صفحة الكاتب : قصي شفيق

اشكاليات الإعلام التحريضي واثر تطوره في العراق
قصي شفيق

 تمهيد:
مع تقدم التوجهات العلمية للمرئيات والمسموعات نحو إنشاء محطات إذاعية وقنوات التلفزيونية متخصصة بدءا من الثمانينات,  فهذه  المحطات والقنوات جاءت من اجل حاجة الجمهور للتنوع فقد برزت قنوات تلفزيونية تاريخية، وأخرى رياضية، وأخرى علمية أو سينمائية او ثقافية او اخبارية، وغيرها من القنوات المتخصصة.
هنا بدء التزاحم المتزايد الكبير في عدد القنوات فزعزع مكانة القنوات الإعلامية السابقة التي كانت تتسم بالطابع العام الأنموذجي التقليدي في الطرح والتقديم. وهذا الأمر لا يتجلى في تناقص عدد جمهور هذه القنوات ومتتبعيها، بل أدى إلى إعادة النظر في هذا الجمهور حيث لم تعد البرمجة الإذاعية والتلفزيونية تخاطب الجمهور بالكامل وإنما دخل مفهوم الجمهور المستهدف للمادة المعروضة والمقدمة، لإعطاء جملة من  الأهداف والمثل، والقيم والمبادئ، وتجارب اجتماعية وعاطفية في عصر الاعلام الذي بدأ يقوض السلطة وصلاحية الدولة الوطنية، بل أصبحت تخاطبه كفئات اجتماعية  متعددة الفكر والنوع مثل برامج للنساء في البيت في الفترة الصباحية، وبرامج للأطفال في المساء بعد العودة من المدرسة، برامج للإباء بعد عودتهم إلى البيت برامج اخبارية مباشرة وبرامج رياضية واخبار فنية وهكذا.
ربما يعتقد البعض أن التغيرات التي طرأت على البرمجة التلفزيونية في القنوات التلفزيونية يتعلق  بإيقاع الحياة الاجتماعية ومتغيراتها الايديولوجية أكثر من التأثيرات الكونية للأعلام المرئي. رغم أن المنافسة بين القنوات التلفزيونية على الصعيد الدولي كلمتها في مجال البرمجة التلفزيونية على صعيد القنوات المحلية، إلا أنه يلاحظ أن موقع الجمهور قد تغير في المعادلة الإعلامية الحديثة التي تقيمها التكنولوجيات الجديدة، حيث أصبح طرفا مشاركا فيها. لم يعد يطلق على الجمهور تسمية القارئ أو المشاهد أو المستمع، بل أصبح يسمى" المستخدم" User  نتيجة منطق ( التفاعلية و التشاركية) الذي فرضته التكنولوجيات الحديثة أو التطورات التكنولوجية التي أدخلت على وسائل الاتصال وخاصة من خلال التواصل الاجتماعي السوشيال ميديا.
يستنتج مما سبق أن النجاح الإذاعي أو التلفزيوني في عصر التقدم التقني لا يقاس بالقيمة المضافة في المجال الثقافي والمعرفي، وبالمنفعة الاجتماعية، بل يقاس بالعائد التجاري الربحي للمحطة. هذه الحقيقة جعلت القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية التابعة للقطاع العام تخوض رهان وجودها، إذ أجبرت على محاذاة القنوات التابعة للقطاع الخاص في تقديم موارد انتاج اضخم للمواكبة الفعلية مع المحطات الخاصة أي البحث عن مصادر التمويل  في قطاع الإعلان بهذا نلاحظ أن برامج القنوات العامة أصبح تتماشى  مع برامج القنوات الخاصة مما دفع بعض الباحثين إلى التساؤل عن الجدوى من القنوات التلفزيونية العمومية في العالم وخاصة الشرق الاوسط.
هذا التغيير لا يمكن في اعتقادنا أن يفهم إذا ابتعدنا عن إشكالية الدولة الوطنية او الاعلام التابع للدولة، وإعادة النظر في طبيعتها وفي وظيفتها بإمداداتها المختلفة في المجال الثقافي والإعلامي والاقتصادي. ولا تتجلى صورة هذا التغيير إذا استبعدنا عملية إعادة هيكلة المؤسسات الاعلامية الناطقة من خلال عملية اندماج الشركات للإعلام، والثقافة، والترفيه، والتسلية, والتعليم كصبغه اساسية من حيث المنتج.
فالعلمية الاعلامية هي عنصر مهم في الاتصال المباشر مع الجهور بشكل يومية والعمل لتأصيل العلاقة مع المحطة الاعلامية, فالنقل التلفزيوني المباشر لا يسعى لتقديم الإعلام بل يعمل على تغليب الاتصال، فهو يقدم لنا الإحساس وينفخ فينا عاطفة المشاركة واللقاء. لذا نلاحظ غلبة الفرجة في الإعلام المرئي. العديد من المواد الإخبارية التلفزيونية: روبرتاجات تلفزيونية، أفلام وثائقية، جرائد صحف مجلات إخبارية، كلها أصبحت قطعة من الاستعراض والتمشهد اليومي المباشر،أي أن إنتاجها وتقديمها يخضع لمعايير الإنتاج الدرامي. لعل ما افاد منه تغير مفهوم الإعلام وطبيعته في عصر الاعلام التقني حيث لم يعد مرتبطا بمخرجات وسائل الاتصال الجماهيري بل أصبح شديد الالتصاق بالمعلومات: المالية، والعلمية، والتكنولوجية، والطبية، والرياضية، والثقافية، والفنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. بمعنى أن الإعلام لم يعد حكرا على المؤسسات الإعلامية الكلاسيكية حيث دخل متعاملون جدد في مجال إنتاج الإعلام، وتخزينه، وتوزيعه، لم تكن لهم علاقة سابقة بوسائل الإعلام الكلاسيكية.
    مما دفع عنصر الديمقراطية والحرية في التعبير والرأي على وفق فلسفة الاعلام الجديد قد رفع سقف حرية الإعلام لا يؤدي بالضرورة إلى رفع سقف ممارسة الحق في الإعلام. الكثير من المهتمين بتطورات تكنولوجية الاتصال التي زادت في كمية الأخبار والمعلومات يؤكدون على أن أكبر خطر يداهم ممارسة الإعلام يتمثل في غياب أو تغييب المصدر أي الرقابة والقانون على ما يعرض وبالتالي السعي وراء الحفاظ على الذوق العام من خلال ما يعرض.
      لقد أصبحت الأداة التشريعية تلهث للحاق بالممارسة الإعلامية قصد تقنينها.  مما أصبح بإمكان أي شخص أن يصدر صحيفة في شبكة الانترنيت بدون الالتزام بقوانين النشر سواء تلك التي تنص على التصريح أو الترخيص، بل أن هذه القوانين أصبحت عتيقة أو قليلة الجدوى. كما أصبح بإمكان أي شخص أن يبث برامج إذاعية عبر شبكة الانترنيت أو يؤسس دار لنشر الكتب الإلكترونية والأغنية عبر الشبكة وغيرها.  إن رجال القضاء مازالوا يفكرون في الطرق المسدودة التي وصلت إليها الممارسة الإعلامية في مجال الضمان  القانوني لحق  الرد في المؤسسة دون الحذر من خطورة ما يتداول يوميا مثل هكذا ممارسات فعلية وراءها اجندات خارجية بدل ما يوظف الاعلام بأنموذج الصحيح والرصين راح بنتاجه تحريضي وهنا اشكالية كبيرة في مسار عمل المؤسسات الاعلامية اذن نستطيع ان نقول اللاثبات اللامهنية اللاموضوعية اللامفهومية اللاوطنية لعمل هذه المؤسسات التثويرية التحريضية للمشهد العراقي واخذت بالتطور والاتساع بشكل كبيرة.
فراحت اغلب المؤسسات التحزبية الاعلامية العراقية في انشاء محطات وقنوات تلفزيونية الغرض كان في البدء تسويق لطائفة بمعزل عن طائفة اخرى وتخاطب طبقة على طبقة اخرى وهذه السمة التحزبية في تثوير للايقونة المشهدية بالإعلام المرئي وجاء هذا بسبب مجموعة من التراكمات والتحولات السياسية والاقتصادية وخاصة ما بعد 2003 احتلال العراق فالسلطة والدولة والقرار قد اصبح بيد المحتل مع تعدد وسائل الاعلام وتطورها في العراق ساعد هذا الامر المحطات والقنوات العراقية تحت خدعة وبدعة الديمقراطية والحرية فقد دعم المحتل مادياً اغلب الاحزاب السياسية وأعطى لها الترخيص بالتثوير والترويج والتحريض الاعلامي فقد حاول كل من هؤلاء زرع النعرات والقيم والتفاوت الطائفي من خلال التخصيص فالتعبير عن الرأي بمفهوم الاعلام للذوق العام واحترامه ومراعاة حرية الرأي والتعبير تحول بيد هذه المحطات والقنوات الى اداة تثويرية للفكر وتحريض الجماهير من خلال مجموعة من الوسائل والوسائط على مبدأ التحريض من حيث تناول زاوية الخبر والترويج له لصالح مصلحة هذه المحطات مثلاً فالإحداث الجارية في المشهد العراقي قد تزعزعت مصداقيتها واتخذت جوانب ضيقة ومحدودة لصياغة الاخبار والتأثير في ساحة التلقي فقد اصبح المتلقي العراقي بين مطرقة السندان.
 خلاصة القول جاء الدافع الاستعماري بفكر من خلال اشكالية كبيرة على يد ممولي هذه الوسائل وأصبح التنافس من حيث موارد الانتاج الضخمة التي في الغالب لم يتحدد من اين مصادرها وتمويلها ومع تطور هذه الوسائل التحريضية لم يبقى للخبر الصحفي حيلة من حيث الصياغة مما اخذت سمة المباشرة والطرح والخطاب الطائفي التقسيمي المباشر وهنا قد اصبح العراق الان ساحة مفتوحة بدون رقابة وقانون للحد من هذه الاشكاليات المقدمة في المشهد الأعلامي العراقي فقد اصبح التنافس الان بين الوسائل الاعلامية التحريضية فيما بينها لتثوير الجماهير وتحريضهم على مبدأ الاحداث التي يتعرض اليها الشارع العراقي يومياً بشكل مباشر وهنا نطرح مجموعة من التساؤلات. ماهو السبب الرئيس في اصرار هذه الوسائل على التحريض اليومي ؟ ما هي الاسباب وراء انبلاج هذه الظاهرة ؟ لماذا لم يصدر القانون العراقي قانوناً بالحد من هذه الظاهرة؟ ماهو دورة هيئة الاتصالات والإعلام في العراق تجاه ما يحصل ؟ لعل الاجابة باختصار ان الفائدة الربحية والاستفادة المادية من قبل الحكومة العراقية وراء هذا ومن جانب اخر هناك سلطة استعمارية اكبر من ارادة الدولة هي التي سمحت مثل هكذا محطات وقنوات او ربما يرجع السبب ان اصحاب القرار هم يمتلكون هذه المؤسسات التحريضية. فسقط الاغلب في هذه الساحة بين مصدق ومكذب ومشكك فهي في واقع الحال فوضى عارمة اساسها تخريبي فوضوي لتهميش الصف والوحدة والمواطنة للشعب العراقي المستخدم مما ادخلت الجمهور في  نفق مظلم من حيث الموضوعية والحقيقة التي هي الاخرى ضاعت في ظلمة ومعالم هذا النفق وجهل ما وراء الاعلام التحريضي وما هي الغاية الملحة من هذا التقديم المباشرة للمؤسسات الاعلامية التحريضية في العراق.  





 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


قصي شفيق
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/05/23



كتابة تعليق لموضوع : اشكاليات الإعلام التحريضي واثر تطوره في العراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net