صفحة الكاتب : عدنان السريح

بواكي البعث والضحية
عدنان السريح

 سرق منا النظام السابق، أجمل أيام حياتنا، بين سجن مظلم، كقعر جب عمق يملئه الخوف والهلع ، أو كمخاض يقتلع النفس من عروقها.
جسد تحمله الاقدام، نحو منصة يعلوها حبل عانق رقاب، أحرار الرجال، قتلوا في أنفسهم عبودية السلطة، قبل أن تقتلهم.
ذات يوم؛ في زمن القهر الصدامي ذهبت أنا وصديقي محمد، الى زيارة العتبات المقدسة في كربلاء، كانت المراقد تعج بالزوار، من مختلف ارض العراق أجواء عرفانية جميلة. يملؤها الذوبان في حب آل بيت النبوة والرسالة، كان شعورنا لا يوصف، عند دخولنا مرقد أبا الفضل، قمر بني هاشم، يهزنا شعور الإباء، وعنفوان الأخوة، والغيرة العباسية.
أما عند دخولنا مرقد، الإمام الحسين \"عليه السلام\" يملئ قلوبنا حرارة، قتل الحسين، لا تنطفئ نارها أبدا كأنها، متوقدة منذ آلاف السنين حزنا على قتله، من قبل الحكومة الأموية، يتخلل ذلك الحزن، شعور بالطمأنينة النفس. عدنا من الزيارة، وفي الطريق على مشارف بغداد، وإذا بسيطرة لم تكن رئيسية، على الطريق فيها عدد من الرجال، يرتدون الزي العسكري \"الزيتوني\" وبعضهم مدني كانت تلك الهيئة، يعرف بها رجال الحزب.
كانوا يُنزلون الشباب ويتركون غيرهم، لأنهم كانوا في الزيارة، هذه هي الجناية، أنزلونا من السيارة أنا ومحمد، عصبوا عيوننا وقيدوا أيدينا، اقتادونا الى مكان لم نعرف أين، تبين فيما بعد انه الفرقة الحزبية، في جو من التخويف والترهيب.
بعدما حققوا معنا أرسلونا الى بغداد، في حال من القسوة والخوف والتعذيب، الذي لا يتحمله إنسان، فرقونا لم أره بعدها، بعد شهور من السجن، تم محاكمتي وحكم عليّ، بالسجن خمسة عشر سنة، كنت كثير السؤال، عن محمد ولم اعثر له على خبر من السجناء.
بعد أكثر من ثلاث سنوات في السجن، قال لي السجانون إن لك مواجهة غدا، فلم اصدق متى يحل الصباح، لم انم حتى كانت المواجهة، جاءني أهلي كانت عيوني تبحث عنهم في الناس.
ما أن سقطت أنظاري عليهم، لم أتمالك نفسي من الفرح، إذ رأيتهم أغرقت عيوني الدموع، تداولت الحديث معهم، عما جرى لي في غياهب السجن. سألتهم عن محمد هل من خبر عنه؟ هل خرج من السجن؟ قالوا لم يبلغ أهله عنه شيء، أكملت عشر سنوات من السجن، وخرجت بعفو، قبل سقوط نظام صدام .
شاءت الأقدار أن يسقط ذلك النظام الدكتاتوري، خرج كل من كان مسجون، لم يخرج محمد، بحثنا عنه مع أهله في سجلات المسجونين لم نجد له اثر. بحثنا في سجلات المعدومين، وإذا بنا نجد أن محمد قد أُعدم، بعد أعتُقلنا بسنتين، ولم نستطع العثور له على جثة، ذهب محمد شهيدا، لحق بركب الحسن لقد بلغ الفتح، هنيئا له الشهادة. بعد كل تلك السنين، نستغرب أن هناك من يبكي على البعث، وما أكثرهم، هل يوجد ظلم أكثر؟ من أن يُقتل المرء مرتين، مرة حين يعدم وأخرى حين لا يجد من يبكي عليه.
بل يبكون على الجلاد يا ترى هل يستوي الجلاد والضحية؟.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدنان السريح
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/24



كتابة تعليق لموضوع : بواكي البعث والضحية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net