فتاوى رجال الدين في السعودية بقتال الروس الكفرة والمعتدين، ألا تنسحب على الجيش الصهيوني في فلسطين وعلى الأمريكان في الخليج؟
سفيان بن حسن
سفيان بن حسن
"المجاهدون في الشام اليوم يدافعون عن الأمة جميعها فثقوا بهم ومدوا لهم يد العون المعنوي والمادي و العسكري والسياسي فإنهم إن هزِموا- لا قدر الله ذلك- فالدور على باقي بلاد السنة واحدة إثر أخرى"، بهذه الدعوة الطائفية أعلن العشرات من رجال الدين في المملكة العربية السعودية النفير العام لمواجهة القوات الداعمة للجيش السوري، واصفين التدخل الروسي ب"الغزو الصليبي الأرثوذوكسي" .الدعاة، وإن لم يكونوا من المحسوبين على السلطات فإنهم يكشفون توجها سعوديا نحو مزيد من التصعيد في سوريا.
يصعب التصديق بأن رجل دين في قطر عربي يمكن أن يخالف سياسة بلاده من دون أن يُزَجّ به في غياهب السجون ومن دون أن تغلق في وجهه أساليب التواصل مع الجماهير، فمساحة الحرية في وطننا الكبير، إلا ما رحم ربي، تقتصر على السابحين مع تيار السياسة العامة للبلاد، وما الدعوة الأخيرة بجهاد الروس وحلفائهم إلا ورقة سعودية أمريكية لترهيب الروس وتحذيرهم من مغبة التمادي في تدخلهم العسكري. البيان المكوّن من نقاط خمس وصف الحرب السورية بالصليبية ودعا السوريين لعدم مغادرة البلاد، لكنه لم يشر إلى الضربات الأمريكية والغربية التي راح ضحيتها عدد من الأبرياء، ولم يعلمنا أصحاب البيان إن كان منفذو هذه الغارات من المسلمين أم الصليبيين. السياسة الخليجية بتسخير الجهاد لخدمة الأجندات الأمريكية ليست وليدة اللحظة، فمنذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن رفع رجال الدين رايات الجهاد للتصدي للقوات السوفياتية التي إجتاحت أفغانستان، وإندفع المجاهدون من أصقاع الأرض يحملون على اكتافهم الأسلحة الأمريكية وتحركهم رغبة صادقة في الدفاع عن حرمات المسلمين مما ساهم بشكل كبير في إنهيار الجيش الأحمر على أسوار كابول، ويبدو أن البيان الموقع أخيرا محاولة لإعادة إحياء تجربة التحالف الناجحة بين رجل الدين ورجل البيت الأبيض، لكن يفوت هؤلاء الحالمين بأن هناك عاملا واحدا لا يمكن تكراره في تجربتين متطابقتين هو عامل الزمن. فالشاب الذي رمى الدنيا وراء ظهره وإندفع للدفاع عن أبناء دينه في افغانستان لم يعش تجربة صمت رجل الدين عن العدوان الأمريكي على نفس ذلك الشعب. من حقنا أن نتساءل اليوم لماذا يحل لأمريكا دون الروس قتل الافغان، لماذا لم يوقع علماؤنا على دعوة للتصدي للغزو الأمريكي لأفغانستان ، وأين كانت الفتاوى وأحاديث الجهاد ونصرة المستضعفين يوم تحول العراق إلى ساحة لتجربة أحدث أنواع الأسلحة الأمريكية والبريطانية، ولماذا صمت الشيوخ والعلماء وجفت أقلامهم حين إنتشر اللهيب في العراق من أم قصر إلى دهوك؟ إن الصمت عن الجرائم الأمريكية وتبريرها ثم التنديد بالغزو الروسي يلقي بعلمائنا في الدرك الأسفل مع المنافقين، فالطائرات الروسية ليست وحدها من يلقي بحممه على أرضنا العربية والمسلمة بل لعل كل ما ألقته هذه الطائرات لا يساوي ذرة من جبل القذائف والصواريخ التي رمتها طائرات أمريكا وحلفائها والكيان الصهيوني وذهب ضحيتها الملايين من الأبرياء و ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا على هذه الأرض المحروقة. كان حريّا بعلمائنا الأفاضل أن تكون دعواهم عامة لطرد كل الغزاة وإخلاء الخليج من قوات المارينز الموغلة في الدماء، وكنا سنحترم دعوتهم ونحسن الظن بها إن هي مرت على مآسي شعبنا في فلسطين ودعت إلى الجهاد من أجل الأقصى ومن أجل نصرة المرابطين و أطفال الحجارة والسكين وضرورة مد يد العون المادي والعسكري لهم، صمتهم تجاه جرائم الدولة الصهيونية وتجاهلهم للإعدامات الميدانية لشباب وشابات في عمر الزهور ينزع عن بياناتهم وفتاويهم رداء القدسية ويلبسها رداء النفاق والتبعية والتغرير بأبنائنا في سبيل أجندات حكامهم السياسية.
نحن لا ندافع عن التدخل الروسي لكننا نريد وطنا عربيا مستقلا تخلو أجواؤه وأراضيه ومياهه من الجيوش الأجنبية، نريد عقلاء ورجال دين يسعون لإخماد الفتنة في سورية ولا يصبون الزيت على حرائقها، نريد أن تتوقف أنهار الدموع والدماء في العراق وسورية وفلسطين واليمن وليبيا، نريد وأد الفتنة الكبرى وإلغاء الحروب الطائفية، نريد ونحلم بأن يحيا أبناؤنا بكرامة.
سفيان بنحسن
كاتب تونسي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat