صفحة الكاتب : جعفر المهاجر

المكتبة والكتاب والقراءة أسس المعرفة الإنسانية عبر العصور
جعفر المهاجر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 وخير جليس في الزمان كتاب
المتنبي
تعتبر المكتبة في كل العصور حقلا واسعا لكل صنوف المعرفة وينبوعا ثرا يرفد النفوس بالغذاء الفكري ، وينير الطريق لكل إنسان يسعى لاكتشاف نفسه ومعرفة سبب وجوده ومعرفة العالم المحيط به . ولا نبالغ إذا قلنا أنها واحة الحياة الظليلة التي تضفي على النفس الإنسانية الهدوء وتشعرها بأهميتها في الحياة . وشعاعها الذي ينفذ ألى أعماق العقول فينيرها  ويمدها بالغذاء الفكري اللازم .ووجودها عامل رئيسي في تقدم الشعوب وتطورها واحتلال مكانها تحت الشمس . والكتاب هذا الصديق الذي  يعطي ولا يأخذ ولايخون ولا يداهن اتخذه أجل المفكرين والعلماء وأغناهم علما ومعرفة ورقيا ممن أقاموا صرح العلوم الإنسانية  وأثروا رفد  الحياة بمختلف صنوف المعرفة  صديقا دائما لهم لايفارقهم كظلهم  بل اعتبروه أكسير الحياة الرئيسي الذي  لاغنى عنه في رقي البشرية وحسبنا فخرا وشرفا نحن المسلمين أن تكون أول  سورة نزلت في حق نبينا الأكرم ص  تحث على القراءة وطلب العلم بسم الله الرحمن الرحيم: (أقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . أقرأ وربك الأكرم . الذي علم  بالقلم.  علم الإنسان مالم يعلم. ) سورة العلق. (وقل رب زدني علما )14- طه (وما يستوي الأعمى والبصير .ولا الظلمات ولا النور )19-20 فاطروغيرها من الآيات الكريمة التي تحث على العلم والتعلم . لقد ذكر الله جلت قدرته القراءة ثم العلم فالقراءة أولا ونتيجتها العلم الذي علمه الله للإنسان بواسة قدراته العقلية التي منحها له بعد     أن حثه على القراءة وهما سر النهوض الحضاري والتقدم العلمي جسدهما رسول الإنسانية محمد ص أيضا   في حديثه الشريف (أطلب العلم من المهد ألى اللحد ) وقال الأمام علي ع (كل وعاء يضيق بما فيه ألا وعاء العلم فأنه يتسع ) والعلم بمختلف أنواعه وصنوفه  تضمه بطون الكتب  التي دونها العلماء الذين خدموا المسيرة البشرية و(القراءة مفتاح العالم) كما عبر عنها أحد المفكرين وكلما قرأ الإنسان كتابا جديدا أكتشف آفاقا جديدة لم يكن يعرفها قبل قراءته ذلك الكتاب. ولا أقصد بذلك كتب الودع والسحر والشعوذة   والأبراج  والجنس وحياة الراقصة الفلانية والراقص الفلاني وما شابهها من (كتب) تحتوي بين دفاتها مواضيع تافهة تصادر عقل الإنسان وتحط من آدميته وتجعله متعلقا بهامش الحياة وهي       لاتساوي قيمة الورق الذي دونت عليه كلمات ذلك  سمي    كتابا. وأذا كانت القراءة مقتصرة فقط  على نيل الشهادة المدرسية والحصول على وظيفة لسد رمق الأنسان  واعتبارها الغاية والوسيلة  لكل متعلم  و بعدها يتوقف كل شيئ عليها   فأنها تعتبر  قراءة ناقصة مبتورة  لاتطور صاحبها  ولا ترقى به ألى حيث آفاق الحياة الواسعة حيث تطوى على تلك  المعلومات  صفحة النسيان . وحين نجد هذا   الكم الهائل من  (الكتب) الملونة بمختلف الألوان الصارخة التي تجذب العين قبل العقل  وتدغدغ المشاعر قبل العقول في بعض المكتبات العربية التي تبحث عن الربح التجاري نصاب بالدوار والغثيان ونرثي لكل من يتهافت عليها لأنها تبعد الإنسان عن الطريق الذي اختاره الخالق له                           بأن يقدم شيئا ولو بسيطا  في حقل المعرفة الإنسانية نتيجة تعلمه  فالكتب التجارية التي تثير الغرائز وتبعد الإنسان عن الخط المرسوم له من قبل خالقه تجعل من هذا  الإنسان   مخلوقا جاهلا بأمور كثيرة في هذه الحياة متأخرا عن الركب الحضاري فيموت من يموت ولا يدري لم مات ويعيش من يعيش وهو يظن أنه لم يولد بعد. وأذا  شعرهذا الأنسان صاحب الملكات العقلية الراقية  والطاقات العلمية والروحية   المتفوقة على كافة المخلوقات بعدم  استطاعته  تقديم عمل نافع لمجتمعه بعد حصوله على شهادة دراسية معينة  فليتعلم من الآخرين من البشر  الذين سبقوه في ميادين العلم والمعرفة قدموا له زادا ثقافيا وعلميا ثرا وغنيا على طبق من ذهب عن طريق الكتاب الجاد النافع  الذي قدموه له  حتى لا يبقى  أنسانا ضائعا  يبحث عن أشباع غرائزه وحاجاته  المادية فقط ويهمل الجوانب الروحية  والأخلاقية والمعرفية التي خلق الله النفس الإنسانية من أجلها لكي تتميز بها في رحلة عمره القصيرة قياسا للزمن., ويقول المفكر الفرنسي (فولتير ) سألني أحدهم من سيقود الجنس البشري ؟ فأجبته : ( الذين يعرفون كيف يقرأون . ) وقال عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين  (مكتبة متجولة ٌ خيرٌ من جامعة مغلقة .)ويقول الكاتب والأديب المعروف عباس محمود العقاد الذي لم يتخرج من جامعة في حياته : (لست أهوى القراءة لأكتب ولا لأزداد عمرا في تقدير الحساب . أنما أهوى القراءة لأن لي في هذه الدنيا حياة واحدة . وحياة واحدة لاتكفيني ولا تحرك كل مافي ضميري من بواعث الحركة .  القراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة ، لأنها تزيد هذه الحياة عمقا. )
وأذا تطرقنا ألى المكتبات التي لها ارتباط وثيق بعملية القراءة فيعتقد البعض أن المكتبات هي  وليدة العصر الحضاري الحديث . 
ولكننا أذا استعرضنا تأريخ المكتبات لوجدناها من خلال الآثار والأبحاث والدراسات أنها كانت منذ آلاف السنين عبارة عن معابد وقصور كانت تضم   بين أروقتها وممراتها  الكثير من المخطوطات والكتب القديمة ومن أشهر المكتبات  القديمة مكتبات بلاد الرافدين المسماة (نيبور) و(نينوى ) ومكتبات مصر القديمة مثل مكتبات فراعنة مصر في (طيبة ) و (ممفيس ) وكذلك مكتبات سوريا القديمة مثل (ماري ) و (أوغاريت ) يرجع تأريخها ألى ثلاثة آلاف  عام قبل الميلاد وقد تطورت منذ القرن التاسع عشر              وانتقلت ألى أماكن خاصة   أطلق عليها المكتبات وكانت (دار الحكمة) في بغداد عاصمة العلم والعلماء  من أكبر المكتبات حيث تعرضت للغزو  التتري عام   656ه - 1258م وتم أتلاف حوالي 80%  من الكتب القيمة  في مكتباتها وهي من أروع ما أبدعه       العقل الإنساني  في مختلف شؤون العلم والمعرفة حيث طفح    دجلة بالدماء والكتب في آن واحد وكانت تلك الهجمة التترية نكسة حضارية كبرى ومروعة  لحقت بالعاصمة بغداد وحضارتها وأرثها الثقافي  في ذلك العام حيث ضاعت أنفس الكتب والمخطوطات إضافة ألى مقتل الكثير من الناس بما فيهم العلماء والأدباء والمفكرون. وكان للجاحظ وابن العميد وأبن هاني الأندلسي والصاحب بن عباد مكتبات خاصة ينقلونها معهم حيث يذهبون وقد بلغت كتب الصاحب بن عباد حمل أربعين جملا ينقلها معه كلما انتقل  . وكانت مكتبة (دار الحكمة ) في   الشام تحتوي على آلاف الكتب القيمة أيضا حيث تعرضت للغزو الصليبي عام 553ه ودمرت وأحرقت  وكذلك كانت هناك مكتبات في قرطبة في الأندلس والقيروان في تونس وكانت مكتبة الإسكندرية في مصر تزخر بالنفائس والمخطوطات والمصورات والمجلدات وكتب في مختلف العلوم  الإنسانية في كافة اللغات الحية مايبهر العقول وسرق الكثير منها  لضعف اهتمام الحكومات المتعاقبة بها  ونقلها السراق  ألى أماكن أخرى خارج الوطن العربي.
 لقد أصبح علم المكتبات علما قائما بذاته وهو جزء من العلوم الإنسانية والمكتبة كلما كانت مفتوحة للجماهير الشعبية كلما كان تأثيرها أقوى لنشر العلم والمعرفة في حياة الفرد والمجتمع . والكتاب اليوم هو الوسيلة الأساسية في نشر الثقافة رغم ظهور الوسائل الحديثة التي  أخذت تزاحمه  في نقل المعرفة الإنسانية وأهمها الأنترنيت وقد عبر أحد المفكرين عن أهمية الكتاب بقوله : (الكتاب هو الكنز الثمين الذي يضم خبرة العديد من الأجيال السابقة ألى الأجيال اللاحقة وبدونه لايمكن أن يخلق المجتمع الجديد . )وقال أحدهم بيتا في حق الكتاب قائلا :
تأبطت الكتاب وغبت فيه – فما أحلى الرحيل مع الكتاب وقال الشاعر أحمد شوقي :
أنا من بدل بالكتب الصحابا – لم أجد لي وفيا ألا الكتابا.
ولايمكن أن تنهض الأجيال في الأوطان وتقودها نحو مرافئ العلم والتطور  بدون القراءة الجادة المثمرة والشعوب لاتتقدم ألا بكتابها المبدعين الذين يكتبون وكثرة المطالعين الذين يقرأون وحين نلقي نظرة على هذا الوطن العربي  ونجري إحصائية لعدد المؤلفين والقراء لأصبنا بالفزع حيث  تقدر المنظمات الدولية عدد الأميين في الوطن  الأمية في الوطن العربي ب 70 مليون أمي وهو رقم مخيف قياسا   لعدد الأميين في العالم  وهذا العدد من الأميين في العالم العربي  يمثل ثلاثة أضعاف الأميين في العالم . وكأن الحكومات غائبة عن هذه الظاهرة الخطيرة تماما ويمكن أيعاز السبب الرئيسي لهذا العدد من الأميين  هو الفقر وتسلط      الأنظمة الاستبدادية الفاسدة التي هاجسها الأول والأخير بقاء  رأس الهرم متسلطا على مقدرات الأمور طالبا تقديس شخصه   ناظرا  ألى الشعب كقطيع يسوقه هذا الحاكم وفق توجهاته الدكتاتورية الفردية   بعيدا  عن الأشتراك في القرار وأباء رأيه في طريقة حكم الحاكم ومن الطبيعي والمسلم به كلما ازداد عدد الأميين  وتفشى الجهل في وطن  يحكم فيه طاغية لثلاثين أو أربعين عاما  ازداد بطش الحاكم وتسلطه على رقاب الناس وخنقت أجهزته القمعية كل تقدم وتطور وأبداع   حيث   يصب هذا الأمر في صالحه وصالح أجهزته القمعية. فالحاكم المستبد يرتعب خوفا من شعب متعلم فيه الكثير من المبدعين وأساس الأبداع  هي الحرية التي يشعر بها الفرد في وطنه . وأذا  أجرت جهات متخصصة محايدة  بحثا على مايصرف في الوطن العربي من أموال على الثقافة وطبع الكتاب من هذه الحكومات  المستبدة التي ينخر في جسدها الفساد  لخرجت بنتيجة كارثية حيث أن الأموال التي تصرف على الثقافة العامة وأقامة المكتبات لاتكاد تذكر قياسا لعمليات التسليح التي تصرف عليها مليارات الدولارات بسخاء مفرط والغاية الرئيسية منها هي  الحفاظ على بقاء النظام وحمايته   من الانتفاضات والثورات الداخلية التي تقوم بها الشعوب التي حرمها هؤلاء الحكام من أبسط حقوقها ومنها تسهيل طلب العلم والمعرفة وتشجيعمه ومنحه بسهولة لكل من يطلبه والذي يجب أن يكون كالماء والهواء بجانب الخبز كما نراه في الدول التي تحترم شعوبها وللفرد فيها كيان وكرامة وصوت  لايمكن تجاهله.  ودعم المبدعين والمثقفين في كل مجالات المعرفة لابد أن يصاحبه حكومات ديمقراطية ينتخبها الشعب انتخابا حرا نزيها لاتشوبه شائبة ويعترف العالم بشفافيتها ونزاهتها لاكما يحدث في وطننا العربي حيث يستطيع الحاكم قلب الأمور رأسا على عقب ويفعل مايشاء دون حسيب أو رقيب     وضمن هذا السياق في التصرف بأمور البلاد والعباد نرى  الحكام المستبدين  يبعثون  أبناءهم منذ نعومة أظفارهم ألى أرقى جامعات العالم ويصرفون  على تعليمهم  المبالغ الطائلة من ميزانية الدولة  ليتعلموا اللغات الأجنبية ويحصلوا على أرقى الشهادات العالية    في الوقت الذي  تغرق  شعوبهم في غمرات الجهل والأمية والفقر وأذا تخرج الشاب من  الجامعة وحصل على وظيفة في وطنه فأنه يعتبر من المحظوظين في  هذا الوطن المنكوب وتنتهي رغبته في الأستزادة من العلم والثقافة وتطوير نفسه  في خدمة المسيرة الحضارية الأنسانية وأذا رغب في أكمال دراسته في أحدى الجامعات الأوربية قالوا له أذهب على حسابك الخاص فالدولة فقيرة ولا تملك الأموال اللازمة لأكمال تعليمك وهي سياسة      خبيثة درج عليها هؤلاء الحكام الديناصورات لضمان مصالحهم الفردية ومحاربة العلم والعلماء والمثقفين المنحازين ألى جانب شعوبهم المسحوقة والذين يكشفون سوءات الحاكم وفساده وظلمه      واستبداده.  أن التقدم العلمي والثقافي  المذهل الذي يحدث في الغرب يجعلنا ندرك كم نحن متأخرون عن  اللحاق بركب  التقدم الحضاري  في هذا الزمن  والذي يدعو ألى الرثاء أن العديد  من النخب المتخمة   من أتباع  السلطان تقلب الحقائق وتذر الرماد في العيون وتغيب ذهن المواطن الغارق في مشاكله اليومية المعاشية  فتحاصر عقله و تروج للمستبد  في وسائل أعلام النظام     وتضفي  على شخصه   كلمات التبجيل  والقداسة وتلقبه ب (الرئيس  العظيم) و(القائد الأوحد  ) و(جلالة الملك المفدى )  و (حامي العلم والثقافة في وطننا) و(راعي العلماء     والمفكرين ) ولا تكتفي بهذا بل تجتر الماضي  اجترارا باهتا  وتفتخر بالأمجاد الغابرة المندثرة  التي تراكمت عليها  السنين وبادت وانتهت  وتتغنى ب  (  الماضي  المجيد   للأمة العربية)   و(أن فضلها كبيروعظيم  على الغرب وحضارته الحالية وأن جامعاتها هي من (أرقى الجامعات في العالم ) وهكذا تبقى هذه الأمة متخلفة عن باقي الأمم بأحاديثها السفسطائية الخاوية  وتدور في حلقة مفرغة  في كل مجالات الحياة وتستورد حتى أبرة الخياطة مادام الأستبداد        قائما يتغلغل في عظام الناس فيزيدها تعبا وأرهاقا وضعفا وأحباطا و يصادر عقولهم  ويجعلهم مجموعات من البشر الجائعين المرضى   اللاهثين  وراء لقمة العيش وتمر السنين والأعوام وكأن شيئا لم يكن وكل شيئ على حاله بل  تزداد الأمة تأخرا واضمحلالا وهزالا وضعفا في كل مفاصلها   والعالم يتقدم على مدار الساعة في كل مجالات الحياة  وبسرعة مذهلة نتيجة   دخول الدول المتقدمة  التي تعتز بمواطنها وتقدم له كل أسباب  التشجيع والبحث العلمي وتصرف المليارات على طبع الكتب النافعة المفيدة في مختلف صنوف المعرفة الأنسانية   لتدخل  عالم  الفكر والثقافة والأختراع والأبداع في كل مجالات الحياة  من أوسع الأبواب. والشعوب حين تتوفر لها أرضية صلبة من حرية الرأي والفكر  تقرأ وتبتكر وتبدع  وتنتج وتبقى شعوب أمتنا المقهورة  تراوح في مكانها غارقة في ظلامها الدامس  وأحباطاتها المستمرة من حكامها الذين لاهم لهم سوى بطونهم وفروجهم وقصورهم وحاشيتهم وأبنائهم وعوائلهم وعشائرهم  وليذهب الملايين ألى الجحيم ماداموا هم في لذيذ العيش ورغده.وهكذا كنا وعشنا وبقينا لعقود طويلة والمثقف أما أن يهاجر ألى وطن يحترمه ويحترم كيانه وأما أن يقبع في السجن وأما أن يكون ذيلا وتابعا لسلطة الاستبداد ويقف ضد شعبه نتيجة الأغراىت المادية لسلاطين الاستبداد ويتحول بذلك ألى جوقة وعاظ السلاطين ويرقص معهم كلما رقصوا بأمر السلطان بعيدا عن صرخات شعبه وظلامات فقراء وطنه . يقول عبد الرحمن الكواكبي في طبائع الاستبداد (كما يبغض المستبد العلم لنتائجه يبغضه لذاته لأن للعلم سلطانا أقوى من كل سلطان ، فلابد للمستبد أن يستحقر نفسه كلما وقعت عينه على من هو أرقى منه علما . والعوام أذا جهلوا خافوا ، وأذا خافوا استسلموا ، ومتى علموا قالوا ومتى قالوا فعلوا . والعوام هم قوة المستبد وقوته .بهم عليهم يصول ويجول ، فيتهللون لشوكته ، ويغصب أموالهم ‘ فيحمدونه على أبقائه حياتهم ، ويهينهم فيثنون على رفعته ، ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته (حنكته ) وأذا أسرف في أموالهم يقولون كريم ، وأذا قتل منهم ولم يمثل يقولون رحيم . فكل أدارة مستبدة تسعى جهدها لإطفاء نور العلم ، وحصر الرعية في حالك الجهل والعلماء الحكماء الذين ينبتون في مضايق صخور الاستبداد يسعون جهدهم في تنوير أفكار الناس ، والغالب أن رجال الاستبداد يطاردون رجال العلم وينكلون بهم والسعيد منهم من يتمكن من مهاجرة دياره ، وهذا سبب أن كل الأنبياء العظام وأكثر العلماء والأدباء تقلبوا في البلاد وماتوا غرباء . ) وكم من عالم ومفكر وشاعرمات في وطنه غريبا لايكترث به أحد أو مات          في وطن بعيد عن وطنه وأسقط  الطغاة جنسيته أو داخل    زنزانته أذا قال لا للمستبد  في هذا الوطن  العربي المنكوب بأشرس الدكتاتوريات وأبشعها فتكا بشعوبها وبطليعتهم النيرة من        مفكريها. لقد عشنا فترة طويلة في وطننا العراق ورأينا كيف أخذ المفكرون والمثقفون يبيعون كتبهم بأبخس الأثمان نتيجة الفقر المدقع والأهمال وكان النظام غارقا في الحروب وشراء كل أنواع الأسلحة بمليارات الدولارات ويحجب عن الشعب الانترنيت ورؤية المحطات الفضائية والكتاب وحتى سماع الأذاعات حيث كان العراق عبارة عن سجن كبير يموت فيه المثقف والعام والمفكر بصمت باستثناء جوقة المطبلين والراقصين ممن باعوا شرفهم وضمائرهم وجندوا أنفسهم لخدمة الدكتاتور ضد شعبهم المقهور.  وما يحدث اليوم في ليبيا واليمن  وغيرها من دول الاستبداد العربي هو خير مثال على كلام عبد الرحمن الكواكبي. فهذه الأنظمة  لاتتقن  ألا القتل ولأضطهاد وبناء السجون واحتكار ثروة الشعب لصالحهم وصالح عوائلهم وحجب أبسط متطلبات الحياة  عن المثقف وطالب العلم والفكر الذي لايرغب  في التصفيق والهتاف بحق (منقذ الأمة ) و( باني مجد الوطن ونهضته .)وحاميها حراميها كما يقول  المثل العربي.  مع أن  عقيدتنا الإسلامية تحث وتدعو ألى التعلم والقراءة  وطلب العلم ورعاية العلماء  أكثر من أية عقيدة أخرى   على مر العصور وأن أسم الكتاب قد  ذكر في القرآن 149 مرة وكلمة النور وهي مرادفة لطلب العلم  49 مرة وهي بالضد من الظلام الذي ينشره الحاكم بظلمه وبغيه وفساده. وأذا طبع أكبر العلماء والمفكرين كتابا في وطنه فأنه لايغامر  بطبع أكثر من 1000 نسخة من كتابه الذي صب فيه عصارة أفكاره   والعالم العربي الذي يضم في مساحته أكثر من 350 مليون أنسان .وبهذا نصل ألى نتيجة أن معدل القراءة للفرد العربي هو ربع صفحة سنويا مقابل عشرة كتب للقارئ الأجنبي.  من هذه الأحصائية ندرك خطورة الوضع  المأساوي الذي يعيشه الإنسان  في هذا الوطن العربي الذي  40% من سكانه من الأميين نتيجة النظم الاستبدادية التي لايهمها بناء الإنسان بناء حضاريا لكي يلحق بالقافلة البشرية التي  سبقته كثيرا حيث الفقر والفاقة والجهل والمرض والحرمان تعشعش في مساحات هذا الوطن العربي من شرقه ألى غربه ومن شماله ألى جنوبه. وما لم يتخلص هذا الوطن من الرؤوس الدكتاتورية وبطشها وظلمها وفسادها وأحلال أنظمة ديمقراطية مخلصة لشعوبها مؤمنة بحقها في الحياة الحرة الكريمة  لتشمر المؤسسات التربوية والصحية والاجتماعية والعلمية والثقافية  عن أذرعها  وتنفض غبار السنين عنها وتتخلص من الروح الفردية والحزبية الضيقة   وتبذل جهودا جبارة في تنشئة جيل قوي يتمتع بصحة  سليمة   متعلم  قارئ يحترم الكتاب ويجله ويقدره فستكون هذه الأمة العربية التي تعتبر الأولى في  وحشية  حكامها من الطغاة والمستبدين آخر الأمم في ركب  الشعوب المتقدمة التي قرأت وتعلمت وبجلت الكاتب والمفكر والمخترع والمبدع  وسارت في طريق التقدم بنجاح باهر .
السويد
23/5/2011م


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جعفر المهاجر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/05/23



كتابة تعليق لموضوع : المكتبة والكتاب والقراءة أسس المعرفة الإنسانية عبر العصور
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net