صفحة الكاتب : نزار حيدر

(نيسانُ) العِراقي (٥)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
   حتّى اذا وصلنا بالحديث الى جريمة العصر، وهي أُمُّ الجرائم التي ارتكبها نظام الطاغية الذليل صدام حسين، واقصد بها إعدام الفقيه والمفكّر والمرجع والفيلسوف والحركي والقائد اية الله العظمى الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر وأخته العالمة والكاتبة والمربّية الفاضلة العلويّة (آمنة الصدر) المعروفة بـ (بنت الهدى) يعتصرُ القلب ألماً ويفيضُ الدّمع من مقلتيه حسرةً ويكلّ الّلسان عن النطق عجزاً والقلم عن التّدوين والمداد عن الّتسجيل نفاذاً.
   لقد ارتكب النظام البائد اعظم جريمة بقتلهِ للشهيد، ليس بحقّ العراق فحسب، وانّما بحقِّ الانسانية جمعاء، لانّ شخصيةً مثل الصدر الاول لم يكن يُنتج ويكتب للعراقيين فقط وانما عمَّ خيرَ كتاباته كلّ البشرية، ولذلك لا تجد شعباً من شعوب الارض لم يهتم مفكّروه بما أنتجه هذا العلم العالِم الرّمز.
   كم هو سفيهٌ وسخيفٌ وأرعنٌ ذاك الطاغية الأهبل الذي ارتكب مثل هذه الجريمة، في إطار تصفيةٍ مُمنهجةٍ للعلم والعلماء، في الوقت الذي كان فيه الشهيد في قمّة إنتاجه المعرفي والفكري.
   انّ كلّ صفةٍ من صفات الشهيد الصدر، والتي ذكرتها في صدر المقال، تحتاج الى عدّة مجلّدات لاستيعابها واستيفاءِ حقّها ومدلولاتها، وانا هنا لست في وارد الحديث عنها فتلك مسؤولية تلاميذه الاوفياء الّذين اتمنى عليهم ان يهتموا بتراث الشهيد بِما يليق به، بحثاً وتحقيقاً وتعريفاً ونشراً.
   كما انّ من مسؤولية تلميذات الشهيدة بنت الهدى تسليط الضّوء على سيرتها ونتاجها المعرفي والأدبي للاجيال الجديدة.
   انّما اريدُ هنا ان اتحدّث عن جريمة النظام والفكر القومجي العروبي العنصري والطائفي الشوفيني، الذي واجه العلم والعلماء منذُ لحظة ان نزا فيها على السّلطة في بغداد بسرقةٍ مسلّحةٍ (انقلاب عسكري) ليلة ١٧ تموز ١٩٦٨ المشؤومة.
   انّ من طبيعة الحاكم الجاهل معاداة العلماء، فالعلمُ يفضحُ الجهلَ كما يفضح النور الظلام، ولذلك قيل (العلمُ نورٌ) فهل رايتم خفاشاً يطيرُ في النهار؟!.
   ولذلك فقد صبَّ النظام البوليسي البائد جامَّ غضبه على العلم والعلماء منذ اللحظة الاولى، فشنَّ اقسى حملات التنكيل بهم وفي خطته القضاء نهائياً على المؤسسة الدينية بشكلٍ كاملٍ، فبدأ بالتّهمة لينتهي بالتصفية الجسدية!.
   فكان ان اتّهم الشهيد السيد مهدي الحكيم، نجل مرجع الطائفة الامام الحكيم، للنّيل منه، ساعياً لاعتقالهِ وتصفيتهِ، الامر الذي اضطره للهجرة الى خارج العراق، بعد ان حُكم عليه بالإعدام غيابياً، حتّى تمكّنت منه يد الغدر لتغتالهُ في العاصمة السودانية الخرطوم عام ١٩٨٦.
   وفي نفس الوقت اعتُقل الشهيد السيد حسن الشيرازي الذي تعرّض لأقسى انواع التعذيب النفسي والجسدي، ليُطلق سراحه بعد فترة بفضل من الله تعالى، ليهاجرَ هو الاخر الى خارج العراق، لتمتدّ لَهُ يد الغدرِ، كذلك، في بيروت عام ١٩٨٠ وهو في طريقهِ لحضور مجلس الاربعين الذي كان قد اقامه على روح الشهيد الصدر الاول.
   في هذه الأثناء، يشنّ النظام الجاهلي حملة مطاردة واعتقال شعواء ضد العلماء والفقهاء، شملت المرجع الشيرازي الراحل و (١٢) من تلامذتهِ، بينهم الأخوين المدرّسي [آية الله السيد محمد تقي والعلامة السيد هادي] ليحكم عليهم بالإعدام غيابياً ما اضطرهم للهجرة الى خارج العراق، فيما اعتقل مجموعات اخرى منهم الشهيد الصدر الاول وعدد من تلامذته، ليقدم، فيما بعد، على جريمته البشعة بإعدام الشّهداء الخمسة (الشيخ عارف البصري ورفاقه) والمعروفون بمجموعة (قبضة الهدى).
   وتستمر قافلة الشهداء من العلماء والفقهاء والمراجع، لتشمل كوكبة كبيرة منهم، لو اردنا ان نحصي عددهم وندوّن اسماءهم وسِيرَهم لاحتجنا الى مجلّدات كثيرة.
   فقد شمِلت القافلة كوكبة من ابناء الأسر العلميّة العريقة التي خدمت العراق والدين والمذهب قروناً عديدة كأُسَر (الحكيم والصدر وبحر العلوم والخرسان والحيدري والقزويني) وغيرهم الكثير.
   وقد كان لأسرة مرجع الطائفة الامام السيد محسن الحكيم، حصّة الأسد من قافلة الشهداء اذ ناهز عددهم الـ (٧٠) شهيدا!، فيما ناهز عدد الشهداء من أسرة آل بحر العلوم الـ (٢٠) شهيداً.
   كما قدّمت أسرة (آل الصدر) اثنين من أعاظم العلماء والفقهاء، الا وهما الصدر الاول والصدر الثاني، الذي اغتيل مع نجليه الشهيدين كذلك!.
   ان قوائم الشّهداء السّعداء من العلماء والفقهاء والمراجع، دليلٌ واضح على مدى حقد النظام العروبي القومجي العنصري والشوفيني على العلم والمعرفة، وكذلك على مدى حقدهِ على العراق والشعب العراقي الذي خسرَ مجهوداً علمياً ومعرفياً كبيراً جداً بغياب هذه الكوكبة من علمائه، الذين بذلوا وقتاً ثميناً وطويلاً قضوه في طلب العلم والبحث والتحقيق والاجتهاد منذ نعومة أظفارهم، ليقدِم على تصفيتهم الطاغوت بلحظةِ جنونٍ وتكبّرٍ وخوف!.
   كما ان حجم القافلة وسعتها دليلٌ واضحٌ على ان العلماء في مقدّمة مسيرة الجهاد والبناء دائماً وأبداً، يتصدّون ويقودون ويوجّهون ويرشدون ويضحّون بأنفسهم وأرواحهم كلما تطلب الموقف الجهادي، لا يشكّون ولا يتردّدون ولا يتخلّفون، يرفضونَ الخضوع والخنوع والاستسلام والسّكوت والصّمت واتخاذ موقف المتفرّج من الحاكم الظّالم والسلطة الجائرة.
  وفي المرجعية الدينية العليا اليوم ومواقفها وتوجيهاتها وارشاداتها ومتابعتها ومراقبتها وتشخيصها، نموذجٌ لهذا التّصدي المسؤول، والذي يفتخر به القريب والبعيد، لما لَهُ كلّ الأثر في حماية العراق وحفظ شعبه الابّي الصابر.
   ولو كانوا غير ذلك لما انتبه لهم النظام الديكتاتوري، او انّهم كانوا وعّاظاً للسلاطين او فقهاء تحت الطلب، لما لمِس منهم الطّاغية شعرةً، بل لأغدقَ عليهم كلّ ما يحتاجون من الحياة الدنيا وزبرجها، ولاشترى مواقفهم وفتاواهم بحفنة تافهة من المال الحرام، كما هو الحال معَ من باع آخرته بدنيا غيرهِ من علماء السّوء والعمائم الفاسدة والمنحرفة، سوداءَ كانت او بيضاء، لا فرق!.
   انّها العنصريةّ والطّائفيّة المقيتة التي كانت تسكن في عقل النظام الشمولي البائد وطريقة تفكيره المريضة، والتي خسِرَ العراقُ بسببها الكثير أقلّها ان يكون مصدر إشعاعٍ فكري ومعرفي وثقافي رائد للعالم، والمنطقة على وجهِ التّحديد.
   يتبع
   ٨ نيسان ٢٠١٥
                     للتواصل:
E-mail: nhaidar@hotmail. com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/04/10



كتابة تعليق لموضوع : (نيسانُ) العِراقي (٥)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net