صفحة الكاتب : سميرة سلمان عبد الرسول البغدادي

التطبب بالأدب والفن !
سميرة سلمان عبد الرسول البغدادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 قد يراودنا وفي معظم الأحيان الشك بمصداقية القول إن الأدب قد يكون فضاء مناسبا للهرب من واقع لا نسعد به ,بل وقد يتمادى البعض بوصف الفن  بأنه قد يمثل علاجا للتطبب من هموم الحياة .. وقد تيقنت وفي بعض أمثلة من أولئك الفنانين  المصابين بأمراض وعلل مزمنة  من " قوة السحر " الذي يصاحب الإبداع و مدى صلته بالحالة المعنوية لمتعاطية ".
     لقد شدني " مـَرسـِل پروسـْت-  Marcel Proust" وكيف أن شَكلْ من علله المزمنة أسطورة منحتنا الجمال . ولد هذا الروائي والناقد وكاتب المقالات العظيم في العاشر من يوليو عام 1871 من أب كاثوليكي وأم يهودية ودرس في إحدى المدارس الفرنسية المرموقة واختلط بالطبقات الراقية التي كانت أرضا خصبة لكثير من انتاجاته . لقد عانى من مرض الرب ومنذ طفولته إلا أنه كان شابا ممتلئا بالحيوية بل وأكثر من ذلك لقد أسس في ربيع مراهقته مجلة أدبيه اسماها " المائدة " , ولم تكفه الشهادة التي حصل عليها من السور بون بل سعى أن تكون له شهادات عليا ف الفلسفة والقانون . إلا إن ازدياد مرضه جعله يلازم غرفته طوال الوقت في ذلك البيت القديم الذي أرغم بسبب فقر حاله أن يعيش ضمن جدرانه . هناك حيث كان جيرانه يؤرقونه ليلا نهرا بصراخهم حتى انه كان أحيانا يعتقد إن هنالك رجالا ونساء " يذبحون من الوريد إلى الوريد ". حينها تفرغ لكتاباته والانعزال عن العالم واستغرق في كتابة ( البحث عن الزمن الضائع " ليجد مخرجا من سجن غرفته وجدرانها .
   أما روبرت لويس ستسفنسون – صاحب القول المأثور " لا يمكنك أن تهرب من ضعفك طويلا فعليك أن تقف وتقاتله أو يهلكك , ولو كانت هذه النهاية إذا فقاتله الآن  "..... ذلك الروائي الاسكتلندي الشهير بل أنه يصنف ضمن أشهر كتاب قصص المغامرات بالعالم .. لقد كان هزيلا شاحبا مصدورا وقد اختلف المؤرخون في علته التي كانت تستوجب تنقله إلى أماكن ذات أجواء نقية فهنالك من ادعى انه كان مريضا بالسل وهنالك من نسب مرضه إلى تقرح الرئتين أو تليفهما  بمرض الـ sarcidosis.
 
مع ذلك فأنه عاش حياة غزيرة الإنتاج إذ ترك وراءه أرثا ضخما من الروايات والمقالات والكثير من الكتب عن أدب الرحلات والأشعار الجميلة حتى إن التاريخ سجله من أعظم وأشهر أدباء الانجليز في القرن التاسع عشر . فكيف لنا أن لا نذكر القبطان " سيلفز ذو الساق الخشبية ؟ او الدكتور جيكل او مستر هايد أو ديفيد بلفور وعمه الشرير ايبنزر وجزيرة الكنز !!
بينما كان توماس هاردي و هنري جيمس منشغلان بصنع تقنيات جديدة للرواية الواقعية، كان ستيفنسون منشغلا بصنع حكايات شيقة، حكايات تستأهل أن تُروى، و شخصيات تبقى عالقة في الأذهان، و لذلك يجهل أكثر الناس هاردي و جيمس و قد يجهلون ستيفنسون نفسه، و لكنهم يعرفون سيلفر و دكتور جيكل و مستر هايد.
أفضل قصة تصور طريقة ستيفنسون و أسلوبه هي قصة كتابته لجزيرة الكنز. كان معتكفا في أحد البيوت الصيفية مع زوجته الأمريكية و ابنها. أخذ الابن يرسم أشكالا مختلفة. و قام ستيفنسون بمجاراته فرسم خريطة لجزيرة ما. رسمها كاملة، بسواحلها و كنزها المخبأ. بمجرد أن فرغ منها عرف أنه قام بصنع شيء مميز. سرعان ما جذب أوراقا عديدة، و بدأ بتسمية فصول الرواية التي يزمع كتابتها (الفصول أولا قبل المحتوى). و من ثم انبعثت شخصيات الطباخ سيلفز و جيم هوكينز و القبطان فلينت وقال حينها :
"انظر الى هذا الجسم الهزيل ويديه النحيلتين بالمقارنة مع الجسم يا له من كائن جميل !!"
       أما فاسلاف (أو فاتسلاف) نغينسكاي (Vaslav Nijinsky)< 1889- 1950> راقص الباليه الروسي الذي ينحدر من أصول بولندية ذلك الذي لقب بكونه أفضل راقص في بداية القرن العشرين اظهر براعة فائقة في قوة الرقصات التي يختلقها على أطراف أصابعه .لقد عانى نيجينسكاي  من تزايد الضغوطات وحرمانه من فرص الرقص الذي كان هاجسه في الحياة مما أدى إلى اعتلال نفسيته واختلالها  .وبعد جولة قام بها عام 1973 استقرت عائلته في سويسرا لكن حالته العقلية استمرت بالتدهور و كان الرقص هو ملاذه الواسع والوحيد . لقد كان هؤلاء هم وغيرهم الكثير هم الذين دحضوا ما ذكره كولن ولسن عن بعض المبدعين اللذين شعروا بأنهم غير منتمين بسبب عجزهم عن إيصال فكرهم للآخر بسبب نقص سايكلوجي !!
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سميرة سلمان عبد الرسول البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/12



كتابة تعليق لموضوع : التطبب بالأدب والفن !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net