صفحة الكاتب : د . عبد الحسين العطواني

استقلالية السلطة في القرارات المصيرية
د . عبد الحسين العطواني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إن الحياة الزاخرة بالاستقلال والشموخ لشعب ما, لايمكن لها أن تتحقق إلا في ظل نظام مقتدر, لاسيما إذا كان هذا النظام غير منسجم مع القوى الكبرى ومطالبته بحياة حرة كريمة من دون الرضوخ للابتزاز والاستعمار , فذلك يتطلب نظام يتمتع من الناحية النظرية بدعامة فكرية ومبدئية , وان يكون من الناحية العملية قويا ومقتدرا , وعلى جاهزية عالية للدفاع ومقاومة جميع أنواع المؤثرات الداخلية والاعتداءات والتهديدات الخارجية , وان يتمكن من صيانة وجوده وحماية اصوله الأساسية , لذلك هناك من ذهب إلى اعتبار السياسة مفردة مرادفة , وأنها تهدف إلى كسب وتوسيع وتعميق قدرتها ونفوذها , فقد تعرض العراق إلى حجم كبير من الأطماع التي رافقت الغزوات العسكرية , والتي استهدفت نهب ثرواته الموصوفة منذ القدم بالثراء والخيرات , وقد سبب ذلك التدخل الخارجي ضغطا نفسيا على سكان البلاد .

لذلك دفع العراق وهو يتعرض للأطماع الخارجية بفضل ثرواته وخيراته وتاريخه العميق ثمنا باهظا من موارده وأمنه واستقراره السياسي والاقتصادي , كما دفع خسائر هائلة من دماء شعبه ورقابهم وأرواحهم واستقرارهم النفسي , وقد راح ضحية هذه الأطماع مئات الآلاف بل الملايين من أبناءه على مدى قرون عديدة متواصلة , كما نهبت ودمرت على نحو متعمد ولمرات متكررة في التاريخ الكثير من الكنوز النادرة والتحف الفريدة والثروات الحيوية التي كانت تجوبها بل وتغص بها مدن العراق ومرافقه الدينية والاقتصادية والحضارية , وأخرها قيام زمر داعش الارهابية بتهديم التماثيل في متحف مدينة الموصل التي تعود إلى حضارات بلاد الرافدين , وتمثال الثور الأشوري المجنح داخل المتحف الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع قيل الميلاد لطمس هوية العراق التاريخية . 

 

إن هذا النهب والسحق الهمجي والأطماع الشرسة التي تتعرض لها بلا دنا وتتواصل فيها أعمال التخريب , وسفك الدماء والكوارث بالشكل والحجم , لايمكن أن تبقى فيها الحالة النفسية والسلوكية لابناءه سليمة وصحيحة وبعيدة عن التخريب بأي حال من الأحوال , هكذا هو حالنا وحال الشعوب في ظل الدول والحكومات الضعيفة أو الفاقدة للدعم والحماية القوية مصيرها غالبا ما يكون خاضعا للهيمنة الخارجية وسيطرة القوى المستعمرة والمحتلة , أو أنها آيلة للزوال والفناء , وفي الوقت الحاضر نجد أكثر الحكومات في البلدان العربية الفاقدة للقوة وكذلك لتأييد الجماهير تكمن استمرارية حكمها وسلطتها في الرضوخ لسلطة واستعمار القوى العظمى وتنفيذ مطالبها وتلبية أوامرها , وبالتالي فقدان قدرة الدولة على اتخاذ القرارات المصيرية ومداولة المسائل الاجتماعية والسياسية مع الناس , واتخاذ القرار يشأنها , مما يؤدي إلى فقدان ثقة الجماهير وتأيدها لأمور الحكم لعجز الأخير عن تحقيق الأهداف التي يتطلع إليها الشعب في ظل هذه الأنظمة 0

والذي نريد أن نشيراليه بهذا الشأن هو بماذا تفسر الاملاءات الأمريكية التي تحول بعدم مشاركة الحشد الشعبي في عمليات تحرير الانبار, ولماذا ارتفعت المخاوف من القوة التي يتمتع بها الحشد الشعبي ؟ , هل هي خطوة استباقية لقطع الطريق أمام الحشد المجاهد لتحجيم دوره في هذه المعركة المصيرية بما يتمتع به من تفوق قتالي كما حدث للمدن العراقية التي سبق تحريرها ؟ , فجاءت هذه الخطوة الاستباقية كعامل تحريض لضرب القوى الشعبية الحاملة للواء التحرير , وكيف نفسر أيضا تأييد السلطة العراقية للقرار والرضوخ له ؟ الم تكن الموافقة جاءت لإرضاء الطرف الأخر البعيد كل البعد عن مسرح العمليات ومجريات المعركة , وبالتالي تعزيز العلاقة بهدف الاستحواذ بالسلطة وبما يضمن استمرارها , وأين كان قرار إبعاد الحشد عندما كانت القوات الأمريكية تقصف الحشد بشكل متعمد وتبررها نتيجة خطأ , والجميع يعرف أن التحاق الحشد الشعبي في الحرب ضد داعش جاء عندما أدركت المرجعية الشريفة خطورة الأمر محاولة منها لإنقاذ البلاد التي بدأت تتهاوى , كما أن هذه القوى واصلت قتالها دون أن يكون هناك دعم واضح من الدولة لها , وهي مازالت عازمة على المسير بهذا الاتجاه حتى تتجلى ملامح الدولة في السيادة بتحرير أراضيها , وتحقيق الأمن للوطن وللمواطن وتوفير الاستقرار والتنمية 0 

بشكل عام يتفق الباحثون على أن العناصر والمقومات الفكرية التي تشكل ظاهرة السلطة السياسية تشمل عنصرين, الأول: القوة , والثاني: الشرعية, منظور لهما من مستويات مختلفة السلطة كجوهر وكعلاقة , إن النظر للسلطة كجوهر يعني القبول بمسلمتين غير مرتبطتين ببعض منطقيا , لكنهما متضامتين بصفة عامة , الأولى تكمن في افتراض وجود طبيعة مجردة للسلطة , ومشابهة دائما لنفسها , والثانية هي أن السلطة كيان يتولاه بعض الأفراد ويمتلكونه كشئ أو بالأحرى كقوة .

 

 

صفة الدولة لاتتحقق إلا بوجود شعب له مميزات تخصه , ومساحة ذات حدود , ونظام تتعين به صفة الدولة وشكلها , وهذا النظام هو الذي يكون قوة الدولة وقدرتها على تنفيذ أحكامها والتزاماتها من دون إخلال بها على مر العصور والدهور , والعراق شأنه كأي دولة تكونت عقب مسار تأريخي للحركة الوطنية , كانت من أهم أولوياتها وأجندتها الدعوة إلى بناء دولة حديثة تعتمد الدستور والقانون وتحقق المواطنة المتساوية , ومع نظام التغيير تنفس العراقيون الصعداء ضنا منهم أن طموحاتهم المنشودة ستتحقق في إطار بناء نظام سياسي جديد يشكل إطارا للدولة التي طالما حلم بها العراقيون , إلا أن ما رافقها من تدخلات أجنبية وإقليمية جعلت العراق مسرحا للصراع الخارجي وساحة لتصفية الحسابات .

هكذا كان المسار التاريخي لشكل الدولة الجديدة محفوفا بالمخاطر الداخلية والخارجية وأهمها التي نشأت في الداخل عن طريق صراع سياسي في ظاهرة وخلفيات اجتماعية ( قبلية , ومذهبية , وطائفية ) , ثم أخيرا الخلفية الإيديولوجية بين مكونات العمل الحزبي , وهنا أضعفت الدولة مقوماتها , بل وغيبت أُسسها الدستورية والقانونية لمصلحة المجموعات المتحالفة التي فرضت منطقها وأسلوبها في أدارة الدولة مركزيا ومحليا , ما يهمنا اليوم آن لانقبل بالتساكن مع السرد التاريخي , وعلينا أن نساهم من مواقع التفكير الموضوعي والعلمي حول التاريخ في كسر هذه السردية التاريخية , عن طريق تقديم علاقة سليمة وصحيحة بين التاريخي والمنطقي الغائب في الكثير من كتاباتنا عن التاريخ الاجتماعي والسياسي العراقي .

بالإمكان القول أن الواقعية تقتضي أن تسلك السلطة في البلاد طريق القرارات الحاسمة بالشكل الذي يفرض هيبة ومكانة الدولة واستقلالية قراراتها للوصول إلى الهدف المنشود بدلا من الخضوع للأجندة السياسية, والقيود الدولية والإقليمية التي لم ولن تنوي تحقيق الاستقرار في الأجل المنظور وفقا لبنية النظام وتركيبته والجهات الخارجية المتدخلة في شؤونه, وربما بحكم تجربة وتقويم الأطوار التي تمر بها البلاد وحالة المراوحة والانسداد التي وصلت أليها العملية السياسية إضافة إلى الأوضاع العسكرية القائمة لمحاربة داعش في المدن العراقية المحتلة في أكثر من مكان والتطورات الأخيرة في الأطماع التركية وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية , لذلك ومن باب الإنصاف وحتى نضع الأمور في نصابها وعدم الاستهانة بالتضحيات الجسام التي قدمها الحشد , أصبح لزاما على السلطة أن لا تجعل من قرار إبعاد الحشد الشعبي عن المشاركة الفعلية في تحرير الانبار عامل مشجع للهيمنة الأمريكية , فضلا عن أنها عملية محسوبة لانتعاش الطائفية التي تهدف إلى تقسيم العراق .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الحسين العطواني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/29



كتابة تعليق لموضوع : استقلالية السلطة في القرارات المصيرية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net