صفحة الكاتب : علي علي

توأمان؛ العملية السياسية وعمليات الاختلاس
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   عندما ترد مفردة اختلاس على مسامعنا، تتبادر الى أذهاننا لحظتها بضعة أسماء لأشخاص تبوأوا مناصب او مواقع وظيفية، سوّلت لهم انفسهم من خلالها خيانة الشرف والضمير والمبادئ، فكان لهم نصيب وافر في أشياء عدة، فأول ماكان لهم من ذاك النصيب هو قيمة من المال غير المشروع لم يكونوا يحلمون به، حيث تمتعوا بحصة الأسد منه بكافة انواعه من العملات المحلية والأجنبية والصعبة، فضلا عن الذهب بأشكاله ومسكوكاته الخالصة، فاقت بمجموعها عند البعض ميزانيات دول. وبطبيعة الحال أثمرت و "فرّخت" تلك الأموال في ليلة وضحاها، عقارات وأسهما وشركات داخل العراق وخارجه، بمباركة البنوك العالمية التي لايدخل ضمن حساباتها سؤال؛ من أين لك هذا؟! لعملائها وأصحاب الأموال المستثمرين لديها، وكما قال الإمام علي عليه السلام:

إن الغني من الرجال مكرّم
وتراه يُرجى مالديه ويُرهب
ويُبش بالترحيب عند قدومه
ويُقام عند سلامه ويُقرب
 وثاني ماتحقق لهم من ذاك النصيب هو وفرة الداعمين لهم والحبايب من المتنفذين والمسؤولين في مفاصل الدولة، فالأخيرون بحاجة الى من يسندهم بالمال ويساندهم بالأصوات، لديمومة النفوذ والمنصب، فنراهم والأولين "دهن ودبس" فيما لو كان الظرف يصبّ بالمصلحة الشخصية، اما لو كُشف أمر المختلسين فسيكونون وإياهم "حيّة وبطنج" ويعلنون البراء منهم ومن كل متلاعب بالمال العام فهم نزهاء وشرفاء "للعظم"، ونراهم يتشدقون ببيت المتنبي:
ماأبعد العيب والنقصان عن شرفي
أنا الثريا وذان الشيب والهرم
 وكفاهم بالسرقة والاختلاس او التستر عليهما مايعيب الأخلاق ويزري بالشرف ويلوث السمعة. اما النصيب الثالث الذي يناله المختلِسون، فهو الشهرة في مجالات الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، حيث تسلط عليهم الأضواء في بداية كل نشرة أخبار، كذلك تُكتب أسماؤهم بالمانشيت العريض في واجهات الصفحات الأولى للصحف الرسمية وغير الرسمية. اما مقياس هذه الشهرة فله شبه كبير بمقياس رختر لقياس الزلازل، حيث يرتفع المؤشر فيه طرديا مع شدته، كذلك كلما زاد المبلغ المختلَس؛ ازدادت مؤشرات الأخبار و (سبتايتلاتها) وبسينوغرافيا عالية، ذاكرة بهذا أسماء مرتكبيها. فمن يختلس عشرة او عشرين مليونا، له من نصيب الإعلام النسيان، اما اختلاس الملياريات، فلمرتكبها قدر كبير من الإعلام والإهتمام، حيث تخصص لجريمته ساعات إخبارية وحلقات لسرد تفاصيل عمليته، بل قد يصدر كتاب خاص عن قضية اختلاس كبيرة، أذكر على سبيل المثال لاالحصر، الكتاب الذي صدر عن هيئة النزاهة عن قضية المدانة (زينة سعود) باختلاسها مبلغ (12.500.000.000) دينار من أمانة بغداد، ومقامي هذا لايكفي لذكر باقي الأسماء التي تعج بها ملفات القضاء والنزاهة، التي يبدو انها تتناسل في بلد الحضارات. ولست ادري فيما اذا كان قد شُرِّع مكيال جديد يُكال على ضوئه ما اذا كان المختلس مشمولا بالحد الأدنى من هذه التهمة؟ ام يتوجب عليه ان يُجهد نفسه و "يشد حيله" لاختلاس مبلغ أكبر، فتسنح له الفرصة حينها، للوصول الى عتبة تسليط الأضواء والوصول الى عالم الشهرة.
والعجيب الغريب في عراقنا الجديد أن السرقات واضحة، واللجان التحقيقية على قدم وساق في فضحها وطرحها على طاولة القانون، مع التأكيد على إعلان الأسماء القائمة بها أمام الملأ، أما الحساب والعقاب فهما انقتقائيان او كيفيان او "طره كتبه"، فالجزاء العادل في عرف عراق مابعد 2003 لايناله جميع المختلسين، فأغلبهم شركاء في عمليتين توأمين لاتفترقان؛ هما العملية السياسية وعملية الاختلاس.
aliali6212g@gmail.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/20



كتابة تعليق لموضوع : توأمان؛ العملية السياسية وعمليات الاختلاس
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net