صفحة الكاتب : سيد صباح بهباني

أن الكلمة الطيبة صدقة ودعم للحسنى
سيد صباح بهباني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
المقدمة| فلمتحاور لا يتكلم إلا بكلام طيب و التحاور بالحسنى وبالتي هي أحسن  الطرق والمنافذ فنحن بحاجة شديدة إلى معرفة أحكام الحوار، لأننا نتحاور في مجالسنا، نحاور غيرنا فيما يجدّ علينا من القضايا، وفيما نتكلم به من الأمور والمواضيع، سواء كان ذلك في مجالسنا، أو في محاضراتنا في الدعوة إلى الله سبحانه أو في غيره من الأعمال التي نتقرب بها إلى الله جل شأنه وحينئذ فنحن محتاجون في أشد الحاجة إلى معرفة آداب الحوار، فالحوار ليس مقتصرا على المراكز التي تقام، ولا الحوار يشمل المناقشات التي تكون بين اثنين في مجالسهم فقط، بل الحوار يشمل كذلك المناقشات التي تكون في مجال الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى فعندما تلتقي مع شخص عنده فكرة مخالفة للشرع، سواء كان ذلك في العقائد، أو في الأخلاق، أو في العبادة، وتريد أن تناقشه، وأن تبعد ما في ذهنه من فكر سيئ، فلا بد أن تلتزم بآداب الحوار ..
الحوار في أصل اللغة مأخوذ من الفعل حار، بمعنى رجَعَ، كما قال  سبحانه وتعالى  : ﴿ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾   سورة الانشقاق / الآية 14.، يعني ظن أن لن يرجع إلى الدنيا، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف قصة المتحاورَين اللذين ذكر الله من شأنهما ما ذكر، ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾  سورة الكهف / الآية 34 .
والحوار عند العلماء المتقدمين يسمونه الجدال، ويستدلون عليه بقوله  سبحانه وتعالى : ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾  سورة المجادلة/ الآية 1.، فسمى ذلك الجدال والمجادلة حوارًا .
وقد اعتنى علماء الإسلام ببيان حكم الحوار والمجادلة، واعتنوا كذلك ببيان الآداب والضوابط التي يجب أن يكون عليها الحوار والمجادلة، وذلك في كتبهم الأصولية، فإنهم عندما يبحثون في قوادح الاستدلال والأسئلة الواردة على الاستدلال بالأدلة، فإنهم يجعلون فصلا خاصا في أحكام الجدل وآدابه .
ثم إن طائفة من أهل العلم ألفوا مؤلفات مستقلة في هذا الفن، في مسمى الجدل على طريقة الفقهاء، وقد اعتنيت بذكر العديد من هذه المؤلفات من خلال كتاب “قوادح الاستدلال بالإجماع ".
من الظواهر المصاحبة للمجتمع الإنساني هي ظاهرة التعددية والخلاف، ومشكلة الانحياز والتعصب وكيفية التعامل مع الآخر .. 
 
التفاصيل |
بسم الله الرحمن الرحيم 
(الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) الرحمن/ 1-4 .
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل/ 125 .
 (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) آل عمران/ 64 . 
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) آل عمران/ 103 
(أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الشورى/13. 
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) النساء/ 59 
(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا) النساء/ 83 .
فعلى المحاور أن تصدق نيته، وتحسن غايته، فيدخل المجادلة، لا لينهزم أمام الآخرينِ، ولا ليتنازل عن حق ثابت هو مؤمن به، ومقتنع به، ولكنه يدخل الجدال، ليقول للآخرين: هذا دين الله، هذا كتاب الله، هذه سنة رسول الله، يجادل بالنقل الصريح، والعقل الصحيح، والفهم والإدراك، لا ينهزم أمام الأعداء، ولا ينخدع بزخارفهم، ولا يهمه كثرة باطلهم، وإنما يبين الحق الذي يحمله، ويوضح الشرع الذي يسلكه، وينشر دين الله فيهدي الله من يشاء، ويضل من يشاء، قال سبحانه و تعالى :﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾  سورة آل عمران / الآية 64 .، إن تولوا عن المناظرة، وتولوا عن الجدال، وصموا عن قبول الحق، فقولوا ﴿اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [سورة آل عمران / الآية 64.، فلسنا منهزمين أمامكم، ولا خاضعين لأفكاركم، ولا مستسيغين لباطلكم، إنما نجادلكم لنقيم حجة الله عليكم، ونوضح لكم الحق، بأدب وحكمة، ورفق وحلم وأناة، حتى يفهم من أراد الله هدايته، ومن يضلل الله فلا هادي له .
ثم إن الله  عزوجل  قد حكى في كتابه العزيز من المحاورات مع الذين كانوا في عهد النبوة، سواء كانوا من اليهود، أو النصارى، أو المشركين من كفار قريش الذين كانوا أخس ملة على وجه الأرض وهم عار البشرية الذين كانو سراق وقتلة ويغيرون على جاره ويغزونه ويسرقونهم ويغتصبون بناتهم ونساءهم وللأسف حتى أن بناتهم كانو يقتلونها ويدفنونها وهي حية والعياذ بالله من العرب المشكلين في الجاهلية واليوم هم يحيون جاهلية ثانية وهم اليوم مسلمون الجنسية ويمجود بعروبتهم ويجندون الإرهابيين مثل داعش والقاعدة وغيرهم من القتلة , ونكمل حول ما كان حال اليهود والنصارى وكفار قريش المشركين  فإن الله جل جلاله قد حكى لنا العديد من هذه المحاورات والمناقشات التي ترد على أفكارهم السيئة، قال سبحانه و تعالى :  ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾  سورة يس: الآية 78-79. وهكذا تتعدد الآيات في محاورة أصحاب هذه الأفكار . وهكذا تتعدد الآيات في محاورة أصحاب هذه الأفكار .
 وإذا تقرر هذا، فإن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لم يقتصر في محاوراته على أصحاب الديانات الأخرى، بل قد حاور أيضا بعض أهل الإسلام الذين جاءوا يسألونه عن بعض الأمور التي ترد عليهم إشكاليات فيها، فقد ثبت أن فتى شابًّا أتى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنى. فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه. فقال: «ادنه». فدنا منه قريبا، قال: فجلس. قال: «أتحبه لأمك». قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم». قال: «أفتحبه لابنتك». قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم». قال: «أتحبه لأختك». قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم». قال: «أتحبه لعمتك». قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم». قال: «أتحبه لخالتك». قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم». قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصّن فرجه». فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء . أخرجه أحمد (5/256، رقم 22265)، والطبراني (8/162، رقم 7679)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/362 رقم 5415). وقال الهيثمي (1/129) : رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في الصحيحة 370 .
فالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ناقشه وبين له، حتى أبعد الشبهة التي وردت في نفسه .
وهكذا نعلم أن هذا المبدأ قد فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – فقد حاور في زمانه أصحاب الديانات، وحاور أصحاب الأفكار التي تكون مخالفة لشريعة الإسلام، ثم بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – استمر صحابته على منهجه، فبدءوا يحارون أصحاب الديانات الأخرى، حاوروا الروم، وحاوروا الفرس، فدخل العديد منهم في دين الله  { أفواجاً }  كل ذلك بأسلوب مقنع، وبحجة واضحة، وبدليل تذعن له النفوس .
وهكذا أيضا حاوروا أهل الإسلام من أصحاب الفرق التي عندها شيء من البدع والضلالات، فأهل الإسلام، وأهل التواريخ ينقلون لنا محاضرة ابن عباس – رضي الله عنهما – للخوارج عندما خرج آلاف منهم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه ورفع الله درجته – فأرسل إليهم ابنَ عباس – رضي الله عنه – فناقشهم وحاورهم، وكشف شُبههم حتى عادوا إلى سبيل الحق، وإلى طاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
 الحوار في ثقافة القرآن ظاهرة حضارية، ورحلة بحث عن الحقيقة، أو بيانها والتعريف بها، أو إزالة الشبهة، وتصحيح الخطأ، وليست للمغالبة والانتصار الجدلي على الآخر.. وأوّل فصل نقرؤه في الحوار.. هو الحوار الإلهي مع الملائكة قبل بدء الخليقة .. (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) البقرة من الظواهر المصاحبة للمجتمع الإنساني هي ظاهرة التعددية والخلاف، ومشكلة الانحياز والتعصب وكيفية التعامل مع الآخر .. إنّ القرآن تبنى منهج الحوار، وثقف اتباعه والمؤمنين به على هذا النهج الحضاري المتقدم كأفضل أسلوب سلمي لحل الخلاف والتوصل إلى الحقيقة.. استعمل القرآن كلمة حوار في موردين هما : وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا) الكهف.. (قدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) المجادلة .. واستعمل القرآن كلمة: (قول.. وجدل.. ودعوة) وغيرها من الكلمات الدالة على الحوار في العشرات من الآيات. إنّ البشرية تعاني من أزمة تعامل خطيرة، هي فهم الآخر والتفاهم معه.. وكثيراً ما تتحوّل أزمة الفهم وغياب التفاهم إلى عداء وأحقاد وانتقام وتهم، وسعي للإسقاط والإجهاز على وجود الآخر الفكري والاجتماعي والسياسي للتخلّص منه، وقَلَّ من يسعى للفهم والتفاهم على أساس الحوار، والتعرّف على الآخر وتعريف الذات له .. نجد هذه الصراعات بين المذاهب والأديان والقوميات والدول بين القوى والكيانات السياسية والاجتماعية، وبين أصحاب الأفكار والنظريات الاجتماعية والسلوكية .. إنّ التعامل بين المختلفين بصورة أساسية هو التعامل السلبي والعدواني. اليوم نريد أن نبين للمسلمين كيف التعامل مع مخالفيهم، سواء كان المخالف من إخوانهم المسلمين الذين زلت أقدامهم بعض الشيء، ودخلت عليهم من الأمور التي التبس فيها الحق بالباطل، وخفي الحق عليهم، فهم بحاجة إلى من يبصرهم، ويرشدهم إلى الطريق المستقيم، أو كان الجدال والحوار مع غير المسلمين، ممن يجهلون الإسلام وتعاليمه ومبادئه، أو مع قوم أهل عناد وجدال ومراوغة، كيف أنهم كانوا يجادلون هؤلاء جميعا بالتي هي أحسن، فيوضحون الحقائق أمامهم، حتى تقوم عليهم حجة الله – تعالى – فقد أخبر الله  سبحانه و تعالى أن الحكمة من بعث رسله هي إقامة الحجة على العباد، قال  سبحانه و تعالى : ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ سورة النساء / الآية 165 .
نحن في زمن نسمع فيه الحوار والجدال، ونسمع إقامة ندوات للحوار والجدال مع المخالف، ونسمع أحيانًا ما لا يجوز في هذه الندوات والمحاضرات، وماذا يكون من المداخلات، وما لا يبرز فيها من آراء وأفكار، قد تراها أحيانًا متباينة، وتراها مختلفة، وترى الجدل والقيل والقال وشتم البعض للبعض ومنهم من ينفون البعض وخزعبليات تهجمهم على المسلمين الشيعية والمسلمين السنة وهذا هو ما نسمعه ونراه اليوم عبر التلفزة والشبكات العنكبوتية وعلما أن كل أصحاب الشهادتين هم مسلمين وكذلك الموحدين هم ليس بكفار و حول ما يقال، وإذا علم المسلم أن الدعوة إلى الله، من أفضل الأعمال، وأعلى الدرجات ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾  سورة فصلت/ الآية 33., فالدعوة إلى الله من أشرف الخصال وأفضلها وأعلاها مقاما، فهذا مقام الأنبياء والمرسلين، الداعي إلى الله، إذا كان على علم وبصيرة بحقيقة ما يدعو إليه، قال سبحانه و تعالى : ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾  سورة يوسف / الآية 108  .
 وكم عانت ومازالت تعاني البشرية من الحروب والصراعات والضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعقي دية، ومن الرعب والإرهاب والتعامل الاستعلائي بسبب الخلافات الفكرية أو تعدّد المصالح . والفكر والتشريع الإسلامي يعالج هذه المشكلة الكبرى بطرق عديدة : أوّلها: التربية والتثقيف على فهم الخطأ وتمييزه من الصواب عن طريق البحث والفهم العلمي، والابتعاد عن التعصب والتبعية العمياء.. لذلك هاجم أولئك الذين قالوا : إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (الزخرف .. ) فهو يثقف الإنسان على فهم الحقيقة واتباعها بصورة علمية موضوعية، لا انحياز فيها ولا تعصب فرائده الحق والحقيقة.. وانطلاقاً من الأسس والأصول والمسلمات العقلية والمنطقية أو العلمية أو العقائدية . وثانياً: الاحتكام إلى القانون الذي ينظم العلاقات، ويوضح لكل ذي حق حقه كلّما حصل الخلاف في قضية ينظمها القانون . وثالثها: القضاء والتحكيم الذي يحكم بين أطراف الخلاف ويفصل في القضايا المتنازع عليها . إنّ الإسلام يلجأ إلى الحوار والتفاهم بين أطراف الخلاف، فالمسلمون مثلاً، يوجد بينهم خلافات فكرية ومذهبية وبين أصحاب الديانات الأخرى، المسيحية واليهودية وغيرها .. وكم عانت البشرية ومازالت تعاني من هذه الخلافات والصراعات والحروب الدموية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية وغيرها . إنّ الحروب والصراعات والتعبئة المضادة لم تحل المشاكل، بل زادتها تعقيداً؛ لذا نجد القرآن يدعو إلى الحوار مع أصحاب الديانات والتفاهم معهم، منطلقاً من الأسس المشتركة في الدِّين والكتاب الإلهي الكريم.. قال تعالى موجهاً نبيه الكريم محمّداً (صلى الله عليه وآله) إلى انتهاج سبيل الحوار: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) آل عمران .. إنّ هذه المنطلقات الثلاثة هي الأسس في التفاهم والحوار في هذه الآية: ان خالق الخلق واحد لا شريك له .. ولا نعبد أحدا سواه .. ولا يتخذ بعضاً بعضا أرباباً من دون الله .. أي يجعلونهم طواغيت يستعبدون البشر، ويسيطرون عليهم، بل يطيعونهم في فعل الشر والجريمة والفساد والعدوان.. انّه يدعو إلى الحوار والتفاهم بين الأديان الإلهية على أسس ومنطلقات مشتركة ومسلم بها من قبل أصحاب الديانات الإلهية في أصولها الصحيحة الربّانية، وبذا يثبت الأصول المشتركة للتعايش والتعامل بين اتباع الديانات الإلهية . ويؤكد في مورد آخر على منهج الحوار والجدل الإيجابي البنّاء بقوله: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) العنكبوت .. ويعمم أسلوب الحوار للتعامل مع الآخر بقوله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل .. فالقرآن يريد التفاهم مع الآخر والتحاور معه، ليس بالحسنى فحسب بل وبالتي هي أحسن . ويثبت القرآن منهج الحوار بين المسلمين فيما يختلفون فيه، ويثبت لهم المنهج في الحوار أيضاً فيدعوهم إلى الانطلاق من المسلمات المتفق عليها بينهم، بعد أن ينهاهم عن الخلاف والنزاع . ويدعوهم إلى الوحدة والتمسك بحبل الله وهو القرآن . (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) آل عمران .. (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الشورى .. يثبت القرآن الأسس والمسلمات التي ينطلق منها العقل المسلم لحل الإشكاليات وموضوعات النزاع وهو الاحتكام إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة وأولي الأمر، الملتزمين بالكتاب والسنّة . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) النساء/ 59 (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا) النساء/ 83 والقرآن يدعو للحوار والتفاهم مع الآخر مهما يكن طاغياً ومتعصّباً فلعل الحوار يجد الثغرة الإنسانية في نفسه لينفذ منها، فيستجيب للحق وتحل المشكلة.. نقرأ هذا التوجيه في الخطاب الإلهي الكريم لموسى وهارون.. قال تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه/ 43-44 ومثله حوار إبراهيم ومحمّد والنبيين جميعا عليهم السلام مع طواغيت أقوامهم وعتاتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، بالدليل والبرهان، بل ويرسم القرآن منهجاً للحوار ينطلق للبحث عن الحقيقة بلغة الحياد والتأمّل وانتظار البحث والحوار، قال تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) سبأ .
 إنّ منهج القرآن في الحوار يرتكز على ركائز أساسية هي : 
1 ـ  الحوار هو الأصل والأساس في إيصال الفكرة والبيان، وحل المشاكل والخصومات.. (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا)  الإسراء/ 15 .، وبعثة الرسل (عليهم السلام) هو للبيان وإيصال الرسالة، واطلاع الإنسان على الحقيقة .
 2 ـ إنّ الحوار يجب أن يكون بأفضل الأساليب الحكيمة وبخطاب يفتح الآفاق النفسية والفكرية بعيداً عن التوتر واللغة الجافة والعبارات المثيرة والجارحة (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)  البقرة/ 83 ، (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)  النحل/ 125 .
 3 ـ إنّ الحوار في منهج القرآن ينطلق من المشتركات الأساسية، ومن نقاط الوفاق، لا من نقاط الخلاف والنزاع.. (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ)  آل عمران/  64 . 
 4 ـ  إنّ الحوار يبدأ محايداً، ينتظر النتائج التي يُحكم بها ويقيّم.. (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) سبأ/ 24 .
5 ـ   لا يُستبعد أحد من الحوار مهما يكن متعصّباً ومتحاملاً على الآخر (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)  طه/ 43- 44 .
6 ـ البحث عن نقاط التأثير في الطرف الآخر ومواطن الاستجابة، والعمل على مخاطبتها في نفسه (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ)  الحجر/ 2 ، وإذا فليكن الحوار ثقافة ومنهجاً لنا كما أراد القرآن وهدى يا ملوك ورؤوس الدول لماذا لا تحاورون شبابكم وتتركوهم يرحلون وهم صاغرين , ,أنتم ترفلون بأموال أوطانكم وتبذرونها وتبددونها للمتآمرات كما قال الشاعر اللبناني آيلا أبو ماضي :
قل للغني المستعز بماله ** مهلا لقد اسرفت في الخيلاء
جبل الفقير أخوك من طين ومن ** ماء، ومن طين جبلت وماء
فمن القساوة ان تكون منعما **  ويكون رهن مصائب وبلاء
وتظل ترفل بالحرير أمامه ** في حين قد امسى بغير كساء
اتضن بالدينار في اسعافه ** وتجود بالآلاف في الفحشاء
انصر أخاك فان فعلت كفيته ** ذلّ السؤال ومنة البخلاء
أذوي اليسار وما اليسار بنافع ** إن لم يكن أهلوه أهل سخاء
كم ذا الجحود ومالكم رهن البلا ** وبم الغرور وكلكم لفناء؟
ان الضعيف بحاجة لنضاركم ** لا تقعدوا عن نصرة الضعفاء
انا لا اذكّر منكم أهل الندى ** ليس الصحيح بحاجة لدواء
ان كانت الفقراء لا تجزيكم ** فاللّه يجزيكم عن الفقراء ...
فلماذا لا تحاورونهم ؟ وأنتم وعروشكم المزيفه المدعومة من الغرب تستحقرون هذه الجموح من الشباب كما قال الشاعر العراقي الصفوي السيد معروف غني الجباري الرصافي :
وكم عند الحكومة من * رجال تراهم سادة وهم العبيد
عبيد للاجانب هم ولكن * على ابناء جلدتهم اسود
وليس الانكليز بمنقذينا وان * كتبت لنا منهم عهود
متى شفق القوي على ضعيف* وكيف يعاهد الخرفان سيد ؟! 
اما والله لو كنا قرودا * لما رضيت قرابتنا القرود !!
ونعم ما قال وقالوا شعرائنا 
فعلى الإنسان أن يحذر من أن ينسب إلى شرع الله ما ليس منه، فإن ذلك من أعظم الذنوب، ولما ذكر الله سبحانه المحرمات قال  سبحانه وتعالى : ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ الأعراف / الآية 33 ، وقال  تعالى : ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/لآية 168-169.، فهذا يدعو الإنسان إلى الحذر من الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلبه، فيجادل عنها، ويتكلم بها، ويحاور من أجلها، فهذا كله مخالف للشرع، ومن أعظم الذنوب، قال تعالى : ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾  الأنعام / 121 . 
وأن من آداب الحوار، ألا يتكلم الإنسان بما يخالف مبدأ شرعيا، فقد توافرت النصوص بالأمر بالتزام ما جاء في الشرع، في كتاب الله – جل وعلا – وسنة نبيه   صلى الله عليه وآله وسلم   وعدم مخالفتهما، قال  تعالى : ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ آل عمران / 32 ، وقال سبحانه وتعالى : ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ الأحزاب/ 36 ، وقال  سبحانه وتعالى : ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ النور/ 63 .
وإذا تقرر هذا، فيجب علينا إذا وقع بيننا خلاف في مسألة نتحاور فيها، أن نرجع إلى الأدلة الشرعية، كتابا وسنة، كما قال  تعالى : ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/ 59 ، وكما قال تعالى : ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ الشورى/ 10 ، فالأدلة الشرعية وحدها هي الحاكمة .
وهذا هو شأن أهل الإيمان، وأما غيرهم فلا يُحكّمون هذين الأصلين العظيمين، فالحذر الحذر من ترك التحاكم إلى كتاب الله تعالى  وسنة رسوله  صلى الله عليه وآله وسلم  قال تعالى : ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ النساء/ 65 ، فأهل الإيمان إذا جاءهم شيء من النصوص سلموا به، ولم يناقضوه ولم يدعوا إلى مقالة تخالف ما في كتاب الله، قال تعالى : ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ النور/ 51 ، وهذا هو فعل أهل الإيمان .
من الآداب التي جاء بها الشرع فيما يتعلق بالحوار، التواضع فيما بين المتحاورين، بحيث لا يفخر بعضهم على بعض، ولا يتكبر بعضهم على بعض، فإن الفخر والتكبر ليس من شأن أهل الإسلام، قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرة من كبر». قيل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونَعْلُه حسنة. قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر   الحق، وغَمْط الناس»  أخرجه مسلم (1/93، رقم 91 
وجاء في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» (رواه مسلم (8/158، رقم 7309).   
وقال – سبحانه – ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [سورة غافر: الآية 56]، فعلى المتحاور تجنب التكبر على من يناقشه، ويحاوره، وعليه أن يتواضع معه ويرفق به، حتى يكون بذلك موصلا إلى الحق، داعيًا إلى الخير .
عدم الاعتداء على الآخرين بالكلام السيئ أن هذه الأمور التي جاء الشرع بالتزام بها في الحوار، عدم الاعتداء على الآخرين بالكلام السيئ، بل الواجب على المؤمن إذا حاور غيره في دعوته إلى الله، أو إلى شيء من شرائعه، أن يخاطبه بالأسلوب الحسن، وبالكلام الطيب الهين الذي يجد طريقه ومسلكه إلى القلوب كما قال  تعالى : ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) الإسراء / 53 ، ومن الوصايا الإلهية للأقوام السابقين ما قاله تعالى : ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ البقرة / الآية 83 , 
والنبي  صلى الله عليه وآله وسلم – قد بين أن الكلمة الطيبة صدقة، فعلى المتحاور ألا يتكلم إلا بكلام طيب، تقبله النفوس، خصوصا في محاوراته التي يقصد بها الدعوة إلى الله.
أن علينا أن لا نعين على الظلم أنها من الأمور التي يجب علينا التزامها فيما يتعلق بمجادلتنا وحوارنا، ألا نكون في مجادلتنا وحوارنا ممن يعين على الظلم، أو يعين الظالمين، بل يجب أن يكون المقصود بالحوار إيصال الحق إلى الخلق، وترغيب الناس في التزام شرع الله، وطاعته حتى نكون بذلك ممن أثيب على عمله أعظم الأجر والثواب، قال سبحانه في قوم سرقوا في عهد النبوة فجاء بعض قرابتهم إلى النبي  صلى الله عليه  وآله وسلم  يجادلونه فيهم ويحاولون مع النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  أن يقذف هذه التهمة إلى غيرهم، فأنزل الله  قوله  سبحانه وتعالى : ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾ النساء /  109 
فعلينا أن نحرص في مجادلتنا ومحاورتنا ألا نكون ممن جعل هذه المجادلة والمحاورة في نصرة الظلم، أو الظالمين، بل ينبغي أن نجعلها في سبيل نشر الحق والعدل بين الناس، ومن هنا، فإن النصرة الحقيقية للظالم إنما تكون بردعه عن الظلم، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا، أَوْ مَظْلُومًا». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا، كَيْفَ أَنْصُرُهُ ؟ قَالَ: «تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ»  أخرجه البخاري (9/28، رقم 6952)، ومسلم (4/1998، رقم 2584 ). 
ومن الأخلاق الإسلامية أيضا الواردة في مثل هذا، أن المتحاورين إذا اعتدى أحدهما على الآخر، فيستحب للآخر أن يصفح عن خطإ مقابله، وأن يتجاوز عن خطئه، وأن يعفو عنه، فإن الصفح والعفو من الأخلاق الإسلامية التي رغبت فيها الشريعة، قال – تعالى – ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) النور/ 22 ، وقال ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران/ 133-134 ، ثم بين الله – جل وعلا – أنه أعد لهذا الصنف جنات يوم القيامة .
فينبغي لنا أن نحرص على هذا الخلق الفاضل، فإن الأنبياء هم قدوتنا، وقد كانوا على أعلى الدرجات من الصفح، فقد عامل النبي – صلى الله عليه وسلم – الذين قاتلوه وحاربوه، بالصفح والعفو، وانظروا كيف عامل الله سبحانه الذين حاربوا دينه، وحاربوا أنبياءه وشرعه، حيث عفا عنهم، وتجاوز عما مضى من أفعالهم، لما تابوا إليه  سبحانه وتعالى..
فالمقصود أن خلق الصفح والتجاوز، هو خلق الأنبياء  عليهم السلام  وجاء في حديث ابن مسعود  رضي الله عنه  في الصحيح: كأني أنظر إلى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم  يحكي نبيًّا من الأنبياء، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .أخرجه البخاري (4/213، رقم 3477)، ومسلم (5/179، رقم 4669 ) ..
ومنذ 227 سنة تكون على شعبكم وغيركم من جاء وذهب ومنهم من يجذف في النهر ليصل للساحل ولكن من دون جدوا ! لأن من يكون بعيد عن الله يكون بعيد عن الإنسانية والعدل  ونرى يريدون رحيلكم ! فلماذا لا ترحلون؟ هل نسيت الانتفاضة الشعبية الإيرانية في عام 1979م والشاه بطاغوته خسر أمام الجماهير الغاضبة لأنه سقط أمام الشعب ! وهل تتذكر انتفاضة الشعب العراقي عام 1991م عندما قام ضد طاغية العراق المقبور ..ولكن للأسف أنتم وغيرك الذين أرسلوا التعزيزات لإخماد الانتفاضة الشعبانية ولكن في نهاية المطاف خسر المقبور ! وهل رأيتم بن علي في تونس عندما رأى أنها ثورة شعبية ترك البلاد قبل أن يسحق فتركها وهو عندكم ... واليوم أنتم إذا كنتم تقولون  نحن نحن إذن اتركوا الظلم ودع الشعب أن يدير البلاد قبل أن تكبر الرقعة وتزداد الضحايا ..أترك وأرحل لأنك لم تليق شبه الجزيرة..أن جهازك القمعي أشعل فتيل الفتنة وفجر المصائب في كل المنطقة ودول الجوار في آسيا وأفريقيا حتى يبعدون الوطنيين الصالحين الشرفاء من الساحة...!! . ويجب على كل شعوب العالم أن يهتموا بشعوبهم قبل أن تنطلق صيحة الجماهير الغاضبة الفقيرة ويداً بيد للتعاون والتآخي لبناء الأوطان وإنعاش شعوبها وبارك الله بالجيش والحشد الشعبي البطل ولا تنسوا المنكوبين والمهجرين والأيتام والأرامل والمسنين والمعوقين وأهدي للجميع ثواب الفاتحة مقرونة بالصلوات على محمد وآل محمد ولروح أمي وأبي والمؤمنين والمؤمنات منها نصيباً والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين. 
أخوكم المحب 
 behbahani@t-online.de 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سيد صباح بهباني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/10



كتابة تعليق لموضوع : أن الكلمة الطيبة صدقة ودعم للحسنى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net