تنوية وتصحيح على مقال الشاعر ابن خفاجة الاندلسي
مجاهد منعثر منشد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كنا قد كتبنا مقالة بعنوان (الشاعر ابن خفاجة الاندلسي ليس من قبيلة خفاجة) ونشر بتاريخ 8|2|2014 .

وبعد الاطلاع والبحث في مصادر جديدة عن هجرة قبيلة  خفاجة في الاندلس تبين لنا ان هذا الشاعر الكبير من قبيلة خفاجة وهو خفاجي .

وكأمانة امام الله سبحانه وتعالى ومسؤولية الضمير تجاه الكتابة التاريخية ان تكون كتابتنا بكل دقة شديدة وامانة ينتفع منها المجتمع وليس قبيلة خفاجة فحسب .

والنتيجة الجديدة التي وصلنا اليها هي انه لما فتحت الاندلس عام 92هـ واستقر بها المسلمون , أقبلت القبائل العربية على الهجرة اليها افرادا وجماعات وكان ممن هاجر الى الاندلس جماعة من القيسيين والعامريين والخفاجيين.

و ان الشاعر المشهور ابو اسحاق ابراهيم بن خفاجة الاندلسي واسرته كانوا يقيمون في الاندلس في القرن الخامس الهجري ,وانه ولد ونشأ ومات بشقر من اعمال بلنسي,ويبدوأن اقامة اسرته كان بها.

ونجد كثيرا من علماء الاندلس في أخر اسم كل واحد منهم هذا اللقب : القيسي ,او العامري(1),او الخفاجي بهذه الكلمة (خفاجة ),ولذلك يعد ابن حزم من الخفاجيين في الاندلس ..العالم النحوي محمد بن معارك المعروف بالعقيلي بقرطبة (2).

وأكد مؤرخ قبيلة خفاجة الاول المرحوم الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي بان هذا الشاعر من خفاجة (3),فقد ولد ابو اسحاق الخفاجي ابراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة سنة 450هـ ببلدة شقر وتوفي بها سنة 533هـ ,فعاش في اواخر عصر بني أمية وزمن ملو ك الطوائف ,وابان دولة المرابطين .

وهذه العصور ازهى عصور الاندلس, وكانت الحياة حياة ترف ورخاء, بلغ هذا الشرف الميل الى اللهو والمجون وانواع السرور , وتغلب هذه الحال على عقول الادباء والشعراء ,فكان الشعر ضربا من التفكه, وكان الترف بهذه الطبيعة يولدان في النفس حب الجمال ,وسعة الخيال ,وقد كان لابن خفاجة حظ وافر في مناجاة الطبيعة وجمالها , لان بلدته التي عاش فيها ومات بها كانت من اجمل البلاد واحسنها بهاء.

انقطع ابن خفاجة للنظر في جمال الطبيعة فكان كثير التأمل في المشاهدات , وكانت نظراته تقود عقله ,وترسم له طرق التفكير وانواع الخيال ,فكانت كل معلوماته واخيلته من طريق النظر والتأمل في جمال الالوان وتناسق الاشياء

وقد حمله دقة النظر على دقة التعبير ,فلم يميز من الاشياء التي لا يراها ولا مايتفق مع صفاته النفسية , فكان دائما فرحا مسرورا ,لاتكاد تجده يصف منظرا محزنا او شيئا قبيحا ,او نفسا مستقبضة ,او يتكلم عن بؤس الايام واهوال حوادثها ,الا في اخر حياته ,فكان شعره صورة لنفسه المملوءة بالسرور والاعجاب بالجمال , وكانت نفسه مطمئنة هادئة مياله الى اللهو والمجون , فكان شعره ايضا يمثل هذا الاطمئنان النفسي ,والهدوء الفكري ,لانه كان يريد ان يعيش في نوع من الاحلام اللذيذة ,لذلك كان اثر هذه الحياة عظيما في نفسه ,وولدت فيها كثيرا من المعاني الشعرية ,واندفع الى تصويرها ,والى التعبير عنها بما فطر عليه من دقة الادراك ,فكان الجمال مثار شعره , ومبعث خياله وافتتانه ,يتتبع روائعه ويخرج الى البساتين ليسمع خرالماء , ولينعم بمشاهدة جريانه , ويصف ذلك في شعره ,ويجاري الشعراء احيانا في اوصافهم .

ويشتمل شعر ابن خفجة على المدح, والعتاب , والرثاء ,والشكوى والوصف والمداعبات ,ولكن اجود شعره في الوصف, فأن الخيال هو كل شيء في شعره لكنه خيال يدعو الى حب الجمال ,ورقة الشعور ,ويهذب الذوق ,ويملا القلب بهجة وسرورا, لان ابن خفاجة مصور ماهر , ووصاف مبدع للمشاهدات , وقد امتلات نفسه بذلك حتى في المدح والرثاء ,فنجده اذا مدح يصف الثناء , وان الصباح ضحك فكشف عن ثناياه البيض , وأن ممدوحه وضاح المحيا :

نسيم بصفحته بروق بشر       نعيد بشاشة الروض الجذيب

وقد ضحك الصباح بمجتلاه    وراء الليل عن ثغر شنيب

أشيم به  سنا برق بمان      يحفزني الى المرعى الخصيب 

واذا رثى لايغيب عنه الوصف حتى في موقف البكاء ,لانه يمزج بكاءه بوصفه الجميل , وبما في نفسه من المعاني التي ملكت من كل شيء , فيقول :

في كل ناد منك روض ثناء     وبكل خد فيك جدول ماء 

ولكل شخص هزة الغصن الندى    غب البكاء ورنة المكاء 

وهو في ذلك يشبه الدموع السائلة على الخدود بجداول الماء , ويشبه اضطراب اجسام الباكين وانسكاب دموعهم ,بهزة الغصن الذي غمرته السماء بالماء ,ويشبه انينهم واجهاشهم بالبكاء بصوت قبرة تصفروتنوح ..وأكثر قصائده مبدوه بالوصف..

اما في اسلوبه فهو كثير التصنع لامعانه في تتبع أنواع البديع والبيان ,حتى لايكاد يجد القارىء شيئا من كلامه الا استعارة او مجازا او تشبيها,وقد يدعو ذلك احيانا الى استغلاق المعنى ,ولكن شعره في جملته يعتبر معجما لالفاظ المختارة وعبارات جميلة , وتشبيها بديعة , ومعرضا لكل انواع الصناعة اللفظية ...وقد اشتهر بقوة الخيال وسلامة العبارة ..مع ميله احيانا الى ذكر المعاني الخفية والالفاظ الغريبة والمبالغة في تشبيهاته(4).

ويقول عنه الفتح بن خاقان في كتابه ((قلائد العقبان )): تصرف في فنون الابداع كيف شاء,فجاء نظامه أرق من النسيم العليل ,وافق من الروض البلبل ,يكاد يمتزج بالروح , وترتاح اليه النفس كالغصن المروح(5).

وترجم له ابن خلكان في كتابه ((وفيات الاعيان ))(6).

وفي نسبة ابن خفاجة الاندلسي الى بني خفاجة يقول صاحب بغية الملتمس عنه مانصه : ابراهيم بن ابي الفتح بن عبد الله بن خفاجة , أبو اسحاق الخفاجي من خفاجة , شاعر مشهور متقدم مبرز, حسن الشعر جدا , وشعره كثير مجموع , وكانت له همة رفيعة , وتوفي لاربع بقين من شوال سنة 533هـ(7)في عصر يوم الاحد السدس والعشرين من شهر شوال(8).

 

 

المصادر 

(1).راجع المكتبة الاندلسية .

(2)ابن حزم ,انساب العرب ,174.

(3) له ترجمة طويلة في قلائد الجمان للفتح بن خاقان الاندلسي (ص 241ـ 253),وفي نفخ الطيب و سواه من كتب الادب تراجم واسعة له ,وفي الجزء الرابع (302ـ 309 )من كتاب نفخ لطيب نشر فريد رفاعي نماذج نشره ,وفي ج 5ص 378ـ379 من المرجع نفسه ترجمة له ايضا .

(4) راجع كتاب قصة الادب في الاندلس للخفاجي .

(5) قائد العليان ص 242.

(6) وفيات الاعيان ج1 ص 23ـ24.

(7) الضبي , بغية الملتمس في تاريخ رجال اهل الاندلس ص 202ـ 203, ولابن خفاجة ترجمة في المعجم لابن الابار ,وفي مجلة الرسالة للزيات في الاعداد الاولى منه مقالات عن ابن خفاجة والطبيعة في شعره بقلم عبد الرحمن جبير .

(8) ابن الابار , المعجم ,59ـ 60.

الموضوع السابق هل يستمر صمود الأسد؟

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat