صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (47) تصدعات في القيادة وبلبلة في الشارع الإسرائيلي
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يخطئ من يظن أن العدو الإسرائيلي مرتاحٌ وغير قلقٍ، وأنه لا يواجه خطراً حقيقياً ولا مأزقاً حرجاً، وأن العمليات التي يتعرض إليها كل يومٍ لا تؤثر فيه ولا تهز كيانه، ولا تضعف قوته ولا تشتت صفه، ولا تصدع جبهته، وأنه على العكس من ذلك، يقتل كل يومٍ عدداً من الفلسطينيين الشبان، ويطالب المجتمع الدولي بالاعتراف بحقه في الدفاع عن نفسه، ويدفعهم لوصف عمليات المقاومة الفلسطينية بأنها عملياتٌ إرهابية.

يبدو العدو كأنه يريد أن يخرج من هذه المعركة "الانتفاضة" منتصراً، فمن جانبٍ يقتل فلسطينيين ويضيق عليهم، ويدفعهم إلى مربعات اليأس والقنوط، ومن جانبٍ آخر يكسب الرأي العام الدولي الذي يجيز له استخدام القوة لصد العنف والإرهاب التي يتعرض له ومواطنوه، ويأخذ على ذلك مكافأة وتقديراً دولياً، عندما يعطونه الحق بقمع الفلسطينيين وقتلهم.

لكن الحقيقة التي لا يقوى العدو على إخفائها، ولا يستطيع إنكارها، مهما بلغت درجة المكابرة عنده، وحالة التبجح والعناد التي يعيشها، إذ تفضحه الصورة وتكشف عن حقيقته التقارير المنقولة من شوارعه، أن مستوطنيه صاروا خائفين وقلقين، وأنهم لم يعودوا يشعرون بالسلامة والأمان رغم المسدسات التي يحملون، والشرعية التي منحوها بالقتل والتصفية، ومظاهر الاحتفال التي تصاحب كل جريمةٍ يرتكبونها، وكل اعتداءٍ ينفذونه، ومحاولاتهم إغلاق الشوارع، والاعتداء على البيوت واحتلالها طرد سكانها، وغير ذلك من مظاهر استعراض القوة، والتباهي بالسيطرة والتفوق والهيمنة.

ما يقوم به الجيش والشرطة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية لا يصنف ضمن الأنشطة العامة والمهام الاعتيادية لجيش الاحتلال، ولا يستطيع رئيس أركانه ولا هيئة ضباطه الكبار وصف عمليات الانتشار الواسع لجيشهم، ومواجهاتهم اليومية مع الفلسطينيين في كل المدن والبلدات الفلسطينية، وما يتعرضون له من احتمالات الطعن والدهس المفاجئ، بأنها أنشطة اعتيادية تأتي ضمن البرامج والدورات التي يتدرب ويتأهل عليها عديد الجيش، بل إن الكثير من الأطباء النفسيين والمشرفين الاجتماعيين في الجيش، وكلهم من الضباط المختصين علمياً في هذه المجالات، يرون أن ما يتعرض له الجنود شيءٌ خطيرٌ للغاية، ولا يستطيع الجندي أن يتعايش أو يتكيف مع هذه الأخطار، فالهجوم بالسكاكين والأدوات الحادة شيءٌ مرعبٌ ومخيف، ويترك في النفس أثراً سلبياً يصعب نسيانه، كما يصعب تخيله وتحمله، فضلاً عن أن عائلات الجنود والعناصر الأمنية يبدون خوفاً أكثر من الجنود، ويرفضون أن يكون مصير أبنائهم القتل بالسكين.

يرى فريقٌ من الضباط أن المواجهة مع الفلسطينيين لا تقوم على أساسٍ من التفوق والسيطرة، إذ أن القوة لا تحمي، والاستعدادات الهائلة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية لا تجلب الأمن، ولا تحقق السلامة، بدليل أن العمليات نفسها تتكرر كل يومٍ في الأماكن نفسها أو في أماكن ومناطق جديدة، والمنفذون قد يقتلون أو يعتقلون ولكن غيرهم يحل مكانهم بسرعةٍ، وتكون الدوافع عند المنفذين الجدد أقوى، والعزيمة أكبر، والرغبة في الانتقام والثأر أكثر وضوحاً، ويزيد في توتر الجنود والمستوطنين الإسرائيليين تصريحات قيادتهم التي تقول، أننا لا نستطيع أن نمنع شخصاً يريد أن يموت.

وغيرهم يقول أن الفلسطينيين قد نجحوا كلياً وبذكاءٍ شديدٍ في تحييد القوة العسكرية للجيش والأجهزة الأمنية، فأقصى سلاح بمكن للجيش والمخابرات استخدامه هو المسدس، وفي أحيانٍ قليلة ونادرة يمكن استخدام البندقية، وبذا جعل الفلسطينيون سلاح المعركة في حده الأدنى، فلا قوة تقمعهم، ولا سلاح يخيفهم، ولا قدرة للجيش على المبادرة باستخدام سلاحه الفتاك في مواجهة طفلة تحمل سكيناً، أو صبيٍ يتجول قرب مستوطنةٍ، أو على الطريق العامة التي يسلكها المستوطنون، الأمر الذي جعل الفلسطينيين يطمئنون إلى أن التفوق العسكري الإسرائيلي تعطل، وأنه لن يدخل المواجهة، ولن يحسم المعركة.

أما الفصائل الفلسطينية فإنها لسببٍ أو لآخر لم تتمكن من الدخول على خط الانتفاضة، ولم تستطع أن تترك بصماتها عليها، فلا مشاركة لها في التخطيط، ولا تقوم بعمليات المساندة والحماية، ولا تمول المنفذين، ولا تشرف على عملياتهم، ولا تنصحهم ولا توجههم، ولا تنتقي لهم أهدافاً أكثر دقة وأضمن نتيجة، بل تركتهم وحدهم يخططون وينفذون، ويجتهدون ويقررون، وبذا بإرادةٍ أو عن غير قصدٍ منهم، فقد انسحبوا من المواجهة، وسحبوا الذرائع من الجيش للفتك بهم، وتركوا المعركة قائمة بين جيشٍ مكفوف اليد وبين شعبٍ ماضٍ بأقل ما يملك وأبسط ما يستطيع أن يقاتل به، فلا أبسط من سكين المطبخ، ولا أكثر وفرةً من السيارات الخاصة، وكلاهما بات متوفراً بين أيديهم، ولا يمكن حصارهم لمنعهم من حيازة سكينٍ أو قيادة سيارة.

المواطنون الإسرائيليون يسألون حكومتهم بكثيرٍ من الضيق والتبرم والغضب والسخط، عن مآل الأحداث ومصير الأوضاع في المناطق، فقد اقتربت الانتفاضة من إنهاء شهرها الثاني، ولا يوجد في الأفق ما يدل على قرب التوصل إلى حلٍ بشأنها، إذ لم تجد المساعي السياسية التي بذلها وقام بها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، كما يبدو أن الاستعدادات والحيطة والحذر غير قادرة على إخماد الانتفاضة، أو التخفيف من فعالياتها اليومية التي تزداد ولا تنقص، وقد بدا أن ذوي الشهداء أكثر من ينبري للثأر والانتقام، بدليل أن العديد من منفذي عمليات الطعن والدهس أقاربٌ وأشقاء، وكأن الحزن يمنحهم المزيد من الطاقة، والألم يولد عندهم المزيد من القوة والأمل.

اضطرابٌ وقلقٌ شديدين في الشارع الإسرائيلي على المستويين الشعبي والرسمي، وحيرةٌ كبيرة بين المسؤولين السياسيين وقادة الجيش والمؤسسات الأمنية، فلا الأول يستطيع أن يجلب حلاً سياسياً سحرياً يهدئ الأوضاع، رغم أنه يتمنى ويأمل، ويستعين بمن يستطيع ويقوى، ولا الثاني قادر على أن يلبي طلبات حكومته وأماني شعبه في قمع الانتفاضة، وإجبار الفلسطينيين على أن يعودوا إلى بيوتهم ومزاولة أعمالهم، رغم القوة التي يملكون، والسلاح الذي يحوزون، والفلسطينيون ماضون في خيارهم، ومصممون على نهجهم، فلا يوقفهم دمٌ، ولا يخيفهم قتلٌ، ولا يمنعهم عدوٌ من الإصرار على المطالبة بحقوقهم، والحفاظ على وجودهم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/29



كتابة تعليق لموضوع : الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (47) تصدعات في القيادة وبلبلة في الشارع الإسرائيلي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net