صفحة الكاتب : رياض ابو رغيف

الثائرون الثلاث ( محمد وعلي والحسين )
رياض ابو رغيف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 المتمعن في فلسفة الإحداث الكبرى التي وقعت في صدر الإسلام لا يمكن له إن يفك ارتباطها المنطقي بالإحداث الجسيمة التي حدثت بعدها والتي أثرت بشكل واضح في بنية الإسلام المنهجية والتي أولدت نظريتين استمدت اشراقاتها أو ظلاميتها من لحظة التأسيس على الموقف المستمد من تلك الأحداث أما إيجابا أو سلبا . 

ثلاث ثورات وأن اختلفت زمانيتها وأحداثها وشخوصها لكنها متشابهة حكما و موضوعا أسست لخندقين متقابلين لازالا إلى اليوم في صراع مستعر احدهما يدعو للحق وأخر يدعو إلى الباطل خندق للرفض وخندق للخنوع خندق للإيمان وخندق للنفاق خندق للحياة وخندق للموت والإرهاب . ولعل الناظر إلى عناصر أحداثها وطبيعة أطروحاتها والتوافق العقائدي لمعسكري الصراع فيها يمكنه أن يدرك ان هذه الثورات المصيرية في تاريخ الإسلام مترابطة ترابطا وثيقا لا يكاد أن ينفك في موضع ما من أحداثها حتى يعود ليتشابك من جديد بقدر اكبر لينتج هدفا واحدا مشتركا بينها 
تتمثل الثورة الأولى في مواجهة النبي محمد ( ص ) لمعسكر الكفر والإلحاد المتمثل بطواغيت قريش ومن خلفهم إمكاناتهم المادية والبشرية التي يفتقر إليها الثائرون بقيادة محمد (ص ) ليعلن أهداف رسالته السماوية الرافضة لمظاهر الانحلال الاجتماعي والإرهاب القبلي والفساد الأخلاقي والاضطهاد الإنساني تلك الأهداف التي أزعجت معسكر المناوئين وهددت مصالحهم وزلزلت مصيرهم وأشعرتهم بخطر التغيير الجوهري القادم الى بنية كيانهم كان حافزا نحو التحرك الإرهابي العنيف ضد الإسلام ليتمثل ذلك الصراع في معسكرين متمايزين أحداهما تقوده قريش والآخر يقوده النبي محمد ( ص ) . هذه الثورة التي تكللت بنصر مبادئ الإسلام وهزيمة معسكر الكفر , أسست لأمة جديدة بين الأمم الإنسانية لم تكن بعيدة عن مؤامرات المنافقين والحاقدين والفاقدين لامتيازات المال والسلطة والجاه التي سلبتها منهم عدالة الإسلام .
ورغم ذلك لم يكن ذلك النصر كافيا لان تثب القلوب كلها من خندق الكفر والنفاق الى خندق الإسلام وقد أدرك قائد الإسلام ونبيه ذلك ونبه على أن ثورته التي أرغمت انوف الطغاة ستتعرض إلى التأمر والتحريف والتزييف لمصادرة انجازاتها الإنسانية العظمى وإفراغها من مضامين أهدافها السامية وتحويل مسارها من امة مبادئ وحقوق وعدالة إلى ملك عضوض وحكومات مصالح . من هنا جاء تنبيه قائد الأمة الإسلامية ونبيها إلى الرجل الثاني فيها ولأهمية دوره المرتقب في تثبيت أركان ثورة الإسلام والحفاظ على ديمومة انجازاتها الإنسانية جاءت الوصايا مؤكدة الحفاظ على روح الإسلام الرافضة للانحراف والتحريف ( يا علي تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل ) . بيد ان استقراءا للأحداث التاريخية والنصوص النبوية يولد لنا فهما لموقف الإمام علي (ع ) من قضية الخلافة بعد موت رسول الله ( ص ) من خلال منطق الثوار الرساليون الذين ليس همهم ولا مبلغ غاياتهم أن يتصدوا لحكم الأمة مادامت المبادئ العامة والخطوط العريضة للثورة لم تمس وتنحرف عن مسارها المرسوم وان حدث تشويشا مقصودا في بعض المفاهيم , فلم تكن مبلغ أهداف الرسالة المحمدية تتحقق في (الملك والسلطان ) وحده بل بالقيادة الروحية الواعية الناهضة بمسؤولياتها والراعية لمنهج الثورة المحمدية وذلك كله يمكن تحصيله مادام المتصدون للحكم يحكمون باسم الإسلام ولا يحيدون عن ثوابته العليا ودستوره القرآني .
لكنه حينما استشعر بوادر الانحراف تطل برأسها في ميدان يستهدف عقيدة الثورة المحمدية مستخدمة شعارات الثورة نفسها لمحاولة لي عنقها باتجاه تعميمها إلى غير مقصودها الفعلي الذي يعرفه حزب علي (ع ) والمخلصين جيدا واجههم بكل إرادة وقوة وصارعهم قتالا شديدا للحيلولة دون وصولهم إلى مركز (الحكم والسلطان ) الذي كان يعني حينها الأخذ بزمام الإسلام وثورته من جوهر العقيدة الحقة إلى رسم بائس وشعارات فارغة ورايات ضلالة تتخذ من الإسلام منبرا ووسيلة لتحقيق غاياتها المشبوهة 
وبالفعل استطاعت هذه المواجهة العنيفة والثورة العارمة رغم ما اعتراها من تأمر وخيانات وارتدادات ان تشخص مكامن الانحراف وموضع انطلاقه وتكشف خطره الداهم على الأمة وعقيدتها وارتباطه بخندق الكفر والنفاق والطغيان الذي حاربه النبي (ص ) في الأيام الأولى من الرسالة النبوية . 
ثم أن اشد ما هدد الإسلام بعد رحيل النبي ( ص ) ووصيه ووريث ثورته علي (ع ) هو ركوب الأعداء و المنافقين والمنتفعين موجته وانتحال ثوبه وتقمص طريقه من خلال التزوير والتزييف وهدم أركان بناءه ولم يكن في الأمة الإسلامية رجلا مؤهلا يستطيع أن يدافع عن أصالة الإسلام ويكشف مؤامرات أعداءه وزيف شعاراتهم إلا الإمام الحسين ( ع ) وهو الناشئ في كنف العقيدة المحمدية الأصيلة والاستقامة العلوية الثائرة والمتنشق لعبق الرسالة الإسلامية من منبعها الصافي . وقد برزت منطلقات تفجر الثورة الحسينية من خلال تلمس قائدها لعمق المؤامرة التي تستهدف الإسلام في صميمه وهي في الحقيقة تعد معركة كبرى في تاريخه رسمت نتائجها تاريخ الإسلام كله وأنقذت مصيره الذي كان يراد له ان تسيره السلطة الحاكمة لتقوي قبضتها الطاغوتية باسمه وتستمد شرعيتها من عقيدته .
وصار واضحا إن منظومة الحكم أنشأت جهازا إعلاميا يزيف الإسلام ويتلاعب بثوابته لتبرير الاضطهاد والظلم والإرهاب الذي نال من جسد الأمة وكاد إن يحول فاعلية الإسلام المجددة للحياة الإنسانية إلى دين نصوص وتلاوات وأدعية فحسب . ويمكن ان ندرك ذلك واضحا من خلال اتهام السلطة الحاكمة وجهازها ألتزييفي للثورة وقائدها ورجالها بأنهم ( خوارج ) ! وينكشف ذلك التزييف الشرعي أكثر حين يتقمص الخبثاء لباس الوعاظ ليفتوا بحرمة الخروج على الحاكم الظالم ويجيزوا قتال سيد الثائرين وإمام المسلمين أبا عبد الله الحسين ( ع ) 
لقد تميز منهج الثورة الحسينية بميزتين جعلت الدارسين لها يدركون أنها ثورة استكملت تحقيق أهداف الثورتان العظيمتان لمحمد وعلي ( صلوات الله عليهما ) وحصنت الإسلام من الانحدار نحو التحجر أو ذوبان مبادئه وعقيدته الإنسانية في منظومة تحقيق مصالح السلطة الظالمة المغتصبة للشرعية .
الميزة الأولى أنها قاتلت ذات المعسكر المتخندق في الجهة المعادية لثورة محمد (ص ) في أوائل مبعثه والتي ارضخ الإسلام أنوف طغاتها للتسليم برسالته والإقرار بانتصاره والتي قاتلها علي ( ع ) حينما أرادت تحريف الإسلام عن أهدافه وطريقه ونهجه القويم وكانت كاشفة بجلاء عن حجم التخطيط التآمري للانحراف عن طريق الإصلاح الذي رسمه محمد ( ص ) ليسير عليه ورثة الرسالة وقادة الاسلام لبناء كيان الامة الاسلامية . 
اما الميزة الثانية فان ثورة كربلاء أسفرت عن زيف الإسلام الرسمي الذي يتشبث به الحكام وأتباعهم من أهل المصالح الذين يريدون أن تدور العقيدة والمبادئ كيفما يدور الوضع السياسي والمصالح السياسية ووفقا لأهواء الحكام وأتباعهم وهو إسلام زائف يستخدمه الطغاة قناعا وغطاءا لسؤاتهم وفسادهم 
لقد عبر الثائرون الثلاثة محمد وعلي والحسين (عليهم الصلاة والسلام) انهم أصحاب ثورة واحدة مرت بثلاث صفحات من التأجج ومن التألق والتضحية وتحقق فيها كلها نصرا ظافرا تكلل بالحفاظ على أصالة المبادئ الإسلامية وان اختلفت المظاهر العينية لذلك النصر . فبمحمد ( ص ) أشرق نور التوحيد وكلمته ليبدد ظلام الجهل والتخلف والشرك والكفر 
وبعلي ( ع ) ظل لواء الإسلام الأبيض ناصعا من كل شائبة او انحراف وبالحسين ( ع ) تقررت حقيقة لا ينكرها الا من في قلبه عمى أو زيغ وهي ان انتصار ثورة الحسين ليس بمقدار ما يتحصل من كراسي حكم او صلاحيات سلطة بل هو انتصار الدم والتضحية والشهادة على سيوف الطغاة و انتصار المبادئ السامية على كل الاعتبارات .
انتصار قل مثيله ولا يشبهه انتصار اخر ولا يليق الا بالحسين واصحابه ... وهو ان تفقد اغلى ما تملك لكي تربح نفسك وإرادتك وكرامتك ،

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رياض ابو رغيف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/21



كتابة تعليق لموضوع : الثائرون الثلاث ( محمد وعلي والحسين )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net