صفحة الكاتب : د . رزاق مخور الغراوي

محاسبة الميراث وفق النظام الاقتصادي الاسلامي -رؤية محاسبية اسلامية معاصرة-
د . رزاق مخور الغراوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مدخل البحث:

وفيه نقاط توضيحية ونماذج تطبيقية للميراث في التشريع الاسلامي،كما فيها توضيح للجانب المحاسبي في الميراث:

  1ـ التشريعات فى الاسلام لها مقاصد وقواعد وأوامر ، الأوامر تخضع للقواعد ، والقواعد تخضع للمقاصد . وقد شرحنا هذا من قبل فى بحث عن الاسلام دين السلام ، والتأويل وغيرهما . ويتجلى القسط أو العدل فى الدرجات الثلاث للتشريع الاسلامى . فالقسط هو المقصد أو سبب إنزال الرسالات السماوية ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )(25)( الحديد ) . والعدل أو القسط أساس فى قواعد التشريع ، ومنها تشريع الميراث تحت مصطلح ( المعروف ) أى المتعارف على أنه عدل وحق ، وأيضا فقد جاء ( الأمر ) بالعدل والقسط ضمن الأوامر والوصايا ، كقوله جل وعلا : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) ( النحل ) (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) ( الأنعام.
2 ـ ونعرض للعدل أو القسط هنا فيما يخص تشريع الميراث من زوايا مختلفة . نبدؤها بإشكالية العدل والمساوة فى تشريع الميراث .
أولا : المساواة المطلقة ظُلم
المساوة المطلقة ظُلم واضح . لا بد من إقتران المساواة بالعدل . تخيل فصلا دراسيا به 50 تلميذا . وقد قرّر المدرس المساواة المطلقة بينهم فى درجات الامتحان ، لا فارق بين ناجح متفوق وبليد راسب .هذا ظلم واضح . أتذكر أنه أثناء عملى مدرسا فى جامعة الأزهر ، وفى الامتحانات كنت أشارك فى الكونترول كالعادة . وكان معنا زميل مدرس لمادة التفسير يرتدى العمامة والزى الأزهرى ، وكان عليه أن يصحح إجابات الطلبة في هذه المادة . وكان يستنكف من حمل كراسات الاجابات الى بيته ليصححها فى هدوء . كان يضعها امامه على المكتب وهو معنا فى حجرة الكنترول ، ويضع درجة موحدة ينجح بها كل الطلبة ، وهى (55 ) يعنى ( مقبول ) . وفى أقل من ساعة ينتهى من التصحيح لكل الكراسات دون ان يفتح كراسة واحدة ، ودون أن يقرأ أى إجابة . وكان يفعل هذا بلا خجل . وحجته أنه يكفى أنهم جميعا ناجحون . تخيل أنك قررت التبرع بخمسن ألف جنيه لهذا الفصل الذى يضم 50 تلميذا ، وإشترطت ان يتم التوزيع بالمساواة المطلقة . ليس هذا عدلا ، فهناك تلميذ ثرى مترف سيأخذ ألف جنيه ينفقها عبثا ، بينما زميله تلميذ يعيش الفقر المُدقع يتضور جوعا ، وليس عدلا أن تساوى هذا بذاك . لا بد أن يصحب العدل المساواة . وأروع تطبيق لهذا هو تشريع الميراث للذكر والأنثى .
ثانيا : بين المساواة والعدل ( الذكر والأنثى ) فى التشريع الاسلامى عموما
1 ـ تأتى المساواة فى الأوامر التشريعية وقواعدها ومقاصدها ، فكل فرد ذكرا وأُنثى مأمور بالتقوى والعبادات والفرائض والتمسك بالقيم العليا .. وتاتى المساواة المطلقة بالعدل المطلق يوم القيامة ، وتكررت الحقيقة القرآنية تؤكد ان من يعمل صالحا من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فله الجنة . ويأتى التعبير عن المساواة بين الذكر والأنثى فى الخطاب التشريعى بألفاظ ( يا أيها الناس ) ( يا أيها الذين آمنوا ) ( يا بنى آدم )..الخ لتشمل الذكور والإناث معا .
2 ـ ولكن يختلف الحال فى الحقوق كالميراث . فالمساواة المطلقة تحوى ظلما ، لذا يكون العدل هو الأساس.
ثالثا : بين المساواة والعدل ( الذكر والأنثى ) فى تشريع الميراث
1 ـ حين نزل القرآن الكريم كانت المرأة سلعة ، وإستمرت هذه النظرة الدونية للمرأة فى أوربا العصور الوسطى ، وألغى الدين السّنى الحنبلى العدل الاسلامى الذى شمل المرأة ، حين أعطاها حقوقها وسط ظلمات الجاهلية العربية . يكفينا هنا أن أول آية فى تشريع الميراث بدأت بتقرير حق المرأة فى الميراث شأن الرجل ، فقال جل وعلا : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) النساء ). التدبر فى الآية الكريمة يوضّح خطابا للعرب المسلمين وهم فى المدينة بأحقية النساء فى الميراث شأن الرجال ، مهما قلّ الميراث أو كثُر ، وأنه حق مفروض من رب العزة جل وعلا.
2 ـ وليس منتظرا أن تتغير ثقافة الجاهلية فى نفوس الصحابة فى يوم وليلة فيما يخص النظرة الدونية للمرأة ، خصوصا وقد إعتاد العرب إعتبار المرأة سلعة يتواثونها ، فالزوج يأكل الصداق الذى دفعه لزوجته ، ومنع هذا رب العزة ، إلا أن يكون برضاها بالتنازل عن بعضه وليس جميعه : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) النساء ). كان الأب يستفيد من تزويج إبنته بطرق شتى ، فقد كان هناك زواج الشغار أى الزواج بلا مهر ، بأن يعطى رجل إبنته الى رجل آخر مقابل أن يعطى الرجل ابنته اليه ، يتزوج كل منهما إبنة الآخر بلا مهر . وإذا كان للمرأة مهر يأكله أبوها ، يقبضه دونها وينفقه ، وكانوا يمنعونها من الزواج ، وهو ( العضل ) تبعا لمصلحتهم . نزل فى المدينة النهى عن هذا كله ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء ). هنا الأمر بالمعروف ( أى العدل ) فى معاشرة الزوجة حتى لو كان يكرهها زوجها ، والمقابل وعد الله جل وعلا بخير كثير يأت لهذا الزوج العادل . يأتى تشريع الرحمن ينصف المرأة ويرفع عنها اوزارا . وفى هذا الإطار جاءت الموازنة بين العدل والمساواة فى تشريع الميراث .
رابعا : تجلى المساواة والعدل فى مصطلح ( الفريضة ) فى المهر وفى الميراث
1 ـ باب المواريث يُطلق عليه أيضا ( باب الفرائض ) بسبب ورود كلمة ( فريضة ) ومشتقاتها فى تشريعات الميراث ، كأن يقول جل وعلا فى أول آية :( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) النساء ). قال هنا ( نصيبا مفروضا ) . وجاءت كلمة ( فريضة من الله ) فى قوله جل وعلا :( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ )(11) النساء ).
2 ـ ونفس المصطلح ( فريضة ) يطلقه رب العزة على المهر أو الصداق ، ويجعله أساس الزواج ، ولا جناح ولا حرج فى أى إتفاق بالتراضى بين الزوج والزوجة بعد دفع المهر أو ( الفريضة ) ، فالفريضة هى دفع المهر وجوبا وفرضا ، يقول جل وعلا : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) (24) النساء ). ويقول جل وعلا ايضا عن المهر الواجب على المؤمنين عند الزواج : ( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) (50) الاحزاب ). بل يوجب رب العزة دفع المهر لملك اليمين إذا تزوجها سيدها ، أو غير سيدها ، وهى التى تقبض مهرها : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) (25) النساء ).
3 ـ ونفس المصطلح ( فريضة ) يطلقه رب العزة على مؤخر الصداق فى حالة الطلاق ، يقول جل وعلا : ( لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) 236 ) ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذ ي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) (237) البقرة ).وفى إشارة الى ( مُتعة ) المطلقة يقول جل وعلا:( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) البقرة )، وهو أيضا حق لها بالاضافة الى المهر والمؤخر لو كان .
4 ـ وللمطلقة حق السُّكنى على زوجها ، ولها عليه حق النفقة لو كانت حاملا ، وإذا ولدت فعليه ثمن الرضاعة والنفقة والكسوة للأم وأجر المرضعة . ولومات الزوج السابق يتعلق الحق بمن يرثه . وفى تفاصيل ذلك يقول جل وعلا : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) البقرة )( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7) الطلاق )
وبطبيعة الحال فالزوج هو المُكلف بالانفاق على زوجته ، وهو مسئول عن رعايتها أو القيام على رعايتها ، أو ( القوامة ) بمعنى المسئولية وليس التحكُّم : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (34) النساء )
5 ـ تشريعات الاسلام متكاملة ، وتؤخذ جميعا بلا إنتقاء . فالفريضة فى الميراث تؤخذ مع الفريضة فى المهر وسائر حقوق المرأة فى الزواج والطلاق وما يترتب عليه من رضاعة وحضانة . إنّ للمرأة فريضة فى الميراث ولها أيضا فريضة ( على الزوج ) فى الزواج وآثاره الجانبية . وليس عدلا أن تتساوى المرأة مساواة مطلقة بالرجل فى فريضة الميراث ، وهو مثقل بفرائض نحوها كزوج ومطلّق . ونتخيل أن لك إبنا وإبنة . ( إبنك ) عليه أن يدفع مهرا ويجهز سكنا وينفق على زوجته وإذا طلقها فعليه كذا وكذا . أما ( بنتك ) فعندما تتزوج تقبض المهر وتجد من ينفق عليها ويؤسس لها منزلا ، وإذا طلقها فعليه لها كذا وكذا . هنا يكون من الظلم أن تتساوى ابنتك فى الميراث مع ابنك . ولهذا فلها نصف أخيها فى ميراثها منك . ولكن هذا لا يسرى على الوالدين ( الأب والأم ) فى ميراث ابنهما المتوفى . فالوضع هنا مختلف ، لأن حقوق الوالدين متساوية ، سواء فى الحقوق المالية فى النفقة والميراث والوصية أو فى الرعاية والاحسان اليهما . فى كل الآيات يأتى الحديث عنهما معا ( بالوالدين ) بلا تمييز للأب عن الأم أو العكس . فقد قاما بدورهما معا فى الرعاية بالأولاد حتى وصلا الى نهاية العمر ، فأصبح من حقهما على أولادهما الرعاية وسائر الحقوق المنصوص عليها .

حيث تميزت الشريعة الإسلامية بابتكار أنظمة مالية لم يسبق لها أن طبقت من قبل، بل وجعلتها فرضاً دينيا أي عبادة كفرض الزكاة والخمس، أو وسيلة لتطبيق أحكام شرعية كموضوع الميراث، فامتازت هذه الأنظمة بمزج روحي ومادي، ولكل من هذه النظم أسلوبه الرياضي والمحاسبي الخاص به، فنرى أن التحديد والقياس والعرض والإفصاح عن الزكاة يحكمه مجموعة من الأسس ‏(‏القواعد‏)‏ المستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية أو من مصادر الفكر المحاسبي السائد حتى كانت لا تتعارض معها‏،التي أهمها قاعدة السنوية ‏(‏الحولية‏ )،وقاعدة استقلال السنوات المالية،و‏ قاعدة النماء حقيقة أو تقديرا‏،وقاعدة الزكاة على الإيراد الصافي أو الإجمالي حسب نوع النشاط‏،و  قاعدة تبعية وضم الأموال و قاعدة التقويم على أساس سعر الاستبدال الحالي ‏(‏القيمة السوقية).

     لقد أعطى الإسلام الميراث اهتمامًا كبيرًا، وعمل على تحديد الورثة، أو من لهم الحق في تركة الميت، ليبطل بذلك ما كان يفعله العرب في الجاهلية قبل الإسلام من توريث الرجال دون النساء، والكبار دون الصغار، فجاء الإسلام ليبطل ذلك لما فيه من ظلم وجور، وحدد لكل مستحق في التركة حقه، فقال سبحانه: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا فريضة من الله إن الله كان عليمًا حكيمًا"[النساء: 11].
    لقد انفردت المحاسبة الإسلامية بمحاسبات خاصة بها، كمحاسبة الزكاة والخمس ومحاسبة الخراج ومحاسبة الأوقاف ومحاسبة المواريث، حيث ستكون الأخيرة موضوع بحثنا الحالي.

    إن محاسبة المواريث من المواضيع التي تبين بصورة واضحة التمازج الروحي والمادي، أي التمازج بين التشريع الإسلامي والتطبيق المحاسبي ، حيث نعتقد إن دور المحاسبة في هذا المجال دور مهم وفعال في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بحسابات الإرث وكيفية قياس الأموال المورثة و تقويمها ومن ثم تقسيمها،وتتسم هذه العملية بكونها تحتاج إلى نظام محاسبي بالغ الدقة والتعقيد، بما يضمن التطبيق الصحيح لأحكام الإرث وحفظ الحقوق المالية للأفراد والمجتمعات.

   إن قوانين الإرث في الإسلام من الأحكام الإسلامية الدقيقة والمعقدة حيث خصّص المشرع الإسلامي نسباً متوازنة تكفل عدالة توزيع التركة بشكل يمنع أنواع النزاعات التي عادة ما تحصل بعد وفاة المورّث، والتي تعج بها مجتمعات الشرق والغرب.

     لذا فان من أهم أهداف البحث الحالي التركيز على دور المحاسبة المعاصرة في النظام الاقتصادي الإسلامي،بخاصة في مجال تطبيق الأحكام الشرعية المتعلقة بالميراث، وفهم وظيفة المحاسبة المعاصرة باعتبارها محاسبة لخدمة العملاء،فهل تستطيع حقا أن تلبي احتياجات العملاء المتعددة والمختلفة، بخاصة عملائها من الورثة؟

     ولغرض توضيح الدور الفعال للمحاسبة في تطبيق أحكام الميراث، سوف نتطرق في البحث للمحاور الآتية:

أولا: مفهوم الإرث في التشريع الإسلامي

ثانيا: أهمية موضوع الإرث في النظام الاقتصادي الإسلامي

ثالثا: دور المحاسبة في تطبيق أحكام الشريعة الخاصة بالإرث

 

 

 

 

أولا: مفهوم الإرث في التشريع الإسلامي

أ) تعريف الإرث

الإرث لغة يعني بقية الشيء،والميراث الأمر القديم توارثه الآخر عن الأول، وورّاثة صار إليه ماله بعد موته (المعجم الوجيز، 2005: 11)،.أما معنى الإرث اصطلاحا فهو استحقاق إنسان بموت آخر بنسب أو سبب شيئاً بالأصالة، فالإرث هو نفس الاستحقاق الناتج عن موت إنسان بينه وبين الوارث نسب شرعي أو سبب كذلك، بحيث لا يعتبر فيه شيء آخر كالايصاء، فإن الوصية هي استحقاق إنسان شيئا ما عند موت آخر قد يكون بينهما نسب أو سبب أو لا يكون،لا بمجرد الموت وإنما بسبب أمر آخر هو الإيصاء إليه(المبارك،1417: 13)، والموروث يطلق على المال وكذا على المورث(الحلي،1405: 501).

ب) الفرائض

    وهو جمع فريضة مأخوذ من الفرض وهو القطع والتقدير، والفريضة  النصيب الذي قدره الشارع للوارث، وتطلق الفرائض على علم الميراث،قال الله تعالى "نصيبا مفروضا" النساء/7، ويقال فرض الثوب قطعها،وليس من الفرض بمعنى الإلزام والإيجاب كما في قوله تعالى"إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد"[ القصص/ 85  ] ،والفريضة في العرف الشرعي هي السهام التي قدرها الله سبحانه في كتابه، كنصيب البنت والبنتين والأم والزوج والزوجة وغيرهما(المبارك،1417: 14). ويطلق مصطلح الفرائض على جميع الميراث ،ولكن إذا أريد بها خصوص السهام الستة المفروضة في كتاب الله تعالى فهي اخص من الميراث، أما التركة، هي ما يتركه الميت من الأموال مطلقًا، مثل الذهب، والنقود، والأراضي والعمارات، ،والوصية شرعا بمعنى العهد إلى الغير ،وهذا الأمر قد يتعلق بتمليك شخص شيئا من ماله،وقد يرجع إلى تسليط في التصرف،وقد يتعلق بفعل آخر كفك ملك بتحرير أو وقف،وقد يرجع إلى أمر يتعلق بنفس الموصي كأمر تجهيزه ودفنه،وقد يتعلق بغير ذلك(الأنصاري، 1415هـ: 23)،والوصية أمر يعرض عند فعله وهي ليست من الأمور اللازمة للميت،فهي متعلقة بفعل العبد فقد يوصي وقد يترك،وليس الأمر في الميراث كذلك،والوصية لا تختص بحالة الموت،لأن لها أحكاما ترجع إلى الحياة ، كالرجوع عنها والزيادة على الثلث،وموت الموصي قبل الموت ونحوها(الإحسائي،2002 ،ج3: 491).

      وأصحاب الفرائض: هم الأشخاص الذين جعل الشارع لهم قدرًا معلومًا من التركة وهم اثنا عشر: ثمان من الإناث، وهن الزوجة، والبنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب، والأخت لأم، والأم، والجدة الصحيحة. وأربعة من الذكور: هم: الأب، والجد الصحيح، والزوج، والأخ لأم.

ج) موجبات (أسباب) الإرث

أسباب الإرث

 

موجبات الإرث على نوعين: نسب وسبب.

                                             
       
                     
                                             
                         
                                             
 

1)ولاء العتق

2)ولاء ضامن الجريرة

3)ولاء الإمامة

 

 

الزوج والزوجة

 

 

الطبقة الثالثة الأعمام والأخوال

 

 

الطبقة الثانية

الأجداد والجدات والإخوة والأخوات وأولادهم

 

 

 

الطبقة الأولى

الأبوان والأولاد

 

 

 

النسب: وهو الاتصال بالولادة بانتهاء أحدهما إلى الآخر،أما بلا واسطة كالأب والابن، أو بواسطة واحدة كالجد والحفيد، أو بأكثر من واسطة كابن الابن، أو بانتهائهما إلى ثالث بلا واسطة كالإخوة أو بواسطة كأبناء الإخوة، أو بأكثر من واسطة كأبناء الأعمام(المبارك،1417: 14)، وعليه فالنسب له ثلاث طبقات(مراتب) (المرجع الديني السيد السيستاني،1427: 315):

الطبقة الأولى: الأبوان المتصلان دون الأجداد والجدات، والأولاد وان نزلوا ذكورا وإناثا.

الطبقة الثانية: الأجداد والجدات وان علوا، والإخوة والأخوات وأولادهم وان نزلوا.

الطبقة الثالثة: الأعمام والأخوال وان علوا.

السبب : وهو الاتصال بغير الولادة مما يوجب الإرث كالزوجية والولاء،وسمي سببا في مقابل النسب (المبارك،1417: 18) والسبب قسمان (المرجع الديني السيد السيستاني،1427  :316 )

1)    الزوجية:وتشتمل على الزوج والزوجة، ويرثان مع مراتب النسب الثلاث المتقدمة، ومع مراتب الولاء التالية.

2)    الولاء وفيه ثلاث طبقات: ولاء العتق[1]، وولاء ضامن الجريرة[2]، وولاء الإمامة[3].

د) أقسام الوارث

ينقسم الوارث بحسب نوعية الإرث على خمسة أقسام (السيد الخوئي،2003: 349):

1.    من يرث بالفرض لا غير دائما، وهو الزوجة فان لها الربع مع عدم الولد والثمن معه ولا يرد[4] عليها أبدا.

2.  من يرث بالفرض دائما وربما يرث معه بالرد كالأم فان لها السدس مع الولد والثلث مع عدمه إذا لم يكن حاجب وربما يرد عليها زائدا على الفرض.

3.    من يرث بالفرض تارة، وبالقرابة أخرى كالأب فانه يرث بالفرض مع وجود الولد وبالقرابة مع عدمه.

4.    من لا يرث إلا بالقرابة كالابن والإخوة للأبوين أو للأب والجد والأعمام والأخوال.

5.    من لا يرث بالفرض ولا بالقرابة بل يرث بالولاء كالمعتق وضامن الجريرة، والإمام.

ويعرض الشكل أدناه ملخصا بهذه الأقسام 

هـ) أنواع الفروض ( السهام)

     الفرض هو السهم المقدر في الكتاب المجيد وهو ستة أنواع(الخوئي،1424هـ: 350)،النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس ، أما أصحاب هذه الفروض فهم كما يعرضهم الجدول أدناه:

أنواع الفروض

أصحاب الفروض

النصف

وهو للبنت الواحدة والأخت للأبوين أو للأب فقط إذا لم يكن معها أخ، وللزوج مع عدم الولد للزوج وإن نزل.

الربع

 وهو للزوج مع الولد للزوجة وإن نزل، وللزوجة مع عدم الولد للزوج وإن نزل، فإن كانت واحدة اختصت به وإلا فهو لهن بالسوية.

الثمن

وهو للزوجة مع الولد للزوج وإن نزل فإن كانت واحدة اختصت به، وإلا فهو لهن بالسوية.

الثلثان

وهو للبنتين فصاعدا مع عدم الابن المساوي وللأختين فصاعدا للأبوين أو للأب فقط مع عدم الأخ.

الثلث

وهو سهم الأم مع عدم الولد وإن نزل وعدم الأخوة، وللأخ والأخت من الأم مع التعدد.

السدس

وهو سهم كل واحد من الأبوين مع الولد وإن نزل وللأم مع الأخوة للأبوين، وللأخ الواحد من الأم والأخت الواحدة منها.

ثانيا: أهمية موضوع الإرث في النظام الاقتصادي الإسلامي

     علم المواريث، أو كما يسمى علم الفرائض من العلوم المهمة في التشريع الإسلامي وله مكانته العالية ومرتبته الرفيعة، ويقصد به،  الأحكام والقواعد والمعايير التي يعرف بها نصيب كل مستحق في التركة. فهوأيضا من المواضيع المهمة نسبياً للبشر، فالمال محبوب بالنسبة لهم، تهفو إليه نفوسهم وترنو إليه أبصارهم وقد وصف الله ذلك في نفوس البشر حيث قال :"وتحبون المال حباً جما" وقال :"المال والبنون زينة الحياة الدنيا"، لذا يكون التفصيل والدقة في مسائل الإرث وسيلة لوقف زحف الطامعين ،وضمان لأخذ حق المستضعفين وحقن الدماء ودفع النزاعات والخصومات،وذلك من خلال معرفة أن أحكام الإرث وما يتعلق بتوزيعه هي من عند الله تعالى، فلا يطمع أحد في مال أخيه أو أخته أو مال أبيه أو ابنه ، فلكل منهم حقه ونصيبه الذي قرره الحكيم العليم ، فيرضى عن ذلك قلبا وسلوكا،فإذا لم يرض عن ذلك قلبا ألزم بقبوله سلوكا من قبل الشرع والقانون.

     و تظهر أهمية موضوع الإرث من عدة أبعاد أهمها :

 أولا: إنه نظام رباني ، تجلى في تكفل الله تعالى بتحديد الورثة وأنصبتهم وشروط استحقاقهم لها .

ثانيا:أن أحكام الإرث ترتبط مباشرة بحياة الأفراد والمجتمعات ، فمعظم فئات المجتمع - سواء أكانوا أفراداً(رجالا أم نساء أم أطفالا) أم جماعات أم مؤسسات أم حتى دولة – تكون عرضة للتعامل مع تلك الأحكام ،فهو نظام شامل وعادل تجلى في كون الإرث مخصص لأهل الميت و قرابته كيفما كانوا، كما أنه نظام عادل لا يحرم الوارث من ارثه بسبب جنسه , فهو للمرأة كما للطفل كما للرجل وقد وضعه الشارع المقدس لغرض الحفاظ على الحقوق المالية لتلك الفئات وحمايتها من الطامعين واستغلالهم، وضبط الثروة للفرد والمجتمع وتقسيمها تقسيما عادلا، يتلاءم وطبيعة الحياة الإنسانية بما لهم من خصوصيات واحتياجات،فهو نظام متوازن يحترم خصائص المجتمع بكافة طبقاته.

     لقد كانت الشعوب الأخرى بما فيها العرب في الجاهلية يستعبدون الضعفاء من النساء والولدان ويستغلونهم استغلالا سيئا يتسم بالظلم والتعسف ويحرمونهم حقوقهم المشروعة فلا يجعلون لهم شيئا من ميراث آبائهم أو أقاربهم ولا يعطونهم حق التصرف في أنفسهم وأموالهم ،فالقوي هو الوارث والمسيطر(المبارك،1417: 5)، وكان التوارث في الجاهلية يقوم على أساس الحلف والمعاهدة، وأقروا على ذلك في صدر الإسلام،وهو ما يدل عليه قوله تعالى:" والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، ثم نسخ ذلك إلى التوارث بالهجرة والأخوة كما في الحديث، ثم نسخ بالرحم والقرابة وناسخه قوله تعالى:" وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله" ( الإحسائي،2002،ج3: 491).

   لقد ألغى الإسلام كل النظم الاستبدادية، وسن أحكام الإرث ليضمن للضعيف حقه ويحفظ له كرامته ويساوي بينه وبين القوي، وبين الكبير والصغير، وبين الرجل والمرأة، فلكل واحد منهم نصيبا مفروضا وحقا محددا في كتاب الله المجيد.

 وثالثا: إن أحكام الإرث من العلوم التي ورد عن النبي(ص) الحث على تعلمها وتعليمها لأهميتها والحاجة إليها في حياة الأفراد، فقد ورد عن النبي (ص)قوله:" تعلموا الفرائض"( الإحسائي ج3: 491) ، كما جاء  في السنن الكبرى للبيهقي (ج6: 209) في باب الحث على تعليم الفرائض قول النبي(ص):" تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها نصف العلم،وهو ينسى وهو أول شيء ينتزع من أمتي"، فهذا الحديث فيه حث عظيم على تعلم هذا العلم وذلك لعدة أسباب منها (الإحسائي،2002،ج3: 491) : إن النبي (ص)أمر بتعليمه وتعلمه، وهو دليل على اشتمال المأمور به على المصلحة،كما أنه عليه السلام اخبر بأنه ينسى وفيه تخويف على ترك العلم به،لأنه يجوز ارتفاعه عند إرادة تعلمه فلا يجد طالبه السبيل إلى ذلك،فالمقتضى المبادرة والمسارعة في تعلمه قبل أن يفوت بالنسيان فيقع الندم والحسرة في عدم تعلمه، فضلا عن ذلك فإن النبي(ص) جعله نصف العلم مع قلة حجمه وسهولة تناوله، ويدل ذلك على أن الإرث علم له أصول وقواعد ، وأنه من العلوم التي ينبغي تعلمها وتعليمها للناس، ويتبين ذلك من خلال ما يحتاج إلى العلم في مجال الفرائض وهي ستة أشياء(القمي،1379هـ.ش.: 389):

1.    ما به يستحق الميراث،

2.    ما به يمنع،

3.    مقادير سهام الوارث،

4.    ترتبهم في الاستحقاق،

5.    تفصيل أحكامهم مع الانفراد والاجتماع

6.    كيفية القسمة عليهم

     فضلا عن ذلك، فإن أحكام الميراث عامة شاملة لجميع الطبقات، ولا يخلو فرد من الناس غالبا من عروض هذه الحالات والأحكام عليه، بل قد يتكرر بالنسبة إليهم مرارا(المبارك، 1417: 7).

ورابعا:فمن المعروف أن تركة من لا وارث له تعود ملكيتها إلى الحكومة الشرعية، فهي أحد موارد الأنفال ولذا فهي تعتبر أحد الموارد المالية للدولة الإسلامية (سند، 2003: 116).

وخامسا: أن التوارث المادي يعتبر من الأساليب والطرق التي وضعها الشارع المقدس لتفتيت الثروات ، وتداولها وعدم حصرها في فئة معينة دون غيرها، ويرى الشيخ القرشي[5]:" أن الإسلام بذلك يحسم الرأسمالية الفردية، ولا يبق ظلا للثراء العريض عند شخص، وذلك بتوزيعه للثروة على الوارث، فإن كانت واسعة فتقسم على ورثتهم من بعدهم، وبذلك تتلاشى الرأسمالية الفردية مهما كانت سعتها". فالتوارث يعمل على تسهيل تداول الأموال بتفتيت الثروات ومنع تكدسها لدى فئة محدودة من خلال توسيع قاعدة المستفيدين منها وذلك بهدف وقاية الاقتصاد الإسلامي من التضخم المالي، وضمان مستوى المعيشة الملائم للفرد ،وتحقيق العدالة الاجتماعية في إعطاء كل ذي حق حقه وبمساعدة فئات مختلفة بالمجتمع بتوزيع التركات على ذوي القرابة ومنع ظلم أصحاب الإرث أو تفضيل احدهم على الآخر،

    ويظهر من ذلك كله، أهمية موضوع الإرث في الاقتصاد فهو يشكل ثروة وموردا لا يستهان به ، ويتطلب ذلك ضرورة تنظيم الأموال المورثة وتقويمها والمحاسبة عليها باستخدام نظام محاسبي يتلاءم ومتطلبات أحكام الإرث

ثالثا: دور المحاسبة في تطبيق أحكام الشريعة الخاصة بالإرث

    أصبحت المحاسبة اليوم تحتل موقعا مهما في عملية توفير المعلومات ذات الطبيعة الاجتما- اقتصادية، حيث إن نظم المعلومات المحاسبية تعالج الكثير من الأدلة الميدانية للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية البشرية فضلا عن تنظيمها.

   وقد مرت بيئة المحاسبة بتغيرات ضخمة خلال العقود الأربعة السابقة، وبمعدل تغير متسارع، ويلاحظ أن الكثير من القواعد والإجراءات المحاسبية المعمول بها الآن لم تكن متحققة أو موجودة قبل خمسين سنة مضت، ومنذ منتصف السبعينيات ، أو في نهايتها من القرن الماضي والمحاسبة قد تحركت بعيدا عن دورها التقليدي المتمثل أساسا بمسك الدفاتر والأعمال المرتبطة بها كإعداد الموازنات والحسابات الختامية، واتجهت بصورة أكبر نحو أساس وظيفي ديناميكي يركز على دورها الاجتماعي.

    إن التطورات المتسارعة والهامة التي يعيشها العالم في مجال الاقتصاد والتي دفعت ثورة التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات الهائلة إلى مدى بعيد أملت علينا تحديات صعبة لابد من التصدي لها لاستيعاب تلك المتغيرات والتفاعل معها كي لا نكون غرباء عن هذا العالم, إذ أصبح علم المحاسبة أحد العلوم المالية التي لابد من تفاعله مع ما يحدث وسوف يحدث ،فالمحاسبة لم تعد قاصرة على تدوين وتبويب وعرض المعلومات المالية التي حدثت في الماضي فقط, بل أصبحت أداة اقتصادية تقرأ الواقع على ضوء المستجدات الحاضرة وتستشرف آفاق المستقبل، وفي هذه الفقرة نبين دور المحاسبة في تطبيق الأحكام الشرعية للإرث ،من حيث كونها-أي المحاسبة- نظاما للمعلومات،وكذلك من حيث كونها أداة أو أسلوبا فنيا تستخدم تطبيق الأحكام الشرعية للإرث.

أ) المحاسبة نظام للمعلومات

     يعتقد أن النظرية المحاسبية تعتمد على القوى الاقتصادية والاجتماعية المهيمنة التي تعمل في ضمنها المحاسبة، ويلاحظ ذلك من التغير البيئي الذي نقل تركيز المصالح بعيدا عن نظرية الدخل باتجاه نظرية القرار((Glautier&Underdown,1974:25، فأصبحت المحاسبة نتيجة لذلك دالة قياس وتوصيل لعملية اتخاذ القرار. وقد أشارت جمعية المحاسبة الأمريكية عام 1975 لهذا التغير عندما قدمت تعريفا معاصرا للمحاسبة على أنها نظام لتوفير المعلومات التي يمكن أن تكون ذات فائدة في اتخاذ القرارات الاقتصادية والتي إذا تم توفيرها على هذا النحو سوف تحقق مزيدا من الرفاهية الاجتماعية لذا كان من الضروري تنظيم المواقف الاجتماعية المتغيرة مع تطورات تكنولوجيا المعلومات والطرق النوعية والعلوم السلوكية،لتؤثر جميعها بصورة فعالة ومهمة على البيئة التي تعمل بها المحاسبة اليوم،كما أصبح من الضروري الاهتمام باستخدام أساليب وأدوات القياس المحاسبي ليس للأداء الاقتصادي فحسب ،بل أيضا للأداء الاجتماعي (النقيب،2004: 256) وذلك لخدمة المجتمع بكافة مؤسساته وطبقاته وطوائفه وأفراده من اجل حمايته من تلوث البيئة ومكافحة الأخطار الاجتماعية التي منها ما يرتبط بموضوعنا الحالي ،فمثلا -في أغلب الأحيان في العرف الاجتماعي- تمنع البنت المتزوجة من حقها في الإرث  وذلك بالطبع يوجد الحقد والكراهية وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية . أيضا للإداء الاجتماعي وذلك ليم

     إن تلك التغيرات قد أدت جميعها إلى خلق الحاجة لإعادة تقييم المحاسبة بما يناسب دورها الجديد، فظهرت محاسبة التكاليف والمحاسبة الإدارية ،والمحاسبة الزراعية والمحاسبة الدولية ومحاسبة البترول،....، و انسجاما مع هدف المحاسبة المعاصر في كونها أداة لخدمة المجتمع والتي لها علاقة غير مباشرة بنشاط الوحدة الاقتصادية ظهرت محاسبة المسؤولية الاجتماعية ومحاسبة البيئة ومحاسبة الموارد البشرية ومحاسبة العولمة والخصخصة والمحاسبة السلوكية ومحاسبة الإنتاجية ومحاسبة خدمة العملاء (النقيب،2004: 256) و أيضا محاسبة الزكاة ومحاسبة الأوقاف ومحاسبة المواريث.

   لذا يمكن القول إن محاسبة المواريث من المواضيع ذات البعد الاجتما-اقتصادي لكونها ترتبط بتنظيم المال المورث وتوزيعه بين الفئات المستحقة له، بما يضمن إعطاء كل ذي حق حقه،وتجنب النزاعات والخصومات أو هضم الحقوق المالية ،التي تنتج بسبب عدم توزيع المال المورث وفقا للأحكام الشرعية التي جاء بها الإسلام الحنيف. وقد تكون محاسبة المواريث من المواضيع الحديثة نسبيا في الفكر المالي والمحاسبي ،إلا أنه من المواضيع القديمة ،والتي سبق البحث بها من قبل الفقهاء وعلماء الدين،أما الإحاطة بجوانب الموضوع كافة وإرساء قواعده المتكاملة ،بخاصة بما يتعلق بالجانب المحاسبي منه فما يزال بحاجة إلى مزيد من الدراسة ،نظرا لأهمية موضوع الإرث واستقلال أحكامه وورودها بصورة صريحة وواضحة في كتاب الله العزيز.

    ويراد بمحاسبة المواريث ، المحاسبة المتعلقة باحتساب الميراث وكيفية تحديد حصص الورثة وتقويمها وتقسيمها وفق السهام المقررة لهم في الكتاب المجيد فهي تهدف إلى تطبيق أحكام شرعية صريحة وواضحة ،كما في محاسبة الزكاة-على سبيل المثال- التي يراد بها أداء فريضة تعبدية ومالية في الوقت نفسه.

   وعليه يمكن القول إن محاسبة المواريث نظام محاسبي متخصص يوفر معلومات مالية ذات طبيعة خاصة توجه وتقدم أساسا إلى نوع خاص من المستخدمين لتلك المعلومات ألا وهم الورثة.

    كما يمكن القول أن أحكام الميراث المتعلقة بكيفية توزيع المال وتقسيمه بين الورثة من الأساليب المهمة التي أقرها التشريع الإسلامي لأجل وقاية الاقتصاد الإسلامي من التضخم المالي ،ولأجل تفتيت الثروات وعدم تركيزها في فئة معينة من المجتمع ، ولا يخفى على المطلع على تلك الأحكام مدى تعقد مسائل الإرث وتشعبها وتشتتها.

     من جانب آخر،فإننا نشهد تطورات وتعقيدات عدة في قطاعات الحياة المختلفة التي نعيشها اليوم،فضلا عن استحداث صور عديدة للمال،ومصدر الميراث لا يخلو أن يكون من اثنين الكسب والعمل،وتطور الحياة قد استحدثت معه ألوان في صور المال وفي ظروف كسبه،وبخاصة في عصرنا الحالي عصر الانترنت والاتصالات الالكترونية والتجارة الالكترونية،فحتى المعلومات أصبحت لها قيمة وهي سلعة تباع وتشترى، وهنا يظهر دور المحاسبة المعاصر كنظام للمعلومات تقدم خدماتها للعملاء ولعدة جهات، فيقوم هذا النظام بقياس[6] مختلف الأموال المقتناة والمكتسبة للوحدة المحاسبية،.وتقويمها والإفصاح عنها، والجدير بالذكر القول إن إدارة الجودة الشاملة التي تعد من الأساليب الإدارية الحديثة  تركز على خدمة العملاء بجميع فئاتهم أو مسمياتهم  ويعد هذا المنهج الأكثر شيوعا في التطبيق لتحقيق التحسينات المستمرة في إدارة الأعمال والتي تتجسد في التركيز على خدمة العملاء القدامى والجدد، ومن هؤلاء العملاء الورثة الذين هم بحاجة إلى خدمة مميزة من حيث تزويدهم  بمعلومات ملائمة ترتبط بالمال المورث لهم.

     إذن يكون دور المحاسبة في مجال الميراث متعلقا باجتهاد أهل الخبرة بالأمور الفنية المتعلقة بالميراث،وهي التنظيم الأمثل لمسائل الميراث في جوانب الحياة المختلفة من كيفية قياس الأموال المورثة وتقويمها وتقسيمها وفق الحصص المقررة في الكتاب العزيز،وكذلك إبداء الرأي الفني المحاسبي حول الألوان والأشكال المستحدثة في صور المال.

ب) المحاسبة أداة لتطبيق الأحكام الشرعية للإرث

   للمحاسبة علاقة وثيقة بالقوانين والتعليمات المالية الصادرة في دولة ما ،فهناك ارتباط كبير وقوي فيما بينهما ،بحيث تأخذ العلاقة بين المحاسبة والقانون أكثر من اتجاه، وذلك منذ بداية تأسيس الوحدة الاقتصادية وبداية ممارستها لأعمالها وتطبيقها النظام المحاسبي الملائم ،والتعامل معها على أساس كونها وحدة قانونية يحكمها نظام داخلي وقانون أساسي ينظم شؤونها وممارسة أعمالها وأنشطتها ،فضلا عن تطبيق اللوائح والنظم المالية والإدارية (النقيب،2006: 233)، وتتضح العلاقة بصورة اكبر في المحاسبة الحكومية التي تقوم أهدافها ومبادئها واجرءاتها ومعاييرها على التوافق والتطابق التام مع القوانين والتعليمات المالية الصادرة في الدولة، لذا ينبغي على المحاسب أثناء تطبيقه لمراحل الدورة المحاسبية أن يكون ملما بالكثير من الجوانب القانونية ،التي أهمها قانون التجارة وقانون الشركات وتوزيع الأرباح والضرائب ،وقوانين مزاولة المهنة وتنظيمها ،والنظام المحاسبي الموحد ،والنظام المحاسبي الحكومي....الخ،إن إلمام المحاسب بهذه القوانين والتعليمات يضمن اتخاذ الإجراءات المحاسبية والقانونية الصحيحة ،ومن ثم نضمن أو نحاول قدر الإمكان تجنب حالات الغش والتلاعب ،وهضم الحقوق أو تضييعها،التي قد تحصل بسبب عدم التطبيق الصحيح لتلك القوانين والتشريعات .

    من هذه المقدمة البسيطة، يمكن أن نلاحظ أن للمحاسبة دور مهم وفعال في التطبيق الصحيح لأحكام الإرث ، التي هي أيضا عبارة عن قوانين سماوية تكون ملزمة للأفراد والمجتمعات التي تختص بها ،وهي المجتمعات الإسلامية، فهناك حالات مختلفة يظهر فيها دور المحاسبة واضحا وجليا في التطبيق الصحيح والدقيق لأحكام الإرث، من خلال تقسيم الإرث ،وتقويم المال المورث، وكيفية تقسيمه ،فضلا عن تحديد أنواع الأموال المورثة المنقولة وغير المنقولة وما يرتبط بكل نوع منها ،من شروط ومتطلبات وإجراءات لتوريثه، ويمكن توضيح ذلك كالآتي:-

1) وظيفة المحاسبة في تقسيم الإرث وتوزيعه

    يمكن تصور دور المحاسبة في هذا المجال من خلال الحالات المختلفة المرتبطة بتأسيس الشركة التضامنية (شركة الأشخاص)وحلها وتصفيتها،فعند تأسيس الشركة هناك متطلبات وإجراءات معينة تحدد وتطبق، كالإجراءات التحضيرية لعقد الاتفاقية بين الشركاء من حيث  تحديد حصة كل شريك من أموال الشركة ،وتحديد المبلغ الأصلي الذي يشارك به الشريك، وتحديد نسبة الأرباح التي يحصل عليها، والمخصصات الممنوحة له، والامتيازات...الخ،ويظهر دور "محاسبة المواريث" جليا في حالة موت أحد الشركاء،الذي يعتبر من الأسباب الرئيسية  لحل الشركة وتصفيتها[7] ،وذلك يعني بيع موجودات الشركة وتحصيل ديونها وتسديد التزاماتها المترتبة عليها تمهيدا لوضع الصافي بين أيدي الشركاء لتوزيعه بينهم بحسب النسب المتفق عليها ،وتبدأ عملية التصفية بتعيين مصفي يقوم بجميع أعمال التصفية،ويتم تعيينه من قبل الشركاء ،ومن أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المصفي أن يكون على قدر من المعرفة المحاسبية وبالطرق المتعارف عليها بكيفية التصفية(   المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني،السعودية )[8].

فضلا عن ذلك فإن الوصية التي تقدم على الميراث ،تعتبر عقدا لا إشكال ولا خلاف على ذلك ،فهي عقدا في الجملة بين الموصي والموصى إليه، حيث يتعلق الغرض بخصوص الموصي إليه(الأنصاري،1415: 25)، ويتضمن ذلك الالتزام بما جاء فيعقد الوصية قانونا،وتنفيذ ما جاء به ،والذي يتعلق في جزء كبير منه في كيفية تقسيم المال المورث أو تسليمه إلى الموصى إليه.ويذكر الشيخ الأنصاري(قده)(1415: 197):"إن التركة لا تنتقل إلى ورثة الميت مع اشتغال ذمته بدين يحيط بها،فلا خلاف في إن التركة لا تدخل في ملك الورثة ولا الغرماء بل تبقى موقوفة على قضاء الدين"، وذلك أشبه ما يكون بتصفية الشركة التضامنية.

     إن شركات الأشخاص عادة ما يكون مؤسسوها من عائلة واحدة ، أو على الأقل تربطهم صلات رحم وقربى، أو صداقة ومعرفة، فنتصور الحالة عندما يموت أحد الشركاء وله ورثة في نفس الشركة، وتتطور الحالة وتتعقد إذا كان هؤلاء الورثة من طبقات مختلفة، وبخاصة إذا كانوا من ذوي الطبقة الثالثة، فالحالة هذه تتطلب أولا تصفية أموال الشركة وتحديد حصة الشريك المتوفى منها، وتسليمها إلى ورثته، فإذا كان من ضمن الشركاء وريث أو أكثر للشريك المتوفى ، فينبغي تعيين حصصهم وتقويمها وتسليمها إليهم ، وهذه الإجراءات من ضمن عمل محاسب الشركة أو من يعين كمصفي للشركة، ويعتمد المحاسب أو مصفي الشركة في هذه الحالة على التقسيم الشرعي المقنن من المحكمة[9] أو الحاكم الشرعي[10].

      ولكن يجدر التنويه إلى أن هناك اختلافات جوهرية  فيما بين أحكام الإرث وقانون شركة التضامن، أهمها أن الإرث يتعلق بتطبيق أحكام شرعية خاصة بالمسلمين ، تتمثل في صورة تصرف مالي وتتسم بالدوام والصواب ، ولا تتبدل أحكام الله فيها بتبدل الظروف الزمانية والمكانية، وتسعى إلى تحقيق أهداف ثابتة روحية ومادية، في حين شركة التضامن كيان مالي يخضع لقوانين وضعية قد تصيب وقد تخطئ ،ولا تتسم بالدوام والاستمرار،فهي من فكر البشر تتبدل أحكامه بتبدل الظروف الزمانية والمكانية،وتتحقق به أساسا أهداف مادية بحتة،لذا فإن الفكر في الإرث يتأثر بداية بالأحكام الجوهرية الثابتة للعقيدة والمعاملات ، فيصطبغ بها ويكون دوره إزاءها مجرد التأمل والدراسة والفهم والاستنباط كما أمرنا الخالق الحكيم، ويبين الجدول أدناه مقارنة فيما بين أحكام الإرث وقانون شركات الأشخاص:

مقارنة بين أحكام الإرث وقانون(متطلبات) شركات الأشخاص

المجال

أحكام الإرث

قانون شركات الأشخاص

التأسيس(سبب التكوين)

نسب وسبب

وعقد كالوصية

عقد ( اتفاق)بين طرفين أو أكثر،وقد يوجد بسبب إرث ضامن الجريرة

الأهداف

تحقيق أهداف ثابتة روحية ومادية أهمها تقسيم الأموال المورثة تقسيما عادلا يضمن إعطاء كل ذي حق حقه

تحقيق أهداف مادية

كيفية تحديد الحقوق والحصص

تحديد نصيب الورثة من المال المورث وفق سهام(حصص) محددة في الكتاب العزيز وهي ستة:النصف والربع والثمن والثلث والثلثان والسدس

تحديد حصص الشركاء وفق الاتفاق فيما بينهم في عقد تأسيس الشركة

المخصصات والامتيازات

ثابتة ومحددة بحسب نوعية الإرث وطبقاته الثلاثة

تحدد وتتبدل بحسب الاتفاق بين الشركاء

ماهيتها ومصدرها

أحكام شرعية ثابتة ومستمرة لكل زمان ومكان

قوانين وضعية متبدلة ومتغيرة وغير ثابتة

 

 

      يتضح من ذلك أن دور الفكر المحاسبي في الإرث يكون في تنظيم الأساليب ،وتخطيط المسالك الموصلة إلى تطبيق أحكام الإرث في ظل مبادئ مالية ومحاسبية معاصرة لا تتعارض مع أحكام الإسلام،  و من واجب المحاسب المسلم متابعة إبراز جميع جوانب المعرفة للمحاسبة الإسلامية،نظرا لحاجة مجتمع الأعمال الإسلامي لمرجع محاسبي يتفق مع شريعة الله ،ويكون عونا لهم على أداء أعمالهم دون مخالفات شرعية.

ويمكن القول، إن دور المحاسبة في تطبيق أحكام الإرث يتمثل في الأمور الآتية:-

    ‌أ-    التنظيم العلمي الأمثل لأحكام الإرث ، عند تطبيق تلك الأحكام بالاعتماد على المبادئ والمفاهيم والقواعد والإجراءات المحاسبية. والتنظيم المحاسبي (Accounting Regulation ) محاولة لوضع إطار عام للممارسات المحاسبية وذلك بتنظيم هذه الممارسات ووضع ضوابط وحلول للمشاكل التي قد تواجه التطبيق العملي لها.كما يخدم هذا التنظيم ، في إيجاد دليل عمل و مرجعية مقبولة ومعتمدة بين المحاسبين والأطراف ذات العلاقة تعزز من موضوعية المخرجات المحاسبية وتوجد اتساق عام في الممارسات المحاسبية داخل الدولة.

        ‌ب-        متابعة المسائل المستحدثة في صور المال المورث، ومدى خضوعها وتطابقها مع أحكام الميراث بخاصة.

    ‌ج-   تأكيد أصالة المسلمين الفكرية وشخصيتهم التشريعية المستقلة المتميزة ، حيث إن موضوع الميراث وما يرتبط به من أحكام تشريعية، من المواضيع الفريدة التي تميز بها التشريع الإسلامي دون غيره من الشرائع السماوية الأخرى، فضلا عن التأكيد على إن الاقتصاد الإسلامي ،نظام قابل للتطبيق في كل عصر ،يعالج فيه مشاكل الإنسان في الحياة العامة بجميع أصنافها وألوانها.

2) وظيفة المحاسبة في كيفية تقويم المال فيما ترث الزوجة منه:

    من الحالات التي نعتقد بالدور الفعال للمحاسبة في تطبيقها،هي عملية قياس تقويم المال فيما ترث الزوجة منه، من حيث حصر وتحديد نوعية الأموال التي يمكن أن ترثها الزوجة وقياسها وتقويمها ، وتسليمها(أي تقسيمها وتوزيعها) لها.

    لقد جاء في تقرير برنامج (خطة العمل العالمية للنصف الثاني من عقد الأمم المتحدة للمرأة العالمية عام 1980) أن المرأة تمثل 50% من سكان العالم الراشدين وثلث قوة العمل الرسمية وهي تعمل تقريباً ثلثي ساعات العمل ولا تتلقى إلا عشر الدخل العالمي، وتمتلك أقل من واحد بالمائة من الممتلكات في العالم)، بينما مقدار أو نسبة ما تملكه المرأة المسلمة عن طريق الإرث يمثل 33ر33 بالمائة، ويبين ذلك عظمة الإسلام ،وحكمة الخالق عز شأنه وعدله في وضعه لأحكام الإرث الشاملة لجميع طبقات المجتمع دون تمييز،فالمرأة لها نصيب معلوم في الإرث كأخيها الرجل ،وذلك على الرغم من أن الرجل من واجبه الإنفاق على من في حوزته من النساء، وكذلك مطالب بتوفير مسكن للزوجية وتجهيزه، ومطالب بدفع المهر للزوجة، ومطالب بالإنفاق عليها، وعلى الأولاد، وهذا كله يستغرق جانبًا من ماله قد يفوق بكثير ذلك النصف الذي فضل به على الأنثى، فمال الرجل عرضة للنقصان، ومال المرأة موضع للزيادة لأنها ليست ملزمة بشيء من ذلك.

    وارث الزوجة يتعلق بنصيبها من المال المنقول فحسب-سواء أكان عينا أم قيمة-، كالسفن والحيوانات والآلات ونحوها، ولا ترث من الأرض لا عينا ولا قيمة، أما ما تحتويه الأرض من بناء وأشجار وآلات وغيرها ففيه تفصيل ، يتطلب فرز الأموال الموروثة ، وتحديد أنواعها(المنقول وغير المقول) فلكل منها أحكاما خاصة به.

    فبالنسبة للأحكام المتعلقة بالأرض، فالزوجة ليس لها نصيب في الأرض، أي لا ترث الأرض في كل الأحوال لا قيمة ولا عينا، ولكن قد توجد مباني مشيدة على هذه الأرض، أو أشجار وزروع مغروسة(مثمرة أم غير مثمرة) ، أو آلات ومعدات ومكائن، فهنا ترث الزوجة نصيها من قيمة المباني المشيدة ،والأشجار المغروسة،والآلات، ويكون الحكم في هذه الحالة هو أن تأخذ الزوجة نصيبها من قيمة تلك الأشياء مالا وليس عينا وعليها أن تقبل بذلك،وفي رأينا يظهر الدور المحاسبي في هذا المجال من خلال الآتي

أولا) تحديد نوع الأموال المنقولة وغير المنقولة الموجودة على الأرض وحصرها، ثم قياسها وتقويمها

     حيث يتم اعتماد القيمة العادلة أساسا للتقويم ، فقد ذكر المرجع الديني السيد السيستاني (دام ظله)(2006: 351):" إن طريقة التقويم فيما ترث الزوجة من قيمته- أي تأخذ حصتها نقدا- هي ما تعارف عليه المقومين في تقويم مثل الدار والبستان عند البيع من تقويم البناء أو الشجر بما هو هو"، أي كما هو موجود بهيئته الحالية على تلك الأرض غير منقوض أو مقطوع، وعلى أساس القيمة العادلة للبناء أو الشجر يتم استنباط(تعيين) قيمة ما ترثه الزوجة من تلك الأموال.

و تحدد القيمة العادلة ليوم الدفع، أي تاريخ أو موعد دفع قيمة تلك الأموال، لا يوم الموت، سواء أكانت تلك القيمة قد ازدادت أم نقصت عن يوم الوفاة، فالعبرة بيوم الدفع، فلو زادت قيمة البناء-مثلا- على قيمته حين الموت ترث منها،ولو نقصت نقص من نصيبها(السيستاني:2006: 353).

     والقيمة العادلة  معيار محاسبي جديد ينظر بشكل رئيسي في الكلفة التاريخية في الميزانية العامة التي تعبر عن الحقائق الاقتصادية القائمة ومدى تمكين مستخدمي البيانات المالية من تقويم الوضع المالي ونتائج الأعمال والتدفقات النقدية وهي تمثل القيمة التي يمكن بموجبها تبادل أصل أو تسوية التزام بين أطراف كل منهم لديه الرغبة في التبادل وعلى بينة من الحقائق و يتعاملان بإرادة حرة . ‏

    ويؤكد التشريع الإسلامي على استخدام القيمة السوقية (أو القيمة العادلة) في اغلب المعاملات المالية، كما هو الحال في تقويم الأموال الزكوية والخمسية،فضلا عن الأموال المورثة.، فالفكر المحاسبي الإسلامي يقوم على تقويم العروض في نهاية الحول لأغراض حساب زكاة المال على قاعدة سعر الاستبدال الحالي‏, ‏ يُروى عن جابر بن زيد أنه قال في عَرْض يراد به التجارة‏:‏ ‏(‏قَوِّمْهُ بنحو من ثمنه يوم حَلَّتْ الزكاة ثم أخرج زكاته‏)‏‏, ‏ ويعني هذا القول بأنه يجب تقويم العروض لأغراض زكاة المال على أساس الأسعار يوم حلول زكاة المال‏, ‏ كما أيد هذا المبدأ جمهور الفقهاء‏.‏‏.‏‏, ‏ وعن ميمون بن مهران قال‏:‏ ‏(‏إذا حلت عليك الزكاة فانظر ما كان عندك من نقد أو عروض للبيع فقومه قيمة النقد وما كان من دين في ملاءة فاحسبه ثم اطرح منه ما كان عليك من الدين ثم زك ما بقي‏)‏‏.

‏    ويذكر ملوك(2007) نقلا عن السيد نعيم سابا الخوري رئيس الاتحاد العام للمحاسبين القانونيين والمراجعين العرب ورئيس جمعية المحاسبين القانونيين الأردنية في محاضرة للأخير عن" القيمة العادلة والإبلاغ المالي" قوله :"أن الهدف الأول للبيانات المالية هو تقديم معلومات مفيدة ومناسبة للأطياف العديدة في المجتمع والتي تعتمد على البيانات المالية في اتخاذ قراراتها الاقتصادية, ولما كان يفترض في البيانات المالية أن تعبر بصدق عن الوضع المالي ونتائج الأعمال والتدفقات النقدية بشكل يمكن من خلالها محاسبة الإدارة عن الأموال الموكولة إليها واتخاذ القرارات المناسبة, فأنه والحالة هذه لابد من إظهار الموجودات والمطلوبات بالقيمة العادلة لأنها أكثر نفعاً لمستخدمي البيانات المالية من الكلفة التاريخية, ويختص هذا النوع المحاسبي بالأدوات المالية والاستثمارات العقارية والموجودات الزراعية فضلا عن المطلوبات التأمينية.‏

ثانيا) تحديد أنواع الأموال التي يمكن للزوجة أن ترث من عينها أو قيمتها:

    يمكن للزوجة أن ترث من الأموال المنقولة قيمة أو عينا، ويتطلب ذلك من المحاسب تحديد أنواع الأموال المنقولة المورثة وتقويمها، الذي يكون على أساس القيمة العادلة أيضا، كما يتطلب من المحاسب تحديد أنواع معينة من الأموال غير المنقولة التي قد يطلب من الزوجة أن تأخذ حصتها منها قيمة وليس عينا، وفي ذلك تفصيل وكالآتي:-

1.  بالنسبة للقنوات والعيون والآبار، تكون حصة الزوجة من هذه الأموال فقط ما تحتويه من آلات، وهنا يمكن إجبارها على أخذ حصتها قيمة لا عيناً.

2.     بالنسبة للماء الموجود في تلك القنوات والعيون والآبار، يمكن للزوجة أن تأخذ حصتها عينا ولا تجبر على أخذ قيمته.

3.     في حالة عدم اكتمال حفر أو بناء تلك القنوات والعيون والآبار، فهنا ترث الزوجة حصتها قيمة لا عينا.

4.  لو لم يرغب الوارث في دفع القيمة للزوجة عن الشجر والبناء على سبيل المثال،فدفع لها حصتها عينا-العين نفسها- ،كانت شريكة فيها كسائر الورثة ولا يجوز لها المطالبة بالقيمة،ويتطلب ذلك التدخل المحاسبي من حيث تحديد تلك الأموال وحصرها كما ونوعا وقيمة، ودفع حصة الزوجة منها(الربع أو الثمن) مع الأخذ بالاعتبار وجود الورثة الآخرين.

5.  في حالة التأخر في دفع قيمة إرث الزوجة مما ترث من قيمته دون عينه- كالمباني والأشجار ونحوها- فحصل له زيادة عينية، كما لو كان فسيلا مغروساُ فنما وصار شجراً، أو شجرة مزروعة فأثمرت في فترة التأخير، فحصة الزوجة في هذه الحالة طبقا لرأي السيد السيستاني(دام ظله)(2006: 350): تبقى كما هي مقومة بالقيمة السوقية(أو العادلة) للتاريخ الأصلي ليوم الدفع ، ولا تأخذ شيئا من الزيادة العينية الحاصلة خلال فترة التأخير.

6.  في حالة تعرض بعض الأموال الموجودة على الأرض للهدم كالأبنية، أو تعرضت للكسر والقلع كالأشجار قبل حصول الوفاة- قبل تاريخ الموت- ، وبقيت على حالتها تلك إلى حين الموت، ففي هذه الحالة لا تجبر الزوجة على أخذ حصتها من الأموال المذكورة نقداً، ويجوز لها المطالبة بأخذ حصتها عينا كالمال المنقول. أما إذا كان البناء معرضا للهدم والشجر معرضا للكسر، إلا أنه لم ينهدم ولم ينكسر بعد إلى حين تاريخ الوفاة، فهنا تجبر الزوجة على أخذ نصيبها منه نقدا.

7.     فيما يخص إرث الزوجة المتعلق بالزرع، فالزوجة تستحق من ثمره عيناً أو قيمة، فتأخذ حصتها من عين ثمرة النخل والشجر والزرع الموجودة حال موت الزوج، ولا تجبر على قبول حصتها قيمة، ويتطلب ذلك استخدام الأساليب المحاسبية الملائمة لتخمين تلك الزروع وتقدير كميتها وتقويم أسعارها وفقا لأنواعها ومدى جودتها.وأساس القياس يكون أيضا باستخدام القيمة العادلة للمنتج الزراعي ،وقد ورد في معيار المحاسبة المصري الخاص بالزراعة استخدام القيمة العادلة أساسا لتقويم المنتج الزراعي فقد ذكر المعيار ما نصه :"يقاس المنتج الزراعي المحصود من أصل حيوي عند نقطة الحصاد بالقيمة العادلة ناقصاً تكاليف نقطة البيع المقدرة، ويعتبر هذا القياس هو التكلفة في تاريخ تطبيق معيار المحاسبة المصري رقم (2) "المخزون" أو أي معيار آخر مطبق"(معيار المحاسبة المصري رقم 35/زراعة).

ويلخص الجدول في أدناه الأحكام المختلفة المتعلقة بالأموال التي يمكن للزوجة أن ترثها:

أنواع الأموال

استلام الإرث(عينا أم نقدا)

أساس التقويم

تاريخ التقويم

الأرض

لا ترث من الأرض لا عينا ولا قيمة

-

-

غير المنقولة: كالقنوات والآبار والعيون والمباني

ترثها قيمة وليس عيناً

القيمة العادلة

وقت الدفع

المنقولة: كالآلات والمكائن والحيوانات[11] ونحوها

ترثها عينا أو قيمة

القيمة العادلة

وقت الدفع

الماء الموجود في القنوات والآبار والعيون

ترثه عيناً ولا تجبر على أخذ قيمته

-

-

ثمار النخيل والشجر والزرع

ترثه عينا ولا تجبر على قبول قيمته

القيمة العادلة

وقت الخرص

 

 

الخلاصة

    تناول البحث الحالي موضوعا ،نعتقد بكونه من المواضيع ذات السمة الاجتما اقتصادية في المحاسبة ،وهو دور المحاسبة وعلاقتها بتطبيق أحكام الإرث الواردة في التشريع الإسلامي، فالمعروف إن الإرث والميراث من المواضيع التي ترتبط مباشرة بحياة الأفراد والمجتمعات، ويكاد لا يخلو بيت في المجتمع ولا فئة فيه دون أن تتأثر بأحكامه سواء أكان التأثر بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، كما إن الأموال المورثة تشكل موردا ماليا واقتصاديا ،فضلا عن ذلك فان في تطبيق أحكام الإرث بالصورة الشرعية تحقيقا لأهداف روحية ومادية سامية أهمها تحقيق العدالة الاجتماعية و إعطاء كل ذي حق حقه،ودفع التنازعات والخصومات والأحقاد التي قد تنشا بسبب عدم التوزيع العادل لتلك الأموال.

    وقد أوضحنا أن الإرث يمكن اعتباره علما ذا قواعد وأصول ينبغي تعلمها وتعليمها وفق الحديث الشريف للنبي (ص) في باب الحث على تعليم الفرائض قوله:" تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها نصف العلم،وهو ينسى وهو أول شيء ينتزع من أمتي"، فهذا الحديث فيه حث عظيم على تعلم هذا العلم ،وإنه علم له أصول وقواعد ، ويتبين ذلك من خلال ما يحتاج إلى العلم في مجال الفرائض ،التي أهمها: تحديد الأموال المورثة، و موانع الإرث، و مقادير سهام الوارث،وكيفية ترتيب استحقاق الورثة في الإرث، وتفصيل أحكامهم مع الانفراد والاجتماع ،وكيفية القسمة عليهم.

    إذن يمكن الاستنتاج إن للمحاسبة علاقة ودورا مهما وفعالا في تطبيق أحكام الإرث باعتبارها نظام يقدم المعلومات المفيدة والملائمة لاتخاذ قرارا ت اقتصادية واجتماعية عدة ،وكذلك باعتبارها نظام فني يتضمن مجموعة إجراءات وأساليب وأدوات لقياس الأموال والإفصاح عنها ، وغني عن القول بان النظام المحاسبي يعتبر العصب الرئيس لنظام المعلومات المغذي لكل القرارات الاقتصادية كتقويم أصول والتزامات الشركات .

  وفي ظل تنظيم محاسبي متكامل داخل الدولة يمكن ضمان الحصول على معلومات محاسبية تتميز بالدقة والموضوعية والقابلية للمقارنة وبالتالي الاعتماد عليها في ترشيد أي قرار.

وفيما يتعلق بالإرث بخاصة فان دور المحاسبة يتمثل بالاتي:

·   التنظيم العلمي الأمثل لأحكام الإرث ، عند تطبيق تلك الأحكام بالاعتماد على المبادئ والمفاهيم والقواعد والإجراءات المحاسبية. ويمكن القول إن ذلك يبين بوضوح أهمية إيجاد التنظيم المحاسبي الملائم للمجتمع الإسلامي والذي يعزز من ثقة المعلومات المحاسبية ويحمي المصالح العامة للمواطنين.

·        متابعة المسائل المستحدثة في صور المال المورث، ومدى خضوعها وتطابقها مع أحكام الميراث بخاصة.

·   تأكيد أصالة المسلمين الفكرية وشخصيتهم التشريعية المستقلة المتميزة ، حيث إن موضوع الميراث وما يرتبط به من أحكام تشريعية، من المواضيع الفريدة التي تميز بها التشريع الإسلامي دون غيره من الشرائع السماوية الأخرى، فضلا عن التأكيد على إن الاقتصاد الإسلامي ،نظام قابل للتطبيق في كل عصر ،يعالج فيه مشاكل الإنسان في الحياة العامة بجميع أصنافها وألوانها.

ويمكن تلخيص دور المحاسبة في تطبيق متطلبات وأحكام الإرث، وما يرتبط به من قسمة المال المورث وقياسه وتقويمه وتوزيعه بالجدول الآتي:

متطلبات وأحكام وقواعد علم الميراث

دور المحاسبة في التطبيق

ما به يستحق الميراث

تحديد الورثة المستحقين للميراث وفق أسبابه :النسب والسبب(علاقتهم ودرجة القربى بالمتوفى)

ما به يمنع

تعيين المحددات الشرعية في حالة وجودها المانعة من حصول أحد الورثة على إرثه(الكفر والقتل والرق)

مقادير سهام الوارث

تقسيم حصص الورثة وفق السهام المقررة لهم في الكتاب العزيز وهي ستة(النصف والربع والثلث والثلثان والثمن والسدس)

ترتبهم في الاستحقاق

تنظيم وترتيب الورثة بحسب نوعية الإرث، يتطلب ذلك تقسيمهم وفق الأنواع الخمسة للوارث، ومن ثم يكون تحديد تقديم وتأخير الورثة وفق طبقاتهم ونوعية الإرث

تفصيل أحكامهم مع الانفراد والاجتماع

فرز وتحليل كل حالة ميراث على حدة،لمعرفة أنواع وأحوال الطبقات الوارثة في حالة وجودها منفردة ، أو مجتمعة مع طبقات أخرى، وتحديد مدى استحقاقهم للميراث من عدمه

كيفية القسمة عليهم

تعيين النصيب المستحق لكل وارث من التركة، بحسب ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله يتطلب ذلك كالآتي :

·        حصر الأموال المورثة، وتحديدها بنوعيها المنقولة وغير المنقولة،

·        وقياسها وتقويمها

·        واستخدام النسب والمعدلات الحسابية والمحاسبية الملائمة لتقسيم المال المورث بين الورثة وفق الحصص المقررة لكل فئة أو طبقة

·        وتقسيم الميراث وتوزيعه

 المراجع والمصادر

1)    القرآن الكريم

2)    المعجم الوجيز، 2005، مجمع اللغة العربية، مصر.

3)    الإحسائي،ابن أبي جمهور عوالي اللئالئ  ج3 ، برنامج المعجم الفقهي الكومبيوتري، الإصدار الثالث، 2002.

4)    الأنصاري،الشيخ مرتضى(1415هـ)" الوصايا والمواريث" لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم،مطبعة باقري،ط1،قم،إيران.

5)    الحسني، د. صادق (2006) ،"المحاسبة في شركات الأشخاص"، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، مصر.

6)    الحلي، يحيى بن سعيد(1405هـ)"الجامع للشرائع"، تحقيق وتخريج جمع من الفضلاء، مؤسسة سيد الشهداء العلمية، قم ، إيران.

7)    الخوئي ،السيد أبو القاسم الموسوي(2003 ) "منهاج الصالحين المعاملات"، فتاوى مرجع المسلمين زعيم الحوزة العلمية السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي،مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم إيران.

8)    سند،الشيخ محمد (2003  ) ،"ملكية الدولة"، بقلم السيد جعفر الحكيم والشيخ أحمد الماحوزي، دار الغدير للطباعة والنشر والتجليد،قم ،إيران.

9)    السنن الكبرى للبيهقي ج6: برنامج المعجم الفقهي الكومبيوتري، الإصدار الثالث، 2002.

10)                      السيستاني، المرجع الديني السيد علي الحسيني(1427) "منهاج الصالحين/ المعاملات "ج3، فتاوى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني(دام ظله) ، دار المؤرخ العربي، بيروت، لبنان.

11)                      القمي، الشيخ علي بن محمد بن محمد السبزواري(1379هـ.ش.)" جامع الخلاف والوفاق بين الإمامية وبين أئمة الحجاز والعراق"، تحقيق الشيخ حسين الحسني البيرجندي،ط1، مطبعة باسدار إسلام،قم، إيران

12)                      المبارك،علي (1417هـ)، "الميراث أصوله ومسائله،ج1،ط1، المطبعة العلمية، البحرين.

13)                      النقيب، د.كمال عبد العزيز(2004 )، " نظرية المحاسبة"،ط1، دار وائل للنشر، عمان، الأردن.

14)                      Glautier&Underdown(1974),"Accounting in a Changing Environment", Pitman            Publishing U.S.A .

                  15)مقالات متنوعة ومتعددة عن موضوع الميراث تم سحبها من الانترنت كالآتي:

·        الميراث بين الرجل والمرأة في الإسلام، شبكة التربية الإسلامية الشاملة

·        نظام الإرث في الإسلام: مقاصده -أركانه-شروطه-موانعه, شبكة التربية الإسلامية الشاملة

·        معاملات إسلامية،شبكة موسوعة الأسرة المسلمة .

·        نظام الإرث في  الإسلام، موسوعة الأسرة المسلمة.

·        قواعد ‏(‏أسس‏)‏ محاسبة الزكاة وصرفها،www.al-islam.com

·        مرشد ملوك ( 30/7/2007) (لأن المحاسبة التقليدية لم تعد تقدم جواباً شافياً ... ( القيمة العادلة) ذراع    طويل لتعميق الشفافية).صحيفة الثورة، مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر، سوريا.

·        معيار المحاسبة المصري رقم (35) الخاص بالزراعة.

·        محاسبة شركات الأشخاص،   المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، الإدارة العامة لتصميم وتطوير المناهج، المملكة العربية السعودية.

 

  

 



هو ولاية تحصل للمعتق على عبده بسبب عتقه له،،وهو غير موجود في العصر الحاضر.[1]

هو ولاء يحصل بين شخصين بسبب عقد يتوافقان عليه بصيغة،يقول فيها المضمون:"عاقدتك على أن تنصرني وتدفع عني وتعقل عني وترثني).[2]

ولاء الإمام وهو آخر المراتب لأن الإمام وارث من لا وارث له.[3]

 المتبقي من الإرث بعد تقويمه لا يرد إلى الزوجة، فحصتها ثابتة وهي إما الربع مع عدم الولد والثمن مع الولد.[4]

 ردا على استفتاء وجه لسماحته من قبل الباحثة، ربيع الثاني1429هـ.[5]

تأخذ عملية القياس المحاسبي صيغاً مختلفة لقياس الموارد والأموال المقتناة والمكتسبة،فضلا عن اتخاذ صيغا مختلفة لعرضها والتعبير عنها،التي منها العرض الوصفي،والعرض الإنشائي والعرض التحليلي والعرض الكمي والعرض القياسي والعرض القيمي، واستخدام أحد هذه الصيغ يعتمد أساسا على طبيعة المعلومة المراد قياسها من جانب ،وطلب المستخدم لتلك المعلومات من جانب آخر(النقيب،2004: 324)[6]

 يترتب على موت أحد الشركاء انقضاء الشركة، فلا يحق لورثة الشريك المتوفى أن يحلوا محله، ولا يصح أن يتفق الشركاء على استمرار الشركة في هذه الحالة، وينبغي تحديد حصة الشريك المتوفى وسدادها (الحسني، 2006: 361).[7]

 مسحوبة من الانترنت.[8]

 المحكمة ذات القرارات المزدوجة(الشرعية والوضعية).[9]

الإمام المعصوم (ع) أو نائبه الفقيه الجامع للشرائط الشرعية.[10]

ورد في معيار المحاسبة المصري رقم (35) الخاص بالزراعة والذي ينطبق على البنود المرتبطة بالنشاط الزراعي: كالأصول الحيوية .

والإنتاج الزراعي عند نقطة الحصاد ،ورد في هذا المعيار إن القيمة العادلة لأصل تعتمد على موقعه وحالته الراهنة، وبالتالي فعلى سبيل المثال ، القيمة العادلة للقطيع في المزرعة هو سعر القطيع بالسوق المعنى ناقصاً تكاليف الانتقالات والتكاليف الأخرى للوصول بهذا القطيع إلى هذه السوق  [11]


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رزاق مخور الغراوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/01/13



كتابة تعليق لموضوع : محاسبة الميراث وفق النظام الاقتصادي الاسلامي -رؤية محاسبية اسلامية معاصرة-
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net