صفحة الكاتب : جمعة عبد الله

صرخة احتجاج في رواية ( ارض الزعفران ) للكاتب حميد الحريزي
جمعة عبد الله


لاشك ان قراءة الرواية القصيرة ( ارض الزعفران ) تتبادر الى الذهن جملة من التساؤلات , التي تثير زوبعة من الاستفسارات , عن غاية الرواية وهدفها وعمقها الرمزي , في ضجيج الواقع الملموس , ومااحتوت من ايحاءات تعبيرية ورمزية  في توجيه مقاصد  واضحة , من خلال محتويات مضامين  فصولها الخمسة للرواية القصيرة  , التي اكتنزت بالديمومة والحيوية الفاعلة في موضع الحدث التي دلفت وانساقت اليه , بالدرجة العالية من الاثارة والتشويق , بحيث شدت القارى منذ بداية اسطرها الاولى , في حيويتها الديناميكية مشوقة  , التي ظلت ملازمة لها ببراعة حتى  اخر سطورها , وهذا بالضبط ما اشار الية الكاتب جاك لندن بان ( القصة يجب ان تكون ملموسة ومباشرة ومليئة بالحيوية والحياة وممتعة ومنعشة ومفعمة ) حتى تتكامل ادوات التعبيرية بالحبكة المتماسكة ,  وتصل الى الذروة المنشودة , في تراكيب ادواتها للوصول الى هدفها المطلوب  . والرواية سلكت طريق التكثيف والاختزال بمهارة  , في سبيل توضيح وانضاج الايحاء الرمزي , بشكل مباشرة , دون الوقوع في منزلقات الاطناب والحشو الزائد , الذي هو  في غنى عنها , ومن خلال الاسلوب ومقومات خصائص فن الرواية القصيرة اوفن  القصة القصيرة الحديثة , تكاملت فيها ادوات الحدث والموضوع التعبيري  , برسم الشخوص  عبر السرد الراوي وكذلك استخدام  المنولوج الداخلي يتخلله الحوار المكثف  , في ابراز العقدة او الصراع الذي شكل  جسم العمود الفقري للرواية القصيرة . لقد اختارت الرواية المزج بين الخيال والواقع الغرائبي بالسريالية ,  ويأخذ نا  بشوق الى سحر عالم الحكايات  الشعبية , والحكايات الخرافية , التي تعود بنا الى اجواء حكايات الف ليلة وليلة , وحكاية ( علاء الدين والمصباح السحري ) اضافة الى استخدام السرد الراوي للاحداث  , وفي اثارة  عناصر الرواية المؤثرة في الشخوص والاحداث , ان تتحرك على رقعة الرواية , بفعالية ديناميكية حية ونابضة من خلال فصول الرواية الخمسة  , التي هي كالاتي ( الولادة / الصندوق / الغريب / الزفاف والازدهار / الاندثار ) , ومن  القراءة التحليلية لمقومات الرواية وتشريحها في القراءة المتأنية  , يمكن حصرها في النقاط التالية :
1 - موجز موضوع الرواية
2 - الدلالة الرمزية لمعاني الشخوص في الرواية
3 - الايحاء الرمزي  للرواية
 1 - موجز موضوع الرواية : تبدأ الرواية مباشرة , بحادث المولود الجديد , الذي يتمثل بولادة ( ضوية ) في ارض الزعفران ( ارض الرز والتين والرمان ) , وبهذه الولادة تسجل انعطافة حياتية  جديدة لاهل الزعفران , حيث كان يوم الولادة ( في يوم ممطر غائم , انقشعت غيومه واشرقت شمسه وغردت اطياره , وانطلقت زغرودة الفرح بمباركة الخير الذي حلَ في بيت ( فرحان ) الاب .
- ألا تلاحظ يا ( فرحان ) ان ابنتنا اخذت تفهم معنى الكلام , وهي لم تبلغ يومها السابع ؟؟!!
- والله يا ( نورهان ) ان امر هذه الطفلة لعجيب يبدو انها مباركة
واخذ عود ( ضوية )  ينمو ويكبر , وتشتد عزيمتة وغرابتة في نفس الوقت , فحينما بلغت عامها السابع , اصبحت علامة فارقة وحديث اهل الزعفران في قدراتها العجيبة والغريبة  , فصارت تاريخ رسمي لاهل القرية في توثيق وروزنامة  لارض الزعفران من تسجيل  الاحداث , وولادات ووفيات , فيقال كذا يوم او شهر اوسنة , قبل اوبعد ولادة ( ضوية ) فقد اصبحت قبلة ومحطة انظار , يتبارك الجميع من بركاتها وخيرها , وحين استقبلت هدية من ابيها , صندوق يحتوي عبارة عن خزامة ووردة وخلخال , وقابلته بهدية منها , بان قادت رجال القرية الى الصندوق العجيب المدفون تحت التراب القرية  , وحينما حفروا المكان بمعاولهم , شاهدوا الصندوق المرصع غطاءه وجوانبه ببلورات لها بريق , كأنها نجوم متلألئة في سماء صافية , ولكن رجال القرية عجزوا عن رفعه  واخراجه من الحفرة  , سوى ( ضوية ) رفعته في يد واحدة , وسط دهشة وغرابة وفضول رجال القرية  , ووضع الصندوق  في غرفتها لانه عائد لها ومن ممتلكاتها الخاصة .  واصبحت ( ضوية ) مزار يومي , وحاجة اساسية لاهل الزعفران ( اصبحت اليد التي لا تخيب , في تسهيل وضع النساء معسرات الولادة في قريتهم وما حولها , حتى ذاع صيتها شرقا وغربا , وفي الشمال والجنوب . ما من زواج يتم إلا بمباركتها , فمن تقره يصبح نافذاً , ولا تقره يصبح باطلاً , وكانت موضع اسرار فتيات القرية ورغباتهن ) وعندما حل الغريب الشيخ  ( ادريس ) بشكل فجائي وغرائبي  في بيت ( فرحان ) طلب يد ( ضوية ) , ففوض ابيها اهل القرية في الموافقة على الزواج , وكانوا اهل ارض الزعفران , ينظرون الى ( ادريس ) نظرات غرابة وحيرة , رغم انه صرح بان موطنه ارض الله الواسعة , وهو من نسب آدم وحواء , وكان غزير في العلم والمعرفة والحكمة والتبصر , ويقرأ بما يجول  في الصدور , اضافة الى طلعته البهية , التي تدل على انه من علية القوم والجاه والنسب . فوافقوا على عقد الزواج مقابل شرط , ايجاد بيت يأويه مع عروسته ( ضوية ) ووعدهم في الصباح الباكر , سيجدون بلاط ضخم تحيطه الاشجار والفواكه جاهز على الارض اهل الزعفران   , ومؤثث باثاث الملوك والسلاطين ( هنا ندخل في الخيال الخرافي , الذي يذكرنا بقصة علاء الدين والمصباح السحري , في قامة بلاط ضخم من الهندسة العجيبة والغربية وبالاثاث الملوك , يتم كل هذا في يوم واحد , كقصر للزواج ) , اضافة الى حمل صناديق المملوءة بالطيب والحلي والديباج والحرير  والجواهر النفيسة , وتوزيع الملابس والهديا على كل اهل ارض الزعفران ) وتهب رياح السعادة والبهجة وكرنفالات الفرح على القرية , ويدوم الحال بهذا الخير الوفير , حتى حلول موعد  الفاجعة والخراب ويتهدم كل شيء , ويختفي الفرح والبركة من ارض الزعفران  , حينما داهمتهم الاغراب من كل الاجناس , ومزقت وشائج التعايش والسلام والمحبة , وحلت طباع هجينة واخلاق وحشية , وتكاثرت السرقات والخيانة والغدر , وتحولت ارض الزعفران الى قرية الاقفال , مما اغضب ( ادريس ) واحتج على هذا الغضب الذي اصاب القرية , واختفى عن الوجود مع ( ضوية ) .
2 - الايحاءات الرمزية لشخوص الرواية : ويمكن تلخيصها كالاتي .
أ - ارض الزعفران : هي ارض الرز والتين والرمان , ارض الانس والجان , دخلت في حلة جديدة من حياتها مع ولادة ( ضوية ) حيث (طفح نهر الخيزران الذي يشطر ارض الزعفران الى شطرين , وضاقت ضفافه ب ( الدهلة الحميرة ) واعطت السنبلة الواحدة , سبعة اضعافها وناء النخيل يحمل عذوقه من انواع التمور , وقد اثمرت من كانت لا تثمر , ملأت النهر اطيب انواع الاسماك , وغص الهور بانواع الطيور ) وعاشت ارض الزعفران في بحبوحة العيش وسعادته الغامرة , واصبحت انشودة للتعايش والسلام والمحبة , وفي تطور اخلاق الناس في عمقها الانساني . ويوحي لنا الكاتب من خلال هذه الاثمار الحياتية المتوفرة , بان هذه الخيرات والبركات تتواجد بوجود العلم والمعرفة , والعقل والحكمة والتبصر في عادات واخلاق الناس , ويغمرها نور المعرفة والحكمة والبصر والبصيرة , بان البعد الانساني الحضاري اهمية بارزة في وجود هذه الخصائل  , وبالضد يحل الخراب والطبائع والاخلاق الهجينة والوحشية , وينهزم الانسان كما انهزمت ارض الزعفران .
ب - ضوية : تمثل اطلالة الزمن السعيد , الذي يساعد على توسيع مدارك الانسان بالمعرفة والحكمة والعمل , في استثمارها , لجلب الخير والبركة , التي تجلب الامان والسلام والصفاء , لذلك يعتبر ولادة ( ضوية ) ولادة شروق المعرفة والحكمة  , التي تخدم الانسان وتبعدوه عن العدوانية والكراهية , هذا الايحاء باسم ( ضوية ) الضياء الذي يشع في جوهرته الانسانية ( بجمالها وكمالها وطيبتها وحكمتها , وغزارة علمها ) .
ج - الصندوق العجيب : حين حددت ( ضوية ) مكان الصندوق المدفون تحت التراب , ولما عثروا عليه , لم يستطع رجال القرية اخراجه , وحين رفعته ( ضوية ) في يد واحدة , هي اشارة صريحة بان الصندوق هو عائد الى ممتلكات ( ضوية ) , وحين داهمت  الغرابة والدهشة والحيرة برجال القرية , اجابتهم ( ضوية ) ( كفوا عن اسئلتكم واستفسارتكم , فما يضمه الصندوق , لا يمكن فهمه ولا ادراكه من قبلكم , عصي على الفهم على امثالكم , قد يصاب البعض بمس من الجنون , لو اطلع على مافيه , فيغير ثوابته ويلعن ماضيه وحاضره ) بمعنى ان ذخيرة الافكار التي تناصر الانسان , لايفهمها إلا الانسان الواعي والناضج , ويتفهم بادراك عميق , جدوى المعاني الانسانية وقيمها ,  وهذا ثقيل وصعب التحقيق , عند الذين يعتاشون على الماضي العتيق , والموروثات التي تفرق بين الانسان واخيه الانسان , ويكون الانسان مسير من قوى خفية تقوده الى التشبث والتزمت والتطرف والعدوانية  , وتقيده باصفاد ثقيلة تمنعه ان يكون انسان حر التصرف  , اوخلية صغيرة تعمل لصالح  الخير للواقع الحياتي وليس عنصر لدمار الواقع وتخريبه  , ولا يمكن التحرر من هذه الموروثات الثقيلية , إلا بالوعي الناضج والادراك العميق   .
د  - ادريس : الغريب الذي حل بغرابة في ارض الزعفران , الذي خلب عقول اهل القرية , بما يحمل من افكار تنير الطريق وتهزم الظلام , الافكار التي تجلب الثمر الى الحياة , في روائعة العقل المنفتح على الحكمة والتبصر والعلم والمعرفة , بان هذه الافكار قادرة على حل اعقد المشاكل والخلافات , وعكس ذلك تكون عسيرة الحل , ان تطابق بالوعي والفكر والعقل والحكمة بين ضوية وادريس , يمثل نشوء الحضارة الانسانية وازدهارها . هذا هو البعد الايحائي لشخصية ادريس .
3 - الايحاء الرمزي للرواية : تكمن في خضم الصراع الشرس بين قوى الخير والشر , هذا الصراع الازلي يستمر طالما وجد الانسان على ارض الله الواسعة , وهو موجود منذ وجود الخليقة الادمية . وفي الاستمرار على التزاحم والمنافسة على السيطرة على المجتمع والحياة . واذا كانت رواية ( اولاد حارتنا ) للكاتب نجيب محفوظ , التي اثارت ضجة كبرى . بدعوة بانها تطعن في الاديان السماوية , وانها تتحدث عن الظلم الالهي , بطرد آدم من الجنة , لانها اشارت الى صراع الناشب على السيطرة على المجتمع والحياة العامة في تتبع الاديان السماوية له  , وبانحياز الرواية  الصريح الى العلم والمعرفة  , الذي يخرج منتصراً من  حصيلة هذا الصراع , وفي ارض الزعفران كانت المعادلة معكوسة تماماً, بان الطباع والافكار والاخلاق الهجينة والوحشية , هي التي انتصرت بخرابها المدمر على ارض الزعفران وانهزامت المعرفة  و العقل والحكمة والتبصر , امام دخول افكار تنشد  الخراب الانساني والحياة ,هذا هو منطق الايحاء الرمزي للرواية ارض الزعفران ,من خلال اختيارها موروث الحكاية الشعبية والحكاية الخرافية في عالمها  السريالي الغرائبي  , اي ان الكاتب يريد ان يوجه رسالة احتجاج على الواقع المزري .
ملاحظة صغيرة : اعتقد بان هناك امكانية لاطالة صفحات حجم الرواية القصيرة , ولكن ليس بطريقة الحشو والحشر الثقيل والممل , وانما في اطالة الاحداث والشخوص بالتكنيك بالحبكة المتماسكة , لكن هذه الملاحظة الصغيرة , لاتنقص من روعة الابداع الروائي , الذي استند على التكثيف والاختزال , ليصل الى هدفة كالرصاصة المنطلقة الى هدفها مباشرة
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جمعة عبد الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/04/04



كتابة تعليق لموضوع : صرخة احتجاج في رواية ( ارض الزعفران ) للكاتب حميد الحريزي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net