خلال المواصفات التي تم تفصيلها ان العالمية التي حظي بها خطابه لم تكن محض صدفة بل كان امرا مستحقا بسبب تلك المواصفات التي اتسم بها الخطاب فقد كانت العالمية والشمولية عنصرا مقوما من مقومات نفس الخطاب وكان السيد الخميني يهدف الى مخاطبة المستضعفين في جميع العالم ولا يجعل من وجوده في ايران او العراق او غيرهما سببا لخطاب فئة من الناس دون غيرها .

    وكانت اسبابر العالمية في خطابه قد تمثلت في الشمول الذي كانت الامام يقصده من ذلك الخطاب كما ان تاكيده على استلهام الخطاب النبوي للنبي الخاتم كان مؤكدا لمثل هذا التوجه .

     وكان الخطاب النبوي هو خطاب قراني بالدرجة الاولى لاعتماده على المفاهيم القرانية التي كان الامام على يقين من تاثيرها في الساحة العامية فضلا عن الساحة الاسلامية وذلك بسبب تناغمها مع الفطرة الانسانية الموجودة بدرجات مختلفة عند جميع افراد النوع الانسان .

   وبالنظر الى الاهتمام الشديد من الامام الخميني بقضية المستضعفين في العللم فقد حظي الخطاب بقبول واسع جدا من قبل هؤلاء لان الفطرة الانسانية المتوافقة مع النصوص والمفاهيم القرانية كاانت صفة عامة لهم .

  ومن هنا لم يكن من الغريب ان يستلهم مستضعفي العالم هذا الخطاب الموجه اليهم في الاصل ويكون اقرب خطاب الى نفوسهم , بل يمكن القول ان الشخصية التي جعلت من خطابها رقما صعبا في عالم الدعوة الى هو الامام الخميني .

   وكان الاسلوب التلقائي والعفوي في سرد الخطاب المذكور احد اسبابه نفوذه الى القلوب وتلك صفة لا يمكن المحافظة عليها عند الدخول في خضم الحديث الذي تختلف متعلقاته من التعبئة الى الارشاد فان الحفاظ على العفوية في كل تلك الاحوال المختلفة سمة لا يمكن الوصول اليها الا بعد طريق طويل من المجاهدة والمرابطة.            

    وكلام السيد الخميني كان واضحا فهو كان يريد ان يستنهض الهمم في جميع اصقاع الدنيا من اجل سماع صوت الرفض للاستكبار ومن يمثله في الساحة واراد بصورة واضحة وجلية سماع صوت النداء بالموت لمن يمثل الاستكبار من كل معاقل المستضعفين في العالم وحتى اصحاب الكنائس فضلا عن المساجد واهلها .

الجانب الثاني :

 جانب الاسوة

     اما الجانب الاخر الذي تمثلت فيه جوانب التاثير فقد كان هو الجانب الشخصي  وقد كانت المواصفات التي حازها الامام الخميني في هذا الجانب مفخرا لكل المحبين بالشخصية الانسانية للسيد الخميني .

     وتلك الخصال في الوقت الذي كانت مؤثرة لم تقتصر على بعض الجوانب دون بعض بل كانت شاملة لجميع الجوانب المتوقعة في شخصية الداعية والقدوة .

  وكانت تلك الجوانب  الشخصية تمثل الهم الذي يريد الوصول اليه جميع الاتباع فاذا وجدوه محققا في شخص معين فان هذا الشخص سيحظى بقصب السبق في نفوس الجماهير .

   وهذه الحيازة على القلوب لم تكن القناعة والقبول بها قضية تخضع للدعاية والاعلام بل ان اكثر الهائمين بشخصية الامام الخميني يعرفون صعوبة الوصول الى مرتبة انسانية ودعوية يكون فيها الانسان مشروعا وصورة لشخصية الانبياء على مستوى الخطاب وعلى مستوى الصفات الشخصية .

    وصعوبة الحصول الى هذه المرتبة يتمثل في ان كل هذه المواصفات تريد من الانسان ان يبدا بانكار الذات ثم بصقلها بمواصفات اقل ما يقال في صعوبتها المثل العربي القائل (دونه خرط القتاد) .

والمعرفة  التي يحملها الاتباع لمشقة الطريق الذي يسير فيه الانسان للوصول الى هذه المرتبة تدفعهم للرضوخ والاتباع للاشخاص الذين وصلوا الى نهاية المطاف ومنهم السيد الخميني .

   ومن الواضح ان الصفات المذكورة كانت لها جوانب دينية وكيفيات محددة وقد كان الاتصاف بها انطلاقا من تلك التحديدات الشرعية .

وتمثل ذلك في جميع تلك الصفات التي اشرنا اليها من البساطة في العيش والى الزهد والقناعة والى الشجاعة والجلد في المواقف المختلفة والى السكينة والاطمئنان والهيبة والى الابتعاد عن مظاهر التعظيم والى التنظيم الشامل في الحياة والاستفادة من الوقت بكل دقة والى النشاط والجدية في العمل وعدم تفويت الفرصة  للاستفادة من فسحة الحياة لنيل مراتب الكمال والرقي الاخلاقي .

  وفي نهاية الامر لا يمكن القول ان شخصية مثل شخصية السيد الخميني قد حظيت بما حظيت به اتفاقا بل ان اي انسان تثبت له هذه المميزات والسمات لن يكون حاله مختلفا عن حال السيد الخميني في نفوس الاحرار في العالم عموما .

   وفي الختام نرجو ان نستفيد من مثل هذا الجوانب الفاعلة من اجل كسب الجماهير والمستضعفين في العالم لان هذا المنهج هو منهج الانبياء وليس من الغريب ان تكون له هذه المكانة في النفوس بل الغريب ان لا يكون فاعلا في اسقاط الحكومات فضلا عن امتلاك القلوب من جميع اصناف النوع الانسان .

  

 

    

[1] - انظر – حديث الشمس  للسيد الخامنئي –  ص104

[2] - انظر الاستقامة والثبات في شخصية الامام (قدس) مركز الامام الخميني الثقافي ص335

[3] - المصدر السابق ص336

[4] - الوصية السياسية الخالدة  للامام الخميني

[5] - اانظر - الاستقامة والثبات في شخصية الامام (قد)- مركز الامام الخميني الثقافي ص295

[6] -  المصدر السابق ص325

[7] - التعبير عن علماء الدين برجال الدين تسامح في الترجمة لان الرجل لا يكون بلا  دين والكلمة الصحيحة هي علماء الدين لذا اقتضى التنويه.

[8] - امريكا في فكر الامالم الخميني ص329-330

[9] - حيث جاء في وصيته الخالدة ( ان ما قيل ويقال من ان اهتمام الانبياء محدود بالامور المعنوية , وان شؤون الحكم والادارة للامور الدنيوية عمل منبوذ اجتنبه الانبياء والاولياء والصالحون , وعلينا ان نجتنبه ايضا, فهذا خطا مؤسف يؤدي الى تلاشي الشعوب الاسلامية وفتح الباب امام الاستعمار وناهبي العالم ...)

[10] - نهج البلاغة ج4ص103

[11] - انظر ما قاله السيد حميد الروحاني في كتاب دراسة تحليلية لنهضة الامام الخميني ج1

[12] - حوادث خاصة في حوادث الامام الخميني ج6

[13] - خطوات في اثر الشمس ج13 ص213

[14] - قبسات من سيرة الامام الخميني ص26

[15] - مجلة حماة الحدود العدد 53

[16] - صحيفة جمهوري اسلامي في الملحق الخاص بالذكرى الثانية لرحيل الامام الخميني .

[17] - كما جاء ذلك في كتاب حوادث خاصة من حياة الامام الخميني ج2 على لسان حجة الاسلام السيد محمد الروحاني

[18] - انظر كتاب خطوات في اثر الشمس ج3 ص276

[19] -  صحيفة جمهوري اسلامي الملحق الخاص باربعين الامام

[20] - كما نقل ذلك حجة الاسلام الاشتياني في العدد 84 من صحيفة (مرز داران) .

[21] - كما نقل ذلك بعض طلابه وهو حجة الاسلام الشيخ احمد رحمت في بعض خواطره وذكرياته عن السيد الامام .

[22] - كما نمقل ذلك مراسل صحيفة التايم الامريكية عن بعض المقربين من طلاب السيد الخميني من الذين شهدوا ذلك ونقلوه (صحيفة اطلاعات 1/5/ 1358 هـ ش)

[23] - كما ورد ذلك في نسخة هذه المقابلة المطبوع بعنوان (طليعة انقلاب اسلامي) .

[24] - وهي قائمة طويلة من شهداء الثورة الاسلامية منهم ( اية الله المدني الطباطبائي واية الله عبد الحسين دستغيب واية الله الصدوقي واية الله عطاء الله اشرفي الاصفهاني واية القدوسي والعلامة مرتضى المطهري والعلامة الدكتور السيد محمد حسين البهشتي والعلامة الشيخ محمد المنتظري والشهيد الدكتور محمد مفتح والدكتور محمد جواد باهنر والسيد محمد علي رجائي وغيرهم من عشرات الشخصيات العلمية من الصف الاول من قيادات الثورة الاسلامية .

[25] - كما ورد ذلك العدد (149) من مجلة (شاهد بانوان) نقلا عن ابته السيد زهراء المصطفوي .

[26] - كما جاء ذلك في العدد الثالث من صحيفة حضور نقلا عن السيد احمد الخميني (رحمه الله )

[27] - شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 19 - ص 156

[28] - كما جاء ذلك في الوصية الخالدة للامام الخميني (قد)
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ جميل مانع البزوني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/11/20



كتابة تعليق لموضوع : سمات الجذب في شخصية الامام الخميني (قدس سره)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net