أمَّةٌ فاسِدة ؛ و حکامٌ سافلونْ !.
احمد البحراني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ما تمرُّ به أمَّتنا من واقع مرير نتيجة عدم الوعي والبصيرة
شَخَّصَّهُ، بل حذَّر منه المصلحُ
و العالِمُ و القائدُ و الفيلسوفُ
الفْذ جمال الدين الأسد آبادي الأفغاني قبل مائة و خمسين عاماً أو يزيد ، حين ربَطَ بين
مآسي المسلمين و فکرهم الرجعيِّ المتخلِّف ، فحملَ
راية التجديد و الإصلاح ؛
بکلِّ ما اوتيَ من قوة ، لذا
نال مانال من تهم و تنکيل
و تخوين وتسقيط وتکفير
حتي قيل بحقه زوراً و جزافا، تمنطق فتزندق، و مَن اتّّهمهُ بالإنتماء للحرکة الماسونية العالمية ، و هي تهمة کفيلة لهدم جبل، لکنه قاوم فانتصر، بل ترك أثراً خالدا .
تماماً کيومنا هذا ، کان الجهل
و الظلام و انعدام الهوية، قد وصل حدّاً مهولاً بين شرائح المجتمع ،، فاختار الأفغاني
خيارالمواجهة مع مسبِّبَينِ رئيسَين ؛ رجال الدين
المنافقين و الساسة العملاء ،
و الانفتاح مع النبلاء و الشرفاء من کافة الأديان و المذاهب
و القوميات، لتحقيق حلم ايقاض المجتمع من نومه .
و اذا کان سيِّد زمانه -جمال الدين- قد تميز بقدرته الخارقة علي التکيُّف بمحيطه السياسي و الإجتماعي ، مهما اختلف مع نهجه و عقيدته ، فتراه يغيِّر القابه تارة ، و زيّه الذي يتبدّل حسب تقاليد مضيِّفيه تارة أخري (من العمائم البيضاء والسوداء و الخضراء ، الي طربوش ترکي أو أزهري ،
الي عقال و کوفية) ، فساستنا العرب في عصرنا هذا ايضاً تميّّزوا و بجدارة ، لکن ، بعجزهم عن التکيُّف مع
الشريك و الحليف و الصديق في نفس الحزب ، فما بالك
مع الخصوم ؟!.
انهم ، ابعدُ خلق الله عن القادة العظام ، بصرخاتهم المدوِّيةِ الموقِضةِ للشعوبِ النائمة ؛ أمثال سيد جمال و روح الله الخميني و عمر المختار، اصحاب رسالات عالميةٍ تجاوزت حدود الحزب
و الطائفة و الوطن . هؤلاء استهدفوا اصلاح الفکر قبل
کل شيء ، لإصلاح الأمة من جذورها . أمّا حکّامنا الجدد إلّا ماندر، فإمّا اطفالٌ هواة ، أو عجزة رجعيينَ منَ العصر العتيق ، لاهمَّ لهم ولاغمَّ الّا ملئ بطونهم والهاء فروجهم ، و في افضل الأحوال ، عساکرَ ، لم يشُمّوا رائحة الفکر، لامن قريب، ولا من بعيد !.
لکن ماهي أسباب ظهور هکذا قيادات علي رأس أمَّةٍ حکمت العالم لقرون بدينها و لغتها و علمها و علماءها ؟!.
هنا اذ لا اُقلل من دور النهوض الغربي خلال القرون الأخيرة،
الفکري منه و العسکري ، ثمَّ الإقتصادي، وهو ما ساهم
کثيراً بتضعيف الامبراطوريتين العثمانية و الصفوية بشتي الوسائل ، بدءاً من الحروب التقليدية و الاحتلال المباشر ، مرورا بحملات المستشرقين الثقافية و غزواتهم العقائدية ،
الي تسخير و نهب الثروات، لکنَّني لا اتجاهل ما حلَّ بالعقل العربي من فسادٍ ، لادخل للأجنبي فيه ، أحلَّ التخاذل،
و بسَّط الإستسلام ، و اجاز الخيانة ، و جمَّل الخضوع
و الخنوع و کلّ ممنوع !.
من يقول إنَّ هذا الخراب الذي حلَّ بنا ، بفکرنا ، کُلُّه بسبب الاستعمار و مخططاته
الخبيثة ، کذّابٌ أو جاهل لامُحال، و إن آمنّا بذلك جدلاً ، فأمَّتنا ، هي من مهدت لذلك ، حين جسَّدت انها فعلاً ، أمَّة ، لاتعرف من الاسلام الّا اسمه ،
و في أفضل الأحوال شيءٌ
من طقوسه ، فانطلت عليها لعبة الغرب باغراءاتها ، و قبلت بالتغيير و الجديد الآتي من وراء البحار . و من الجديد، حکامٌ جدد و بحلةٍ جديدة ،
و بأعراف و تقاليد ، من نوعٍ غربي مثيرٍ و جديدْ !.
عدوُّنا تلقَّف الرسالة قبل غيره
و فهما دون عناء ، و تيقَّن أننا اصحاب بَصرٍ من دون بصيرة ، فمَلأَ عيوننا بمانُحب ، وافرغ عقولنا مِمّا لايُحب .
حينها أخذت ديکتاتورية التخلُّف و الرجعية و السذاجة، تفرض رأيها و بقوة على الفکر و التعقُّل و المعرفة عند العرب ، و بات العرب أمَّة ، تستحق قادتها بکل جدارة ، فالإمة التي تتقبَّل الذلَّ بترحاب ، مقابل الحصول علي رغبات دنيوية رخيصة، ليست کتلك التي ناضَلت و قاومت و تحمَّلت ماتحمَّلت ، حفاظاً علي تاريخها و شرفها ، و اکراماً لعظماءها و رُسلها ، و وفاءاً لدينها ، و مرضاةً لربِّها .
لا ، لاتستوي الأمَّتان أبدا !.
أمَّتنا العربية جاهلة و غارقة حتي الرأس بجهلها ، لم تعد تستوعب حقوقها ، ولا طعم الحياة الکريمة بعَدْلها و حرِّيَتها، و اِن وَعَت علي حالها بعد سُکرها ، ستستبدل الداء بداء ، السلطان المستبد المتخلف المتعجرف بسلطان آخر ،
اسفلَ منهُ و أدهي .
هکذا يسرد التاريخ ، قصص اممه الغابرة دون مجاملة .
و کما عبَّر جميلاً ، احد روّاد النهضة العربية، عبدالرحمن الکواکبي، في کتابه الشهير "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" ، إنَّ الله جلَّ و عَلا، قد فوَّض الأمم تقييم اداء حکامها ، فإن استغنت عن
حقِّها ، أذلَّها الله لأمَّةٍ أخرى .
إنها سنَّة الحياة ،
ولنْ تجدَ لها تبديلا ..
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
احمد البحراني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat