صفحة الكاتب : عقيل العبود

الموت كاشكالية بين خلود الروح، وانطولوجيا الجسد
عقيل العبود

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ومن آياته سبحانه قوله: "يا إيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية"[1]. 
 
 بين حركة الانسان حال الموت، وحركته حال الحياة، شيء اسمه النفس، والحركة في عالم الدنيا، هي حركة الجسد، وليس حركة النفس، فالنفس مخلوق غير مادي، ملازم لمخلوق مادي، فهي لا تتحرك في عالمها المادي، باعتبار ان حركتها فقط عندما يموت الانسان، اي ان تفاعلها مع العالم اللامادي، ولكن علينا ان لا ننسى المعنى "المقيد" لهذه الحركة، باعتبار ان مضمون النص القراني، يؤكد على ان هنالك نداءا وخطابا خاصا بالنفس المطمئنة، دون غيرها.
 بمعنى ان النفس غير المطمئنة، غير مشمولة بهذا الخطاب، اي انها مستثناة من احكام الرجوع، والعودة الى ربها، بعد موت الجسد، وهذا يعود الى ان لكل نفس هوية تتصف بها. 
 
والهوية تنقسم الى نصفين، الاول، يصف باطن الشخصية، اي الجانب الحسي، اللامادي، وهو وصف حقيقي، والثاني، يصور موضوع الارتباط المادي للانسان. 
 
ان الكشف عن هوية الانسان الأخلاقية، اللامادية
والسايكولوجية، تعكس الحقيقة السلوكية له، كما قولك عن شخص ما، بانه هاديء، اوكريم، والخ، من الأوصاف، اما اذا أردت ان تصف، اوتحكي عن حالة الانسان المادية، فإنك ستقول ان فلانا متزوج وهو طبيب، أومهندس، وعنده بيت، وسيارة، وهكذا، ما يشير الى حالة الانتماء المادي لهذا الكائن.
 
وما يهمنا من البحث، هو هوية الانسان المتعلقة بطبيعته اللامادية، ما يشتمل على القيم والمبادئ، التي تميز البشر عن بعضهم، البعض، ذلك ضمن حقيقة اختلاف "المعادن" كما يسمى، والنفوس.  
 
ان المحاولات المستمرة لإيجاد الملائمة بين سلوك الانسان في الحياة الدنيا، انتقالا الى ما بعدها، يجعل هذا الكائن في حالة سعي دائم، لان يكون اكثر اقترابا، "وزلفة" من الاله، او الرب، أي اكثر ملازمة مع "ذاته المتعالية"، لكي يشعر بالاعتدال، والاتزان، والاطمئنان. 
 
والنفس هنا كائن حي عائم في محيط العقل الإنساني، فهي تتحرك وتساق، بناء على حركة أمواج العقل، وهي في محلها، كالأفلاك الدائرة في مداراتها، والجسد هو المتحرك، بناء على ما تفرضه الحاجة، ولغة العقل، بحسب اختلاف الموضوعات والقضايا.
 
 فالجسد موضوعة مادية متغيرة، اما النفس فهي مقولة غير مادية، متحركة في عالم شفاف، لم يره احد، وحقيقة أزلية، اصلها البقاء، ودرجة علاقتها مع عالم البقاء، قائمة  على اساس ديمومة الارتباط مع "الذات الإلهية".
 
ذلك منسوب الى قوله: "ونفخت فيه من روحي" [2]. وهذا معناه، ان أصل الروح الانسانية "مجعولة" من اللامادة، اي من نفس الاله.
 
والسؤال هنا، ماذا يحصل لهذه اللامادة، حال موت المادة، اي الجسد؟
ان موضوعة الموت عملية انتقالية، فالحياة الدنيا، زائلة كما يعبر عنها، ما يشير الى ان الكائن الذي يعيش الدنيا، لا بد ان يرحل عنها، فالدنيا تزول، بعد ان تتحرر النفس من اثقال قيودها البدنية، المادية، تلك الكتلة، التي تلد مع الانسان، دون ارادة، واختيار منه[3]. فالبدن يفرض على الانسان ما لا تفرضه النفس. "إذن فالنفس مرتبطة بالبدن بنوع من العنف مضاد لطببعتها الإلهية"[4]. كما ورد بحسب الفلسفة اليونانية، ما يشير الى ان هنالك نوعا من الضدية، تحكم النفس، خلال دائرة ارتباطها مع الجسد، وهناك نسب مختلفة من هذه الضدية.
 
فذات الخالق تتجسد بنسب مختلفة لدى البشر، فهي في الأنبياء، والعلماء، والعظماء مثلا، غيرها عن الناس العاديين.
 
وكلما اتسعت  مساحة هذا التجسد، اي حقيقة "الذات الإلهية" في نفس الانسان، يكتسب ذلك الانسان عظمة اكثر، ليصبح على نمط الأنبياء. 
 
ونفوس الانبياء، اي أرواحهم تبقى حية، فهي تدوم مع دوام مجتمعاتهم، وثقافاتها، وحضاراتها وقيمها، وهذا ما يريده الله.
 
ان الله يريد ان ترتقي الامم، والمجتمعات، لتبقى اثارها وبصماتها خالدة، تنبض بالحياة، والرفعة، والنقاء، فهو لا يحب ان تباد المبادئ والقيم النبيلة، ويعتدى عليها، انما يريد لبناتها، وحامليها، ان ينهضوا بها، فرضا الرب، اوالاله، يكمن في نهضة هذه القيم.. وغضبه انما، لايقاف الشر والاستكبار، لذلك ورد في القران " فأما عاد فاستكبروا في الارض بغير الحق.....فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا"[5].
 
ان الله اراد لهذه النفوس ان تمد الارض بالخصب، والعطاء، والمحبة، والخير المطلق، لكي تسمو، فهي مخلوقات خلقية، وخلقية.. والارتقاء بها ومحاسبتها حالة تطورية، يراد بها، اومنها، الدعوة الى التثقيف  بالمباديء، والاخلاق الرفيعة.
 
ان الخالق لا يريد لهذه النفس ان تتكيء في عالم التخاذل، والهزيمة، والضعف، والانحلال، هو يريد لها ان تتمسك بهذا الجبروت، اي "ذات الاله" لتبقى خالدة. 
 
 ان الروح الطيبة للانسان، تكون مخلدة، مشرقة، ساطعة في عالم المادة، فهي تعيش حرة خارج، مدى المادة، وتلتصق كالمغناطيس، مع جبروتها الذي يشبه صفاء السماء، لتكتسب لغة العلو، والترفع، والتسامي.
 
ان الله اختار الأنبياء والعظماء، بحكم ما يمتلكون من صفات حميدة، تؤهلهم لقيادة مجتمعاتهم، ففي القران "وانا اخترتك فاستمع لما يوحى"[6].
 
بمعنى ان هنالك تعاليما، يريد لها الخالق ان تسمو في عالم الإنسان، عبر الأديان المختلفة، تحت قيادات الرسل، والعظماء جميعا، والرسول الأعظم محمد(ص) نموذجا حيا، لهذا الاختيار بحسب الآية أعلاه.
 
مصادر وهوامش البحث:
---------------------
[1|سورة الفجر، الجزء الثلاثون، ترتيب90، اية26،27. 
[2]معجم عربي عربي قاموس المعاني، في معنى كلمة موت تسلسل 3.                                                      
http://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar
 
[3]المصدر نفسه، راجع ت 2،،ت 5في معنى كلمة يزول زوال، يندثر اندثارا حرف الزاي مادة 
[4]المصدر نفسه في معنى كلمة يختفي ت 1 اختفاء، حرف الياء، مادة اختفاء.
[4]شارل فرنر، الفلسفة اليونانية، الفصل الاول ص 107، السطر الثالث، لغاية ص ،ترجمة تيسير شيخ الارض، دار الأنوار بيروت لبنان، الطبعة الاولى، 1968.
[5] سورة فصلت، الجزء الرابع والعشرون، ترتيب 41, اية،14,15
[6]سورة طه، الجزء السادس عشر، ترتيب 20،اية 13.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عقيل العبود
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/08/23



كتابة تعليق لموضوع : الموت كاشكالية بين خلود الروح، وانطولوجيا الجسد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net