صفحة الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي

سيدة الطف ...زينب بنت علي
السيد ابراهيم سرور العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لقد شاركت السيدة زينب الكبرى (عليها أفضل الصلاة والسلام ) أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) في جميع مصائبه ، وقادت مسيرة الثورة بعد استشهاده ، وأكملت ذلك الدور العظيم للرسالة النبوية المحمدية الشريفة بكل مهابه وجدارة وعزيمة وثبات مع كل المصائب من النهب ، والسلب ، وحرق الخيام ، والأسر ، وكيد الأعداء .فبعد الفاجعة الكبرى بمقتل أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) خرجت السيدة زينب (عليها السلام) نحو ساحة المعركة، تبحث عن جسد أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) بين القتلى غير خائفة من الأعداء المدججين بالسلاح، فلما وقفت على جثمان أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) الذي مزقته سيوف الحاقدين وهي تراه جثة بلا رأس مقطع إرباً إرباً، والكل كان يتصور أنها سوف تنهار وتصرخ ، ولكن ما حدث عكس ذلك مما هز أعماق الناظرين، فأمام تلك الجموع الشاخصة بأبصارها إليها ، قالت وهي صامدة وصابرة : (اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ منا حتى ترضى، اللهم تقبل هذا القربان من آل محمَّد) فقد دعت الله تبارك وتعالى أن يتقبل من هذا البيت النبوي الطاهر هذا القربان العظيم ، من أجل الحق ولمرضاة الحق تعالى ولتحقيق مبادئ الرسالة المحمدية الشريفة التي يحملونها.وهناك موقف عظيم آخر في الكوفة، عند مواجهة ابن زياد اللعين، حين قال لها: كيف رأيت صنع الله بأخيك ؟ وهنا قد ضربت عقيلة الهاشميين السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) أروع صور الرضا بالقضاء الإلهي وهي تصف كل ما رأته من المصائب بأنه شيء جميل ، فقالت (عليها السلام): ( مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا ) !.. حيث أنها ترى استشهاد أخيها جميلاً ، لأن الله تعالى شاء أن يراه قتيلاً، وشاء أن يراهن سبايا ، فعندما يكون المقياس هو رضا الله ، فكل شيء يصبح جميلاً ، وهذه هي عبادة الأحرار التي هي عبادة أهل البيت الكرام (عليهم السلام) والتي قوامها الحُب في الله ، ولله ، وإلى الله تعالى.فهذه كلها دروس وعبر لنا ، فقد وقفت مولاتنا الصديقة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) صامدة قوية في أصعب الظروف ، بل في ظروف قاسية ، مؤلمة ، دامية ، وبعد مصيبة عظيمة على جميع أهل الإسلام ، وعلى جميع أهل السموات والأرض ، لتعطي شيعتها ومحبيها درساً بليغاً في الاستسلام والرضوخ والرضا لأمر الله جَلَّ جَلالُه‌ وعَظُمَ شَأْنُه‌، فكانت رمزاً للصمود أمام المصائب ، والصبرعلى الشدائد، واستقبال القدر بروح ملؤها الإيمان ، والرضا بحكمة وإرادة الرحمن ، علماً بأنها أُم وقد قتلوا أولادها في نفس المعركة ، قال الله تعالى في كتابه الكريم:{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(سورة التوبة، الآية :٥١).من هذا المنطلق الإلهي كان جهاد أهل البيت وأئمتنا الأطهار( صلوات الله عليهم أجمعين) ضد أعداء الدين ، وهكذا جاهد أبا الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) بدمه الطاهر ضد الظلم والفساد ، لنشر المكارم والقيّم الخيرة والمبادئ والمثل العليا ، والتحرر من عبادة العباد والشهوات والمصالح المادية الزائلة ، وعبادة رب العباد والخضوع له وحده لا شريك له ، وأن يكونوا العباد أحراراً في طريق الصلاح والحق والفضيلة والعزة والكرامة للوصول إلى حسن العاقبة .

《خطبة السيدة زينب في الشام》

ان بلاغة زينب(عليها السلام) وشجاعتها الادبية ليس من الأمور الخفية، وقد اعترف بها كل من كتب في وقعة كربلاء ونوه بجلالتها اكثر أرباب التاريخ.ولعمري ان من كان ابوها علي بن ابي طالب ( الذي ملأت خطبه العالم وتصدى لجمعها وتدوينها اكابر العلماء، ومن امها فاطمة الزهراء صاحبة خطبة فدك الكبرى، وصاحبة الخطبة الصغرى التي القتها على مسامع نساء قريش ونقلها النساء لرجالهن.نعم ان من كانت كذلك فحرية بان تكون بهذه الفصاحة والبلاغة، وان تكون لها هذه الشجاعة الادبية والجسارة العلوية.ويزيد الطاغية يوم ذاك هو السلطان الاعظم، والخليفة الظاهري على عامة بلاد الإسلام تؤدي له الجزية الفرق المختلفة والامم المتباينة، في مجلسه الذي اظهر فيه ابهة الملك، وملاه بهيبة السلطان، وقد جردت على رأسه السيوف، واصطفت حوله الجلاوزة وهو واتباعه على كراسي الذهب والفضة وتحت ارجلهم الفرش من الديباج والحرير.وهي (صلوات الله عليها) في ذلة الاسر، دامية القلب باكية الطرف، حرى الفؤاد من تلك الذكريات المؤلمة والكوارث القاتلة، قد أحاط بها أعداؤها من كل جهة، ودار عليها حسادها من كل صوب.ومع ذلك كله ترمز للحق بالحق، وللفضيلة بالفضيلة فتخاطب يزيد ـ غير مكترثة بهيبة ملك، ولا معتنية بأبهة سلطانه ،فهذا الموقف الرهيب الذي وقفت به هذه السيدة الطاهرة مثل الحق تمثيلاً، واضاء الى الحقيقة لطلابها سبيلاً، وافحمت يزيد ومن حواه مجلسه المشوم بذلك الاسلوب العالي من البلاغة وابههت العارفين منهم بما اخذت به مجامع قلوبهم من الفصاحة، فخرست الألسن، وكمت الأفواه، وصمت الأذان، وكهربت تلك النفس النورانية القاهرة منها (عليها السلام) تلك النفوس الخبيثة الرذيلة من يزيد واتباعه بكهرباء الحق والفضيلة، حتى بلغ به الحال انه صبر على تكفيره وتكفير اتباعه، ولم يتمكن من ان يقطع كلامها او يمنعها من الاستمرار في خطابتها، وهذا هو التصرف الذي يتصرف به ارباب الولاية متى شاءوا وارادوا، بمعونة الباري تعالى لهم، واعطائهم القدرة على ذلك. 

خطبة السيدة زينب بنت علي بالشام

قال السيّد ابن طاووس وغيره: فقامت زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في مجلس يزيد وقد سَمِعَته يقرأ ابيات ابن الزِّبَعرى:ليتَ أشياخي ببـدرٍ شَهِـدوا جَزَعَ الخزرجِ مِن وَقْعِ الأسَلْ فأهَلَّـوا واستَهـلُّـوا فَرَحـاً ثمّ قالـوا: يا يزيـدُ لا تُشَلّْ! لستُ مِن خِنْدَفَ إنْ لم أنتقـمْ مِن بني أحمدَ ما كان فَعَـلْ!فقالت زينب عليها السّلام في خطبتها تلك: الحمد للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى الله على رسوله وآله أجمعين. صدق الله كذلك يقول: ثُمّ كانَ عاقبةَ الذينَ أساؤوا السُّوأى أنْ كَذَّبوا بآياتِ اللهِ وكانُوا بها يَستهزِئُون . أظنَنْتَ يا يزيد حيث أخَذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبَحنا نُساق كما تُساق الأُسارى، أنّ بنا على الله هَواناً وبك عليه كرامة ؟! وأنّ ذلك لِعِظَم خَطَرِك عنده! فشَمَختَ بأنفِك، ونظرتَ في عِطفِك، جَذلانَ مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مُستَوسِقة، والأمورَ مُتَّسِقة، وحين صفا لك مُلكنا وسلطاننا. مهلاً مهلا! أنَسِيتَ قول الله تعالى: ولا يَحسَبنَّ الذين كفروا أنّما نُملي لَهُم خيرٌ لأنفسِهِم، إنّما نُملي لَهُم ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ مُهين ؟! أمِن العدلِ، يا ابنَ الطُّلَقاء، تخديرُك حَرائرَكَ وإماءَك وسَوقُك بناتِ رسول الله سبايا قد هُتِكت سُتورُهنّ، وأُبدِيت وجوهُهنّ ؟! تَحْدُو بهنّ الأعداء من بلدٍ إلى بلد، ويستشرفهنّ أهلُ المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوهَهنّ القريب والبعيد والدنيّ والشريف! ليس معهنّ مِن رجالهنّ وَليّ، ولا مِن حُماتِهنّ حَمِيّ، وكيف يُرتجى مراقبةُ مَن لفَظَ فُوهُ أكبادَ الأزكياء، ونَبَت لحمه بدماء الشهداء ؟! وكيف يستبطئ في بُغضنا أهلَ البيت مَن نظرَ إلينا بالشَّنَف والشَّنآن، والإحَن والأضغان ؟! ثمّ تقول غيرَ متأثّم.. ولا مُستعظِم:وأهَلُّوا واستَهلُّـوا فرَحَـاً ثمّ قالوا: يا يزيدُ لا تُشَـلّْ!مُنتَحياً على ثنايا أبي عبدالله سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمِخْصَرتك، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأتَ القرحة واستأصلت الشأفة بإراقتك دماءَ ذريّة محمّد صلّى الله عليه وآله، ونجومِ الأرض مِن آل عبدالمطلب! وتهتف بأشياخك زعمتَ أنّك تناديهم، فَلَتَرِدَنّ وَشيكاً مَورِدَهم، ولَتَوَدّنّ أنّك شُلِلتَ وبُكِمتَ ولم يكن قلتَ ما قلتَ وفَعَلتَ ما فعلت. اَللّهمّ خُذْ بحقِّنا، وانتَقِمْ ممّن ظَلَمَنا، وأحلِلْ غضبَك بمن سفك دماءنا وقتَلَ حُماتَنا. ( ثمّ توجّهت بالتوبيخ إلى يزيد قائلةً له ): فوَ اللهِ ما فَرَيتَ إلاّ جِلْدَك، ولا جَزَزْتَ إلاّ لحمك، ولَتَرِدنّ على رسول الله بما تحمّلت مِن سَفكِ دماءِ ذريّتهِ، وانتهكتَ مِن حُرمته في عِترته ولُحمته! حيث يجمع الله شملهم، ويَلُمّ شعَثَهم، ويأخذ بحقّهم.. ولا تَحسَبنَّ الذينَ قُتِلوا في سبيلِ اللهِ أمواتاً بل أحياءٌ عندَ ربِّهم يُرزَقون . حَسْبُك بالله حاكماً، وبمحمّدٍ خَصيماً، وبجبرئيل ظَهيراً، وسيعلم مَن سوّى لك ومكّنك من رقاب المسلمين ( أي أبوك معاوية ) بئس للظالمين بدلاً! وأيُّكم شرٌّ مكاناً وأضعَفُ جُنْداً! ولئن جَرَّت علَيّ الدواهي مُخاطبتَك، إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك!! لكنّ العيون عَبْرى، والصدور حَرّى ( وهنا جاء التنبيه إلى عظم المصيبة والفاجعة التي أوقعها يزيد في آل بيت المصطفى ). ألا فالعَجَب كلّ العجب.. لقتلِ حزبِ الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء! ( ومنهم يزيد الطليق بعد فتح مكّة، ولم يسمح الشرع الشريف للطلقاء أن يتقلّدوا الحُكْم! )، فهذه الأيدي تَنطِف من دمائنا، والأفواه تَتَحلّب مِن لحومنا، وتلك الجُثث الطَّواهر الزواكي تنتابها العَواسِل ( أي الذئاب )، وتهفوها أُمّهاتُ الفَراعل. ولئن اتّخَذْتَنا مَغْنَماً، لَتجِدَنّا وشيكاً مَغْنَماً، حين لا تجدُ إلاّ ما قدَّمْتَ وما ربُّكَ بظَلاّمٍ للعبيد ، فإلى الله المشتكى وعليه المعوَّل. فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها ( أي لا تغسله )، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد!! يوم ينادي المنادي: ألاَ لَعنةُ اللهِ علَى الظالمين ! فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يُكملَ لهم الثواب، ويُوجِبَ لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنّه رحيمٌ ودود، وحسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيل. فقال يزيد:يا صيحةً.. تُحمَدُ مِن صَوائحِ ما أهونَ الموتَ علَى النوائحِ!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد ابراهيم سرور العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/14



كتابة تعليق لموضوع : سيدة الطف ...زينب بنت علي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net