خالد العبيدي.. مهندس الطائرات الذي يحاول إصلاح

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في 22 أيلول / سبتمبر، كان صوت عشرات الجنود في الجيش العراقي وهم يردّدون أناشيد حماسية على جسر الأعظمية في جانب الرصافة من العاصمة بغداد مفاجئاً، وكان الانضباط في حركة سيرهم بصفوف مرصوصة، فضلاً عن ملامحهم القاسية وهم يرددون تلك الأناشيد، أمراً جديداً يلحظه سكّان بغداد الذين ظلّوا يشاهدون جنودهم متعبين على الحواجز الأمنية المنتشرة في عموم العاصمة.

في اليوم ذاته، أصدرت وزارة الدفاع بياناً مرفقاً بصور ومقاطع فيديو لتعلن فيه انطلاق أوّل دورات "الصاعقة" المسماة "قفزة الثقة" لخريجي الكلية العسكرية، وكانت هذه الدورات الأولى بعد مرور أكثر من 13 عاماً على إعادة تشكيل الجيش بعد سقوط نظام صدّام حسين في نيسان / أبريل عام 2003.
في الواقع، كانت هزيمة قطعات الجيش في 10 حزيران / يونيو عام 2014 على يد تنظيم "داعش" في مدينة الموصل قد أفقدت ثقة العراقيين بجدوى وجود الجيش الذي يقدّر عدد أفراده بنحو 650 ألف عنصر، إلا أن الفعاليات التي أخذ الجيش يقوم بها بعد تسلّم خالد العبيدي منصب وزير الدفاع بدأت تُعيد الأمل في إصلاح المؤسسة العسكرية وإعادة الهيبة التي فقدتها على يد الوزراء الذين سبقوه في منصبه.
كان العبيدي، وهو الذي يتحدّر من مدينة الموصل، مزهواً بدورة الصاعقة التي تحقّقت على يد هؤلاء الثلّة الذين تدّربوا على رمي أنفسهم من جسر الأعظمية إلى نهر دجلة ببراعة كاملة.
يعتقد العبيدي، من خلال التصريحات واللقاءات الصحفية، أن إعادة هيبة الجيش وأخذه زمام المبادرة تبدأ من خلال التدريبات المحليّة ومستوى الانضباط داخل المؤسسة العسكرية، ولذا، فهو بالإضافة إلى "القسوة" التي يعتمدها في تدريب الجنود، فإنه يعمد أيضاً على إعادة الهيبة إلى الكلية العسكرية.
وخلال الأعوام الماضية تسرّب الفساد - كما حدث في أغلب مفاصل الدولة - إلى الكليّة العسكرية، إلا أن العبيدي أخذ يحرص في الفترة التي تلت تسلمه منصبه، على الإطلاع على المناهج التدريسية، فضلاً عن إشرافه المباشر على الدورات التدريبية التي تقّدمها الكليّة.
قال العبيدي في زياراته إلى كلية الأركان العسكرية لعميد الكلية ان "الحرب الحديثة تستدعي نمطاً خاصاً من القادة قادرين على التعامل مع المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وصنع واتخاذ القرار وعدم اقتصارها على العلوم العسكرية الصرف".
وحرص العبيدي على إعادة التقاليد الرصينة للعمل العسكري في العراق، من خلال أعاد العمل إلى كليّة الأركان، إذ أخذت الأخيرة تمنح طلابها شارة الركن وشهادة الماجستير في العلوم العسكرية، وهو الأمر الذي كان مغيّباً أيضاً خلال 12 عاماً من عمر العراق الجديد.
والعبيدي الذي ولد عام 1958 في مدينة الموصل، والذي حصل على شهادة بكالوريوس في هندسة الطائرات من أكاديمية الهندسة الجوية من يوغسلافيا عام 1982، يسعى جاهداً إلى إخراج المؤسسة العسكرية من المحاصصة الطائفية التي ظلّت تسيطر على مفاصل الدولة منذ سقوط النظام السابق، حيث يحرص في جميع خطبه الحماسية أمام جنوده وهو يرتدي بدلة عسكرية على حثّهم على الانتماء الوطني وتفضيله على الانتماءات السياسية والطائفية الفرعية.
ولا يبدو غريباً أن يكون العبيدي ذاته مستقل سياسياً، إذ أنه رشّح نفسه عام 2010 في الانتخابات البرلمانية ضمن القائمة العراقية، إلا أنّه تقدّم آنذاك على أنه مرشح مستقل لا ينتمي إلى حزب أو طائفة.
بدا تسلّم العبيدي في 18 تشرين الأول / أكتوبر لوزارة الدفاع انتحاراً، إذ فور ممارسة مهامه وزيراً اتضح في أولى تحقيقاته أنها تحوي على 50 ألف عنصر "فضائي"، وهو ما أرهقها، بالإضافة إلى استشراء بيع وشراء الرتب الكبيرة داخلها.
كان تحديّاً لا يخوضه كُثر في إصلاح مؤسسة كبيرة ومهمّة كهذه، إلا أن العبيدي قبل بالتحدّي فوراً، لكنه صبّ عليه جام غضب كثير من النواب والمسؤولين، الأمر الذي دفع ثمنه موجة تشهير كبيرة من على وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي.
لكن العبيدي أيضاً قَبِل خوض حرب التسقيط التي مارسها نواب وسياسيين ضدّه، وعلى العكس من الوزراء السابقين الذين رفضوا الاستجواب تحت قبّة البرلمان، ذهب العبيدي أكثر من مرّة لحضور جلسات استماع واستجواب، وقدّم الوثائق التي تبرأه من الاتهامات الموجهة ضدّه.
بالمقابل، فإن الاستقلال الذي يحظى به العبيدي، وإجادته لأربع لغات هي العربية والإنجليزية والروسية والصربية،  يساعده على التحرّك دوليّاً للحصول على الدعم للمؤسسة العسكرية المنهكة، والتي عانت طوال الأعوام الماضية من صفقات السلاح الفاسدة.
في تموز / يوليو العام الجاري قال العبيدي "سأقوم في القريب العاجل شخصياً باستقبال الطائرات (f16) في إحدى القواعد الجوية العراقية"، وبالفعل حقّق العبيدي وعده، بعد أن عجزت المفاوضات مع إدارة الولايات المتحدة الأميركية عن تسليم الطائرات للعراق طوال الوقت الماضي، والآن تمارس (f16) دوراً محوريّاً في ضرب أهداف تنظيم "داعش" في الموصل، إذ أن طلعاتها فوق المدينة أفقدت التنظيم قيادات مهمّة.
مهندس الطائرات الحاصل على ماجستير هندسة علوم الفضاء اختصاص ديناميكية الهواء من جامعة بلغراد، يعرف جيّداً أهميّة سلاح الجو في المعركة التي يخوضها العراق، وهو الأمر الذي دفعه إلى إلغاء صفقة شراء أربع طائرات من بلاروسيا لأنها "لاتمتلك التكنلوجيا في مكافحة الإرهاب"، لكن التعويض جاء بشراء طائرات نوع "52" الكورية، التي تمتلك تكنولوجيا عالية في ملاحقة الأهداف.
والعبيدي، الحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية، يعرف أيضاً أن التنويع في مصادر شراء السلاح يمنح العراق تحرّكاً أفضل في المجال الدبلوماسي، وعلى هذا الأساس عقد صفقات مهمّة في هذا المجال وخلال الأيام القريبة القادمة سيستقبل العراق دفعة أولى من طائرات L-159  الجيكية، وفق عقد مبرم على شراء 15 طائرة من هذا النوع بعقد بلغت قيمته 30 مليون دولار.
تجدر الإشارة إلى أنه حين سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم "داعش" لم يكن العراق يملك طائرات حربيّة، وهو ما دفع الحكومة السابقة إلى شراء طائرتي سوخوي قديمة من روسيا على عجل، إلا أنها لم تؤد مهامها بشكل جيد في الحرب على تنظيم "داعش".
الحُرص على تأمين سلاح جو فعّال، يقابله أيضاً حرص على تأمين الأرض الذي تسلّم العبيدي منصبه وقد سيطر على نحو ثلث مساحتها تنظيم "داعش"، إلا أنه استعاد الكثير منها بالتنسيق مع وزارة الداخلية وفصائل الحشد الشعبي وأبناء العشائر.
يذهب العبيدي بشكل مستمر إلى الخطوط الأمامية ليتحدّث إلى الجنود والضبّاط ويطلع على خططهم، وهو يحاول أن يظلّ قريباً منهم، وتوجيه الكلمات الحماسية إليهم لحثّهم على المطاولة في الحرب والقضاء على التنظيمات المسلّحة الخارجة عن القانون.
يحتفظ العبيدي بعلاقة حميمة مع الضبّاط والجنود، ويشرّع أبواب مكتبه لسماع شكاواهم، ويعمل جاهداً على تأمين نقص الأسلحة والعتاد في القطعات العسكرية بشكل مستمر في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية حادة، فضلاً عن اطلاعه دوريّاً على شكل الوجبات التي تقدّم إليهم.
ورغم جميع ما تحقّق، وهو كبير مقارنة بالخراب الذي تسلّمه العبيدي، إلا أن مهمّة إصلاح المؤسسة العسكرية تبدو صعبة وجسيمة، خاصّة وأنها تعتبر أحّد أهم منافذ الفساد لمسؤولي الحكومات السابقة، إذ أنّها أمنت لهم صفقات مشبوهة، وفتحت الباب واسعاً أمام توظيف من هم ليسوا بقدر المسؤولية.
وفقاً لهذا، ما يزال العبيدي يواجه تهماً من قبل أعضاء في البرلمان، بالإضافة إلى التشكيك بالمؤسسة العسكرية وجدوى بقائها، لكنه حتّى اللحظة مستمر في تحدي الجميع، وهو يعرف تماماً أن الحرب التي يخوضها لا تخصّ التنظيمات الإرهابيّة فحسب، وإنما أيضاً حرب على الفاسدين ومصالحهم.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/13



كتابة تعليق لموضوع : خالد العبيدي.. مهندس الطائرات الذي يحاول إصلاح
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net