صفحة الكاتب : نزار حيدر

الطّاغِيَةُ كانَ قائِداً لِسِيرْك (2)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
    السّؤال الثاني؛ كيف قرأ العراقيّون تحديداً إطلاق (الطّاغية) صدام حسين لعدة صواريخ على (اسرائيل) إبّان حرب الخليج الثانية؟!.
   الجواب؛ لقد ظلّ الطّاغية الذليل صدام حسين على مدى 
(٣٥) عاماً من حكمهِ الشّمولي البوليسي يقودُ سيركاً على مسرحٍ عنوانُ عَرضهِ اليومي القضيّة الفلسطينيّة.
   لقد كان متاجراً بارعاً بالقضية ومضارِباً لا يُشقُّ له غبار في هذا المضمار، وللاسف الشديد فلقد خدع العرب بدرجة فضيعة، لدرجةٍ ان الكثير منهم يعتبرونهُ لحدّ الان قائداً عربياً وبطلاً قومياً واجه (اسرائيل) لوحده وانّهُ الوحيد الذي تجرّأ عليها من بين بقية القادة العرب في ان يضربها في العمق! على حدّ قولهم.
   حتى الفلسطينييّن فان الكثير منهم لازال يحتفي به، على الرّغم من انّ كل شيء قد اتّضح الان وانكشفت الأسرار.
   امّا العراقيّون فيعرفون بهلوانيّاته وعنتريّاته جيداً على الرّغم من كلّ التضليل والحرب النّفسيّة وغسيل الادمغة الذي كان يغذّي به المجتمع بالقسوة، مع كلّ ذلك الا انّ العراقييّن كانوا يعرفون وقتها ان إطلاقهُ للصواريخ على (اسرائيل) والتي سقطت جميعها في الصحراء! لم تكن الا محاولة من الطّاغية لاستدرار عواطف الشّعوب العربية والإسلامية لتقف خلفهُ في صراعهِ العبثي ضد المجتمع الدولي وليبرّر جريمتهُ الشّنعاء في احتلالهِ للجارة دولة الكويت.
   بمعنى آخر انّهُ حاول شرعنة حربه العبثيّة بزجّ القضيّة المقدّسة بالنسبة لكل العرب والمسلمين، فلسطين، بهذه الطريقة البهلوانية ولإحراج الاخرين اذا اتخذوا موقف المتفرج، وعلى رأسهم الجمهورية الاسلامية في ايران!.
   لقد وظّف الطّاغية القضيّة الفلسطينية ومعاداته الكاذبة لـ (اسرائيل) في تكريس سلطتهِ الشّمولية وإحكام قبضتهِ الحديديّة فكان يحكم بالإعدام بذريعة التخابر مع (اسرائيل) والتجسس لصالح (العدو الصهيوني) على كل مَن يختلف معه فيقرّر تصفيتهُ، اذ لا احد يجرؤ على ان ينبس ببنت شفة اذا كانت التّهمة بهذا الحجم [وهو الأسلوب الدنيئ نَفْسَهُ الذي يوظّفهُ اليوم (العجل الحنيذ) وعَبَدتهُ ضدّ من يفضحهُ ويكشف عن حجم المسؤولية التي يتحملها ازاء الفساد والدماء التي تُراق في العراق بسبب فشلهِ في ادارة الدّولة (٨) أعوام كاملة] والعراقيون يتذكرون قصص الاعدامات المتكرّرة التي كان يعرضها إعلام السّلطة منذ العام ١٩٦٨ عندما نزا الطّاغية وعصابتهِ على السّلطة في بغداد وحتى آخر لحظة قبل سقوطهِ المدوّي في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣.
   فكلّما أراد الطّاغية تصفية احد خصومهِ اتّهمهُ بالتجسّس لصالح (اسرائيل) ثمّ عرضهُ على الشّاشة ليدلي باعترافاتهِ المفبركة والمجبور عليها، وبعد يومين تُنصب له أعواد المشنقة في احدى السّاحات العامّة ليُصلب عليها ومن حوله عدد من الأطفال يرقصون والنسوة تهلّل فرحاً بكشف المؤامرة من قبل القائد الضّرورة وهم يردّدون الأهزوجة المعروفة (ماكو مؤامرة اتصير والبعث عينه ساهِرة) [وهو ما يفعلهُ اليوم العِجلُ وعَبَدتهُ في وسائل التّواصل الاجتماعي، فيتّهمون من يكشف عن دورهم في تدمير العراق الجديد بالتخابر مع الموساد الاسرائيلي والعمالة للصّهيونية العالميّة ثم يُصدِرون بحقّهِ الحكم المناسب لنسمع في اليوم التالي تصفيق ونعيق المُتغافلين، وهم يردّدون نفس الأهزوجة مع تغييرٍ طفيف! لأنّهم اكتشفوا أخطر مؤامرة ينفّذها أخطر جاسوس! على محور (المقاومة والممانعة)].
   مع كلّ هذا، وأكثر، الا انّ العراقيّين كانوا يعرفون جيداً ان الطّاغية ونظامهُ البوليسي هو من اكثر الأنظمة العربية التي خانت القضيّة الفلسطينيّة وخدمت الكيان الصّهيوني.
   اوليس هو الذي شكّل فصيلاً فلسطينياً ارهابياً ودعمهُ بالسّلاح والمال ليصفّي العديد من قادة منظّمة التّحرير الفلسطينية وقتها، منهم الدكتور الشهيد عز الدّين قلق ممثّل منظمة التحرير في باريس وذلك عام (١٩٧٨) وغيره؟!
   انّ العودة الى كرّاس (انعزاليّو بغداد..الحوار نعم، اللاحوار نعم أيضاً) الصادر عن الدائرة الإعلامية لمنظمة التّحرير الفلسطينية في سبعينيّات القرن الماضي، يكشف حجم الخيانة التي ارتكبها الطّاغية للقضيّة الفلسطينيّة والخدمة العظيمة التي قدّمها للعدو الصّهيوني.
   لو كان الطّاغية جادّاً وصادقاً في تبنّيه للقضية الفلسطينية لم يكن ليبدّد طاقات العراق البشريّة وغيرها ويدمّرها في حروبٍ عبثيّةٍ متتاليةٍ استمرت لعشرين عاماً، بدأت بحروبهِ الدّاخلية ضدّ الشّعب العراقي لتنتهي في حربهِ الاخيرة التي انتهت بإسقاطهِ ولكن بثمنٍ غالٍ جداً تمثّل بغزو العراق واحتلالهِ والقضاء على سيادتهِ مدّةٍ طويلةٍ.
   هو مثالٌ بارزٌ للاتّجار بالقضيّة الذي ورد على لسان الشّاعر؛
   همُّهُ فلسُها وَلَيْسَ الطّينُ، ويقصد فلسطين!.
   ولو كان جاداً في الامر لما ظلّ يصفّي العلماء والفقهاء والمراجع والمفكرين والمثقفين ومختلف شرائح المجتمع العراقي من اجل نزواته العابرة ولإحكام سلطتهِ البوليسية، فبماذا يُرِيدُ ان يحرّر لنا فلسطين اذا قتل راس مال البلد ومصدر قوّتهِ؟!.
   خاصة حربهُ ضد العلماء والفقهاء الذين ظلوا يتبنّون القضيّة الفلسطينية بفتاواهم التي كان يجيزون فيها صرف الحقوق الشّرعية عليها، فلمصلحة مَن اعدمهم وصفّاهم وأضعف سلطتهم ودمَّر مؤسّساتهم؟ كما فعل ذلك مع الشّهيدين الصدر الاول والصدر الثاني وكذلك مع نجل مرجع الطائفة وزعيم الحوزة العلمية والرمز الديني الاول في العالم آنذاك الامام الحكيم، فاتّهم الشهيد السيد مهدي الحكيم بالتجسّس لصالح (اسرائيل) في محاولةٍ مِنْهُ لتصفية المرجعيّة العليا والحوزة العلميّة في النّجف الأشرف!.
   واخيراً؛ فَلَو كان الطّاغية جادّاً قيد انمُلة في تبنّيه للقضيّة الفلسطينيّة لما نصب العداء المحكم للثّورة الاسلامية المنتصرة في ايران وللجمهورية الفتيّة التي قادها وأسسها الامام الخميني الراحل (والذي تُصادف ذكراها هذه الأيام) هذا العداء (السّياسي) الأعمى الذي لم يدم طويلاً حتى شن ضدّها الحرب الضّروس التي دامت (٨) سنوات دمّرت البلدَين وشلّت طاقة ثورية خلّاقة كان يمكن لها ان تتحمّل دورها التاريخي في الانتصار للقضية الفلسطينيّة، لو لم يُشغلها الطّاغية بحربٍ عبثيّة!.
   أولم يكن اوّل قرار تتّخذهُ قيادة الثّورة المنتصرة هو طرد سفير (اسرائيل) وتسليم السّفارة الى ممثّل منظمة التّحرير الفلسطينيّة؟ فلمصلحة مَن، إذن، شنّ الطّاغية حربهُ الضّروس والمدمّرة عليها بالنّيابةِ عن (اسرائيل) وحليفاتها في العالم والمنطقة؟!.
   خلاصة القول؛ انّ الطّاغية كان تاجراً ولم يكن صادقاً.     
   *التابع لعرب (١٩٤٨)
   يتبع
   ٧ شباط ٢٠١٦ 
                       للتواصل؛
E-mail: nhaidar@hotmail. com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/02/07



كتابة تعليق لموضوع : الطّاغِيَةُ كانَ قائِداً لِسِيرْك (2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net