صفحة الكاتب : كفاح محمود كريم

من أنتج داعش؟
كفاح محمود كريم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
   لا يختلف اثنان من العراقيين على إن نظام البعث احدث تغييرات مهمة في البنى التحتية للدولة العراقية بعد هيمنته على السلطة أواخر ستينيات القرن الماضي، ونفس الاستنتاج يتفق عليه المصريون أيضا بعد تولي الضباط الأحرار مقاليد الحكم في مصر عام  1952، وكذا الحال مع القذافي أيضا، لكنما التغييرات المهمة التي أحدثتها تلك الأنظمة لم تشمل الإنسان ولا البنية الاجتماعية لتلك الدول، بل على العكس أوصلتها إلى حافة الانهيار الذي شهدناه عند مرور أولى نسمات الحرية فيما سمي ظلما بالربيع العربي، وان حقيقة أخرى رافقت تلك العمليات وأظهرت بشكل جلي إن ما كان يجري لم يتجاوز إلا البناء الكونكريتي، الذي رافقته عملية تهديم هائل لشخصية الفرد وتدمير منظم للبنى الأساسية والنسيج الاجتماعي للمكونات، حيث اقتُرفت خلال السنوات الأربعين من حكم حزب البعث في العراق، أبشع أنواع الجرائم والكوارث بحق الأهالي سواء في كوردستان أو في بقية العراق وسوريا، وكانت بحق حقبة سوداء تدحرجت فيها الحياة في كلا الدولتين إلى ما نشهده اليوم من كوارث ومآسي يندى لها جبين الإنسانية.
     لقد استهدفوا كرامة الإنسان وهويته ولم ينجو منها حتى أولئك المصنفون بالانتماء العرقي أو القومي لهم، فقد صادروا أي محاولة لإبداء الرأي أو حرية التعبير أو الانتماء، إلى الدرجة التي أباحوا فيها إبادة من يتعرض لعقيدة حزبهم أو رئيسهم أو قيادتهم حتى الدرجة الثالثة من الأقرباء، وذهب ضحية ذلك آلاف مؤلفة من خيرة شباب وشابات العراق بكل مكوناته، حتى تطاول غيهم وطغيانهم إلى دفن مئات الآلاف من الكورد والشيعة ومن ناصبهم العداء من السنة في قبور جماعية وهم إحياء، وبسبب تلك التراكمات الهائلة من الجرائم التي اقترفتها تلك الأنظمة تولد شعور مطبق بالإحباط واليأس يقبل أي بديل آخر غير تلك الأنظمة، ولذلك لم نشهد أي مقاومة حقيقية للذين اسقطوا تلك الأنظمة أو عملوا على إسقاطها، فلقد أسقطت الولايات المتحدة نظام صدام حسين لأنه تحول إلى غول متوحش لم يعد باستطاعة أي قوة محلية أو إقليمية إسقاطه، وكان يفترض إقامة نظام مختلف تماما على أنقاضه، لكن يبدو إن القائمين على ذلك المشروع نسوا أو تناسوا آثار عشرات السنين من التربية الخطأ ابتداء من كتاتيب الجوامع ومنابرها وانتهاء بالجامعات وما قبلها من ابتدائيات وثانويات وما رافقها من أحزاب وجمعيات ساهمت بشكل أو بآخر في الإبقاء على ذلك النهج الخطأ بإشكال من الشمولية والدكتاتورية الفردية، حتى تحول الرئيس أو الوزير أو المدير أو المحافظ إلى أنصاف آلهة إن لم يكونوا آلهة وأنبياء؟
     لقد اقترفت الأنظمة البديلة جرائم بشعة بحق المعاني السامية للحرية والديمقراطية، وعملت على استخدام سلالمها للصعود إلى دفة الحكم وتسخير آلياته لتكثيف وجودها بذات الأساليب التي كانت الأنظمة الدكتاتورية تستخدمها في النفوذ والهيمنة والاحتواء، حتى أجبرت شعوبها في كثير من المناطق والأحايين إلى تفضيل أي بديل آخر عنها، حيث وصل الأمر لدى الكثير من المحبطين إلى تمني أن يحكم الاستعمار بلادهم بدلا من هؤلاء المستبدين الجدد، كما حصل هنا في العراق حيث شقت عصابات داعش طريقها عبر آلام وإحباط الأهالي وفشل حكومة المالكي ومؤسساته المهلهلة إلى اعرق مدن العراق وأكبرها نينوى والانبار وصلاح الدين وديالى وبعض من كركوك، حيث البيئة المتخلفة وبقايا نظام البعث، وتغافل مقصود وموجه من قبل إدارة المالكي في انتقام ساذج وبدائي من خصوم مفترضين ( السنة والكورد ) 
     ونتذكر جميعا هنا في العراق وفي سوريا وليبيا، وكل مواطن الدكتاتوريات البشعة كم كان كثير من الأهالي يتمنون أن تحكم إسرائيل تلك البلدان بدلا من ظلم أنظمتها التي أذلتها أكثر من أي مستعمر في تاريخ المنطقة، بل إننا لو أحصينا عدد ضحايا تلك الأنظمة وقارناها مع ضحايا كل الحروب التي خاضتها تلك الدول مع إسرائيل أو غيرها، لتبين لنا إن من قتل على أيدي الأنظمة الدكتاتورية أو بسببها أكثر أضعاف المرات من عدد ضحايا تلك الحروب مع إسرائيل التي وظفوها لكي تكون جواز بقاء كل الأنظمة!؟
     داعش ليست وليدة السنوات الأخيرة بل هي إنتاج البعث ومن شابهه عبر التاريخ من الأحزاب والحركات العنصرية الفاشية، ليس في بلاد الرافدين فحسب بل في كل العالم، من صنعائها وحتى صومالها وحماسها وحزب الاهها، وصولا إلى أولئك المنحرفين في القادمين من أصقاع أوربا وأمريكا وشوارعها الخلفية المظلمة.
kmkinfo@gmail.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كفاح محمود كريم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/01/24



كتابة تعليق لموضوع : من أنتج داعش؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net