صفحة الكاتب : عباس البغدادي

ما الذي يجب تقديمه للسنّة الذين يعتبرون داعش "أهون الشرّين"؟!
عباس البغدادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السؤال الذي يثيره العنوان فيه من المراوغة الشيء الكثير، وكأن المفروض مكافأة من اختاروا الوقوف مع داعش وإرهابها، لأنهم ببساطة (كذا...) رأوا فيه "أهون الشرين"! وببساطة أيضاً؛ يمكن القول ان هذا السؤال المراوغ لم يأتِ من فراغ!
بدءاً، لا بد من الإشارة الى ان عنوان المقال، هو سؤال تم توجيهه مؤخراً الى "ميشائيل لودرز" الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط (ضمن مقابلة لموقع القنطرة الألماني)، والملفت ان السائل يفترض وهو يتحدث مع أكاديمي، بأن المسألة واقع مفروغ منه، وهو يبحث عن حل (لتصحيح المعادلة) يمكن عبره جعل السنة المفروضين في السؤال ينقلبون على داعش، أو يتوقفون عن تأييده، بعد تلبية مطالبهم (أو قل مكافأتهم على الابتزاز الذي مارسوه، حينما اصطفوا مع الإرهاب بذريعة انه أهون الشرين)!، أما الخبير الألماني فانه يجيب بالقول: "لا يمكن هزيمة تنظيم داعش عسكريا، طالما أنه (متجذر بشكل عميق) داخل الأقاليم ذات الغالبية السنّية في العراق"! والواضح ان السائل والمجيب وقعا في فخ ساذج، هذا اذا أحسنا الظن بهما، على انهما لا يعلمان يقيناً مبلغ سذاجة ما يفترضانه، ولكنهما يصرّان على التعمية وتشويه الحقائق! وبالطبع لم يأتِ هذا التصور من فراغ -كما مرّ- ولكنه يشير الى توظيف متقن -الى حدّ ما- لعملية تطويع الأكاذيب والافتراءات في قالب المسلّمات التي لا يطالها الشك، ويتجه المسرح تلقائياً (في أجواء السؤال والجواب) الى العراق، اذ هناك وبعد التغيير في 2003 تم العمل بمثابرة وفي أجواء تحضيرية معقدة (الإرهاب احدى رافعاتها) على صناعة خرافة اضطهاد السنّة، التي استخدمت عناوين "الإقصاء والتهميش والاستئصال" كذرائع تسهّل تسويق تلك الخرافة، التي سيتلاقفها بدون تمحيص (ومع سبق الإصرار في أغلب الأحيان) كل المناوئين للتغيير في العراق، الذي فسح المجال للأغلبية الشيعية أن تمارس دورها الطبيعي في تقرير مصيرها وإدارة الدولة، بعد تغييب قسري لعقود طويلة. ومن ثم تدحرجت تلك الخرافة لتصل الى تناول الأكاديميين والمحللين الغربيين، كتسطيح أو استسهال للحقائق على الأرض بما تم تسويقه مشوهاً، أو ابتزاز ممارس يخدم أجندات غربية لم تعد خافية على المهتمين والمتابعين! وبالطبع قد شارك هؤلاء قطاع عريض من السياسيين الغربيين وصناع القرار، وكذلك الماكينة الإعلامية الأميركية وحليفتها الغربية. 
لن نخوض في تهافت مزاعم "الإقصاء والتهميش" بحق السنّة في العراق (درءاً للإطالة)، اذ بعد 12 عاماً من التغيير في العراق أضحت تشير تلك المزاعم الى إفلاس طبقة من السياسيين السنّة الذي خذلوا جمهورهم عبر الإستماتة على المناصب وتغليب المصالح الشخصية والفئوية على كل شيء، وفشلهم الذريع في إدارة المحافظات التي ينتمون اليها، وتسليم زمام أمورهم لغرف عمليات مخابراتية في عواصم إقليمية (ويكيليكس شاهداً وموثقاً)، رغم ان الإرهاب التكفيري لم يوفر إرهابه على السنّة في أي بقعة يدنسها. والمفارقة السوبر كوميدية هي ترديد مقولات "الإقصاء والتهميش" من أفواه (رموز السنّة) في العملية السياسية ممن يتسنمون أرفع المناصب في الدولة، فكيف يستقيم "الإقصاء والتهميش" عملياً في هذه الحالة؟! ثم لاختصار الردّ على كل من يتبنون ويلوكون الخرافة المذكورة، وبالذات من عيّنة الخبير الألماني السالف ذكره، يمكن دحض مزاعمهم بسؤال من فصيلة السهل الممتنع؛ بماذا تفسرون استفحال أمر داعش في بلدان عديدة لا شيعة يحكمون فيها، ولا مجال بتاتاً لتسويق "الإقصاء والتهميش" هناك، والإرهاب هناك يطال السنّة جهاراً أسوة بغيرهم، مثلما طالهم في العراق من قبل؟!
* * *
يمكن حصر من يسوّقون خرافة "الإقصاء والتهميش والاستئصال" بأطراف ثلاثة: الأول: ذئاب المحاصصة (من السنّة) في العراق، الذين خدعوا أتباعهم وعموم السنًة بمقولاتهم وتلبيسهم على الحقائق، وجلبوا في بادئ الأمر كل التنظيمات الإرهابية، المحلية والوافدة، وفيما بعد جلبوا داعش كرافعة لتحقيق مآربهم التي التقت مع مآرب التنظيم الإرهابي، وهذا واضح من مقولاتهم وشعاراتهم وتطبيقاتهم العملية (ويكيليكس شاهداً مرة أخرى)!
الطرف الثاني: السلفيون (الجهاديون أو ما سواهم) والأنظمة الداعمة للتطرف والتكفير، وهؤلاء مجتمعين يحولون مزاعم (الخرافة) الى معتقد قابل للتسويق، وبأنه "إفراز طبيعي نتيجة لإقصاء وتهميش السنة"، وبالطبع يقفون في زعمهم هذا عند حدود العراق وسوريا، خدمة لأجندتهم الطائفية المفضوحة، ولا يلجأون الى تداوله في بلدان أخرى ينتشر فيها الإرهاب التكفيري، وفي مقدمته داعش، اذ هناك يتم استبدال المزاعم والمسوغات كلياً، وتلبس المزاعم لبوسها الملائم! وفي مزاعم الخرافة تلك، يتم التخفيف من وطأة ارتدادات إجرام داعش التي تعود في محصلتها على السلفية والوهابية الداعمة والحاضنة للإرهاب التكفيري، حيث أدرك السنّة أنفسهم ان معسكر السلفية الوهابية يتحمل كامل المسؤولية عن الخراب والدمار وانعدام السلم الأهلي الذي حلّ في المنطقة! لهذا يجهد هذا المعسكر في حرف الأنظار عن دوره فيما يحصل، والذي يدعم أجنداته الشيطانية، ومنها تضييق الخناق على إيران بزعم انها "تقود الشيعة"، لذا، ينبغي -حسب تصورهم- إضعاف الشيعة في المنطقة، بكل السبل المتاحة، بداعش والإرهاب التكفيري أو ما هو أسوأ، بغية "تقزيم" الدور الإيراني في الإقليم! ويهدف هذا الطرف أيضا الى تصوير شيعة العراق -مثلاً- بأنهم لم يكتفوا بـ"الفشل" في إدارة العملية السياسية في العراق؛ بل وكانوا سبباً في استفحال داعش بفعل "إقصاء وتهميش" السنّة"! قطعاً، يقفز الإفتراء في الجزئية الأخيرة قفزة عملاقة على الحقائق، ولا يتسع المجال لاستدعاء ما يدحض ذلك، ولكن يكفي الإشارة الى ان ولادة التنظيمات الإرهابية التكفيرية كانت مشهودة منذ أوائل الثمانينات بجهود "عبد الله عزام" والمخابرات السعودية والباكستانية والـ CIA، وتناسلت فيما بعد، وهذا -للتذكير- وقع قبل التغيير في العراق عام 2003، حيث جلب كل هذا الحقد والعداء لشيعة العراق من منطلقات طائفية بحتة، بعد إسقاط أعتى نظام ديكتاتوري عرفته المنطقة والعالم!
الطرف الثالث: أميركا وحلفاؤها الغربيون، حيث سعوا الى إبعاد الشبهة عن تورطهم في تأسيس واستفحال داعش والنصرة ونظائرهما، وأصرّوا منذ 2011 على تسويق مقولة "إرساء الديموقراطية في سوريا"، وساهموا تحت هذه المظلة المهترئة سلفاً بتقديم الدعم والتسهيلات المطلوبة علنياً لتلك التنظيمات! وكانت الى جانب ذلك تسندهم خرافة "الإقصاء والتهميش" المتداولة في العراق، فتلاقفوها بشهية كبيرة دعماً لمخططاتهم، التي تتكشف يوماً بعد آخر، والتي في احد فصولها، تركيع شيعة الحكم في العراق، للرضوخ أكثر للإملاءات الأميركية بأي ثمن؛ بداعش أو بتأجيج الصراعات الطائفية، أو كلاهما معاً!
* * *
ان احد أسباب استعصاء الحلول المطروحة لدحر الإرهاب التكفيري، في العراق وباقي دول المنطقة المبتلاة به، هو الاستغراق في تشويه فهم ماهية منطلقات هذا الإرهاب، وآلية برنامجه التدميري الشامل. وهذا التشويه في الفهم يخدم عملياً الإرهاب المتمثل بداعش ونظائره أولاً، وأجندات إقليمية (مساندة للفكر التكفري) ودولية ثانياً (كما مرّ توضيحه). ومن وجوه التشويه تلك، التشبث بمقولة ان داعش ونظائره يمثلون إفرازاً طبيعياً لـ"الإقصاء والتهميش" الممارس ضد السنّة، وان هذه التنظيمات الإرهابية هي "المرجوة لتحقيق مطالب الجمهور السنّي"! أما الواقع فيكشف بجلاء ان هذه المقولة قد فاقمت من تعقيدات الأزمة في الوسط السنّي، خصوصاً في البلدان التي تعاني من حروب الإرهاب، اذ لا مجال هناك طبعاً لتسويق خرافة "الإقصاء والتهميش"، لأنها دول فيها السيادة للسنّة بالمطلق، وان باقي الطوائف والأديان أقليات. وهذه الدول بدورها غارقة حتى قبل ولادة الخرافة السالفة منذ عقود في نزاعات داخلية متراكمة (بطابعها العنيف في الغالب) مع التيارات الأصولية والسلفية، وتتصل في حقيقتها مع داعش ونظائره في الفكر التكفيري السلفي المؤدلج، المنطلق في طبيعته من أرضية "إقصاء وتهميش واستئصال" الخصوم والمناوئين والمنافسين، أيّاً كانت توجهاتهم، إسلامية (معتدلة) أو علمانية، وهذا ما تجاهر به برامج معظم تلك التيارات التكفيرية، حيث تم ختمها بعقيدة "إدارة التوحش" التي لم تبتعد كثيراً عن تنظيرات تلك التيارات.
لن يخرج الوسط السنّي من المتاهة التي رسمها له الإرهاب التكفيري، وسوّق عبرها فرية "إقصاء وتهميش السنة" ليتخذها ذريعة لإرهابه وتوسيع نفوذه، سوى بنبذ هذه المقولات والمزاعم، والالتفات ببصيرة لمآرب الإرهاب التكفيري المسكون بعقيدة إلغاء واستئصال الآخر، مهما كان هذا الآخر، سنيّاً أو شيعياً، من طائفة أخرى أو دين آخر. فالفكر التكفيري الذي قذفه رحم السلفية الوهابية، هو في جوهره اختزال لفكرة استئصال الآخر، بمقدمة التكفير، ويحكم على كل من لا يعتنق عقيدته بأنه يستحق القتل والحرق والسبي والإبادة! وقد أثبتت صحة ذلك (وبالحجة البالغة) جرائم وممارسات الإرهاب السلفي التكفيري في كل الساحات التي يتواجد فيها.
متى ما وصل الإجماع في الوسط السنّي الى تبني تجريم الإرهاب، والفكر التكفيري الذي يغذيه، والى نبذ الفرية التي يسوّق لها هذا الإرهاب تحت زعم "إقصاء وتهميش" السنّة، آنئذ يمكن القول بأن العد العكسي (الحقيقي) لهذا الوباء الفتاك قد بدأ فعلاً في كل الساحات، لأن هذا الإرهاب سيفقد احدى أهم دعائم اندفاعته، والتي خدع بها الكثيرين في الوسط السنّي، وربما في أوساط الغربيين أيضاً، وهذه الدعامة تتمثل بترويجه انه ما جاء سوى لـ"رفع الظلم عن السنّة"! فإذا به يسقيهم من كأس الموت والدمار، ذات الكأس التي سقى بها باقي الطوائف والأديان، في العراق وسوريا واليمن ولبنان ومصر وليبيا وتونس ونيجيريا وكينيا.
وسيكون من المعيب حقاً والإجحاف بحق شرفاء السنّة المناهضين للفكر التكفيري الوهابي ان يقال عنهم يوماً؛ بأنهم قد حققوا مطالبهم عبر "مكافأة" دعمهم ومناصرتهم للإرهاب التكفيري المتمثل بداعش ونظائره، في الوقت الذي اقترف هذا الإرهاب الفظائع بحق الضحايا السنّة أيضاً جهاراً! ولن يشفع قطعاً تذرع البعض بأن الدعم والمناصرة تلك قد جاءت في إطار "ابتزاز" الشركاء في العملية السياسية، لأنه بطبيعته عذر أقبح من الذنب. كما من المستحيل أن يرضى أي شعب حرّ، وتحت كل الظروف، بمكافأة من ساندوا وآزروا الإرهاب تحت أي زعم أو ذريعة، من عينة اعتبار داعش "أهون الشرّين" التي يسوّقها البعض، لأن في موسم القصاص والتقاضي، لا يتم التفريق بين إرهابي بالفطرة، وإرهابي بالابتزاز!
abbasbaghdadi@gmail.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عباس البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/07/09



كتابة تعليق لموضوع : ما الذي يجب تقديمه للسنّة الذين يعتبرون داعش "أهون الشرّين"؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net