صفحة الكاتب : خيري القروي

آهات دجلة والفرات ..في رواية ( آخر أساطير الحب)
خيري القروي

السلطات الحاكمة الظالمة وعلى امتداد التاريخ همها الرئيس هو طمس الحقائق وحجب المعلومة الصحيحة وذلك بالاستعانة بجيش من المرتزقة والمتزلفين والمنتفعين من ديمومة مثل هذه الانظمة الفاسدة وهم موجودون في كل زمن. ولكن الحقيقة هي كالشمس , قد تحجبها سحب التظليل لفترة من الوقت ثم تظهر وتسطع بعد ذلك . حاول النظام البائد وبكل ما لديه من وسائل طمس الحقائق وتزوير التاريخ باظهار الطاغية وكانه المنقذ للشعب وليس جلادة , ولكنه فشل في الوصول الى غايته , لان التاريخ الحقيقي لا يكتبه المأجورين من اعوان الظلمة , بل يكتبه الشعب بدماء الشهداء , ويوجد في كل زمن من يتطوع لخدمة الحقيقة بازالة غبار التظليل عنها لتظهر للناس بوضوح وجلاء .
ورواية ( آخر اساطير الحب ) للكاتب العراقي كمال السيد , محاولة  لاعادة كتابة تاريخ الشعب العراقي المظلوم مثلما هو في الواقع وليس كما صوره الفرعون واعوانه , انها ترجمه حقيقية لما كان يحدث من ظلم وجور واضطهاد في ذلك الزمن الاسود , وابراز حقيقة مهمة وهي ان الشعب العراقي لم يسكت على ذلك الظلم الفادح الذي وقع عليه , بل قاومه بصبر وشجاعة منقطعة  النظير الى حد ان فتاة بعمر الورود ك ( ميسلون ) تشترط على خطيبها على ان يكون مهرها هو تنفيذ العملية الجهادية التي تهز اركان النظام وتوجع قلبه كما اوجع قلوب الناس , ويقبل خطيبها شرطها ويؤجل مشروع الزواج الى ما بعد تنفيذ العملية ولكن الذي يحدث ان احد اعوان النظام استطاع اختراق الخلية وايصال المعلومة الى جهاز امن النظام فتم القاء القبض على افراد الخلية ومن بينهم ( ميسلون وحسام ) , وقبل تنفيذ الحكم بالاعدام طلبت ميسلون ان تلتقي بخطيبها حسام وهو آخر طلب لها قبل ان تغادر الحياة , وكانت مدة اللقاء ( دقيقة واحدة فقط !! ) وكان الجلاد يقف بجوارهما مذكرا اياهما بين لحظة واخرى بضرورة الالتزام بالوقت المحدد للمقابلة  !!
واحداث الرواية ( حقيقية وموثقة ) وليس من نسج الخيال فهي تؤرخ لاحداث ووقائع لم تنمح من ذاكرة العراقيين بل هي ما زالت حية طازجة في الذاكرة لشدة مرارتها وعمق جراحاتها في ابعد نقطة من النسيج الحي لجسد الشعب العراقي الذي عانى من الظلم والجور ما لم يعانيه شعب آخر , وهي محاولة لتوثيق ولو قطرة من بحر العذاب العراقي , فالرواية مجرد لقطة واحدة من واقع الماساة العراقية المنسية من قبل العالم الذي لا يهتم بعذاب البشر بقدر اهتمامه بمصالحه !!
تتعرض الرواية لجزء يسير من معاناة شعب ليس لديه ما يضاهي عشقه للحرية , واكثر الذين عشقوا الحرية , قدموا حياتهم قربانا لعشقهم الفريد , واكثر الذين ساروا على طريق الحرية ( سقطوا شهداء ) قبل الوصول الى هدفهم المنشود , وتلك اروع صورة من صور الحب والإيثار لانهم يعلمون بانهم قد لا يقطفون الثمرة في حياتهم , بل يقطفها الاخرون الذين ياتون بعدهم , تقطفها الاجيال اللاحقة , انها تضحية من نوع فريد , كما ضحى الامام الحسين عليه السلام بنفسه من اجل ان يعرف الناس قيمة الحرية ويثورون من اجل الحصول عليها .
بالرغم من لغة الرواية الادبية  العالية ( وهي ما امتازت به روايات كمال السيد ) لكنه يضطر أحيانا من اجل توصيل الفكرة الى ذهن القارئ , واعطاء صورة قريبة من الواقع لا يمكن ادراكها من خلال اللغة الادبية العالية , بل من خلال (اللغة الشعبية الدارجة ) كما في هذا المقطع الذي نلمس فيه مقدار الجهل المطبق الذي يخيم على عقول الجلادين الذين استخدمهم النظام الحاكم كأدوات لتعذيب الناس واذلالهم وكسر شوكتهم .
فالشهيدة ( ميسلون ) المحكومة بالاعدام , وفي فترة بقائها في سجن الرشاد  انتظارا لليوم الذي تؤخذ فيه الى ساحة الاعدام في سجن ابي غريب , كانت خلال تلك الفترة القصيرة , منقطعة الى الله ..تتعبد , وتهيئ نفسها للحظة التي تنتقل فيها من عالم الدنيا الى عالم الاخرة , وكانت تعلم ( حسب المعلومات التي وصلت اليها ) بان الاشخاص المعدومين وبعد انزالهم من منصة الاعدام يتم ( سحلهم من ارجلهم !! ) بلا مبالات ودون مراعات لحرمة الانسان الميت اذ تنكشف اجزاء من جسده اثناء عملية السحل , وهذا ما كانت تخشاة ميسلون من ان يتم كشف اجزاء من جسدها بعد مماتها لذلك احتاطت للامر مسبقا وذلك بخياطة سروال طويل وضيق تلبسه تحت الكفن . وكتبت على كفنها آيات قرآنية وبعض الادعية المعروفة ( اغتسلت ميسلون غسل الشهادة , وارتدت حلة الرحيل البيضاء , احكمت نهايات السروال جيدا .. لا تريد ان يبدو جزء من جسمها , لان البعثيين عندما يشنقون الضحية ثم ينزلونها من المشنقة , يقومون بسحلها من القدميين عبر البلاط الاسمنتي .. وميسلون تلك الفتاة الطاهرة تأبى ان ينكشف سترها .. ارتدت المانتو ثم ارتدت عبائتها واستغرقت في الصلاة .. صلت ركعتين وقرأت آيات من القرآن وراحت تناجي الحبيب ............. )
وبعد تنفيذ حكم الاعدام حدث الامر الذي توقعته , اذ تم سحلها من قدميها الى الساحة التي يجمعون فيها جثث الشهداء وكان الذي يقوم بذلك رجل يقال  له (ابو وداد) . ولاحظ احد الجلادين (الاميين) وهو يراقب عملية سحل الشهيدة ميسلون , كتابة غريبة على كفنها فاسرع الى سيده ليخبره بما رآه وهو مزهوا باكتشافه الجديد :
_ سيدي .. سيدي : اكو كتابة على الملابس .. يمكن معلومات حساسة ..!!
كان ابو وداد يعرف حقيقة الامر جيدا لكنه تركه يزهو باكتشافه !!
عاد الضابط المسئول والقى نظرة على الكلمات وقال :
_ يله اقرأ..
راح ذلك الوغد يمعن النظر ويحاول قراءة الكتابة ..نهره الضابط :
_ اثول .. يله اقرأ ..
_ سيدي يمكن انكليزي .. مكتوب يس .
_ طيح الله حظك .. ياسين .. وآيات قرآنية وادعية.
والتفت الى ابو وداد قائلا :
_ ذبه سجن الى ان يحفظ سورة الفاتحة .
_ نعم سيدي .
 
وزع الكاتب روايته التسجيلية هذه على مساحة 52 فصلا 28 منها تحت عنوان نهر الفرات حيث موطن الشهيدة ميسلون فهي من مدينة الرفاعي الواقعة على الشط  , و 24 فصلا تحت عنوان نهر دجلة حيث موطن الشهيد حسام الذي يسكن في منطقة علي الصالح على شاطئ نهر دجلة .وكأن هذين النهرين شاهدين على ما يحدث بجوارهما من آلام الناس وعذاباتهم ولا اقول مسراتهم بعد ان اصبحت السعادة من حصة فئة قليلة من الناس الذين يملكون كل شيء وبقية الناس تملأ صدورهم الحسرة والعذاب , كم شهدا ( دجلة والفرات ) أنات المحرومين وآهات العاشقين للحرية . ومثلما سمع نهر الفرات آهات الامام الحسين وهو يموت عطشانا على مقربة من شواطئه وبقي ذلك الحدث وصمة عار أبدية على من فعل ذلك , كذلك الكثيرون من عشاق الحرية الثائرين على الظلم فتلو على ايدي الجلادين وهم عطشى كما حدث للشهيدة ميسلون حينما طلبت كاس ماء ولكن الجلاد رفض ذلك الا ان تهتف بحياة الطاغية صدام مثلما هتفت بحياة الشهيد الصدر , ولكنها لم تفعل ذلك , وماتت على الكرسي الكهربائى وهي ظامئة , مثلما مات الامام الحسين على رمال كربلاء الساخنة وهو ظامئ ...
فالتاريخ يعيد نفسه كل يوم ..
وكربلاء تتجدد كل لحظة ..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


خيري القروي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/12/15



كتابة تعليق لموضوع : آهات دجلة والفرات ..في رواية ( آخر أساطير الحب)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net