صفحة الكاتب : حيدر الحسني

التوبـــة الخالصــة
حيدر الحسني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 المرجع الديني آية الله العظمى السيد المرعشي ( رحمه الله تعالى عليه ) الذي توفي قبل سنوات في قم المقدسة

ينقل القصة التالية ( 1 ) :

 كان رجل من المؤمنين شخصاً ظاهر الصلاح , يحضر صلوات الجماعة وهو ملتزم بالأداب الشرعية , وهذا المقدر يكفي في أثبات العدالة شرعاً ( 2 ).

 يقول السيد رحمه الله : كنت أعرف هذا الشخص وعلى مرور الأيام وثقت به , لأنه لم أرى شياً يخالف عدالته , وكانت هناك أموال تأتيني , فكنت أعطيها لهذا الرجل ليقوم بها حسب الوظيفة الشرعية .

 وهكذا أستمر الأمر لعدة سنوات .

 وفي كل مره كنت أقدّم له من المبلغ :

فأحياناً ألف تومان , وأحياناً عشرة آلاف , وربما عشرين آلف , وربما أقل أو أكثر , وكان يأخذ الأموال ليقوم بالواجب الشرعي المعيّن شرعاً .

 وفي يوم من الأيام والسيد المرعشي ( رحمه الله علية ) جالس في بيته جاء هذا الرجل وهو يقول : سيدنا أنا عندي كلام خاص معكم في غرفه خاصة لا أريد أن يطلع عليه أحد غيركم .

 فلمى خلّى المكان من الحضور , قال : سيدنا أنا قد خنتكم خلال هذه السنوات الماضية , حيث كنت أستلم الأموال ولا أقوم بالواجب , فأكلت الأموال ولم أصرفها في المورد المقرّر شرعاً .

 فتأثر السيد المرعشي ( رحمه الله علية ) كثيراً وقال متعجباً : وهل أنت صادق في هذا الكلام ؟

 قال : نعم , أكلتها جميعاً , أن الشيطان قد لعب بي .

 نعم ربما يتلاعب الشيطان مع الأنسان ويخدعه ولكن يبقى ضمير الأنسان ووجدانه حياً , فعلية أن يفكر : الى متى استمر على طاعة الشيطان ؟ الى متى أكون ألعوبة بيد أبليس ؟ يقول لي : افعل أفعل , ويقول لي : لا تفعل فلا أفعل .

 على الأنسان أن يعلم بأنه أقوى من الشيطان فيقول لنفسه : أنت أقوى من الشيطان , فيتوب ويتدارك ما فاته .

 يقول السيد المرعشي رحمه الله علية : تأثرت جداً من كلامه , وقلت له : ألا تستحي من الله , ظاهرك الصلاح وتخون ؟ وكيف تخون الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ؟ وكيف تخون الأمام الحجة ( عليه السلام ) ؟ وكيف تخون الناس ؟ أنت تخدع الناس بهذا النظر والمظهر الصالح , وتأكل أموالهم بالباطل .

قال : سيدنا هذا الذي حدث , وأنا نادم على ما فعلت , فما هو تكليفي الآن ؟ أني أريد التوبة الحقيقية ومستعد لكل ما تقول .

 قلت له : فلنحسب كل هذه الأموال .

 فحسبناها فكانت كمية كبيرة جداً .

 فقلت له : يجب عليك أن تدفع كل هذه الأموال تبرأ ذمتي وتقبُل توبتي ؟

 قال له السيد : نعم , (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ( 3 ) .

 يقول السيد قلت له : كيف تدفع هذه الأموال الكثيرة ؟

 قال : عندي دكان ارتزق منه , ويدر عليّ وعلى عائلتي معيشتي , فأذهب وأبيع الدكان لأتخلص مما في ذمتي .

 قلت له من أين تعيش أذا بعتَ الدكان ؟

 قال : لا أعلم , ولكن حسبي الله ونعم الوكيل , المهم أن أتخلّص من الشيطان ومما في ذمتي من أموال الناس .

وفعلاً ذهب الرجل التائب وباع دكانه وهو مصدر رزقه الوحيد , وكان المبلغ كبيراً بقدر ما في ذمته , وجاء بكل ذلك المبلغ وسلّمه للسيد المرعشي ( رضوان الله عليه ) .

 ومن الواضح أن بعد بيع الدكان لا مورد لرزقه وعلية أن يعاني في عيشه كثيراً , ولكن هذه الأراده الشجاعة التي تقهر الشيطان .

 وعلى الأنسان أن يتحلى بهذه الأراده القوية , حتى لو كان نظام حياته يختل بالكامل , ولكن (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَىٰ ) ( 4 ) .

 نعم يقول السيد المرعشي قدس سره : وبعد أيام معدودة جاء شخص وقال لي : أن الحاج فلان قد توفي .

 فهنيئاً له حيث توفي طاهراً وقد برأت ذمته من أموال الناس , صحيح أنه كان قد تلوّث ولكن تاب وتدارك الأمر قبل قوات الأوان .

 يقول السيد رحمه الله : فذهبنا وقمنا بتجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه .

 هذه قصة سهلة في نقلها , ولكن صعبة جداً في تطبيقها .

أنه موقف عظيم , فهل يستعد الأنسان أن يتخلّى عن كل حياته ؟ عن كل أمواله , عن كل ما يملكه وما ادخره لكي يلقي الله سبحانه وتعالى طاهراً مطهراً ( 5 ).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) السيد المرعشي : هو السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي , المولود سنة 1318 هـ والمتوفى سنة 1411 هـ , من أكابر علمائنا ومراجعنا , وهو صاحب المكتبة المعروفة بأسمة التي تضم الآلف من الكتب المخطوطة الثمينة .

( 2 ) العدالة في الاصطلاح الفقهي : لإتيان بالأعمال الخارجية من الواجبات واجتناب المحرمات الناشئ عن الملكة النفسانية ، فهي على ذلك أمر عملي وليست من الصفات النفسانية ، وإن كان ذلك العمل مسبباً عن الصفة النفسانية وباقتضائها

( 3 ) سورة الزمر : 53 .

( 4 ) سورة الضحى : 4 .

( 5 ) القصة بتصرف من لسان أحد تلامذتة


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحسني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/04/02



كتابة تعليق لموضوع : التوبـــة الخالصــة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net