صفحة الكاتب : د . محمد ابو النواعير

مشروع التقسيم الأمريكي, وخيارات انهيار المنطقة .
د . محمد ابو النواعير

 قد تكون قضية تأخير عملية تسليح العشائر السنية من قبل الحكومة العراقية, في المناطق الساخنة أو المحتلة من قبل ارهابيي داعش, وكثرة الضغط الإعلامي الذي يحمل مناشدات العشائر السنية بتوفير السلاح لها, هي إحدى أهم الأسباب التي تحاول الحكومة الأمريكية التعكز عليها, من أجل تمرير قانونها بتسليح البيشمركة وعشائر السنة, كلٌ على حده, وأن تتعامل معهما كأنهما دولتين منفصلتين !
   التصريح الذي صدر عن لجنة الشؤون الخارجية الأمريكية, يحوي في ثناياه قراءات متشابكة ومعقدة, ولكن النتيجة لمشروع التقسيم هذا إذا أريد إمضائه فعلا, هو إغراق المنطقة بحروب تمتد لعقود.
   تقسيم العراق الى مكونات ثلاث, يذهب بإتجاه تكوين جيوش صغيرة, سوف يتم تسليحها تسليحا كاملا, كما حصل في تقسيم يوغوسلافيا الى دول صغيرة: البوسنة والهرسك والكروات, إلا أن التجربة العراقية سوف تختلف كثيرا, فالعراق ليس كيوغسلافيا, والصراع الموجود في العراق يختلف عنه في كرواتيا, بإعتباره صراع يحمل جنبتين, عقائدية طائفية, وصراع عرقي, خاصة إذا ربطنا بين موجة الغضب العارمة, التي اجتاحت الأوساط العراقية السياسية والشعبية, بالضد من هذا المشروع, مع أعداد مئات الآلاف من النازحين السنة في المناطق الشيعية!
   تقسيم العراق سوف يوفر إمتدادا خصبا للقوى الإقليمية, ليكثر حظورها وتواجدها في العراق, وعبر مشروع التقسيم هذا, ستزداد حدة الصراعات بين الدول الإقليمية المتنافسها, والمحاور التي تدور في فلكها, خاصة وأن المنطقة تغلي بتنافس محموم بين طرفين, أحدهما يحاول وبطريقة هوجاء أن يثبت وجوده, وأقصد به الجانب السعودي- اسرائيلي, ومعه بعض دول الخليج, والثاني يحاول أن يخضع الكبار لطاولة مفاوضاته, وأقصد به إيران.
   لا تحيط بالعراق في هذه الفترة أجواء مستقرة, لنتمكن من القول بأن مشروع الفدرالية سوف يقود الى تكوين بلد فدرالي, فالإصطفاف الطائفي الإقليمي على أشده, والحروب الإقتصادية مستعرة بين طرفين دوليين كبيرين, كل يريد انهاك الآخر اقتصاديا, وتداعيات هذه الصراعات لها امتداداتها الصغيرة في العراق, وأسسها القوية في الدول الإقليمية, وتداعياتها الكبيرة في القوى العظمى.
   إذن أي عملية تقسيم ستحاول الإدارة الأمريكية القيام بها في العراق في هذه الفترة, إنما يعني سحب سلسلة متواصلة من العلاقات السياسية والإقتصادية الى الخراب والتشطي والتقسيم, إضافة إلى إزدياد الإصطفافات, بين الأطراف الصغيرة والكبيرة, خاصة إذا ربطنا كل ذلك بمحاولات التسلح المحمومة التي تجري في الدول الإقليمية, كل ذلك يقودنا الى أن عملية التقسيم المراد اجرائها, سوف تهيئ المناخات المناسبة لإشعال حرب كبيرة في أهم منطقة استراتيجيا وجيوسياسيا في العالم, وقد لا تقتصر تداعياتها على نفس الأطراف المتنازعة في المنطقة, بل إن فايروس الإصطفافات سوف يمتد ويتوسع لكل مكان في العالم.
   وهذا هو تفسير المناشدات السياسية العراقية العقلانية, التي تذهب الى أن استقرار العراق وقوته, إنما يعني إستقرار المنطقة وقوتها, ومن ثم إستقرار العالم وقوته, وان تقسيم العراق انما يعني تشظيه, وتشظي المنطقة.
   جاء مشروع القرار الأمريكي هذا, في فترة مثلت فيها انقلاب للموازين لم يكن متوقعا, فإيران التي كانت ضمن محور الشر, بدأت تتحول شيئا فشيئا الى دولة صديقة, خاصة بعد عقد الإتفاق النووي مع الدول الكبيرة. في العراق, الحكومة التي كان من المتوقع أنها ستنهار, والدولة العراقية التي تأمل الكثير من المعادين, للتجربة السياسية العراقية الجديدة أنها ستنهار على يد داعش, أثبتت تلاحما وقوة, خاصة بعد الإنتصارات السريعة والمذهلة التي حققتها قوات الحشد الشعبي, وفصائل المقاومة الإسلامية المسلحة بمعية الجيش العراقي, مما رجح كفة القوة لطرف دون طرف.
   لذا نجد أن قرار التقسيم هذا جاء, في ظاهرة ورقة تهديد وتخويف للحكومة العراقية, من أجل ما أسموه: ضرورة اشراك الكل بالعملية السياسية!, ولكن باطن الأمر يثبت أن هناك خوفا دوليا من قوة الإنتصارات التي تحققت لفريق وطائفة دون أخرى.
*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآيديولوجيات السياسية المعاصرة.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد ابو النواعير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/05/02



كتابة تعليق لموضوع : مشروع التقسيم الأمريكي, وخيارات انهيار المنطقة .
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net