صفحة الكاتب : رياض ابو رغيف

بين صلح الحسن واجتثاث البعث
رياض ابو رغيف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

حين وصل كتاب معاوية ابن ابي سفيان الى اﻻمام الحسن ع يعرض عليه فيه الصلح دافعا اليه بكتب "خيانة "قادة جيشه امثال عبيد الله ابن عباس واخرين من المهتزين والمنافقين ومارافق تلك اﻻحداث وماسبقها من ارهاصات واحداث خطيرة تمتد الى سنوات الصراع المرير والمحتدم الذي قاده امير المؤمنين علي ع مع جبهتين خطيرتين متمثلتين بحزب قريش بقيادة معاوية من جهة وحزب الخوارج من جهة اخرى 

لم يكن ذلك العرض وتلك الخيانة وحدهما الدافع الرئيسي واﻻبرز رغم خطورتهما الميدانية واﻻستراتيجية في تعبيرنا ومصطلحاتنا الحالية في قبوله عليه السلام للمصالحة والتصالح مع غريم البيت الهاشمي الاول وعدو اﻻمامة العلوية الخطير بما يحمله ذلك الصدام من بعد عقائدي وروحي ممتد الى تاريخ المبعث النبوي وبذرة الرسالة المحمدية التي قوضت رئاسة وسلطان ال ابي سفيان وخلعت عنهم عباءة المجد الدنيوي الى اﻻبد. 

كان الركون الى ذلك الصلح يعني القفز على كل التضحيات واﻻلام ومحو اثار تلك المسيرة الا صلاحية الطويلة التي خط طريقها الجد ومضى في معتركها الشديد اﻻب وتساقط على جوانب حماها اﻻحبة و الا عمام واﻻهل واﻻصحاب ولم يكن لرجل مثل اﻻمام الحسن ليفعلها اﻻ بشروطها الشرعية ومنافذها العقلائية القوية والتي لا يمكن ان تترك مجاﻻ للمشككين ولا تقولا للمرتابين .

و الوضع الذي نعيشه في العراق منذ عشرات السنين شبيه الى حد كبير باﻻحداث السياسية التي عاشها اﻻمام الحسن ع في الكوفة ولعل المؤامرات اليومية المكتشفة والمستورة التي تتكالب علينا  هي مشابهة الى حد ما الى تلك التي مرت        باﻻمام ع .. فاصنام البعث التي هدمت لازال عبادها يلهجون بحمدها ومدحها وعباءة الطاغوت التي مزقت  عن عواتق كهانها وعرابوها  يستميت الراتقون يخيطون جوانبها ويروفون فتوقها و صحيح ان ابا سفيانهم ومعاويتهم مضيا الى حيث مضى اجدادهم لكن يزيد وجنوده اليوم ليسوا في الشام بل هم يجولون بين الخيام ينتظرون بروز الحسين ع اليهم ليقتلوه مرة اخرى كما قتلوه قبل 1400 سنة في كربلاء . 

بذات المنطق وبنفس الخطى هم اليوم على خطى اجدادهم يسيرون ولانهم يعرفون كيف يقرأوا تاريخ الطغاة فقد ساروا بالعراق مرة على طريقة فرعون واخرى على طريقة نيرون وثالثة على طريقة المماليك والمغول والسلطان العثماني  وهتلر فلكل شخصية اوانها ولكل منهج رجاله وهم اليوم يستعيرون منهج معاوية ليهيئوا كل شيء ليزيدهم المتربص .

المشكلة ان حكام العراق الجديد بشتى ميولهم ومذاهبهم واتجاهاتهم لم  يدركوا رغم عشرات بل مئات الخناجر المسمومة التي طعنا بها ان اليد التي تغرز الخنجر المسموم في اجسادنا هي يد البعث وان تلونت الخناجر واختلفت .

افهموا ان من باع العراق وارضه وخانكم هم قادة بعثيون حذرناكم منهم اﻻف المرات بلا فائدة ..، وافهموا ان من دعم القاعدة هم البعثيون لاغيرهم ومن احتضن اﻻرهاب هم البعثيون انفسهم ومن خرب مؤسسات الدولة هم البعثيون ذاتهم ومن يستبيح اﻻعراض والدماء كل يوم هم حثالة البعث الساقطة ومن خرب التعليم ومن شوه سماحة الدين ومن يدفع الرشا ومن يدعم اﻻعلام اﻻسود ومن ينتقص من كرامة العراقي ومن يحرض على الفساد هم البعث والبعثيون اﻻ تفهمون ؟! 

اﻻمام الحسن عليه السلام قبل ان يصالح معاوية بعد كل الخراب الذي حل بما حول اﻻمام وقف ليقول 

( كأني أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم، يستسقونهم ويستطعمونهم بما جعله الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون، والله لو وجدت صابرين عارفين بحقي غير منكرين ما سلَّمت له هذا الأمر لأنه محرم على بني أمية فأُفٍّ وترحاً يا عبيد الدنيا.)

ملقيا حجته على من لا عهد له ولا دين وممن ارتضى بذل العيش ومراره على يد الطغاه كما اخبرهم اﻻمام .. فما كان من القوم كعادتهم وهم من الف الخنوع والذلة والخضوع اﻻ ان خذلوه وتخلوا عن نصرته بل منهم من اعتدى على شخصه المقدس ع .. فكان قبول اﻻمام بالصلح نتيجة طبيعية لما احاطت به الظروف الموضوعية  من خيانات زعماء القوم ورؤوساء القبائل من جهة وتهاون وتخاذل القاعدة الشعبية من جهة اخرى . 

ان الواقع اليوم يشير الى وجود تشابه يلفت النظر بين تلك اﻻحداث الماضية وما تشهده الساحة السياسية العراقية الحالية  فقد كانت القيادات الميدانية التي تدير اﻻمور الادارية والعسكرية في الجزء الشرعي من الدولة اﻻسلامية التي يقودها اﻻمام الحسن ع باعتباره اميرا للمؤمنين لها خيوط ارتباط واتصال مشبوهة مع الجزء اللاشرعي من رئاسة الدولة اﻻسلامية التي كان يرأسها معاوية وهي ذات القيادات والرئاسات العشائرية واﻻقطاعية التي تخاذلت عن نصرة الخلافة الشرعية التي كان يمثلها    اﻻمام علي ع والمتهمة بالعمالة الى المعسكر المعادي لدولة اﻻمامة العلوية وتكشف لنا حقائق التاريخ فساد تلك الزعامات وتلقيها الرشى والوعود بالمناصب والامارات وهي التي فقدت تلك اﻻمتيازات  السلطوية والمادية والمعنوية الموروثة لعقود سبقت مجيء العدالة اﻻجتماعية والميزان الحساس الذي نصبه علي ع لتفقد في دولته اعتبارات مهمة جدا كانت تتمتع بها سابقا 

والناظر الى اﻻمر بتمعن يدرك ان اﻻمام الحسن ع كان يدرك خطورة ما وصل اليه الحال بعد تكشف المؤامرة وتشابك خيوطها من حوله لكنه رغم ذلك  لم يعط لمعسكر اعداءه مايريدون من طلب الصلح اﻻ بعد ان توجه الى القاعدة الشعبية التي تتبعه ولم يعقد صلحه مع معاوية اﻻ بعد التيقن بانه لانصير طبيعي معه اﻻ القلة القليلة ممن لا تقوى على مجابهة جيش معاوية وقواته العسكرية الجرارة . 

ولان التاريخ هو عقل وضمير اﻻمة فلابد لنا من استحضار حقائقه وعبره امام حركتنا وانطلاقاتنا باتجاه الحاضر كي نستشرف بعضا من توقعات المستقبل وكي نتلافى الوقوع في المحذور من المنزلق القادم ... 

فحين نرضخ الى المطالبات المشبوهة لالغاء قانون "اجتثاث البعث " علينا ان نسترجع التاريخ اﻻسود والدامي والمظلم لهذه المافيا المجرمة وما خلفته فينا وفي المنطقة من كوارث واﻻم وجرائم وعلينا ان نفهم ان كل ماجرى ويجري اﻻن سواءا في الساحة اﻻمنية والعسكرية والسياسية واﻻجتماعية العراقية  وما يختلق من ازمات يومية مريرة اسبابها ائتماننا للخونة وتغاضينا عن تاريخهم المرتبط بزمن اﻻصنام المهدمة واحتضاننا تماهلا واهماﻻ منا للمنافقين والمهتزين والموتورين ... وان كل اﻻحداث الجسيمة والزلازل الضخمة التي هزتنا انما  هي من صنيعة اولئك لجرنا  راضخين نحو مصالحتهم والغاء قانون اجتثاثهم الذي لم يعدل من اوكلت اليه مهمة تطبيقه فاستثنى هذا وسامح ذاك وغض النظر عن اولئك ... 

ربما يمكننا القبول باعذار من يعتذر بان الوضع المتازم الذي نعيشه يستوجب منا حلحلة اﻻمور وفق هذا المبتنى فالمجتثون لن يهدأوا اﻻ باعادتهم الى مميزاتهم وامتيازاتهم الواسعة المفقودة لو كانت قواعدنا الشعبية تخلت عن من يمثلها او تهاونت في مقاومة اعداءها من الخونة والمنافقين او انبطحت امام قطار الموت الدامي المتفجر في اجسادها كل يوم ... لكن الواقع المبهر ان ابناء ضحايا جرائم البعث واذنابه وحواضنه ومريديه من "ولد الخايبة "يقاتلون دون تردد كل القوى التي يحشرها البعث بمسمياته العديدة والمتلونة بشتى اﻻلوان لانهم  لازالوا مؤمنين بان ابا سفيان ومعاوية البعث لن يخلفوا من وراءهم اﻻ "يزيد جديد " وسيفعل بهم وبابناءهم ان صالحناه كما فعل يزيد بابناء الكوفة واحفادهم قبل اربعة عشر قرنا وسيجدون ذات ما وجد من تخلى عن نصرة اﻻمام الحسن ع ماوعدهم امامهم من ذل ومهانة حين ارتضوا مهادنة وقبول الباطل على حساب الكرامة والعدل 

فالعذر مردود واﻻعتذار مرفوض ولن يقبل اﻻحرار ان تزكم انوفنا قذارة البعث مرة اخرى ومهما كان الثمن . 

Ryid967@yahoo.com

Sent from Yahoo Mail on Android


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رياض ابو رغيف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/01/29



كتابة تعليق لموضوع : بين صلح الحسن واجتثاث البعث
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net