صفحة الكاتب : علي فاهم

أبو الفقراء موسم المصائب
علي فاهم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كثيراً ما ذكر لي والدي مقولة كان يختار لها هذه الأيام الحارة فرصة ليرددها و هي ( أن الصيف هو أبو الفقراء ). و لمن لا يعرف من هم الفقراء قال صاحب معجم المسحوقين إن الفقراء أسم يطلق في العراق على كل من لم يحالفه الحظ في أن يكون من سكان المنطقة الخضراء أو لم يحضا بابن عم يعمل وزيراً أو قيادياً في أحد الأحزاب الحاكمة. أنتهى .
وكان المبرر لينال الصيف منزلة الأبوة للفقراء هي كونهم لا يهمون في هذا الموسم بكثرة ملابسهم كما في موسم الشتاء الذي هو من العمام أيضاً . فيرتدون أبسط ما يجدون و لا يتكلفون ترميم ما تبقى من بيوتهم المتهرئة و سد منافذها فالعراء هو ما يبغون , لهذا كان أبي و أمثاله يفرحون بمجيء الصيف ضيف خفيف الظل , و لكن مع التغيرات التي طرأت على العراق تغير فيه الكثير من الأمور التي كنا نعتقد أنها ثابتة لا ينال منها الزمن و لا تغيرها المحن فاختلت الموازين و ذابت القوانين و تسممت المفاهيم و منها هذه المقولة التي بقيت أحدى الذكريات التي أستجمعها في صندوق حكايات العراق القديم ، فالصيف لم يعد أباً للفقراء و أنما أصبح زائراً غير مرغوب فيه منذ إطلالة أول أيامه الحمراء الساخنة يدخل الفقير في دوامة من المحن التي لا تنتهي و المصائب التي لا تنجلي يحبس فيها أنفاسه تحت صفيح ملتهب من ارتفاع كبير بدرجات الحرارة التي تصل الى درجة الغليان و نهار لا يكاد ينتهي و التي تميز بها مناخ العراق فقدره أن تدوم عليه النيران من كل حدب و صوب و الذي غزاه التصحر من الجنوب و الجفاف من الشمال لتزيد من كثرة الفلاحين المهاجرين أو المهجرين لريفهم ليتركوه فريسة سهلة بيد الصحراء التي تلتهم أراضيهم بعد أن تركتهم حكومتهم بلا معين و إختصت هي وحدها باللون الأخضر لمنطقتها ،و تركت اللون الأصفر لأراضيهم و وجوههم و أحلامهم .
و لا تنتهي معانات الفقير بالانقطاع المزمن للكهرباء التي عجز عباقرة و مخلصي و سياسي الحكومات المتناوبة على رؤوسنا من أن يجدوا لها حلاً حتى استعانوا بالمنجمين و السحرة و أبو مراية و أستنزفوا كل طاقاتهم الذهنية و المادية و الجنسية دون فائدة تذكر فالله يساعدهم و يوفقهم لحكومات قادمة , و بما إن هذه المشكلة تتشعب منها عدة مشاكل أخرى لأن عليك أن تجد البديل فنحن في عصر البدائل كما تعلمون و البديل هو المولدات الصينية ذات القدرة العالية في توليد الضجيج المسبب لألام الراس و التي عجزت وزارة الصناعة أن تصنع لنا مولدة عراقية بدل هذه الخردوات و هذه المولدات تعمل بالبنزين طبعاً و قصة الحصول عليه تحكي صفحة من معانات الفقير مع وزارة النفط العراقية السباقة في تصعيد أسعار مشتقاتها النفطية لتزيد الخناق على رقبة المساكين شاربي النفط و هم يقفون في طوابير طويلة للحصول عليه بالأضافة الى ماثون الحصول على الثلج الذي يبدأ مع إنطلاق صافرة الصيف حتى خط نهاية أيامه الأخيرة و هذه المصائب طبعاً ليست مجانية بعد أن فتحتنا السوق الحرة و أسقط صندوق النقد الدولي قذاراته علينا فما زال الفقراء يدفعون الأموال الوفيرة التي تستنزف ما ادخروه لمصائبهم و هذه بعضها، فالمصائب في موسم الصيف لا تعد و لا تحصى و هي تترى على الفقير حتى تنسيه اسمه و أسم أبيه ، فلم يعد الصيف أباً للفقراء بل هو موسم للمصائب و دمتم سالمين . .
   .
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي فاهم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/05/24



كتابة تعليق لموضوع : أبو الفقراء موسم المصائب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net