صفحة الكاتب : د . سليم الجصاني

الاتساع في تفسير الوجيز للعاملي(ت1135هـ )
د . سليم الجصاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
    الوسع الغنى ضد الضيق والعسر, ويقال وسع الشيء واتسع "وأَوْسَعَ الرّجل: إذا صارَ ذا سَعَةٍ في المال، فهو مُوسِعٌ وإنّه لذو سَعَةٍ في عيشة, وسَيْرٌ وَسِيعٌ ووَساعٌ"(1), وورد لفظ (وسع) في الذكر الحكيم في قوله تعالى ﴿ اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾(2), وورد منه لفظ (موسع) في قوله تعالى ﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾(3), ويراد باللفظين الإحاطة والقدرة على نحو كبير لا وجود لمثلهما. 
وللمعنى اللغوي حضور في الاصطلاح النحوي الذي وردت بداياته عند سيبويه(ت180هـ) في باب "استعمال الفعل في اللفظ لاتساعهم في الكلام والإيجاز والاختصار"(4), وساق له أمثلة منها اتساع الكلام واختصاره في تفسيره لقوله تعالى ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾(5), والتقدير عنده(أهل القرية), فاختصر وعمل الفعل في (القرية) كما كان عاملا في (الأهل)(6).
ويفرق ابن السراج(ت316هـ) بين الاتساع والحذف في قوله "اعلم أن الاتساع ضرب من الحذف إلا أن الفرق بين هذا الباب والباب الذي قبله أن هذا تقيمه مقام المحذوف وتعربه بإعرابه وذلك الباب تحذف العامل فيه وتدع ما عمل فيه على حاله من الإعراب وهذا الباب فيه بحاله وإنما تقيم المضاف إليه مقام المضاف أو تجعل الظرف يقوم مقام الاسم..."(7), ويريد بالمحذوف في الباب من الإضمار والإظهار.
وحدّ ابن السراج(ت316هـ) للاتساع نجده حاضرا في تفسير الوجيز لجمع من الآيات, وتحديد المواضع النحوية لما يريد منه في معالجات تتعلق بفهم معنى الآيات.
1ــ إضافة اسم الفاعل إلى الظرف: ورد في تفسير قوله تعالى ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾(8), قول المفسر"وإضافة اسم الفاعل إلى الظرف لإجرائه مجرى المفعول به توسعا, وسوَّغ وصف المعرفة به قصد معنى المضي؛ تنزيلا لمحقق الوقوع منزلة ما وقع، أو قصد الاستمرار الثبوتي، والمعنى: مالك الأمر كله في ذلك اليوم ، أو له الملك ــ بكسر الميم ــ فيه ، فإضافته حقيقية وكذا إضافة (مَلِك) إذ لا مفعول للصفة المشبهة"(9).
وفصّل الاستربادي(ت686هـ) الوجه النحوي في الآية, وما ذهب إليه النحويون في الاتساع الذي الحق المفعول فيه بالمفعول به لتبيان كون الإضافة محضة أو غير محضة(10).
وهو معنى ذهب إليه مفسرون منهم البيضاوي(ت791هـ) الذي عدّ إضافة اسم الفاعل إلى الظرف جاءت لإجرائه مجرى المفعول به على الاتساع(11).
ويبدو أن المفسر أدرك التوافق بين المفسرين والنحويين في الفهم النحوي للآية وآزره بالمسائل النحوية الأخرى ليوظفها جميعا في تبيان المعنى الدال على التحقق مع الاستمرار الثبوتي.
2ــ حذف الجار: في قوله تعالى ﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً﴾(12), يرى المفسر أن (يَوْماً) مفعول به , ويعني عذابه , وجملة (لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً) صفة(يَوْماً) حذف عائدها, أي فيه، ومن منع حذفه جعله مفعولا به بحذف الجار إتساعا ثم حذف(13), ويريد بالحذف الأخير هو حذف الضمير, وهو رأي أشار إليه المفسرون دون التأكيد عليه, وممن أشار إليه الزمخشري(ت538هـ)(14)، والبيضاوي(ت791هـ)(15)، وأبو السعود(ت951هـ)(16).
وربما يعود عدم التأكيد عليه إلى كثرة قول الحذف وتجزئته والخلاف فيه بين النحويين، إذ رُفِضت التجزئة التي قالها الاخفش(ت215هـ)؛ ورافضها ابن جني (ت392هـ)، الذي وضّح الخلاف في المسألة في قوله " حذف حرف الجر فصار تجزيه ثم حذف الضمير فصار تجزي فهذه ملاطفة(من الصنعة)، ومذهب سيبويه أنه حذف (فيه) دفعة واحدة"(17).    
ويبدو أن المفسر أشار إلى رأيي النحويين, ولم يبت بأحدهما لقوة الخلاف في المسألة, وتقارب الاحتمالين من القبول, وقول أكثر أهل العربية بجواز الأمرين(18).
3ــ إضافة المصدر إلى الظرف: كما ورد في قوله تعالى ﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾(19), إذ يرى المفسر أن المعنى يحتمل أن يكون: (هذا الإنكار سبب فراقنا), أو(هذا الوقت وقته), وفي إضافة المصدر إلى الظرف اتساع(20).
وقلة من المفسرين الذين أشاروا إلى مصطلح الاتساع في إضافة المصدر إلى الظرف, فالزمخشري(ت538هـ) يشير إلى أن إضافة المصدر إلى الظرف ساغت كما ساغ إضافته إلى المفعول به(21).
ويورد أبو شامة الدمشقي(ت590هـ) آراء منها أنَّ "البين يطلق بمعنى الوصل فلا يكون الظرف متسعا فيه هذا وجه آخر وقراءة النصب على أنه ظرف على أصله والفاعل مضمر دل عليه سياق الكلام أي لقد تقطع الاتصال بينكم وقيل لقد تقطع الذي بينكم فحذف الموصول وقيل تقطع الأمر بينكم وقيل بينكم صفة موصوف محذوف أي لقد تقطع وصل بينكم كقولهم ما منهما مات أي أحد وقيل الفاعل (ماكنتم تزعمون) أي لقد تقطع وصل ما زعمتم كقولك قام وقعد زيد فأحد الفعلين رافع للفاعل الموجود والآخر فاعله مضمر لدلالة الموجود عليه"(22).
ويورد البيضاوي(ت791هـ) مصطلح (الاتساع)، إذ يرى ان إضافة الفراق إلى البين هي إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع(23).
وليس البحث في وجه مناقشة الآراء كلها لبعد بعضها عن مقاربة الموضوع, بيد أن أغلبها لا يعارض ما ذهب إليه المفسر, ويتفق في الوقت نفسه مع مفهوم الاتساع لأن الفاعل المحذوف الذي قدّر بالموصول تارة، وأخرى بـ(الأمر) وغيرهما قد حلّ محله الظرف فغيّب موقعه الإعرابي, ونال من حكمه.
4- فصل لولا عن فعله بالظرف: في قوله تعالى ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً﴾(24), قال المفسر "وفصل (لولا) عن فعله بالظرف اتساعا تنزيلا له منزلته لأهميته لوجوب ظن الخير أول ماسمعوا"(25), وأشار الزمخشري(ت538هـ) إلى أن للظروف  شأناً وهو تنزلها من الأشياء منزلة لوقوعها فيها وأنها لا تنفك عنها فلذلك يتسع فيها مالا يتسع في غيرها"(26), وهو رأي أشار إليه في تفسيره لقوله تعالى﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾(27), والآية الأخيرة تتفق في بنائها مع الأولى وتنتمي إلى السورة نفسها.
غير ان أبا حيان(ت745هـ) لا يوافق خصوصية الاتساع بالظرف, ويشير إلى أن كلام الزمخشري يوهم أن المسألة مختصة بالظرف, وهي ليست كذلك عنده لجواز الفصل بالمفعول به(28), وهذا ما يفسر عدم ذكر المفسر لتخصص الاتساع بالظرف, واكتفائه بالقول إن الفصل بالظرف اتساع , ثم بيّن دلالة هذا الاتساع.
____________________________________
1)     الخليل, العين:2/203 باب (وسع), ظ: ابن فارس, معجم مقاييس اللغة(وسع): 6/109.
2)     الأعراف: 89.
3)     الذاريات: 47.
4)     سيبويه, كتاب سيبويه: 1/211.
5)     يوسف: 82.
6)     ظ: سيبويه، كتاب سيبويه: 1/212.
7)     ابن السراج, الصول في النحو: 2/255.
8)     الفاتحة: 4.
9)     محي الدين العاملي، الوجيز في تفسير القران العزيز: 1/53.
10)  ظ: الاسترابادي، شرح الرضي على الكافية: 2/219.
11)  ظ: البيضاوي, أنوار التنزيل وأسرار التأويل: 1/58.
12)  سورة البقرة: 48.
13)  ظ: محي الدين العاملي، الوجيز في تفسير القران العزيز: 1/106.
14) ظ: الزمخشري, الكشاف: 1/164.
15)  ظ: البيضاوي, أنوار التنزيل وأسرار التأويل: 1/319.
16)  ظ: أبو السعود, إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: 1/99.
17)  ابن جني, الخصائص: 2/473.
18)  ظ: ابن هشام, مغني اللبيب: 1/804.
19)  الكهف: 78.
20)  ظ: محي الدين العاملي، الوجيز في تفسير القران العزيز: 2/223.
21)  ظ: الزمخشري, الكشاف: 2/691.
22)  أبو شامة الدمشقي, إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع:453.
23)  ظ: البيضاوي, أنوار التنزيل وأسرار التأويل: 3/515.
24)  النور:12.
25)  محي الدين العاملي، الوجيز في تفسير القران العزيز: 2/378.
26)  الزمخشري, الكشاف: 3/224.
27)  النور: 16.
28)  ظ: أبو حيان, البحر المحيط: 6/403.
 
المصادر والمراجع:
اولاـــ القرآن الكريم
ـــ الأسترابادي، رضي الدين (ت686هــ), شرح الرضي على الكافية, تحقيق: يوسف حسن عمر , جامعة قار يونس, 1398هـ- 1978م.
ـــ البيضاوي، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد (ت791هـ), أنوار التنزيل وأسرار التأويل، المعروف بـ(تفسير البيضاوي )، تحقيق : عبد القادر عرفان العشا حسونة، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت ــ لبنان، 1416 هـ ــ 1996 م .
ـــ ابن جني، أبو الفتح عثمان(ت392هـ)، الخصائص, تحقيق: محمد علي النجار, عالم الكتب, بيروت (د. ت)
ـــ الخليل، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت175هـ)، كتاب العين, تحقيق: د. مهدي المخزومي ود. إبراهيم السامرائي, دار ومكتبة الهلال, (د.ت).
ـــ أبو حيان، محمد بن يوسف الأندلسي (ت745هـ), تفسير البحر المحيط, تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض وآخرين، دار الكتب العلمية, لبنان ــ بيروت, الطبعة الأولى, 1422هـ-2001م
ــ الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمر (ت538هـ), الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي ، بيروت،(د.ت).
ـــ ابن السراج، أبو بكر محمد بن سهل النحوي البغدادي (ت316هـ), الأصول في النحو, تحقيق: د.عبد الحسين الفتلي, مؤسسة الرسالة, بيروت، الطبعة الثالثة, 1408هـ ــ 1988م.
ـــ أبو السعود، محمد بن محمد العمادي(ت951هــ), إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم, دار إحياء التراث العربي, بيروت، (د.ت).
ــ سيبويه، أبو البشر عمرو بن عثمان بن قنبر (ت180هـ)، كتاب سيبويه، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، عالم الكتب، الطبعة الثالثة، 1403هـ ــ 1983م.
ـــ أبو شامة الدمشقي، عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم(ت665هــ), إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع للشاطبي(ت590هـ), تحقيق : إبراهيم عطوة عوض، دار الكتب العلمية, 1402هـ ــ 1991م. 
ـــ ابن فارس ، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الصاحبي (ت395هــ)، تحقيق: أحمد حسن، معجم مقاييس اللغة، دار الكتب العلمية، بيروت ــ لبنان، الطبعة الأولى، 1418هـ ــ 1997م.
ـــ محي الدين العاملي، علي بن الحسين (ت1135هــ), الوجيز في تفسير القرآن العزيز, تحقيق: مالك المحمودي، دار القران الكريم، الطبعة الأولى، 1413هـ.
ـــ ابن هشام، أبو محمد عبد الله جمال الدين الأنصاري(ت761هـ), مغني اللبيب عن كتب الأعاريب, تحقيق :د. مازن المبارك ومحمد علي حمد الله , دار الفكرة, دمشق, الطبعة السادسة, 1985م.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . سليم الجصاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/11/29



كتابة تعليق لموضوع : الاتساع في تفسير الوجيز للعاملي(ت1135هـ )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net