صفحة الكاتب : علي علي

عين الرقيب العشواء
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 كنا صغارا.. وكان همنا الوحيد هو اللعب، حيث لاهم المعيشة ولاهم الأمان ولاهم المستقبل المجهول، ولاهم المفاجآت ولاهم يحزنون..! وكان الشاطر فينا من يبتدع كل جديد وغريب وغير مطروق من فنون الألاعيب في ساحة طفولتنا، للتغلب على أصحابه والفوز عليهم، لالشيء يذكر إلا لمجرد الإحساس بنشوة الفوز. ومن تلك الألاعيب لعبة الـ (ختيلان).. وما رجوعي بذاكرتي سنوات طوالا واستذكاري هذه اللعبة تحديدا، إلا لما للعبة التخفي والاختفاء والتواري من عودة وحضور ملحوظ، وممارسة واسعة النطاق في ساحة ساستنا وأرباب الحكم وصناع القرار اليوم، بما يشبه البارحة الى حد كبير، مع فارق العمر والمسؤولية والنتائج. بل اضاف الأخيرون على اللعبة ميزة التخفي ليس عن الأنظار فحسب..! بل عن الظنون والشبهات والحدس والاتهام، وأقرب محطة تمارس فيها هذه اللعبة هي السرقات.. وقد اتخذ ممارسوها مكانا واضحا على مرأى الجميع، بعد ان كان السراق يتخذون مكانا قصيا، خوفا من الرقيب وتفاديا للعيب وابتعادا عن الحرام. ولايخفى على أحد مابات لهذا الجانب اليوم من انتشار كانتشار الهشيم في النار في كل مفاصل حياتنا، حتى غدت خبزة الحرام أسرع شواءً من خبزة الحلال، وأضحى مذاقها -لدى البعض- أشهى وألذ من قرينتها. كما أن حيز ممارسة السرقات كبر واتسع وتجاوز حدود الضمير والدين والأعراف وكذلك.. البلاد..! وليست ببعيدة عنا عملية السرقة المنظمة التي زهقت بسبب إتمامها ارواح عشرات الألوف من العراقيين، تلك هي صفقة استيراد جهاز (السونار) لكشف المتفجرات. فقبل أكثر من سنتين علت الصيحات في بريطانيا التي تبعد عن العراق آلاف الأميال، والسبب هو تورط تاجر بريطاني في صفقة الأجهزة الكاشفة للمتفجرات (السونار) والتي تبين جليا وبإثباتات جهات مهنية، زيفها وعدم كفاءتها في أداء المهمة المتوخاة منها، ونال على أثرها ذاك التاجر عقوبة عشر سنين سجن على فعلته تلك. وعلى الرغم من ذلك لم تتخذ الجهات المسؤولة في العراق إجراءات على محمل الجد حيال المتورطين في هذه الصفقة، بل كانت كرة الاتهامات تتقاذف من ساحة هذا السياسي الى ساحة الآخر، الذي بدوره لايتماهل في تحويلها بضربة (محترف) الى ساحة ثالث هو الآخر لايقل عن مهارة (ميسي) في صد الكرات وتحويلها الى هجومية في هدف سياسي رابع، وهكذا تتوالى سلسلة الأشخاص من المسؤولين في مراكز عليا في الدولة، وهم في حقيقة الأمر ليسوا متهمين، بل (متخمون) في ريع تلك الصفقة وأرباحها، ان لم يكونوا قد عدوا العدة لصفقات جديدة بزوايا أخرى من زوايا البلاد، و (هبرات) كبرى من ثروات العباد، كأن تكون صفقة سكر تالف، او حليب فاسد، فضلا عن بسكويت الأطفال المنتهي الصلاحية، وصفقة السلاح الروسي، والقائمة تطول في العد والكم والنوع والكيفية والعائدية في السرقات والاختلاسات، وهي لاتنتهي بملف النازحين والسرقات التي طالت خيمهم وكرفاناتهم وأرزاقهم ومخصصات الإعانة المادية لهم.
  ومن ضمن إطار فلك الفساد الذي يدور فيه السراق، لايمكن نسيان صفقة المناطيد الأمنية وكاميرات المراقبة، التي نصبت في أطراف العاصمة بغداد، والتي تضمن -كما يفترض- الكشف المبكر لتحركات المجاميع الإرهابية، وبالتالي تقليص عمليات العنف والحد من وقوع المزيد من ضحايا أبرياء، وفقا للغرض الذي أنشئت من أجله، إلا أنها خيبت الظنون أمام فنون وألاعيب السراق والفاسدين وتجار الحروب، الذين صارت لهم خبرة وملكة في الغش واتقانه، والزيف وتمريره. 
  إذن هي ذاتها لعبة الـ (ختيلان) التي كنا نلعبها في صغرنا، إلا أن أبطالها كبار وذوو حيلة ودهاء، ولهم مايسندهم على أرض الملعب، فيلعبون كما شاءوا مع القانون بتخفٍ شبحي واتفاقات مبطنة، في وقت تسيل دماء العراقيين عبيطة، أمام أنظار أجهزة الدولة المزيفة، وتحت عين الرقيب العشواء، بمشهد درامي حزين يتكرر مرات ومرات.
aliali6212g@gmil.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/07/28



كتابة تعليق لموضوع : عين الرقيب العشواء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net