صفحة الكاتب : عدي عدنان البلداوي

حول اشكالية تجسيد الانبياء - 6-
عدي عدنان البلداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
واذا كان ابراهيم الخليل نبيا عندما واجه نار نمرود العظيمة بعين متطلعة الى السماء، فإن شخصا مثل ميثم التمار لم يكن نبيا ولا وصيا عندما أمر عبيد الله بن زياد بصلبه وقطع يديه ورجليه ولسانه ثم رميه بالرمح، وكان ذلك لعدة أيام وميثم مصلوب دون ان يتخلى عن القيم المحمدية التي استقاها من نبي الأمة على يد الإمام علي عليه السلام .. وحتى عندما اخبره الإمام بما سيحصل له، لم يكن رد فعله ان يطلب من الإمام علي ان يدعو الله لينجيه مما سيحل به، لكنه تساءل ان كان ذلك التعذيب الوحشي سيرغمه على الضعف والتخلي عن قيمه الإسلامية المحمدية، فلما طمأنه الإمام انه سيكون في سلامة من دينه، لم يبال ميثم التمار رحمه الله بالعذاب والموت .. واذا كان ميثم التمار قد تأثر بقربه من علي عليه السلام، فجعله طاقة روحية كبيرة لا تتأثر بتهدم جسمه البشري، فاحتمل ما مورس عليه من التعذيب حتى الموت .. فمن كان وراء ذلك الشاب العشريني ممن القت مفارز حزب البعث القبض عليهم وهم يتوجهون لزيارة الحسين عليه السلام فاخذوهم الى خارج المدينة وسألهم الجلاد: من منكم مع صدام ومن مع الحسين؟  فقام ذلك الشاب ليقول: أنا مع الحسين ، فأطلق الجلاد الرصاص عليه فمات من فوره، ثم أعاد نفس السؤال، فقام اليه شاب آخر ليقول له أنا مع الحسين، على الرغم من انه رأى مصرع صاحبه أمامه، فهو بالتأكيد لا يتوقع مصيرا أفضل، فما الذي دفعه الى ان يحذو حذو صاحبه، وفعلا اطلق الجلاد الرصاص عليه فقتله .. انه رصيد القيم الذي يحمله كل شخص، ثم المعرفة بتلك القيم، ثم الحفاظ عليها، ثم الموت من اجلها عندما يتعلق الأمر بين الحفاظ عليها أو الحفاظ على الجسم البشري المجرد، وهذه المراحل تنمو بوجود البعد الروحي في ذات ذلك الشخص ..
عندما انتفضت الجماهير العراقية عام 1991 م ضد نظام البعث، اختارت أمريكا أن تضرب المنتفضين وتدعم بقاء نظام صدام، لأن أمريكا لم تكن تتوقع ما حصل، ولم تكن قد خططت لمرحلة ما بعد صدام كما قال احدهم في لقاء تلفزيوني قبل الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 م. . مشكلة امريكا ليست في انها ضد تشكيل حكومة في العراق أو أي بلد آخر، لكن مشكلتها في نواة تلك الحكومة، لذلك اختارت ان تدعم صدام في انتفاضة 1991 م لتطيح به هي عام 2003 م من خلال العراقيين، وجاءت بأشخاص عراقيين مثقفين مقيمين في اوربا وامريكا يعارضون نظام صدام، ليكونوا في مواقع القيادة في العراق، وتفاجأ الناس عندما لم ينجح اولئك المثقفون في بناء الدولة في بلادهم، كما لم ينجح جهلة النظام السابق، فالمعارضون الذين قدموا الى البلاد بعد غربتهم يحملون شهادات عليا واختصاصات علمية وكثير منهم كان ناجحا في عمله على صعيده الشخصي عندما كان في اوربا وأمريكا، لكنه فشل عندما اصبح في موضع القيادة في بلاده، ربما تكمن المشكلة في انهم لم يكونوا مثقفين بالمعنى الحقيقي، هم مختصون في مجال الطب والهندسة والاقتصاد والقانون وغيرها من مجالات المعرفة، لكنهم لم يكونوا أصحاب ثقافة صحيحة بواقع وتراث مجتمعهم ولم يكن لديهم أي مشروع قائم على أساس هذا الفهم والوعي، فكانت كل مشاريعهم عبارة عن محاولات وتجارب استمرت اكثر من عشر سنوات دون ان ترتقي حتى الى مستوى تقديم الخدمة الصحيحة للمواطن، وليس الى مستوى بناء الدولة، على الرغم من تمكن كثير منهم كاحزاب وقيادات في الدولة وتبنيهم شعارات: نحن خدام الشعب .. وربما كانوا مثقفين حقيقيين لكن المشروع الأمريكي في العراق كان أكبر من مقدرتهم على طرح مشاريعهم الوطنية، وسواء كان هذا السبب أو ذاك فهو ما تبحث عنه دول الغرب العالمية، وهذا ماكانت تخشى عدم تحققه فيما لو انها دعمت انتفاضة 1991 م وأطاحت بنظام صدام .. كما ان امريكا ليست ضد تشكيل جيش في العراق أو في أي بلد آخر، لكنها ضد بذرة ذلك الجيش، وقد رأينا موقفها المتردد من الحشد الشعبي بعد فتوى المرجعية في النجف الأشرف، فهذه البذرة عراقية حقيقية، وهنا تكمن الخطورة بالنسبة لأمريكا، فهي تريد جيشا افراده عراقيون أما بذرته وهيكلته فينبغي ان تكون أمريكية، لذلك ظهرت محاولات هنا وهناك للنيل أو لإضعاف هذه البذرة العراقية في أرضها من خلال إثارة واستغلال محدودية الرؤية لدى كثير من القيادات السياسية والدينية، فكانت فكرة تشكيل الحرس الوطني، وفكرة الاستنجاد بقوات دولية، وفكرة تشكيل جيش سني، على الرغم من وضوح الفتوى ودعوتها القادرين على حمل السلاح للدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات،   ورأينا تصريحات أمريكا بخصوص العمر الزمني للإرهاب في العراق والذي بلغ ثلاثين عاما في أشد التوقعات الأمريكية، وانه لا بد من نشر آلاف القوات الامريكية لضمان القضاء على داعش، على الرغم من حجم الانتصارات الكبيرة التي حققتها قوات الجيش والحشد الشعبي، واشارت الى انهم لم يحرروا سوى مساحات قليلة جدا من الأراضي التي يحتلها داعش، وحتى إلقاء المساعدات والأسلحة في المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيين .. كل هذه المحاولات على الأرض العراقية، لا تقل أو لا تبتعد كثيرا عن تلك المحاولات البعيدة المدى الرامية الى إقحام البعد المادي في تاريخ الأديان والأنبياء، لإضعاف حيوية البعد الروحي الرابط بين الناس وبين تراثها وتاريخها ..   امريكا مع حرية التعبير ومع حرية الرأي، وفي الوقت نفسه هي ضد الحرية التي تصنعها المجتمعات بعيدا عن الاستيراد الغربي لمفهوم الحرية ..

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدي عدنان البلداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/03/16



كتابة تعليق لموضوع : حول اشكالية تجسيد الانبياء - 6-
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net