صفحة الكاتب : خيري القروي

صراع الخوف والأمل ... في رواية ( أجر الخوف ) لجورج أرنو ...
خيري القروي


 
في البلاد التي تنتشر فيها البطالة والفقر ويخيم عليها شبح الجوع , تجد أولئك الذين يغامرون بحياتهم من اجل حفنة دولارات . اذ يتراجع الخوف من المخاطر حتى وان كانت مميتة ما دامت الحياة التي يعيشها الناس هي بمثابة موت بطيء وتصبح المغامرة من اجل الحصول على المال عملا مستساغا لا يدعو الى الاستغراب , فالناس الذين لا تتوفر لهم حاجاتهم الأساسية , ولم تتوفر فرصة العيش الكريم ، اقل حرصا على الحياة التي يرونها ناقصة وغير سعيدة ، لذلك فهم يغامرون من اجل تحقيق احلامهم الضائعة .
هذا هو المسوغ الذي دفع اربعة من سائقي الشاحنات على القبول بمزاولة عمل بالغ الخطورة حيث يواجهون الموت في كل لحظة  ، الموت المفاجئ الذي لا يترك لهم حتى  الوقت الكافي للشعور بالألم على حد وصف مدير الشركة النفطية صاحبة الشاحنات وهو يشرح لهم طبيعة المهمة الصعبة التي تنتظرهم وهو يحمل بين يديه كأسا فيه نموذجا من ذلك السائل الخطير الذي سوف يحملونه في شاحناتهم ليوصلونه الى المكان المطلوب عبر رحلة طويلة تمتد لمسافة 500 كيلو متر . ما ان وقعت قطرة من ذلك السائل على الارض حتى احدثت فرقعة اثارت زوبعة من الغبار ..
( هذه الفرقعة تافهة هنا . لكن ان حدثت و في جعبتكم مائتان او ثلاثمائة كيلو من المتفجرات ، تاكدوا على الاقل ، انكم لن تتالموا  البتة .. !! ) .
هذا ما قاله مدير الشركة .. راسما لهم مشهدا مصغرا جعلهم يتخيلون مدى خطورة المهمة التي تنتظرهم !!! . فلا مجال لارتكاب أي خطأ ، ولا مجال للقيام بأي عمل غير مدروس ،
لا مجال للتقدم خطوة واحدة على الطريق دون التفكير بعاقبة هذه الخطوة ، فلعل الموت يكمن في هذه الخطوة او غيرها من الخطوات على امتداد الطريق الطويل .
50 % هي نسبة نجاح سائق الشاحنة في مهمته والوصول الى الهدف بسلام ، حيث يتساوى احتمال الموت مع احتمال الحياة ، ممكن ان تنفجر الشاحنة في اثناء رحلتها ، وتتبخر احلام  انسان خاطر بحياته من اجل تحقيق احلامه ، ففي مثل هذه الرحلات الخطرة تنفجر نصف عدد الشاحنات ومن المستحيل نجاة طاقمها لشدة وسرعة الانفجار . لذلك تم اختبار السواق المتقدمين للعمل لمعرفة مدى صلاحيتهم لمثل هذه المهمة المحفوفة بالمخاطر ، ليس خوفا على حياتهم ، بل لان عدم نجاح السائق في مهمته ، هو خسارة الشركة لسبعة آلاف دولار هو ثمن احتراق الشاحنة وتحولها الى رماد . لهذا السبب رفضت الشركة كل الفاشلين في الاختبار ، ووقع اختيارهم على الاربعة الناجحين فقط ، ويبقى الاختبار الحقيقي للناجحين هو مدى تخطيهم الصعاب التي سوف تواجههم في الطريق والنجاح في وصول الحمولة الى الهدف  .لا توجد لدى المتصدين للمهمة خيارات كثيرة .. إنهم أمام خيارين لا ثالث لهما ، أما النجاح وقبض الثمن المجزي .. واما .. الموت .
وبدأت الرحلة المميتة ..
شاحنتان محملتان بمادة ( النتروغليسيرين ) الشديدة الانفجار .. يقود كل شاحنة سائقين ناجحين في اختبار الكفاءة الأخير و لديهم  صورة عن طبيعة المهمة ، والمخاطر التي تعترض رحلتهم عبر طريق غير ممهد يمتد لمسافة مئات الكيلو مترات ...
تفاصيل الرحلة  وجزئياتها ومخاطرها والمشاعر المرافقة لها ، هي العناصر التي تتشكل منها ملحمة الصراع ما بين الخوف والأمل حيث يكون الحد الفاصل ما بين الحياة والموت حدا يكاد ان يكون وهميا ، فجواز العبور ما بين العالمين المختلفين ، جواز العبور ما بين الحياة
والموت ، هو مجرد ارتكاب خطأ بسيط قد لا  يحسب له حساب في أية رحلة عادية ...     
تنفجر إحدى الشاحنتين ، ويقتل ثلاثة من الأشخاص الأربعة ، وينجوا الشخص الرابع مع شاحنته ليوصل الحمولة اللعينة إلى المكان المحدد ويقبض الثمن ، ثمن المغامرة بحياته ...
هو لا يكاد يصدق بان الرحلة المحفوفة بالموت .. قد انتهت ، وها هو في بر الأمان ، وفي حوزته ( ألف دولار ) ظل يحلم بامتلاكها طوال الرحلة .. شعر بان حياته تبدلت .. انه انسان آخر يستحق حياة اخرى غير الحياة التي عاشها سابقا حينما كان فقيرا وعاطلا عن العمل ..( اصبح الآن رجلا غنيا ومن شان ادني حركة مزاجية يقوم بها ان تصير مقدسة ، بإمكانه ان يصفع الرئيس المدني ، ويشتم الأواني المقدسة ، ويغتصب الأطفال في مهدهم ولن يجرؤ احد على التوجه إليه بكلمة ...!! )
غرور ، وغطرسة ، وشعور بالتعالي ، اجتاحه ذلك الشعور بمجرد إحساسه بثقل المال في جيبه ، ألف دولار صنعت منه إنسان آخر . . شرب كاس الانتصار على خصمه اللدود (الموت) فما من شيء يخشى منه بعد ذلك ، كل الصعوبات بعد ذلك هي مجرد لعبة مسلية ،سوف يسوق السيارة بأقصى سرعة في طريق العودة لكي يختصر المسافة ، فلا يوجد لديه وقت فائض بعد اليوم ، ثمة مشاريع مهمة تنتظر وصوله ، سوف يشتري المركب الذي يحلم باقتنائه ، ويبحر في البحر ، لقد أخطاه الموت ليحقق رغبته ، وينزل ب أحلامه إلى ارض الواقع . . وتجاوزت السيارة السرعة المعقولة وهو في الشوط الأخير من رحلة العودة حتى وجد نفسه وجها لوجه أمام حاجز ينبه السائقين إلى وجود منعطف في الطريق ، ولم يستطع السيطرة على الموقف رغم مهارته فدارت العجلتان الأماميتان  وصدمت مؤخرة السيارة حاجز الطريق فأزاحته وهوت إلى أعماق الوادي بينما ظل سائقها متمسكا بالمقود الذي فقد وظيفته في مركبة تحولت إلى أشلاء !!
صارع الموت طوال رحلة المخاطر المهلكة ، فتغلب عليه خارجا من بين جثث زملاءه الثلاثة الهالكين ، لكن عدوا آخر كان يتربص به متنكرا بملابس الصديق فاغتاله وهو في ذروة فرحته فأسقطه من القمة وهوى به إلى الحضيض ... !!
 
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


خيري القروي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/12/09



كتابة تعليق لموضوع : صراع الخوف والأمل ... في رواية ( أجر الخوف ) لجورج أرنو ...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net