صفحة الكاتب : هادي جلو مرعي

طير سوري مهاجر
هادي جلو مرعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يمكن أن ندافع عن أفكار مختلفة ومتضاربة ولكل واحد منا عذر ما في ذلك، فمن يرفض الهجرة ولايهاجر فإنه يرفضها لإيمانه بمبادئ مختلفة، وهناك من ينتقد الذين يهاجرون، ويعد ذلك نوعا من التخاذل في ظروف صعبة وقاسية يواجهها العرب، وإذا كان السوريون يهاجرون لأسباب قاهرة مرتبطة بالحرب المخيفة في بلدهم، فلاتجد الكثير من اللوم يقع عليهم، وهم صاروا غير عابئين بمثل هذا النوع من اللوم توجهه لهم أية جهة كانت، في المقابل فإن للعراقيين أسبابهم أيضا، فهناك "السنة والكرد والمسيحيون والأيزيدون والشيعة والتركمان والشبك" ولو سألت واحدا من هولاء عن السبب الذي يدفعه للهجرة فإنك ستجد أجوبة مشابهة للتي يقدمها آخر، وتعود في الغالب لنوع الحروب والمشاكل والصراعات السائدة في الإقليم المضطرب.
السوريون لايجدون من يرحمهم وتتنازعهم الدول والمنظومات الفاعلة في المنطقة والعالم بينما لاتهتز الضمائر لحال النساء والأطفال والرجل أبناء أقدم بلدان الدنيا ويكفي أن عاصمتهم دمشق أقدم عاصمة حضارية، ويراد لهم أن يدفعوا ثمن حرب وخطيئة لم يرتكبوا شيئا منها فصار الطائر السوري يحلق في البعيد وهو يرى دمشق تبتعد عن ناظرية بينما حلب تذوي وحمص تعيش الفجيعة وغيرها من المدن والقرى والقلاع تنتظر بصمت حدثا مفجعا وغيابا لروح الحياة.
العراقيون دخلوا في دوامات من العنف والترهيب المتبادل، وصار صعبا عليهم العيش المشترك، وفي العام 2006 كانت البداية الأكثر دموية بعد تفجيرات سامراء حيث أخذت الهجرة المتبادلة بين السنة والشيعة والصدام المناطقي تزدادان قسوة، ولم يعد بمقدور السكن الشعور بالطمأنينة في المناطق المختلفة، وكانت الهجرة داخلية، ولم تنقطع بالتأكيد عن الهجرة الى الخارج، وسبقت ذلك هجرات وهروب منظم في التسعينيات والثمانينيات حيث كان العراق مضرب المثل في ذلك لأنه الدولة العربية الوحيدة في المنطقة التي شهدت أطول حرب مع إيران، وحصارا خانقا بعد حرب الكويت، وكان العراق بلد الأزمات بإمتياز.
في السنوات الأخيرة، ومع ظهور الحركات الإرهابية الإسلامية المنظمة والقاتلة التي تمثلت بداعش صارت دوافع الهجرة أكثر إلتصاقا بمخيلة المواطن العراقي الذي لم يجد بدا من المغادرة، هذا إذا لم يطرد من قبل التنظيم كما حصل في الموصل وديالى والأنبار وكركوك وصلاح الدين، مع مخاوف إزدادت نتيجة عمق الصراع والشك وعدم الثقة بين المكونات، وصارت القارة الأوربية قبلة المهاجرين ربما لقربها من الحدود التركية التي هي مقصد العراقيين والسوريين، تقابلها سواحل أفريقيا التي تشهد عمليات تسلل عبر المتوسط، بينما يذهب آخرون الى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزلندا، وقد يقصد غيرهم دولا أخرى يقل عدد المهاجرين إليها كما في أمريكا الجنوبية وشرق وجنوب آسيا وبعض القارة الأفريقية.
العالم يتحدث كله بقصة الهجرة والغرق في البحر، لكن الأوربيين أكثر تسامحا، وأقل تشددا، وهذا مايدفع الناس الى المزيد من الهجرة، على إنها هجرة ليست سيئة على أية حال، فأسباب الهجرات دائما سيئة، لأنها تحدث في بيئات قهرية فاسدة، أو موبوءة، أو تشهد حربا، أو جوعا، وتتجه الى البيئات المستقرة الناهضة، بينما نتائجها قد لاتكون سيئة لأنها تساعد في المعرفة، وتبادل الأفكار، ونشر العقائد، وفهم القيم الأخلاقية والثقافية، وربما أنتجت مجتمعات غير تقليدية، وهو إنصهار فاعل ومؤثر ومغاير للمألوف ويوقي الشعوب والأمم ولايضعفها، ويساعد البلدان التي يهاجر أبناؤها لتكسب المزيد من المعرفة والقدرة على ترتيب أوضاعها وإعادة هيكلة مؤسساتها.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هادي جلو مرعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/09



كتابة تعليق لموضوع : طير سوري مهاجر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net