صفحة الكاتب : بدور العبيدي

قصة قصيرة جداً ( اللص الشريف )
بدور العبيدي

بعد ان نزلت الكارثة الكبرى على العراق وجاء المحتل ومعه حثالة المحررين لشعبهم المضطهد. عمت في ربوع الوطن الخرب ، غربان تهدم وتذبح تارة بأسم الدين وتارة بأسم الديمقراطية. حل الخراب الشامل، وتفشت الجريمة ، وجاع الرعاع وكثر اللصوص.

 

في يوم من الايام حدثتني احدى خالاتي والتي تُعرف بروحها المرحة وسرعة البديهه، قالت في ليلة من ليالي الشتاء البارد ولعدم توافر التيار الكهربائي في مدينة السلام ( مدينة الظلام ) بغداد .. خلدنا انا وزوجي للنوم مبكراً ولكن الارق اخذ مأخذه وذلك لعدم الاطمئنان من كل شيء وعلى كل شيء .. وبعد برهة من الزمن ، سمعت صوت خطىً تدب في وسط الدار فأيقضت زوجي واخبرته بأن احداً دخل الدار فطلب مني الهدوء لأنه لص ( حرامي ) وربما سيقتلنا اذا كان مسلح. مكثنا الفراش لم نتحرك خطوة واحده، نرتجف من شدة الرعب وبدأت افكر في اولادي وماهو مصيرنا في هذه الليلة المشؤمة ياترى؟ 

ونحن في تلك الخلسة ..يرتابنا الخوف ..نلفظ انفاسنا الاخيرة لأننا كنا قد رجحنا كفة الموت وتوقعناها ان تحصل في خضم لحظاتٍ معدودات وينتهي بنا الأمر هكذا في غمضة عين. 

اندفع باب غرفة نومنا ..واذا به الحرامي مسلطاً المصباح في وجهنا وقال لنا .. لا تتحركوا من مكانكم والا سأقتلكم . فلزمنا الصمت ونحن على السرير ، يكاد الخوف ان يقتلنا ..جال بمصباحه في ارجاء الغرفة وبدء يسحب بمجارير الدواليب حتى عثر على مبلغ من النقود وهو الراتب الشهري لزوجي ..ثم فتش في اجزاء خزانة الملابس فوجد بعض القطع الذهبية فحمل جيوبه بالذهب والنقود المتوفرة لدينا ونحن نتفرج عليه والرعب اخذ مأخذاً يعجز لساني عن وصفه.

وبعد ان اكمل مهمته، قال له زوجي : ولدي انت اخذت كل ما نملك فاترك لنا مصرف ليوم غد حتى نتدبر امورنا. وعندما سمع الحرامي هذا الطلب ، رمى علينا عشرة الاف دينار .. وقال له هذا سيكفيكم ليوم غد.

ثم بادرت انا وقلت له : يا ولدي من فضلك اعطني ربطة رأسي وهي بجانبك فقام ورماها بيدي. وبعدها ذهب اللص وتركنا في حال سبيلنا سالمين. 

وانهت بدورها الرواية الشيقة وهي تنفجر من الضحك على زوجها لانه طلب من اللص مصرف لليوم التالي. فعلاً الأمر يثير الضحك كثيراً ، اليس كذلك؟ 

 

حسناً لأنتقل الى جانب أخر ومنحى ليس بالبعيد عن القصة التي تناولتها لكم، اليوم نتساّل اين حكومة الشرفاء الذين سرقوا اموال العراق ؟ اين؟ اين هم من الجياع الذين يتبضعون من المزابل؟ 

الا ان الاوان بان يرحموا هذا الشعب المسحوق ويقتدون بهذا اللص الشريف فيرمون من سرقاتهم رواتب الفقراء ، ويرحموا النساء والارامل اللواتي يتضورن جوعاً مع ابنائهن المساكين ؟ 

هل من سارق في هذه الشله الفاسدة التي تتحكم بمصائر العراقيين يعطف على هؤلاء ولو بشيء بسيط مما سرقوه بعدما سرقوهم حياتهم ومستقبلهم. 

لهذا انا اتساّل هل من المعقول ان يبنى جامع بأكثر من خمسة وثلاثين مليار ليصلي به اناساً نخر الجوع والعوز افئدتهم ؟ هل من المعقول ان يحمل احد الوزراء 600 مليون دولار ويهرب والحكومة تلوذ بالصمت كعادتها واليوم تستجدي من الاموال بالضرائب وقطع رواتب العمال حيث يجوع نصف المجتمع. 

وانت ايها العراقي المثقل بالهموم والضيم طوال كل هذه السنين التي مضت وتمضي من امامك وانت تقف عاجز عن فعل اي شيء ولو محاولة خجولة منك للتغير ..تقديم نداء استغاثة .. تنظيم مظاهرات واحتجاجات موحدة في كل ارجاء محافظات ومدن العراق الاصيلة وتثور على هذا الظلم الجائر والطغيان الذي فاق بل وتعدى حدود الوصف وتجاوز كل الماّسي وعصور الظلام التي مرت على تاريخ هذا الوطن العريق بحضارته وثرواته وشعبه الأبي. هذا الوطن الذي سطر علينا اروع القصص في الحزم والمواجهة والتقدم في شتى مجالات الحياة. وطنكم الذي انجب المئات من العباقرة والعلماء وفطاحل في الفنون والثقافة والاصلاح المجتمعي والسياسي والمشهود له في معظم دول العالم. وبعد كل ذلك تسلموا انفسكم للذين يستبيحوا حقوقكم ويسلبونكم اصواتكم الحرة.  مالذي جرى لكم ايها العراقيين؟ الا تعتقدون بانه قد جاء الوقت المناسب للوقف من الفوضى التي اجبرتم ان تعيشوا تحت مظلتها .. الا يكفي ذل واستحقار لكيانكم الانساني؟ الا يكفي ما يحصل؟ الا تعتقدون بان الوقوف مكتوفي الايدي لن يجلب لكم سوى سنوات اخرى من الضياع والدمار من قبل طغاة هذا العصر المريض؟ 

كلنا سنقف معكم وسنؤازركم وسنسمع لكم ولن نبقى صامتين حيال ما يحدث لكم ولأرضكم من مؤامراتٍ كونية من الداخل والخارج. نحن ننتظر منكم اعلان ساعة الصفر التي طال انتظارها. حلم لو تحقق لربما سيكون التغيير القادم يبشر بخير. تغيير يبني وطن ويلملم من جراحكم وجراحنا نحن عراقيو المهجر. سنكون صوتاً لكم وسننقل معاناتكم واحلامكم على اكمل وجه. لكن يدا واحدة ليس باستطاعتها ان تصفق لحالها. نريد ان نرى بوادر الاصلاح التي تبدأ منكم وبكم وليس من اشخاص لا على التعيين لكسب مطامحٍ سياسية او شيء من هذا القبيل كما يحصل دائماً. 

متى ايها العراقيون ستعلنون انتفاضتكم ورفضكم جراء ما يحصل لكم ولابناؤكم ولأرضكم من ظلمٍ ودمار وتخريب مبرمج وتشويه لكل ما هو جميل ومبشر بالامل والفرح. 

حاولوا ان تتخلصوا من تلك العبودية التي عششت بين اجسادكم المثقلة بالهموم والبؤس. حاولوا ولا تيأسوا. على أمل ان يلتفت لكم الله ويقف بجانبكم ويسدد خطاكم ولا يخذلكم كما فعل بكم السياسيون والدجالون وتجار الدم والمرتزقة.

حاولوا وكرروا المحاولات مراراً وتكراراً كي ننقذ ما تبقى من العراق وما تبقى من الانسانية الشبه معدومه .. نددوا بما يحصل لكم فان بوادر التغيير والاصلاح لا تأتي بافكار مستوردة ولا بأي وسيلة اخرى الا عن طريقكم.  ان اردتم ان تنعموا بحقوقكم وان تسود العدالة في ارضكم ..حاولوا التخلص من رؤوس الفساد اولاً فمن هنا نستطيع بدء صفحة جديدة ناصعة البياض تعني بنهضة وطنية حقيقية وفاعلة لأعادة بناء وطنٍ تاريخة وحاضره يحتضر. بيدكم ايصال ارضنا الى بر الامان. وبكم فقط. 

 

تمت. 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بدور العبيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/04/23



كتابة تعليق لموضوع : قصة قصيرة جداً ( اللص الشريف )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net