صفحة الكاتب : علي علي

الى متى يبقى المخاض عسيرا؟
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   في حكاية حفظ التأريخ تفاصيلها، روي فيها أن الحطيئة (ابو مليكة)، عزم يوما على الرحيل، هاجرا زوجته وبناته الى حيث لايعلم موعدا لرجوعه، فأمر خادمَيه بإحضار حصانه وتجهيز معدات سفره البعيد، ولما حانت ساعة الرحيل نادى زوجته وقال لها:

عدى السنين لغيبتي وتصبري       ودعي الشهور فإنهن قصـار

قاصدا بهذا إعلامها أن سفره طويل لاترجى منه عودة، ورجل مثل الحطيئة من غير المعقول أن يتخذ قرارا إلا بعد تعقل وروية وإدراك تام لأبعاد ما يقرره. غير أن رد زوجته لما هو عازم عليه كان أكثر تعقلا وأشد وقعا وأٌقوى تأثيرا، إذ قالت له:

اذكر صبابتنا إليك وشوقنا      وارحم بناتك إنهن صغار

فما كان من الحطيئة إلا أن التفت الى خادمَيه قائلا:

حطوا الرحال ما عملت لسفر أبدا..!

إذن، هو سبب غيّر قرارا كان قد اتخذ سابقا، وهو دافع قلب موازين كانت قد حُددت مسبقا، وهي أيضا ذريعة مقنعة هانت أمامها العزائم وتلاشى معها الاعتداد بالرأي، يقابل هذا الرحمة والرأفة والمروءة مجتمعة، فكان الناتج ثمرة نضرة بفعل ناضج، درأ كثيرا من المساوئ، وأبعد جللا من السلبيات، ومنع تداعيات كان ممكنا حصولها، لولا حكمة النسبة والتناسب بين الأضرار والمنافع التي يتمخض عنها قرار صاحبنا الحطيئة في قرار رحيله.

 ومن باب المقارنة بين (ابو مليكة) وبين ما عليه أصحاب القرار اليوم في عراقنا الجديد، والذين عادة مايتبنون القرارات المجارية لمصالح شخصية او فئوية او عشائرية او مناطقية او طائفية، وأحيانا إقليمية لمن هم عبدة جهات قابعة خلف حدود العراق، بل أن بعضهم تجتمع في نياته ومخططاته هذه المصالح بمجملها دفعة واحدة، أقول من باب المقارنة بين ما عليه هؤلاء من إصرار على نهجهم الأهوج في إدارة البلاد بمفاصلها جميعا، وبين تراجع الحطيئة عن قراره، أرى أن البون شاسع، وما وصلت اليه البلاد من تدنيات شملت كل أركانها من جراء إصرارهم على أخطائهم خير دليل على ماأرى. إذ لطالما سمعنا ان الاعتراف بالخطأ فضيلة، فيما يتصرف ساسة البلد عكس هذا تماما، فليس فيهم خطاؤون، وإن وجد فليس من بينهم توابون، وقد تمادوا في تعنتهم وعنجهيتهم بسياساتهم الإدارية ولاسيما القيادية منها. وأذكر بديهة كنا قد تعلمناها منذ الصغر، هي أن من يروم تغيير نتيجة وصلها، عليه تغيير السبل التي اتبعها، ومن دون هذا الشرط سيظل مآله الى النتيجة ذاتها، فيكون ديدنه هذا كديدن من ذكره شاعر الأبوذية حين قال:

ثلاثه اريام فوگ جبال يرعن

رعن گلبي وبدن بحشاي يرعن

لاتكرب وره المكروب يا ارعن

ولاتطرد سراب بغير ميه

نعم، إن المناهج المتبعة منذ ثلاثة عشر عاما في اساليب القيادة على صعيدي التشريع والتنفيذ، لن تأتي أكلها في المستقبل القريب ولاالبعيد، مادامت قد سجلت في ماضيها فشلا ونكوصا شديدين، ومادام الإحباط لازمها منذ بداية الشروع بالعمل بها، وهانحن نلمس بأيدينا ونرى بأم أعيننا، مدى التدهور الذي تداعت له مؤسسات البلاد في القطاعات كافة، والذي أودى بها الى شفا هاوية مازال الانزلاق فيها يسير باندفاع مبرمج من جهات مغرضة ومستفيدة من الخراب. فإذا لم يتدارك المسؤولون إعادة النظر بسياساتهم المخضرمة والتي يطلق عليها بمصطلحنا الدارج؛ (المشلغمة) منذ دزينة السنوات الخوالي، فإن النتائج المترتبة عليها ستأتي بالسوء ذاته إن لم تكن أسوأ بل أسوأ بكثير، وسيطول مخاض الأيام الحبلى وتتعسر ولادة مايفرح العراقيين وتتأجل الى آجال غير مسماة.

 

aliali6212g@gmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/02/01



كتابة تعليق لموضوع : الى متى يبقى المخاض عسيرا؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net