صفحة الكاتب : عدي عدنان البلداوي

حول اشكالية تجسيد الانبياء - الاخيرة -
عدي عدنان البلداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يتأثر مجتمعنا في اغلب الأحوال بشكل مباشر بالسياسي ورجل الدين، ويتأثر بشكل غير مباشر بالمفكر والكاتب والمثقف .. وحيث ان السياسي لم يثبت توجها نظيفا لصالح الشعب في كثير من الاحداث والمواقف والازمات، فإن رجل الدين واعني به المرجعية الدينية قد اثبتت ان توجهها خالص نظيف لصالح الشعب، عموم الشعب .. كما ان المثقفين من كتاب ومفكرين وادباء تتباين مستويات المسؤولية لديهم، وما يعنيني من هذه الشريحة هو المثقف المسؤول، الذي يظهر في كتاباته وافكاره ميولا واضحا نظيفا لصالح المجتمع، اذن اصبح لدينا مؤسسة دينية اثبتت عمليا نوعية توجهها لصالح المجتمع وشريحة من المثقفين المسؤولين اثبتوا من خلال كتاباتهم ونشاطاتهم انهم يعملون لصالح المجتمع، لذا لا بد من استثمار نظافة هذه التوجهات في الفريقين لأجل صناعة طبقة اجتماعية مثقفة واعية، أي مسؤولة، وعملية صناعة هذه الطبقة تتم من خلال التقارب بين المثقف والمتدين، تقاربا لا ينتج عنه تأثير أحدهما في الآخر، لتكون النتيجة إما ثقافة متدينة أو ديانة ثقافية، بل تقارب ينتج عنه انسانا جديدا أو فكرا جديدا، ينتج عنه ثقافة إسلامية مسؤولة تصل الى الناس عن طريق الخطباء عبر المساجد، فنحن في مجتمعاتنا العربية الإسلامية نقدس المسجد، لأنه ذات يوم كان مبعث حضارة إسلامية رائعة عندما كان يعتلي منبره النبي الخاتم، واليوم ينبغي ان يكون المسجد وسيلة تقريب من خلال الخطيب الواعي، بين المجتمع والمثقف الحقيقي، فعندما يتقبل المتدين نقد المثقف لقضايا إسلامية تخص واقع المجتمع، نقدا لا يخرج عن قيم الإسلام المحمدي، ويتقبل المثقف نقد المتدين ضمن نفس القيم مع مراعاة جغرافية البلاد والتاريخ بكل احداثه وتراث الإسلام وقيمه، عندما نفهم الفارق بين النقد البناء والنقد الهدام ..
ان وجود المثقف المسؤول على مقربة من رجل الدين المسؤول من شأنه ان يعطي للمجتمع صورة واضحة للإسلام، لا يشعر أمامها انها صورة قديمة وتاريخية سواء أكانت جميلة أم لا، بل يراها صورة حيوية معبرة معاصرة وفي الوقت ذاته غير منفصلة عن التراث والتاريخ، هكذا تبدو لي المرحلة المقبلة التي علينا التحرك نحوها، مرحلة   أعداد ارضية ينجح عليها أقامه مشروع الوعي في المجتمع بإتجاه تقدمي ..
اعتقد ان من ضمن نشاطات هذه المرحلة التي نتحدث عنها، هو دعوة المؤسسة الدينية لاصحاب الفكر البناء المسؤول واصحاب القلم المسؤول من كتاب ومثقفين واكاديميين ممن لديهم اعمال جديدة تخدم تطور المجتمع، وتدعم الفهم الإسلامي الصحيح، وتبني افكارهم عن طريق المنبر ووسائل الإعلام وطبع نتاجاتهم من قبل الجهات المسؤولة عن العتبات المقدسة .. هذا النوع من المحاولات والنشاطات يؤسس لجهد جماعي لدخول مرحلة البحث عن الطرق المتعددة لعلاج واقعنا، والوقوف على المعاناة لتجاوزها، فنحن لا نزال نتحدث عن المعاناة والهموم والمشاكل فقط، الخطيب يؤدي دوره من على المنبر، والمثقف يؤدي دوره من خلال كتاباته، كل على حده، والنتيجة اننا نقوم بمحاولات لتحسين الوضع أو لحل جزئي لمشكلة ما، لكن محاولاتنا لا تتبنى مشروعا أو منهجا تتطلع به الى الحلول الجذرية لتلك المعاناة والمشاكل، فمثلا رجل الدين يدعم فكرة تكوين الأسرة  ويحث على تزويج الأبناء البنات وفق معايير إسلامية اخلاقية رائعة، والمثقف يتحدث في كتاباته عن معاناة الشباب وعدم مقدرتهم على الزواج بسبب التكاليف الباهضة  والظروف الاقتصادية للمواطن، وبعض الأحزاب الدينية أو الحكومية تطرح مشروع الزواج الجماعي لعدد من الشباب المتعففين ..
والناس في حيرة من أمرهم، فمن جانب هم متعلقون روحيا بالإسلام وقيمه، ومن جانب آخر يعيشون واقعا اقتصاديا اجتماعيا سياسيا يستورد الثقافة والعادات والأفكار من الغرب، وقلة أولئك الذين يطبقون الإسلام بوعي في حياتهم وشؤونهم الخاصة ..
 ان جميع هؤلاء يقدمون خدمة لعدد أو لشريحة من الناس، لكنهم لم يقدموا حلا جذريا لمعوقات تمكين الشباب من الزواج، مع إنهم جميعا يدركون حجم هذه المشكلة، لذا فإنني أرى أن التقارب الذي تحدثت عنه بين المثقف ورجل الدين، سيسهم في صناعة طبقة من المثقفين في المجتمع، واذا ما تشكلت هذه الطبقة فإنها ستكون فاعلة بحكم كثرتها وشيوعها بين الناس، وهذه الفاعلية المقترنة بالوعي الموجود أصلا في رجل الدين والمثقف موضوع التقارب، سيعطي لهذه الطبقة، لهذا الإنسان الجديد في المجتمع إمكانية تغيير الواقع وصناعة الغد وفق قيم إسلامية نادى بها نبي الأمة وعمل بها نفر ممن انتقل اليهم البعد الروحي الواعي ..
في العراق توجد اعداد كبيرة من الناس، مرتبطة روحيا بالمرجعية الدينية ارتباطا مباشرا، وقد رأينا خروجهم إلى الشوارع لمجرد سماعهم بفتوى الجهاد، وفي الوقت نفسه تفتقر هذه الطبقة الكبيرة من الناس إلى الوعي والى مستوى معاشي مقبول، وبالمقابل هناك شريحة صغيرة من المثقفين يمتلكون الوعي، لكن يعوزهم الارتباط المباشر مع الناس، لذا عندما يتبنى الخطيب المسؤول، توجيه الناس إلى قراءة كتب ومقالات المفكرين والمثقفين المسؤولين تجاه المجتمع في مجالات الحياة المختلفة، ودعم المؤسسة الدينية لأنشطتهم، كما أشرت، فإنه يصبح ممكنا مواجهة المشاريع العالمية التي تحدثنا عنها بظهور طبقة في المجتمع تعرف معنى الثقافة الحقيقية وتعرف معنى الإسلام الحقيقي .. 
عندما نصل إلى هذا المستوى ستتغير طرق تعاملنا مع محيطنا وعالمنا، وسندرك ان المظاهرات السلمية المنددة بفلم أو رسام كاركاتير تناول نبي الرحمة غير كافية لتعريف نبينا إلى العالم  ، وان تفجير مبنى مجلة نشرت رسومات مسيئة إلى النبي وموت عدد من كادرها لا يعالج أو يواجه مشروعا عالميا يستهدف الإنسان المرتبط بدينه، ولا يعطي تعريفا صحيحا للإسلام وقيمه ..
عندما نصل إلى هذا المستوى سنكون قادرين على صناعة مشروع يحفظ لتراثنا حضوره في الناس، ويحافظ على البعد الروحي حيا في الناس بشكل ثقافي حضاري مسؤول، يكون امتدادا لرسالة النبي السماوية في جانبها الاجتماعي ..

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدي عدنان البلداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/03/25



كتابة تعليق لموضوع : حول اشكالية تجسيد الانبياء - الاخيرة -
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net