صفحة الكاتب : د . رافد علاء الخزاعي

التأخي هو المشروع المستقبلي لولادة الهوية الوطنية العراقية
د . رافد علاء الخزاعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ان ماجرى في العراق منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة في سنة 1921 وماتبعها من احداث نتيجة وجود قوميات وطوائف واديان وملل مختلفة وتحيط بها تدخلات ومؤثرات خارجية وداخلية نتيجة صراع  حمله بواطن التاريخ الماضي من محن وكوراث حلت بهذا البلد التي تعصف به الامراض والجهل والفقر والعصبية القبيلة الدينية والطائفية.
جرت محاولات منذ تاسيس الدولة لتقليل الفوارق من خلال دستور ونشر التعليم والبدء بتكوين الدولة الحديثة ولكن البطء والخلفيات القومية والطائفية كانت محور تاجيجي للفتن فمرة ثورة الاثوريين ومرة الاكراد ومرة قبائل الجنوب في الديوانية  مع تاخر في بناء البنية التحتية ووبروز برجوازية رجعية من الاقطاعيين والملاك واصحاب المصانع للسيطرة على مقدرات الشعب ولدت صراع طبقي واجتماعي مغلف بأطر اثنية وطائفية ومن خلال ذلك  نشاء جيل جديد من خظام هذه الظروف بدء يعيد قراءة التاريخ العربي ليتغذى عنده الفكر القومي والوطني بحماسة شديدة للتغيير دون النظر للامكانيات المتاحة والظروف الاقليمية والدولية التي نشاءت بعد الحرب العالمية الثانية في صراع القطبين الروسي والامريكي وانكفاء الاستعمار القديم الانكليزي والالماني والافرنسي الذي بقى يلعق جراحه لما دمرته الحرب واحلام السيطرة على العالم.
كان العراق محور التغيير بعد ثورة تموز 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم وثلة من ضباط ينقصهم التخطيط والبعد الاستترايجي لمنظور الحكم المعتمد على العفوية الجماهيرية والحماسة في التغيير ومن هنا نشاء الجيل الثالث المشوه في فكر متصارع بين القومية اليسارية والقومية الشيفونية واليسار المستورد في غياب كامل للمؤسسة الدينية وانكفائها للعبادات والطهارة والتخدير للمشاعر جيل حمل ارث القرية والقبيلة الى بواكير المدن مما ولد مجازو رهيبة من الدم في كروكوك والموصل وبغداد تبعها حقد اعمى بعد شباط الاسود 1963 ليعرف ان العراق يحركه مؤمرات خارجية من مصر وسوريا وامريكا وروسيا في حرب السيطرة للحفاظ على امن اسرائيل تطور الجيل الخمسيني والستيني ليبداء مرحلة بناء للعراق  منذ 1972-1979 وهذه لايمكن اي احد من قراء تاريخ العراق الحديث ان يبخسها حقها لما جرى في العراق من بنية تحتية ومشاريع وزيادة القدرة الشرائية للمواطن والتوسع الافقي والعمودي في الخدمات والتعليم وكانت فترة 1974-1979 بعد هدنة الحركات الكردية ودخولها في المشاركة في السلطة ولو بصورة شبه حقيقية.
وبداءت مرحلة بروز الاسلام السياسي للعالم من خلال معجزة الامام الخميني في تغيير ايران وانهيار امبراطورية الشرق الفارسية بسرعة مذهلة وترايجدية ليعطي درس لامريكا لاعادة قرائتها للواقع في الشرق الاوسط وحركت بوادر الحرب العراقية الايرانية تحت مسميات الدفاع عن البوابة الشرقية يقابلها طريق القدس وليفشل الاسلام في احلال السلام وليتفرج العالم على انهار من دماء المسلمين على صراع وهمي انتهى بمئات الالاف من الارامل والشهداء والمعوقين والسايكو باثين (الرجال المصابين باضطراب الشخصية مابعد الحروب) وجيل مدمر ومعبى عسكريا على السلاح والقتل مع حرب وغسيل دماغ اعلامي لتحويل ايران الى العدو رقم واحد للعرب ونسيان اسرائيل تعيش في رغيد وتبث عذابتها واستهاراتها للفسطينين وجنوب لبنان وبعدها ياتي الدور الامريكي المرسوم بحرفية في حرب اقتصاديية تركيعيية على العراق في حرق سعر النفط بحيث وصل سعر البرميل 8 دولار وسعر الانتاج 6 دولار مع حرب في اغراق الاسواق وتخلي رفاق الامس من الداعمين المتلذذ ين بدماء العراقيين والفرحين بتنصيب البطل القومي يتركوه وحيدا ليبداء شرخ جديد في تدمير الهوية العربية بغزو الكويت ومارافقها من حواسم وقتل وبعدها معركة عاصفة الخليج وحرب قتال العربي للعربي  بحفر الباطن لتنتهي اسطورة الهوية العربية للابد وبداء حرب جديدة هي الحصار الاقتصادي الداخلي والخارجي لتدمير الانسان العراقي وقتل وطنيته ونبله ومبادئه ورافقها القتل من اجل لقمة العيش والدعارة من اجل لقمة العيش ووقتل جماعي في الانتفاضة الشعبانية وماتبعها من اعدامات طالت كل اطياف الشعب العراقي وبداء الاحتلال وسقط النظام في 2003 لتطفوا للساحة كل الكوابت الدفينة في هذا الشعب  فكان هذا العصر شبيه ب العصر الجاهلي الذي كان مسرحا للمآسي والأرزاء، في مختلف مجالاته ونواحيه الفكرية والمادية.
وكان من أبشع مآسيه، ذلك التسيب الخلقي، والفوضى المدمرة، مما صيرهم يمارسون طباع الضواري، وشريعة الغاب والتناكر والتناحر، والفتك والسلب، والتشدق بالثأر والانتقام والقتل على الهوية والقتل الجماعي بالفخخات والقتل بالكواتم واللاواصق وتهجير الجار لجاره طمعا وحقدا تحت فتاوي ومسميات ما انزل الله بها من سلطان.
من سياق هذا المدخل نحن بحاجة الى مراجعة فكرية وانسانية ودينية وعقائدية لنشر مبداء التأخي لتعزيز الهوية العراقية ضمن منظومة العدالة الاجتماعية التي تقوم على ان كل العراقيين متساوين في الحقوق والواجبات غض النظر عن القومية والطائفة والجنس والعرق والدين مع عدالة معاقبة المجرمين وتحقيق العدل الالهي.
وان لنا اسؤة حسنة في الاسلام ورسؤل الله صلى الله عليه وعلى اله في نشر الـتأخي في عصر الاسلام الاول فلما أشرق فجر الإسلام، وأطل بأنواره على البشرية، استطاع بمبادئه الخالدة، ودستوره الفذ أن يُطب تلك المآسي، ويحسم تلك الأرزاء، فأنشأ من ذلك القطيع الجاهلي، ((خير أمة للناس))( آل عمران:110) عقيدة وشريعة، وعلما وأخلاقا، فأحل الإيمان محل الكفر، والنظام محل الفوضى، والعلم محل الجهل، والسلام محل الحرب، والرحمة محل الانتقام.
فتلاشت تلك المفاهيم الجاهلية، وخلفتها المبادئ الإسلامية الجديدة، وراح النبي (صلى الله عليه وآله) يبني وينشأ أمة الأمم نظاما، وأخلاقا وكمالا. وعلينا هنا توحيد الخطاب الديني ونسيان مفرقات الامة لان الهدف الاسمى هو تعزيز الهوية العراقية التي ستعطي  صورة حسنة لما شابها من تشويه على الامد القريب والماضي البعيد توغلوا في معارج الكمال، وحلقوا في آفاق المكارم، حتى حققوا مبدأ المؤاخاة بأسلوب لم تحققه الشرائع والمبادئ الأخرى، وأصبحت أواصر العقيدة أقوى من أواصر النسب، ووشائج الإيمان تسمو على وشائج القومية والقبلية، وغدا المسلمون أمة واحدة، مرصوصة الصف، شامخة الصرح، خفاقة اللواء، لا تفرقهم النعرات والفوارق.
((يا أيها الذين الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أن أكرمكم عند الله أتقاكم))(2الحجرات: 13).
وطفق القرآن الكريم يغرس في المسلمين مفاهيم التآخي الروحي، مركزا على بآياته العديدة وأساليبه الحكيمة الفذة.
فمرة شرع التآخي ليكون قانونا للمسلمين ((إنما المؤمنون أخوة، فأصلحوا بين أخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون)) (الحجرات: 10).
وأخرى يؤكد عليه محذرا من عوامل الفرقة، ومذكرا نعمة التآلف والتآخي والإسلامي، بعد طول التناكر والتناحر الجاهليين، ((واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء، فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخوانا)) (آل عمران:103).
وهكذا جهد الإسلام في تعزيز التآخي الروحي وحماه من نوازع الفرقة والانقسام بما شرعه من دستور الروابط الاجتماعية في نظامه الخالد.
ان التعايش السلمي مع الاديان والطوائف الاخرى هو مسار الاسلام الجديد لان الدين علاقة الانسان بربه وعلينا تعزيز الهوية الوطنية العراقية بعيد عن المفرقات وهذا يجب علينا اعادة مناهج التعليم وفق المعطيات الحديثة لتنئشة جيل جديد قادر على اعطاء الصورة الحسنة للعالم عن العراق المتعايش سلمياوإليك قبسا من آثار أهل البيت عليهم السلام في هذا المقام:
عن الباقر (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( ود المؤمن للمؤمن في الله، من أعظم شعب الإيمان، ألا ومن أحب في الله ، وأبغض في الله، وأعطى في الله، ومنع في الله، فهو من أصفياء الله ) (3الوافي ج3 ص89 عن الكافي).
وقال الصادق(عليه السلام):(إن المتحابين في الله يوم القيامة، على منابر من نور، قد أضاء نورهم وجوههم، ونور أجسادهم، ونور منابرهم، كل شيء حتى يعرفوا به، فيقال هؤلاء المتحابون في الله) (1الوافي ج3 ص89 عن الكافي ).
وقال علي بن الحسين (عليه السلام): (إذا جمع الله عز وجل الأولين والآخرين، قام مناد ينادي بصوت يسمع الناس، فيقول: أين المتحابون في الله؟ قال: فيقوم عُنُق من الناس، فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنة بغير حساب.
قال: فتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: ؟إلى الجنة بغير حساب.
قال: فيقولون: فأي ضرب من أنتم من الناس؟ فيقولون: نحن المتحابون في الله.
فيقولون: وأي شيء كانت أعمالكم؟ قالوا: كنا نحب في الله، ونبغض في الله.
قال: فيقولون: نعم أجر العاملين) (2البحار م15 ج1 ص283 عن الكافي).
وقال الصادق (عليه السلام): (كل من لم يحب على الدين، ولم يبغض على الدين فلا دين له) (3الوافي ج3 ص90 عن الكافي ).
وعن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا، فانظر إلى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة الله، ويبغض أهل معصية الله، ففيك خير، والله يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته، فليس فيك خير، والله يبغضك، والمرء مع من أحب) (4الوافي ج3 ص90 عن الكافي).
ان الايمان الحقيقي للانسان هو الايمان بالله الواحد وترك المحرمات العشرة وهي ثوابت متحدة لكل الاديان السماوية وبذلك يسمؤ الانسان ويحقق لهم العزة والرخاء في وطنهم، كالتواصي بالحق، والتعاون على البر، والتناصر على العدل، والتكافل في مجالات الحياة الاقتصادية، فهم في عرف الشريعة أسرة واحدة، يسعدها ويشقيها ما يسعد أفرادها ويشقيهم من هنا حذر المسلمين مما يبعث على الفرقة والعداء، والفحش والبذاء والاغتياب، والنميمة والخيانة والغش، ونحوها من مثيرات الفتن والضغائن، ومبدأهم في ذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله):
(المؤمن من أمنه الناس على أموالهم ودمائهم، والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه، والمهاجر من هجر السيئات) (2الوافي ج14 ص48 عن الفقيه)
 من خلال هذا الحديث النبوي الشريف يعطينا مفتاح للانطلاق للتعايش السلمي وتعزيز الهوية العراقية لبناء عراق مزدهر.
رباط السالفة
ان التأخي هو الحل الامثل لتعزيز الهوية العراقية تحت مظلة العدالة الاجتماعية لبناء وطن امن مزدهر لابنائنا واحفادنا.
الدكتور رافد علاء الخزاعي.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رافد علاء الخزاعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/06/24



كتابة تعليق لموضوع : التأخي هو المشروع المستقبلي لولادة الهوية الوطنية العراقية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net